الخميس ، ١٩ جمادى الأول ، ١٤٤٦ هجري | 21 نوفمبر 2024 ميلادي
الخلاف في إخراج زكاة الفطر نقودًا
وصف الخطبة : - ما أن تشرق علينا شمس العشر الأواخر من رمضان إلا ويكثر الكلام والجدال بين طلبة العلم في مسألة جواز إخراج القيمة في زكاة الفطر من عدم الجواز .

الخلاف في إخراج زكاة الفطر نقودًا 
وكتبه
د. محمود الحفناوي الأنصاري .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد:
ما أن تشرق علينا شمس العشر الأواخر من رمضان إلا ويكثر الكلام والجدال بين طلبة العلم في مسألة جواز إخراج القيمة في زكاة الفطر من عدم الجواز .
ففي هذا المقال أنقل كلام أهل العلم في المسألة قديمًا وحديثًا بشيء من التفصيل، ولا فضل لي في هذا المقال، إنما هو النقل فقط عن أهل العلم، ولست بعالم ولا طالب علم ، إنما أنا محب للعلم ومقلد لأهل العلم .
 اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك اللهم آمين .
أولًا: تنبيهات مهمة
1) هذه المسألة إحدى المسائل الخلافية، وأئمة السلف مختلفون في دفع القيمة في زكاة الفطر، قديمًا وحديثًا .
2) ترجيح هذا أو ذاك محل اجتهاد فلا يضلل المخالف أو يبدع .
3) والأصل في الاختلاف في مثل هذه المسألة أنه لا يفسد المودة بين المتنازعين ولا يوغر في صدورهم، فكل منهما محسن ولا تثريب على من انتهى إلى ما سمع .
4) وقد كان كثير من الأئمة يقولون في حديثهم عن المسائل الخلافية: " قولنا صواب يحتمل الخطأ، وقول غيرنا خطأ يحتمل الصواب " .
5) وقد تعلمنا من مشايخنا حفظهم الله تعالى أن المسائل الخلافية التي الخلاف فيها  سائغ معتبر لا يجوز الإنكار فيها على المخالف، وهذه المسألة من المسائل الخلافية، والخلاف فيها سائغ معتبر.
6) وتعلمنا من مشايخنا حفظهم الله تعالى أن المسألة التي فيها أكثر من قول لا نحمل الناس على قول بعينه ، ويجب علينا أن نبين للناس الأقوال التي في المسألة، ثم نبين للناس القول الراجح الذي رجحه العلماء في المسألة .
7) إن المسألة ليست من أصول الاعتقاد، ولا هي من كُبْرَيات المسائل التي يكون عليها معقد الولاء والبراء، فلا ينبغي فيها التعصب والتشديد على الناس ورمي المخالف والطعن في ديانته، أو في علمه وعقله، ولا تجاهل القول الذي لا يرتضيه الفقيه لأن هذا يلبس على العامة .
اختلف العلماء في اخراج القيمة في زكاة الفطر:
وسبب الخلاف يرجع إلى اختلاف حقيقة الزكاة أصلاً، هل هي عبادة وقربة محضة لله تعالى أم هي حق مترتب في مال الأغنياء للفقراء ؟
والذي يبدو والله أعلم أن الزكاة تحمل المعنيين، وهذا يستنبط من حديث ابن عباس قال: (فَرَضَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – زَكَاةَ الفِطرِ طُهرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعمَةً لِلمَسَاكِينِ)، فهي تُطهر الصائم، وهذه الناحية التعبدية ، وهي طُعمة للمساكين، وهي الناحية التي يتحقق فيها النفع للمسكين الآخذ.
ولأن المقصود من الزكاة إغناء الفقراء كما في قوله – صلى الله عليه وسلم – : (أغنوهم – يعني المساكين – في هذا اليوم). [ينظر: المجموع 6/111، بداية المجتهد 1/350، الإفصاح لابن هبيرة 1/350، المغني 4/43، مجموع الفتاوى 25/82، المحلى 6/80].
ثانيًا: الأقوال في المسألة
في المسألة خلاف مشهور، والعلماء في ذلك على أقوال؛ منها:
القول الأول: لا يجزئ إخراج القيمة في زكاة الفطر بل يجب إخراج الطعام، وهذا مذهب الجمهور؛ فهو مذهب الأئمة الثلاثة: مالك والشافعي وأحمد، كما هو مذهب ابن حزم الظاهري، فقال رحمه الله : " لا تجزئ قيمة أصلاً؛ لأن ذلك غير ما فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم ".
ولما سُئل الإمام أحمد عن إخراج المال قال: أخاف أن لا يُجزئه، فقالوا: إن الخليفة عمر بن عبد العزيز يرى إخراج المال؟ فقال: اتباع السنة أولى، نقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويقولون: قال فلان!
يُشير إلى حديث ابن عمر رضي الله عنهما: «فَرضَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم زَكَاةَ الفَطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ …«
وهو القول الراجح عند كثير من أهل العلم قديمًا وحديثًا ، وهو فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، وهم اتقى الناس وأخشى الناس لله رب العالمين.
وحجة القائلين بعدم إجزاء إخراج القيمة ما يلي:
 1)  حديث أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ – رضى الله عنه – قَالَ:  « كُنَّا نُعْطِيهَا فِى زَمَانِ النَّبِىِّ – صلى الله عليه وسلم – صَاعًا مِنْ طَعَامٍ ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ ، فَلَمَّا جَاءَ مُعَاوِيَةُ وَجَاءَتِ السَّمْرَاءُ قَالَ أُرَى مُدًّا مِنْ هَذَا يَعْدِلُ مُدَّيْنِ«  صحيح البخاري (1508) واللفظ له، صحيح مسلم (985)..
2) قالوا: إن هذا كحكاية الإجماع عن الصحابة رضي الله عنهم.
3) حديث ابن عمر -رضي الله عنه-: « فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ ، وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى ، وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاَةِ«  . رواه البخاري في صحيحه رقم 1503، وهو إخبار بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- فرض الزكاة هكذا.
4) حديث ابن عباس أنه فرضها طعمة فقال: «وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ« ، رواه أبو داود حديث رقم 1818، وهذا يعني أنها طعام.
وجه الدَّلالة من الأدلة السابق:
أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم فرَضَ صَدَقةَ الفِطرِ طُعمةً للمَساكينِ، فتعيَّنَ أن تكونَ طعامًا لا نقودًا  .
 عن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: قال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: ((مَن عَمِل عملًا ليس عليه أمرُنا، فهو ردٌّ  ))  رواه مسلم  .
أنَّ إخراجَ زكاةِ الفِطرِ مِن غَيرِ الطَّعامِ، مخالفٌ لأمرِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم؛ فيكونُ مردودًا غيرَ مَقبولٍ.
أولًا: أنَّ زكاةَ الفِطرِ عبادةٌ مَفروضةٌ مِن جِنسٍ معيَّنٍ، فلا يُجزِئُ إخراجُها مِن غَيرِ الجِنسِ المعيَّنِ، كما لو أخرَجَها في غيرِ وَقتِها المعيَّنِ .
ثانيًا: أنَّ الزَّكاةَ وجَبَت لِدَفعِ حاجةِ الفَقيرِ، وشكرًا لنِعمةِ المالِ، والحاجاتُ متنوِّعةٌ، فينبغي أن يتنوَّعَ الواجِبُ؛ ليصِلَ إلى الفَقيرِ مِن كلِّ نوعٍ ما تندفِعُ به حاجَتُه، ويحصُلُ شُكرُ النِّعمةِ بالمواساةِ مِن جِنسِ ما أنعَمَ اللهُ عليه به . [مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين - 18/284].
ثالثًا: أنَّ مُخرِجَ القِيمةِ قد عدل عن المنصوصِ، فلم يُجزِئْه، كما لو أخرَجَ الرَّديءَ مكانَ الجيِّدِ   [المغني لابن قدامة - 3/88]..
رابعًا: أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم فَرَضَها من أجناسٍ مختلفةِ القيمةِ مع اتِّفاقِها في المقدارِ، ولو كانت القيمةُ مُعتبرةً لاختلف المقدارُ باختلافِ الجِنسِ. [مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين - 18/279].
خامسًا: أنَّ إخراجَ صَدقةِ الفِطرِ مِن الدَّراهِمِ مَظِنَّةٌ لحصولِ الخَطأِ في تقديرِها؛ فقد يُخرِجُها بأقلَّ، فلا تبرَأُ ذِمَّتُه بذلك [مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين - 18/279]..
سادسًا: أنَّ في اعتبارِ القيمةِ إخراجًا للفِطرةِ عَن كَونِها شعيرةً ظاهرةً، إلى كونِها صدقةً خفيَّةً؛ فإنَّ إخراجَها صاعًا مِن طعامٍ يجعَلُها ظاهرةً بين المُسلمينَ، معلومةً للصَّغيرِ والكبيرِ، يُشاهِدونَ كَيلَها وتوزيعَها، ويتعارَفونَها بينهم، بخلافِ ما لو كانت دراهِمَ يُخرِجُها الإنسانُ خُفيةً بينه وبين الآخِذِ [مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين 20/394].) .
هذا هو القول الأول في المسألة بأدلته الشرعية وهو قول جمهور العلماء كما تقدم .
 القول الثاني: يجوز إخراج القيمة في “صدقة الفطر”:
وبه قال أبو حنيفة [انظر: بدائع الصنائع 2/230، الإفصاح لابن هبيرة 1/350، المغني 4/43، مجموع الفتاوى 25/82، وانظر: سنن الدارقطني 2/150]. 
وقد سُبِقَ أبو حنيفة إلى هذا القول، فهو ثابت عن عمر بن عبد العزيز، فقد رَوى ابن أبي شيبة عن عون قال: سمعت كتاب عمر بن عبد العزيز يُقرأ إلى عدي بالبصرة -وعدي هو الوالي-: يؤخذ من أهل الديوان من أعطياتهم من كل إنسان نصف درهم. أي: عن صدقة الفطر، [مصنف عبد الرزاق (5778)، وابن أبي شيبة (10368، 10369].
وهذا لم يكن مجرد رأي شخصي لعمر بن عبد العزيز، وإنما جعله أمراً عامّاً، وأمر واليه أن يأخذ من أهل ذلك البلد نصف درهم عن صدقة الفطر ولم يقع عليه اعتراض، والتابعون والأئمة حاضرون متوافرون، وعمر هو من العلماء المجتهدين.
وجاء عن الحسن البصري أنه قال: «لا بأس أن تعطِى الدراهم في صدقة الفطر«  [ أخرجه ابن أبي شيبة (10370)، وإسناده صحيح].
وقال أبو إسحاق السبيعي: «أدركتهم وهم يعطون في صدقة رمضان الدراهم بقيمة الطعام« [أخرجه ابن أبي شيبة (10371)، وإسناده صحيح] ، وكأن البخاري مال إلى هذا في صحيحه فقال: باب العرض في الزكاة، وأشار إلى ذلك.
وهذه المسألة من المسائل التي وافق فيها البخاري الحنفية، مع أن البخاري في الغالب يرد عليهم في صحيحه خصوصًا في التراجم، ولكنه في هذه المسألة وافقهم، قالوا: وإنما قاده إلى ذلك الدليل.
وهو مذهب الثوري،  [مختصر اختلاف العلماء 1/209، المجموع 5/429] وهؤلاء من سادة التابعين؛ ومنهم مَن يُخبر عن الناس في وقته، وليس يخبر عن رأيه فحسب، ولا يلزم أن يكون خبره عن الناس جميعاً، بل يكون عملاً مشهورًا معمولاً به. فلذا ذهب جماعة من العلماء إلى جواز إخراج صدقة الفطر مالاً.
وممن قوَّى هذا الرأي ونصره من المتأخرين: الشيخ مصطفى الزرقا، فإنه كتب بحثًا في كتاب «العقل والفقه في فهم الحديث النبوي» وطُبع في فتاويه بعد وفاته، وهو بحث مطول وأيَّد فيه القول بجواز إخراج المال في صدقة الفطر، وممن نصره أيضًا: الشيخ أحمد بن محمد بن الصِّدِّيق الغُمَاري في «تحقيق الآمال في إخراج زكاة الفطر بالمال ، [فتاوى مصطفى الزرقا (ص145) وما بعدها، تحقيق الآمال في إخراج زكاة الفطر بالمال].
ومن العلماء المعاصرين الذين يرون بجواز إخراجها قيمة الدكتور عبد الله المطلق عضو هيئة العلماء بالسعودية ، وكذلك الشيخ قيس المبارك عضو هيئة كبار العلماء السعودية، وكذلك غيرهم الكثير والكثير .
ويقول العالم الرباني الفقيه الأستاذ الدكتور . أحمد حطيبة حفظه الله تعالي : الأصل في زكاة الفطر أن تخرج طعامًا ،  وفي بعض الأحوال وبعض البلدان الأولى أن تخرج نقودًا إذا كانت حاجة الفقير أولى بذلك . 
ومن الأوجه التي يتعزَّز بها هذا القول ما يلي:
1)  أن الأحاديث الواردة كلها أحاديث فعلية، وليس فيها قول يمنع من إخراج القيمة في صدقة الفطر.
2) قالوا: ربما كانت القيمة أفضل للمعطي وأفضل للآخذ، وربما كان أيسر أيضاً للمعطي وللآخذ.
4) أن هذا الفعل كان عليه السلف في العصور الأولى، كما ثبت عن عمر بن عبد العزيز، وأبي إسحاق السبيعي، ولم يُنكر في ذلك العصر، فعدم إنكاره دليل على أن الأمر كان فيه سعة، فإن أخرج طعاماً فحسن، وإن أخرج مالاً فحسن.
4) أن معاذاً -رضي الله عنه- لما بعثه النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى اليمن كان يأخذ منهم القيمة في زكاة المال، فكان يأخذ بدل الحنطة والشعير القيمة، ويبعث بها إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- في المدينة، فهذا دليل على أنه يجوز أن يُخرج المال بدلًا من الطعام.
5) أن الأمر ليس تعبدياً محضًا لا يجوز الخروج عنه إلى غيره، وإنما هو أمر مصلحي واضح، أي: أن المقصود من صدقة الفطر منفعة الآخذ والباذل، ومنفعة الآخذ أولى، وإخراج القيمة- خصوصًا إذا طابت بها نفس المعطِي ونفس الآخذ، وأنه أحب إليهما معًا- يحقق مقصد الشرع في التوسعة على الناس، وفي تطهيرهم وفيما فيه تحقيق مصالحهم، وليس فيه ما يعارض نصاً ظاهراً.
6) أن الفقهاء اختلفوا في إخراج زكاة المال من العُروض أو إخراجها من المال، وفي هذه المسألة ثلاثة أقوال:
الأول: تخرج زكاة العُروض من العُروض.
الثاني: أنه يخرجها نقدًا ولا بدَّ.
الثالث: أنه مخيَّر بين إخراجها من العُروض أو نقدًا.
في هذا القول تخيير بين النقد وبين إخراجها من نفس المال، والأفضل هو الأحظ للفقراء، فلو علم أن الفقير سوف يشتري بهذا المال عُروضًا؛ كان الأفضل أن يعطيه عُروضًا؛ حتى يوفر عليه القيمة ويوفر عليه التعب، وإن علم أنه إن أعطى الفقير عُروضًا فإنه سوف يبيعها – وربما يُنقص قيمتها عند بيعها إلى نصف الثمن أو ثلثه – فيكون الأولى أن يُعطيه مالاً في هذه الحالة.
وقد رجَّح ابن تيمية في هذا أنه إذا كان ثمة حاجة ومصلحة فإنه يجوز إخراج المال عن العُروض.
قال “ابن تيمية” بعد أن ذكر الأقوال في إخراج القيمة في الزكاة : «والأظهر في هذا أن إخراج القيمة لغير حاجة، ولا مصلحة راجحة ممنوع منه، ولهذا قدَّر النبي -صلى الله عليه وسلم- الجبران بشاتين أو عشرين درهمًا، ولم يعدل إلى القيمة، ولأنه متى جوز إخراج القيمة مطلقاً، فقد يعدل المالك إلى أنواع رديئة، وقد يقع في التقويم ضرر، ولأن الزكاة مبناها على المواساة، وهذا معتبر في قدر المال وجنسه، وأما إخراج القيمة للحاجة أو المصلحة، أو العدل، فلا بأس به   [الفتاوى 25/82-83].
 – فيجوز أن يُخرجها ثياباً، ويجوز أن يُخرجها نقداً، لكن إن كان الفقير الذي تُعطيه الثياب سوف يبيع هذه الثياب ليأخذ النقد ويشتري به طعامًا فالأفضل أن تُعطيه نقدًا؛ لأنه أصلح له؛ لأنه سوف يبيع الثوب بأقل من قيمته حتى يحصل على النقد، أما إذا كان هذا الفقير سيلبس الثوب والثوب أنفع له من النقد، فيكون إعطاؤه الثياب أفضل. ([12])
فإذا كان هذا في زكاة المال وهي ركن من أركان الإسلام، وفرض بالاتفاق، ووجوبها أظهر وأمرها آكد؛ فأن يكون هذا سائغاً في زكاة الفطر من باب أولى.
7) ومما يُعزز هذا المعنى: أن يقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم جعل مما يُخرج -كما في حديث أبي سعيد- الشعير، فإذا جاز أن يُخرج الشعير فالذهب أولى بالجواز؛ لأنه أعظم منه قيمة، والشريعة جاءت بالعدل والميزان، وهذا من العدل والميزان.
8) ومن الأدلة التي تُقوي هذا أن الفقهاء عامة عدلوا عن الأصناف المذكورة في الحديث إلى ما يسمونه بقوت البلد، وهذا تجده عند الحنابلة والحنفية والشافعية والمالكية ممن لا يقولون بإخراج القيمة، فيقولون: له أن يُخرج من قوت البلد، فإذا كانت المسألة وقوفاً على النص فيلزمهم أن يقتصروا على ما ورد به النص، ولو لم يكن من قوت البلد وألا يجزئ عندهم إخراج القوت إذا كان من أصناف أخرى لم ينص عليه الحديث، أما إن كان الأمر يدور على رعاية المعنى والمقصد فحينئذ نقول: العدول عن قوت البلد مؤذن بأن الأمر فيه سعة، وأن المقصود إيصال الخير للمستحق سواء كان هذا الخير طعامًا أو غيره. 
[وهذا قول الحنابلة، وهو الجديد من قولي الشافعي، وهو ظاهر قول المالكية. وذهب الحنفية، وهو قول عند الشافعية إلى أنه مخير بين إخراج العروض أو إخراج القيمة (بدائع الصنائع 2 /21، بداية المجتهد 1 / 337 ، الحاوي الكبير 15/301، المجموع 6/27، الإفصاح 1/332، المغني 2/335، الشرح الكبير مع المغني 4/9، مجموع الفتاوى 25/82-83) ].
وهذا مصير منهم إلى التقييم والقيمة، لأنهم قوموا ما كان قوتاً في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ثم أخرجوا بدله.
للأمانة العلمية ذكرت القولين بشيء من التفصيل ،  والله أعلى وأعلم. 
أحوال الناس في الخلافات الفقهية
علمنا الخلاف في المسألة، والناس فيها كغيرها مِن المسائل على أنزاع ثلاثة: 
1) مجتهد ينظر في الأدلة ويستنبط.
2) طالب علم يمكن أن يكون له نظر في المسألة بعد الاطلاع على أقوال المجتهدين.
3) عامي يقلد أوثق مَن لديه؛ سواء لم يطق إلا أن يعرف الحكم بيجوز أو لا يجوز، أو عرف معه وجه استدلال مفتيه، وهو أفضل بلا شك.
وفي النهاية 
ما أدين به لربي وأعمل به في حياتي كلها أن زكاة الفطر تحرج طعامًا كما أحرجها النبي صلى الله عليه وسلم وكما أخرجها صحابته الكرام .
وأن إخراجها قيمة جائز، من أخرجها قيمة فلا ابدعه ولا افسقه ولا أقول لا تجزء عنك ، لكني انصحه باتباع السنة أولى وافضل هدي الهدي محمد صلى الله عليه وسلم .
والله أعلى وأعلم.
فإن كان في جمع وترتيب هذا المقال توفيق وسداد فهومن الله وحده ، وإن كان فيه من خطأ فهو من ومن الشيطان ، والله ورسوله منه براء .
اللهم تقبل منّا إنك أنت السميع العليم ، واغفر لنا إنك أنت الغفور الرحيم ، واجعله خالصًا لوجهك الكريم ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .