بيان خطورة الانتحار، والترهيب منه، وضرورة الإقلاع عنه، وبيان سبيل الوقاية والنجاة منه
سلسلة الخطب المقترحة رقم ((567))
الخطبة الثالثة من صفر لعام 1446 هـ
عنوان الخطبة ((ولا تقتلوا أنفسكم))
الهدف من الخطبة بيان خطورة الانتحار، والترهيب منه، وضرورة الإقلاع عنه، وبيان سبيل الوقاية والنجاة منه
عناصر الموضوع
1) نعمة الحياة.
2) كن ذا أمل.
3) حكم الانتحار
4) طرق العلاج
المقدمة: أما بعد، قال الله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29].
هذه الآية لها تفسيران كلاهما صحيح: الأول: "وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ"، أي لا يقتل بعضكم بعضًا، وهذا كقوله تعالى: {وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ} [الحجرات: 11]، أي لا يَعِب بعضكم بعضًا. والآخر: "وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ"، أي لا يقتل الإنسان نفسه، وهذا كقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التحريم: 6]، أي اجعلوا لذواتكم ولأهليكم وقاية من النار.
فقد نهى الله تعالى في الآية الكريمة عن أن يقتل المسلم نفسه، وعن أن يقتل المسلمون بعضهم بعضًا، فإنه فساد عظيم، لا يرضاه الله تعالى، إنه كان بنا رحيمًا، ومن رحمته أن شرع لنا ما ينفعنا وحرم علينا ما يضرنا، فحَرَّم علينا دمائنا وأموالنا وأعراضنا.
بين يدي الخطبة:
نعمة الحياة
إن الحياة هبة إلهية ومنحة ربانية، لا يملك التصرف فيها إلا واهبها جل وعلا، فكما أن خلق الجسد ونفخ الروح من أفعال الربوبية المحضة التي لا ينبغي أن ينازع فيها أحد، كذلك قبض الروح من شأن الله تعالى وحده.
إن الحياة ليست ملكية خاصة لنا نتصرف فيها كما نحب، بل هي وديعة وأمانة من الله تعالى، ونحن مستأمنون عليها، فمن تجاوز في حق الأمانة وحفظها فقد ظلم وخان.
إن هذه الحياة نعمة لمن جعلها سوقًا لتجارته الرابحة مع ربه سبحانه فيتزود فيها من الحسنات، فعَن أبي بكرةَ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ خيرٌ؟ قَالَ: «مَن طالَ عمُرُه وحسُنَ عَمَلُهُ»، قَالَ: فَأَيُّ النَّاسِ شَرٌّ؟ قَالَ: «مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَسَاءَ عَمَلُهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وصححه الألباني.
قَالَ الطِّيبِيُّ: إِنَّ الْأَوْقَاتِ وَالسَّاعَاتِ كَرَأْسِ الْمَالِ لِلتَّاجِرِ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَّجِرَ فِيمَا يَرْبَحُ فِيهِ، وَكُلَّمَا كَانَ رَأْسُ مَالِهِ كَثِيرًا كَانَ الرِّبْحُ أَكْثَرَ، فَمَنِ انْتَفَعَ مِنْ عُمُرِهِ بِأَنْ حَسُنَ عَمَلُهُ فَقَدْ فَازَ وَأَفْلَحَ، وَمَنْ أَضَاعَ رَأْسَ مَالِهِ لَمْ يَرْبَحْ وَخَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا. انْتَهَى من تحفة الأحوذي.
إن الحياة خلق من خلق الله تعالى الهدف منها الاختبار والابتلاء، قال تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ . الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك: 1، 2].
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: وَمَعْنَى الْآيَةِ: أَنَّهُ أَوْجَدَ الْخَلَائِقَ مِنَ الْعَدَمِ، لِيَبْلُوَهُمْ وَيَخْتَبِرَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا؟ انتهى.
ولا تخل الحياة من نكد وشدة، وبلاء وفتنة، قال عز وجل: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [الأنبياء: 35]، وقال تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ} [البلد: 4]، أي لقد خلقنا ابن آدم في شدّة وعناء ونصب يُكَابِدُ أَمْرًا بَعْدَ أَمْرٍ.
قال القرطبي رحمه الله: قَالَ الْحَسَنُ: يُكَابِدُ مَصَائِبَ الدُّنْيَا وَشَدَائِدَ الْآخِرَةِ. وَعَنْهُ أَيْضًا: يُكَابِدُ الشُّكْرَ عَلَى السَّرَّاءِ وَيُكَابِدُ الصَّبْرَ عَلَى الضَّرَّاءِ، لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِهِمَا. وَقَالَ يَمَانٌ: لَمْ يَخْلُقِ اللَّهُ خَلْقًا يُكَابِدُ مَا يُكَابِدُ ابْنُ آدَمَ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ أَضْعَفُ الْخَلْقِ. قَالَ عُلَمَاؤُنَا: أَوَّلُ مَا يُكَابِدُ قَطْعَ سُرَّتِهِ، ثُمَّ إذا قُمِطَ قِمَاطًا، وَشُدَّ رِبَاطًا، يُكَابِدُ الضِّيقَ وَالتَّعَبَ، ثُمَّ يُكَابِدُ الِارْتِضَاعَ، وَلَوْ فَاتَهُ لَضَاعَ، ثُمَّ يُكَابِدُ نَبْتَ أَسْنَانِهِ، وَتَحَرُّكَ لِسَانِهِ، ثُمَّ يُكَابِدُ الْفِطَامَ، الَّذِي هُوَ أَشَدُّ مِنَ اللِّطَامِ، ثُمَّ يُكَابِدُ الْخِتَانَ، وَالْأَوْجَاعَ وَالْأَحْزَانَ، ثُمَّ يُكَابِدُ الْمُعَلِّمَ وَصَوْلَتَهُ، وَالْمُؤَدِّبَ وَسِيَاسَتَهُ، وَالْأُسْتَاذَ وَهَيْبَتَهُ، ثُمَّ يُكَابِدُ شُغْلَ التَّزْوِيجِ وَالتَّعْجِيلَ فِيهِ، ثُمَّ يُكَابِدُ شُغْلَ الْأَوْلَادِ، وَالْخَدَمِ وَالْأَجْنَادِ، ثُمَّ يُكَابِدُ شُغْلَ الدُّورِ، وَبِنَاءِ الْقُصُورِ، ثُمَّ الْكِبَرَ وَالْهَرَمَ، وَضَعْفَ الرُّكْبَةِ وَالْقَدَمِ، فِي مَصَائِبَ يَكْثُرُ تَعْدَادُهَا، وَنَوَائِبَ يَطُولُ إِيرَادُهَا، مِنْ صُدَاعِ الرَّأْسِ، وَوَجَعِ الْأَضْرَاسِ، وَرَمَدِ الْعَيْنِ، وَغَمِّ الدَّيْنِ، وَوَجَعِ السِّنِّ، وَأَلَمِ الْأُذُنِ. وَيُكَابِدُ مِحَنًا فِي الْمَالِ وَالنَّفْسِ، مِثْلَ الضَّرْبِ وَالْحَبْسِ، وَلَا يَمْضِي عَلَيْهِ يَوْمٌ إِلَّا يُقَاسِي فِيهِ شِدَّةً، وَلَا يُكَابِدُ إِلَّا مَشَقَّةً، ثُمَّ الموت بعد ذلك كله، ثم مسألة الْمَلَكِ، وَضَغْطَةَ الْقَبْرِ وَظُلْمَتَهُ، ثُمَّ الْبَعْثَ وَالْعَرْضَ عَلَى اللَّهِ، إِلَى أَنْ يَسْتَقِرَّ بِهِ الْقَرَارُ، إِمَّا فِي الْجَنَّةِ وَإِمَّا فِي النَّارِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ، فَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ إِلَيْهِ لَمَّا اخْتَارَ هَذِهِ الشَّدَائِدَ. وَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ لَهُ خَالِقًا دَبَّرَهُ، وَقَضَى عَلَيْهِ بِهَذِهِ الْأَحْوَالِ، فَلْيَمْتَثِلْ أَمْرَهُ. انتهى.
هكذا هي الحياة، واللبيب من يحسن التصرف فيها على كدرها ونصبها، فالجميع فيها مبتلى، والبلاء عليهم درجات، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه أنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلَاءً؟ قَالَ: «الْأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ، يُبْتَلَى الْعَبْدُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ صُلْبًا، اشْتَدَّ بَلَاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ، ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَمَا يَبْرَحُ الْبَلَاءُ بِالْعَبْدِ، حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ، وَمَا عَلَيْهِ مِنْ خَطِيئَةٍ». رواه الترمذي وابن ماجه، وقال الألباني: حسن صحيح.
إن البلاء يُحْتَمَلُ بِعِظَمِ الرجاء، والفرج طريقُه الثقة بالله تعالى، والمؤمن الحق لا تزلزله المحن، ولا تهده المتاعب، بل يزيده ذلك عطاءً وبذلاً وتضحية، فالمؤمن له حال مع الله تبارك وتعالى في حال البلاء أو غيره، فعَنْ صُهَيْبٍ الرومي رضي الله عنه أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ». أخرجه مسلم.
كن ذا أمل
إن الإيمان يولد التفاؤل والأمل، والأمل مهم في الحياة، وإلا فما الذي يدفع المزارع إلى الكد والتعب إلا الأمل في الحصاد؟ وما الذي يغري التاجر بالأسفار والمخاطر إلا الأمل في الربح؟ وما الذي يبعث الطالب على الجد والمثابرة إلا الأمل في النجاح؟ وما الذي يحمل المريض على تعاطي الدواء المر إلا الأمل في الشفاء؟ وما الذي يدعو المؤمن إلى أن يخالف طبيعته وهواه ويتحمل المشاق في هذه الدنيا إلا الأمل في الفوز برضا الله تعالى والجنة، فهذا الأمل هو الذي يهون هذه الصعاب، فهو دافع النشاط ومخفف الويلات وباعث البهجة: فما أضيق العيش لولا فسحة الأمل.
إن اليأس عدو الحياة، فإذا يأس الطالب من النجاح نفر من المذاكرة والكتاب، ولم تنفعه الدروس والمدرسة إلا مع الأمل، وإذا يأس المريض من الشفاء كره الدواء، ولم يعد يجديه العلاج إلا أن مع الأمل، إن اليأس إذا سيطر على إنسان اسودت الدنيا في وجهه، وأظلمت الحياة في عينيه، وأغلقت أمامه أبوابها، وتقطعت دونه أسبابها، وضاقت عليه بما رحبت، فاليأس سم بطيء لروح الإنسان، وإعصار مدمر لنشاطه.
إن اليأس ملازم للكفر، كما أن الأمل ملازم للإيمان، قال تعالى: {إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف:87]، فالكافر مع كل مصيبة يسخط ويقنط، أما المؤمن فبخلاف ذلك، فإنه لو خسر في تجارة، أو رسب في دراسة، أو فشل في شيء فإنه لا ييأس ولا يقنط؛ لأن أمله في الله لا ينقطع، لأن المؤمن يؤمن بأن له إلهًا رحيمًا قديرًا يجيب المضطر إذا دعاه، ويكشف السوء، ويمنح الجزيل، ويغفر الذنوب، ويقبل التوبة، ويعفو عن السيئات، أرحم بعبده من الوالدة بولدها، وأبر بخلقه من أنفسهم، يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، يفرح بتوبة عبده أشد من فرحة من أضل شيئاً إذا وجد ضالته، والغائب إذا وفد، والظمآن إذا ورد، إلهًا يجزي الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف ويزيد، ويجزي السيئة بمثلها أو يعفو، إلهًا يدعو المعرض عنه من قريب، ويتلقى المقبل عليه من بعيد، ويقول: «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي، إِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ، ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ، ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ هُمْ خَيْرٌ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْرًا، تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا، تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً». أخرجه البخاري ومسلم، إلهًا يداول الأيام بين الناس؛ فيبدل من بعد الخوف أمناً ومن بعد الضعف قوة، ويجعل من كل ضيق فرجاً، ومن كل هم مخرجاً ومع كل عسر يسراً، فلذلك يأمل المؤمن فيه.
هذا مبعث الأمل وهذا هو السر: الاعتصام بالإله البر الرءوف الرحيم العزيز الكريم الفعال لما يريد.
إن المؤمن يعيش ويحيا على أمل لا حد له، إنه متفائل دائماً، ينظر إلى الحياة بنظرة مختلفة عن نظرة البعيد الكافر.
إن المؤمن إذا جاهد فهو على حسن ظن بالله أنه سينصره، {إِنَّهُمْ لَهُمْ الْمَنصُورُونَ . وَإِنَّ جُندَنَا لَهُم الْغَالِبُونَ} [الصافات: 172 - 173]، وإذا جاع فهو على حسن ظن بالله أنه سيطعمه ويسقيه، وإذا مرض فهو على حسن ظن بالله أنه سيعافيه، {الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ . وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ . وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} [الشعراء: 78 - 80]، وإذا اقترف ذنبًا فإنه يتوب ويطلب من الله المغفرة، ومهما كان الذنب عظيماً فإن عفو الله أعظم، {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53]، والمؤمن إذا أعسر وضاقت ذات يده أمَّل في الله ولم يزل إيمانه فيه عظيمًا، {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً . إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً} [الشرح: 5 - 6]، وهذه قاعدة عظيمة في حياة المؤمن، إن مع العسر يسرًا، ولن يغلب عسرٌ يسرين ولو دخل العسر جحرًا لدخل اليسر حتى يخرجه، والمؤمن إذا انتابته كارثة أو حلت به المصيبة؛ فإن أمله في الله ما زال موجوداً. وقد يقال: كيف يكون الأمل موجوداً والولد قد مات؟ البيت قد احترق؟ المال قد ذهب؟ التجارة قد كسدت؟ الزراعة قد بارت؟ الفرصة قد ضاعت؟ وما شابه ذلك مما يبتلى به الناس.
إن الأمل موجود في رجاء الأجر على احتساب المصيبة بالصبر، وأن الله تعالى سيخلف عليه خيرًا منها.
إن التفكير في الانتحار بقصد التخلص من مشاكل الحياة ليس حلاً، ولا علاجًا، ولا فرجًا، كما يزين الشيطان لبعضهم، ويسول لهم؛ بل هو تعجل لعذاب الله عز وجل، فلا يجوز الإقدام على قتل النفس والانتحار لأي سبب من الأسباب، ومهما كانت نية صاحبه، فبعض الناس يسول له الشيطان أن الانتحار هو السبيل الوحيد للخلاص مما هو فيه، ولكن كيف يقدم عليه وهو أمر منكر فظيع وعواقبه وخيمة أليمة؟! فيزين له الشيطان أن هذه ضرورة، وأن الضرورات تبيح المحظورات، وأنه مضطر لهذا، ونحو ذلك من وساوس الشياطين؛ وبعضهم يزين له الشيطان أن الانتحار هو سبيل الخلاص من فعل المعاصي، وترك المنكرات، والهروب من الفواحش، فالانتحار هو ارتكاب أخف الضررين من وجهة نظره! ولا ريب لعاقل أن مثل هذه الوساوس هي من القياس الباطل، والتفكير السقيم، فلا يجوز الانتحار في شريعتنا ألبتة، ولو كان هروبًا أو تخلصًا من فتنة الشبهات أو فتنة الشهوات أو من كثرة الفتن، فضلاً عن أن يكون بسبب بلاءٍ نزل به أو ألَمٍ أَلَمَ به أو مشكلةٍ أصابته، أو مصيبةٍ أحلت به، أو نحو ذلك؛ فإن المنتحر كالمستجير من الرمضاء بالنار، فإن الانتحار من سوء الخاتمة، وسوء الخاتمة تعقبها الندامة، فاحذروا وساوس الشياطين، قال تعالى: (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)، وقال سبحانه: (إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا . لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا . وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا . يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا)، وقال جل علا: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ)، وقال عز وجل: (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).
حكم الانتحار [على الخطيب أن يراعي فقه المصالح والمفاسد في عرض مثل هذا]
إن من ضروريات شريعتنا، وأصولها الكلية: حفظ النفس، قال الله سبحانه وتعالى: (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)، وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: النَّفْسُ بِالنَّفْسِ وَالثَّيِّبُ الزَّانِي وَالْمَارِقُ لدينِهِ التَّارِكُ للجماعةِ". متفق عليه.
إن من شريعتنا إباحة أكل الميتة للمضطر إذا خاف هلاك نفسه، وتحريم إلقاء النفس إلى التهلكة، وذلك حفاظًا عليها وصيانة لها، قال تعالى: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا . وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا).
إن التشريع الرباني جعل مصير المنتحر مخيفًا، ورهيبًا ومرعبًا، وأخطر ما فيه أنه ليس فيه خط رجعة، ولا يستطيع العودة إلى الحياة لقد كانت له فرصة لكنه ضيَّعها.
عَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ رضي الله عنه أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ فِي الدُّنْيَا عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». متفق عليه، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهَا خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا وَمَنْ تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جهنَّمَ خَالِدا مخلَّداً فِيهَا أبدا». متفق عليه.
وَعَنْهُ رضي الله عنه أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الَّذِي يَخْنُقُ نَفْسَهُ يَخْنُقُهَا فِي النَّارِ وَالَّذِي يَطْعَنُهَا يَطْعَنُهَا فِي النَّارِ». رَوَاهُ البُخَارِيّ.
إن الأمر خطير، وقد لا تشفع أعمال العبد له في مغفرة جرم وكبيرة الانتحار، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أنه قَالَ: شَهِدْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُنَيْنًا، فَقَالَ لِرَجُلٍ مِمَّنْ يُدْعَى بِالْإِسْلَامِ: «هَذَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ»، فَلَمَّا حَضَرْنَا الْقِتَالَ قَاتَلَ الرَّجُلُ قِتَالًا شَدِيدًا فَأَصَابَتْهُ جِرَاحَةٌ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ الرَّجُلُ الَّذي قُلْتَ لَهُ آنِفًا: «إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ» فَإِنَّهُ قَاتَلَ الْيَوْمَ قِتَالًا شَدِيدًا، وَقَدْ مَاتَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِلَى النَّارِ»، فَكَادَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَرْتَابَ، فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ إِذْ قِيلَ: إِنَّهُ لَمْ يَمُتْ، وَلَكِنَّ بِهِ جِرَاحًا شَدِيدًا، فَلَمَّا كَانَ مِنَ اللَّيْلِ لَمْ يَصْبِرْ عَلَى الْجِرَاحِ، فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَأُخْبِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ، فَقَالَ: «اللهُ أَكْبُرُ، أَشْهَدُ أَنِّي عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ»، ثُمَّ أَمَرَ بِلَالًا فَنَادَى فِي النَّاسِ: «أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ، وَأَنَّ اللهَ يُؤَيِّدُ هَذَا الدِّينَ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ». رواه البخاري ومسلم، وعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَقَى هُوَ وَالمُشْرِكُونَ، فَاقْتَتَلُوا، فَلَمَّا مَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عَسْكَرِهِ، وَمَالَ الآخَرُونَ إِلَى عَسْكَرِهِمْ، وَفِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ، لاَ يَدَعُ لَهُمْ شَاذَّةً وَلاَ فَاذَّةً إِلَّا اتَّبَعَهَا يَضْرِبُهَا بِسَيْفِهِ، فَقَالَ: مَا أَجْزَأَ مِنَّا اليَوْمَ أَحَدٌ كَمَا أَجْزَأَ فُلاَنٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَا إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ»، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: أَنَا صَاحِبُهُ، قَالَ: فَخَرَجَ مَعَهُ كُلَّمَا وَقَفَ وَقَفَ مَعَهُ، وَإِذَا أَسْرَعَ أَسْرَعَ مَعَهُ، قَالَ: فَجُرِحَ الرَّجُلُ جُرْحًا شَدِيدًا، فَاسْتَعْجَلَ المَوْتَ، فَوَضَعَ نَصْلَ سَيْفِهِ بِالأَرْضِ، وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَى سَيْفِهِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَخَرَجَ الرَّجُلُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، قَالَ: «وَمَا ذَاكَ؟» قَالَ: الرَّجُلُ الَّذِي ذَكَرْتَ آنِفًا أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَأَعْظَمَ النَّاسُ ذَلِكَ، فَقُلْتُ: أَنَا لَكُمْ بِهِ، فَخَرَجْتُ فِي طَلَبِهِ، ثُمَّ جُرِحَ جُرْحًا شَدِيدًا، فَاسْتَعْجَلَ المَوْتَ، فَوَضَعَ نَصْلَ سَيْفِهِ فِي الأَرْضِ وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَيْهِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الجَنَّةِ، فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ، فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ». رواه البخاري ومسلم.
وَعَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدُ اللَّهِ رضي الله عنه أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ بِهِ جُرْحٌ فجزِعَ فأخذَ سكيّناً فحزَّ بِهَا يَدَهُ فَمَا رَقَأَ الدَّمُ حَتَّى مَاتَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: بَادَرَنِي عَبْدِي بِنَفْسِهِ فَحَرَّمْتُ عَلَيْهِ الْجنَّة". متفق عليه.
- هل الانتحار كفر، وهل قاتل نفسه كافر؟
لا خلاف في أن من قتل نفسه متعمدًا ساءت خاتمته، وإنما يختلف في درجة ذلك، فهل يكفر كفرًا يخرجه من الملة بمجرد قتل نفسه، فيثبت عليه الأحكام المترتبة على ذلك، من عدم تغسيله، وتكفينه، والصلاة عليه، ودفنه في مقابر المسلمين، والترحم عليه، وإرثه، ونحو ذلك من الأحكام، ثم الخلود في النار عياذا بالله؟ أم هو كفر دون كفر وكبيرة من أكبر الكبائر، فلا يخرجه من الملة، ولا يترتب في حقه تلك الأحكام، وهو تحت مشيئة الله تعالى؟
يلزم التفصيل في حال من قتل نفسه متعمدًا –المنتحر-، فينظر في سبب ذلك، هل هذا السبب مما يكفر به العبد ولو لم يقتل نفسه، أم هو مما لا يكفر به العبد؟
وخلاصة ذلك: أن مجرد قتل النفس ليس كفرًا مخرجًا من الملة لذاته، وإنما قد يكفر لغيره إذا ألحق به؛ فمن قتل نفسه استحلالاً لذلك، أو أعتقد أنه يملك نفسه، أو أنه حر فيها، ومن حقه أن يختار الطريقة التي يموت عليها، ونحو ذلك؛ أو أنه انتحر اعتراضًا على أقدار الله، أو تسخطًا منها، ونحو هذا فقد كفر كفرًا مخرجًا من الملة، ويترتب عليه أحكام ذلك، مع مراعاة ما كان من المعلوم من الدين بالضرورة كفر فاعله، وغيره؛ فإن غير المعلوم من الدين بالضرورة كفر فاعله لا يُجزم فيه بكفر عين فاعله، بل نجزم بأن ما فعله كفرًا (كفر نوع)، والذي إن كان فاعله حيًا احتاج إلى إقامة الحجة، من استيفاء الشروط وانتفاء الموانع، أما إن كان ميتًا كمن قتل نفسه فإنه يتعذر فيه ذلك، فلا نجزم بكفر عينه، لعدم إقامة الحجة عليه.
أما من قتل نفسه بغير اعتقاد كفر، كمن من مات له أحد فقتل نفسه لحوقًا به، أو هروبًا من دَين عجز عن قضائه، أو تخلصًا من ألم مرض أو وجع، فهذا لا يكفر الكفر الأكبر المخرج من الملة، بل هو مرتكب لكبيرة من أكبر الكبائر، فهو في مشيئة الله تعالى إن شاء غفر له وإن شاء عذبه.
وإنما تم التفصيل على هذا النحو، لأنه مات موحدًا يشهد الشهادتين، ولأحاديث الشفاعة في أهل الكبائر، ولأن النبي صلى الله عليه وسلمَ، دعا لبعض هؤلاء، ولم يمنع الصحابة من الصلاة على بعضهم، فعَنْ جَابِرٍ بن عبدالله رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ، هَاجَرَ إِلَيْهِ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو وَهَاجَرَ مَعَهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ، فَاجْتَوَوُا الْمَدِينَةَ، فَمَرِضَ، فَجَزِعَ، فَأَخَذَ مَشَاقِصَ لَهُ، فَقَطَعَ بِهَا بَرَاجِمَهُ، فَشَخَبَتْ يَدَاهُ حَتَّى مَاتَ، فَرَآهُ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو فِي مَنَامِهِ، فَرَآهُ وَهَيْئَتُهُ حَسَنَةٌ، وَرَآهُ مُغَطِّيًا يَدَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: مَا صَنَعَ بِكَ رَبُّكَ؟ فَقَالَ: غَفَرَ لِي بِهِجْرَتِي إِلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: مَا لِي أَرَاكَ مُغَطِّيًا يَدَيْكَ؟ قَالَ: قِيلَ لِي: لَنْ نُصْلِحَ مِنْكَ مَا أَفْسَدْتَ، فَقَصَّهَا الطُّفَيْلُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللهُمَّ وَلِيَدَيْهِ فَاغْفِرْ» رَوَاهُ مُسلم، وعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا كَانَتْ بِهِ جِرَاحَةٌ فَأَتَى قَرْنًا لَهُ فَأَخَذَ مِشْقَصًا فَذَبَحَ بِهِ نَفْسَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم. رواه ابن حبان وصححه الألباني.
قال النووي: وفي هذا الحديث دليل لمن يقول: لا يصلى على قاتل نفسه لعصيانه, وهذا مذهب عمر بن عبد العزيز والأوزاعي, وقال الحسن والنخعي وقتادة ومالك وأبو حنيفة والشافعي وجماهير العلماء: يصلى عليه, وأجابوا عن هذا الحديث بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل عليه بنفسه زجرًا للناس عن مثل فعله, وصلت عليه الصحابة. انتهى.
طرق العلاج
إن الانتحار يبدأ بسيل من الأفكار الفاسدة المتوالية السريعة التي تسيطر على كيان الإنسان وعقله، فلا يرى سبيلاً للخلاص إلا في الاستسلام لها، والعجز عن مقاومتها، حيث إنها قد حاصرته حتى انهزم وانقاد لها؛ فعلى من داهمته تلك الأفكار أن يقف وقفة ولابد ليراجع فيها نفسه، وحساباته، ومواقفه، قبل فوات الأوان.
إن بعض الأمراض وإن كان لا يُعرف لها علاجًا، أو يقال عنها: طريق الموت البطيء، إلا أن صاحبها أحسن حالاً ممن يفكر أو يقدم على الانتحار، فإنه مريض مرضًا بالغ الخطورة وينتقل منه لما هو أسوأ، فيتعجل موته بسوء الخاتمة، لذا فإنه يحتاج إلى برنامج علاجي شامل عاجل، وهذه بعض الإرشادات والنصائح والحلول النافعة في هذا الشأن إن شاء الله تعالى:
1- الإيمان بالله تعالى: قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97].
2- الإيمان بالقدر: قال تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ . لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ} [الحديد: 22، 23]، وعَنِ ابْنِ الدَّيْلَمِيِّ أنه قَالَ: أَتَيْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ، فَقُلْتُ: لَهُ وَقَعَ فِي نَفْسِي شَيْءٌ مِنَ الْقَدَرِ، فَحَدِّثْنِي بِشَيْءٍ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُذْهِبَهُ مِنْ قَلْبِي، قَالَ: «لَوْ أَنَّ اللَّهَ عَذَّبَ أَهْلَ سَمَاوَاتِهِ وَأَهْلَ أَرْضِهِ عَذَّبَهُمْ وَهُوَ غَيْرُ ظَالِمٍ لَهُمْ، وَلَوْ رَحِمَهُمْ كَانَتْ رَحْمَتُهُ خَيْرًا لَهُمْ مِنْ أَعْمَالِهِمْ، وَلَوْ أَنْفَقْتَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا قَبِلَهُ اللَّهُ مِنْكَ حَتَّى تُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ، وَتَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ، وَأَنَّ مَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ، وَلَوْ مُتَّ عَلَى غَيْرِ هَذَا لَدَخَلْتَ النَّارَ»، قَالَ: ثُمَّ أَتَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، قَالَ: ثُمَّ أَتَيْتُ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ، فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، قَالَ: ثُمَّ أَتَيْتُ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ فَحَدَّثَنِي عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ ذَلِكَ. أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه وصححه الألباني.
الإيمان بالقدر يجعل الإنسان يمضي في حياته على منهج سواء، لا تبطره النعمة، ولا تيئسه المصيبة، فهو يعلم أن كل ما أصابه بقدر الله، فإذا أصاب العبد الضراء والبلاء علم أن هذا بتقدير الله ابتلاء منه، فلا يجزع ولا ييأس، بل يحتسب ويصبر، فيكسب هذا الإيمان في قلب العبد المؤمن الرضا والطمأنينة وراحة النفس، وطرد القلق وعدم الضجر عند فوات المحبوب أو حصول المكروه، لأنه أدرك أن كل شيء بقضاء الله وقدره.
3- معرفة الغاية التي خلقنا الله من أجلها: قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، فإن الله لم يخلقنا هملاً، ولم يتركنا سدى، بل خلقنا لغاية نبيلة لنحققها، وهي عبادته وحده سبحانه، فمن عقل ذلك وعمل بها اهتدى ونجا، ومن غفل عن ذلك ذل وغوى.
4- تقوى الله والتوكل عليه وتفويض الأمر إليه: قال الله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا . وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 2، 3]، وقال سبحانه: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} [الطلاق: 4]، وقال تبارك وتعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} [الزمر: 36]، وقال عن المؤمن: {وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ} [غافر: 44].
5- الصلاة: قال تعالى: {إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا . إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا . وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا . إِلَّا الْمُصَلِّينَ . الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ} [المعارج: 19 - 23]، وَعَن سَالم بن أبي الْجَعْد أنه قَالَ: قَالَ رَجُلٌ مِنْ خُزَاعَةَ: لَيْتَنِي صَلَّيْتُ فَاسْتَرَحْتُ فَكَأَنَّهُمْ عَابُوا ذَلِكَ عَلَيْهِ فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول: «أَقِمِ الصَّلَاةَ يَا بِلَالُ أَرِحْنَا بِهَا». رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وصححه الألباني.
6- الصبر والرضا: فالحياة دار ابتلاء، يبتلي الله عز وجل الناس فيها بالخير والشر، وعلى المؤمن أن يصبر على البلاء ليحصل على خير الدنيا والآخرة، فمن كان مؤمناً بالله تعالى وبقضائه وقدره ولقائه، موقناً بوعده ووعيده، فلا شك أنه سيرضى بما قدر الله ويسلم، ويحمد الله تعالى في السراء والضراء، ويتعبد في كل حالة بما يناسبها من شكر على ما أعطي، وصبر على ما ابتلي، مع العلم أنه لا مفر من الله إلا إليه، ولا منجى ولا ملجأ إلا إليه، ولا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، ولا راد لما قضى سبحانه وتعالى، بهذه العقيدة، وبهذا التصور للحياة يتلقى المؤمن أمور الحياة بصدر رحب، وترد على قلبه برداً وسلاماً، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ». رواه مسلم، وقد مدح الله الصابرين: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ . الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ . أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة: 155 - 157].
7- مواساة النفس: بأن يعلم أن البلاء سنة كونية، وأنه يوشك أن يرفع، وأن يعلم أنه ليس وحده المبتلى، وأن غيره أشد بلاء منه.
8- التفكر في سعة رحمة الله: قال تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْء} [الأعراف: 156]، وعن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «جَعَلَ اللهُ الرَّحْمَةَ مِائَةَ جُزْءٍ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ وَأَنْزَلَ فِي الْأَرْضِ جُزْءًا وَاحِدًا، فَمِنْ ذَلِكَ الْجُزْءِ تَتَرَاحَمُ الْخَلَائِقُ، حَتَّى تَرْفَعَ الدَّابَّةُ حَافِرَهَا عَنْ وَلَدِهَا، خَشْيَةَ أَنْ تُصِيبَهُ». رواه البخاري ومسل
9- الدعاء: لا يكشف الضر إلا الله، ولا يرد البلاء إلا الدعاء، فيكثر العبد من دعاء الله تعالى وسؤاله، والإلحاح عليه، مع التماس أوقات وأحوال الإجابة، فيدعو ربه بما أراد، لا سيما بأدعية كشف الهم والغم والحزن والكرب، قال تعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُون} [النمل: 62]، وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الدُّعَاءَ يَنْفَعُ مِمَّا نَزَلَ وَمِمَّا لَمْ يَنْزِلْ فَعَلَيْكُمْ عِبَادَ اللَّهِ بِالدُّعَاءِ». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وحسنه الألباني، وَعَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَرُدُّ الْقَضَاءَ إِلَّا الدُّعَاءُ وَلَا يَزِيدُ فِي الْعُمْرِ إِلَّا الْبر». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وحسنه الألباني، وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الْكَرْبِ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيم» متفق عليه، وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دَعَوَاتُ الْمَكْرُوبِ اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو فَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وحسنه الألباني، وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلَّم: "مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلَا حَزَنٌ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، ابْنُ عَبْدِكَ، ابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ, سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ اسْتَأثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي، إِلَّا أَذْهَبَ اللهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ، وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَحاً"، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلَا نَتَعَلَّمُهَا؟ , فَقَالَ: "بَلَى، يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا". رواه أحمد وصححه الألباني، وعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أنها قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا أُعَلِّمُكِ كَلِمَاتٍ تَقُولِينَهُنَّ عِنْدَ الْكَرْبِ -أَوْ فِي الْكَرْبِ-؟ أَللَّهُ أَللَّهُ رَبِّي لَا أُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا». رواه أبو داود وابن ماجه وصححه الألباني، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَتَمَنَّى أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ إِمَّا مُحْسِنًا فَلَعَلَّهُ أَنْ يَزْدَادَ خَيْرًا وَإِمَّا مُسِيئًا فَلَعَلَّهُ أَنْ يستعتب». رَوَاهُ البُخَارِيّ، وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ مِنْ ضُرٍّ أَصَابَهُ فَإِنْ كَانَ لابد فَاعِلًا فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتِ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيْرًا لي". متفق عليه.
10- بث روح الأمل التفاؤل، والرجاء وحسن الظن بالله، وطرد اليأس: فإن بعد العسر يسرًا، وبعد الضيق فرجًا، وبعد الحزن فرحًا، فلا تظن أن الحياة قد توقفت، قال تعالى: {سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} [الطلاق: 7]، وقال سبحانه: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا . إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: 5، 6]، وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "وَاعْلَمْ أنَّ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُ خَيْرًا كَثِيرًا، وَأَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا". رواه أحمد وصححه الألباني.
11- محاسبة النفس بهدوء: أن يقف مع نفسه وقفة ويسألها مثلاً: لماذا الحزن والاكتئاب؟ ما أسباب ذلك؟ وما العلاج؟ وماذا بعد الانتحار؟ وهل تعرف النفس أنها مخلوقة ولها رب يدبر أحوالها، فتلجأ إليه؟ وهل تعرفت على ربها كما ينبغي؟ وماذا تعرف عن الربوبية وأفعال الله وتقديره وقدرته؟
12- تحديد الأهداف النافعة: حدد هدفًا نبيلاً لحياتك، واملأ فراغك، لا تعش فارغًا، أو لاهيًا لاعبًا ناسيًا؛ فإنه لا ينبغي للعبد أن يعيش بلا هدف، بل لابد أن يحدد هدفًا يسعى لتحقيقه وإنجازه، على أن يكون الهدف مشروعًا مرضيًا لله تعالى.
13- حسن اختيار الصحبة، وضبط مناخ الحياة: لابد من تغيير مناخ وطبيعة الحياة، وتنقيتها من كل ما يشوبها سواء كانت صحبة فاسدة فيستبدلها بصحبة صالحة، أو عمل سيء، فيتركه ويستبدله بعمل صالح، أو بيئة فاسدة فيتركها، لبيئة صالحة، وهكذا.
14- الخروج من دائرة الوهم إلى الحقيقة: لابد من إدارك الأمور على الحقيقة بلا تزييف أو تغيير أو تحريف، فيكون الإنسان واقعيًا، حتى يكون حكمه على الأشياء صحيحًا، فيتعامل مع واقعه معاملة صحيحة.
15- التداوي بالمشروع: لا شك أن التفكير في الانتحار أو الإقدام عليه أخطر من الأمراض المزمنة، فيحتاج صاحبه إلى علاج قبل فوات الأوان، وذلك بقراءة الرقية الشرعية مرارًا، واستعمال الأدوية النافعة إن كان يعاني من مرض ما، نفسي أو عضوي.
16- الاختلاط بالصالحين والحديث معهم، وترك العزلة والابتعاد عن مظان الوحدة والوحشة.
17- معرفة المصير والعاقبة والفرق بين حسن الخاتمة وسوء الخاتمة، فالمنتحر عدو نفسه، ولا يضر إلا نفسه، ويغلق في وجهه سبل نيل رحمة الله ورضوانه وجناته، حيث يقضي على الفرصة الوحيدة لذلك، وليته يستريح كما يظن، بل يخرج من ألم أصابه في الدنيا إلى عذاب أليم لا ينتهي في الآخرة، فلا يمكنه الرجوع فيستعتب، ولا العودة فيتوب، بل يلاقي الحساب والعذاب على ما قدمت يداه من قتل نفسه، وسوء خاتمته، فعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أنها قَالَتْ: جَاءَ بِلَالٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَاتَتْ فُلَانَةُ وَاسْتَرَاحَتْ، فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: «إِنَّمَا يَسْتَرِيحُ مَنْ دَخَلَ الْجَنَّةَ»، وفي رواية: «إِنَّمَا يَسْتَرِيحُ مَنْ غُفِرَ لَهُ». أخرجه أحمد وحسنه الألباني..
مع تحيات
اللجنة العلمية لملتقى الخطيب المؤثر أسد المنابر