الخميس ، ١٩ جمادى الأول ، ١٤٤٦ هجري | 21 نوفمبر 2024 ميلادي
آثار الذنوب والمعاصى
وصف الخطبة : -

(وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ . إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ)،


سلسة الخطب المقترحة رقم ((566))

الخطبة الثانية من شهر صفر 1446 هـ

بعنوان : ((آثار الذنوب والمعاصى )) ..................

مدخل الموضوع قال تعالى:

(وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ . إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ)،

.

عناصر الموضوع

1- آثار الذنوب والمعاصى على قلب العبد .

2- آثار الذنوب والمعاصى على دين العبد.

3- آثار الذنوب والمعاصى على العبد في دنياه.

4- آثار الذنوب والمعاصى على المجتمع.

5- مداومة التوبة من الذنوب والمعاصي .

آثار الذنوب والمعاصى

بين يدي الخطبة:

قال ابن القيم "فما الذي أخرج الأبوين من الجنة، دار اللذة، والنعيم، والبهجة، والسرور، إلى دار الآلام، والأحزان، والمصائب ؟

وما الذي أخرج إبليس من ملكوت السماء وطرده، ولعنه، ومسخ ظاهره وباطنه، فجعل صورته أقبح صورة وأشنعها، وباطنه أقبح من صورته وأشنع، وبُدِّل بالقرب بُعداً، وبالرحمة لعنة، وبالجمال قبحاً، وبالجنة ناراً تلظّى، وبالإيمان كفراً ؟

وما الذي أغرق أهل الأرض كلهم حتى علا الماءُ فوق رؤوس الجبال ؟

وما الذي سلّط الريح على قوم عاد حتى ألقتهم موتى على وجه الأرض كأنهم أعجاز نخل خاوية، ودمّرت ما مرّت عليه من ديارهم وحروثهم وزروعهم ودوابّهم، حتى صاروا عبرة للأمم إلى يوم القيامة ؟

وما الذي أرسل على قوم ثمود الصيحة حتى قطّعت قلوبهم في أجوافهم وماتوا عن آخرهم ؟

وما الذي رفع قرى اللوطية حتى سمعت الملائكة نبيح كلابهم، ثم قلبها عليهم فجعل عاليها سافلها، فأهلكهم جميعاً، ثم أتبعهم حجارة من السماء أمطرها عليهم، فجمع عليهم من العقوبة ما لم يجمعه على أمة غيرهم، ولإخوانهم أمثالها، وما هي من الظالمين ببعيد ؟

وما الذي أرسل على قوم شعيب سحاب العذاب كالظلل، فلما صار فوق رؤوسهم أمطر عليهم ناراً تلظّى ؟

وما الذي أغرق فرعون وقومه في البحر، ثم نُقلت أرواحهم إلى جهنم: فالأجساد للغرق، والأرواح للحرق ؟

وما الذي خسف بقارون، وداره، وماله، وأهله؟

وما الذي أهلك القرون من بعد نوح بأنواع العقوبات ودمرَّها تدميراً ؟

وما الذي أهلك قوم صاحب يس بالصيحة حتى خمدوا عن آخرهم؟" اهـ من الجواب الكافي

إنها الذنوب والمعاصى المهلكات.

آثار الذنوب على قلب العبد :

1- الوحشة والظلمة في القلب: قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: إن للحسنة ضياء في الوجه، ونورا في القلب، وسعة في الرزق، وقوة في البدن، ومحبة في قلوب الخلق، وإن للسيئة سوادا في الوجه، وظلمة في القلب، ووهنا في البدن، ونقصا في الرزق، وبغضة في قلوب الخلق .

2- تورث الذل: فإن العز طاعة الله تعالى ، والذل في معصيته: قال الله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا } [فاطر: 10] ، فمن أراد العزة فليطلبها بطاعة الله .

وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلمَ: "وجُعل الذل والصغار على من خالف أمري" رواه أحمد وصححه الألباني .

وقال الحسن البصري رحمه الله: إنهم وإن طقطقت بهم البغال، وهملجت بهم البراذين، إن ذل المعصية لا يفارق قلوبهم، أبى الله إلا أن يذل من عصاه . اهـ من الجواب الكافي .

قال عبد الله بن المبارك رحمه الله:

رأيت الذنوب تميت القلوب وقد يورث الذل إدمانها

وترك الذنوب حياة القلوب وخير لنفسك عصيانها

وهل أفسد الدين إلا الملوك وأحبار سوء ورهبانها

3- تطبع على القلب: عن أبي هريرة رضي الله عنه: عن رسول اللٰه صَلى الله عليه وسلم قال: «إن العبد إذا أخطأ خطيئة، نكتت في قلبه نكتة سوداء، فإذا هو نزع واستغفر وتاب سقل قلبه، وإن عاد زيد فيها حتى تعلو قلبه، وهو الران الذي ذكر اللٰه: "كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون" » (رواه الترمذي وحسنه الألباني) .

وتحجب القلب عن الرب في الدنيا، والحجاب الأكبر يوم القيامة، كما قال الله عز وجل: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ } [المطففين: 14، 15]

4- تذهب الحياء من القلب: عن أبي مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلمَ أنه قال: "إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت" (رواه البخاري)

5- تلقي الخوف والرعب في القلب: فإن الطاعة حصن الله الأعظم ، فمن أطاع الله انقلبت المخاوف في حقه أمنا، ومن عصاه انقلبت مآمنه منه مخاوف، فمن خاف الله أمَّنه من كل شيء، ومن لم يخف الله أخافه من كل شيء .

6- المعاصي تنكس القلب: حتى يرى الباطل حقًا والحق باطلاً، والمعروف منكرًا، والمنكر معروفًا .

عن حذيفة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا فأي قلب أُشربها نُكِت فيه نُكتة سوداء وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء حتى تصير على قلبين على أبيض مثل الصفا فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض والآخر أسود مُرْبَادَّاً كالكُوز مُجَخِّياً لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلا ما أُشرِب من هواه" رواه مسلم.

7- تضيق الصدر:

فالذي يقع في الجرائم، ويعرض عن طاعة الله يضيق صدره بحسب إعراضه، قال الله تعالى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ } [الأنعام: 125] .

آثار الذنوب على دين العبد:

1- حرمان العلم: فإن العلم نور يقذفه الله في القلب، والمعصية تطفئ ذلك النور.

قال الضحاك بن مزاحم رحمه الله: "ما من أحد تعلم القرآن ثم نسيه، إلا بذنب يحدثه؛ وذلك بأن اللٰه تعالى يقول: { وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ } [الشورى: 30] ، ونسيان القرآن من أعظم المصائب" (رواه ابن المبارك في الزهد)

لما جلس الشافعي بين يدي مالك، وقرأ عليه أعجبه ما رأى من وفور فطنته، وتوقد ذكائه، وكمال فهمه، فقال: "إني أرى الله قد ألقى على قلبك نورا، فلا تطفئه بظلمة المعصية"

وقال الشافعي رحمه الله:

شكوت إلى وكيع سوء حفظي فإرشدني إلى ترك المعاصي

وأخبرني بأن العلـــــــم نــــور ونور الله لا يهدى لعــــاصي

2- إلف المعصية، وزوال استقباحها من القلب ثم المجاهرة بها:

قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: "إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه،وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على أنفه فقال به هكذا" (رواه البخاري)

3- حرمان المعافاة إن جاهر بها: عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال سمعت رسول الله صَلى الله عليه وسلم يقول: "كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا ثم يصبح وقد ستره الله فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه" (متفق عليه).

4- وتحرم الطاعة وتثبط عنها، وتقطع طرق الأعمال الصالحة: قال شاب للحسن البصري: أعياني قيام الليل، فقال: قيدتك خطاياك .

5- تزرع المعاصي أمثالها ويولد بعضها بعضا: قال بعض السلف: إن من عقوبة السيئة السيئة بعدها، وإن من ثواب الحسنة الحسنة بعدها.

قال ابن القيم: وليعلم اللبيب أن مدمني الشهوات يصيرون إلى حالة لا يلتذون بها وهم مع ذلك لا يستطيعون تركها لأنها قد صارت عندهم بمنزلة العيش الذي لا بد لهم منه . اهـ من روضة المحبين

6- سخط الله على العاصي: قال الله تعالى: { وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ } [البقرة: 276] .

وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: أوصاني رسول اللٰه صَلى الله عليه وسلم بعشر كلمات، وذكر منها: "إياك والمعصية؛ فإن بالمعصية حل سخط اللٰه عز وجل" . (رواه أحمد وحسنه الألباني)

7- حبوط بعض الأعمال الصالحة بالكبائر: عن ثوبان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلمَ أنه قال: "لأعلمن أقواما من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة، بيضا فيجعلها الله عز وجل هباء منثورا"، وفي الحديث قال ثوبان رضي الله عنه: يا رسول الله صفهم لنا، جلهم لنا، أن لا نكون منهم ونحن لا نعلم، قال: "أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم، ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها" (رواه ابن ماجه وصححه الألباني)

فائدة: قال ابن رجب "والآثار عن السلف في حبوط الأعمال بالكبيرة كثيرة جدا يطول استقصاؤها، وأما من زعم أن القول بإحباط الحسنات بالسيئات قول الخوارج والمعتزلة خاصة، فقد أبطل فيما قال ولم يقف على أقوال السلف الصالح في ذلك، نعم المعتزلة والخوارج أبطلوا بالكبيرة الإيمان وخلدوا بها في النار، وهذا هو القول الباطل الذي تفردوا به في ذلك" اهـ من فتح الباري لابن رجب

8- عدم إجابة الدعاء: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم" يا أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا ، و إن الله أمر المتقين بما أمر به المرسلين فقال : { يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } [المؤمنون: 51] و قال: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ } [البقرة: 172]، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب و مطعمه حرام و مشربه حرام و غُذِي بالحرام فأنى يستجاب لذلك" (رواه مسلم)

9- المعاصي سبب الانتكاسة وسوء لخاتمة: قال ابن القيم: الإصرار على الذنوب يسبب الرَين على القلوب، فيخاف أن يستمر على ذلك فيسبب له ارتكاب ما يخرجه عن الإيمان بالكلية، ومن هنا اشتد خوف السلف فقال بعضهم: "أنتم تخافون الذنوب، وأنا أخاف الكفر".

وقال: "وثم أمر أخوف من ذلك وأدهي وأمر وهو أن يخونه قلبه ولسانه عند الاحتضار والانتقال الى الله تعالى فربما تعذر عليه النطق بالشهادة، كما شاهد الناس كثيرا من المحتضرين أصابهم ذلك حتى قيل لبعضهم قل لا إله إلا الله فقال آه آه لا أستطيع أن أقولها وقيل لآخر قل لا إله إلا الله فجعل يهذي بالغناء ويقول تاتا ننتنتا فقال وما ينفعني ما تقول ولم أدع معصية الا ركبتها ثم قضى ولم يقلها، وقيل لآخر ذلك فقال وما يغني عني وما أعلم اني صليت لله تعالى صلاة ثم قضى ولم يقلها، وسبحان الله كم شاهد الناس من هذا عبرا والذي يخفي عليهم من أحوال المحتضرين أعظم وأعظم . اهـ من الجواب الكافي

آثار الذنوب على العبد في دنياه:

1- المعاصي تحرم الرزق: قال تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ } [الطلاق: 2، 3] ، فمن لم يتق الله لا يجعل الله له مخرجا، ولا يرزقه من حيث لا يحتسب، وما استُجلب رزق بمثل ترك المعاصي.

عن ثوبان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : " إن الرجل ليُحرم الرزق بالذنب يصيبه " (رواه ابن ماجه وحسنه الألباني)

2- تزيل النعم، وتحل النقم: قال الله تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30] .

وقال تعالى: { ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } [الأنفال: 53] .

عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة .

إذا كنت في نعمة فارعها فإن المعاصي تزيل النعم

وحطها بطاعة رب العباد فرب العباد سريع النقم

قال ابن الجوزي: ولقد رأيت أقواما من المترفين، كانوا يتقلبون في الظلم والمعاصي باطنة وظاهرة، فتعبوا من حيث لم يحتسبوا، فقلعت أصولهم، ونقض ما بنوا من قواعد أحكموها لذراريهم، وما كان ذلك إلا أنهم أهملوا جانب الحق عز وجل، وظنوا أن ما يفعلونه من خير يقاوم ما يجري من شر، فمالت سفينة ظنونهم، فدخلها من ماء الكيد ما أغرقهم . اهـ من صيد الخاطر

3- تزيل البركة في المال: عن حكيم بن حزام رضي الله عنه عن النبي صَلى الله عليه وسلم قال: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما" (متفق عليه)، فمن كذب في بيعه وشرائه، عوقب بمحق البركة.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صَلى الله عليه وسلم قال: "من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله" (رواه البخاري) ، أي وقع له الإتلاف في معاشه وماله، وقيل: المراد بذلك عذاب الآخرة.

4- المعيشة الضنك في الدنيا: قال الله تعالى: "ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا" (سورة طه آية 124)

5- تعسير أموره عليه: قال تعالى: "ومن يتق الله يجعل له مخرجا" فمن لا يتقي الله لا يكون له ذلك.

قال بعض السلف: إني لأعصي الله فأرى ذلك في خلق دابتي وامرأتي .

فشهود العبد نقص حاله إذا عصى ربه، وانسداد الأبواب في وجهه، وتوعر المسالك عليه، حتى يعلم من أين أُتِي؟ اهـ من مدارج السالكين .

آثار الذنوب على المجتمع

1- تمحق البركات: بركات الدين والدنيا، قال الله عز وجل: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأعراف: 96] .

وقال: { وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ } [النحل: 112]

أما كون بعض لكفار منعمين في الدنيا فهو استدراج: عن عقبة بن عامر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب فإنما هو استدراج ثم تلا : {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ } [الأنعام: 44]. (رواه أحمد وصححه الألباني)

2- نزول العقوبات العامة المهلكة: قال تعالى: {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [العنكبوت: 40] .

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلمَ فقال: "يا معشر المهاجرين خمس إذا ابتليتم بهن، وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم، فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم" (رواه ابن ماجه وصححه الألباني) .

وعن عمران بن حصين رضي الله عنه: أن رسول اللٰه صلى الله عليه وسلمَ قال: «في هذه الأمة خسف، ومسخ، وقذف» فقال رجل من المسلمين: يا رسول اللٰه، ومتى ذاك؟ قال: «إذا ظهرت القينات والمعازف، وشربت الخمور» (رواه الترمذي وحسنه الألباني) .

3- حلول الهزائم وظهور عدوهم عليهم: فإن الله تعالى جعل على نزول النصر شرطاً، قال تعالى: { وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ } [الحج: 40، 41] .

وقال: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 46] .

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول اللٰه صَلى الله عليه وسلم يقول: «إذا تبايعتم بالعِيْنة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد؛ سلط اللٰه عليكم ذلا، لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم» (رواه أبو داود وصححه الألباني) .

عن جبير بن نفير قال: لما فتحت قبرس، وفرق بين أهلها، فبكى بعضهم إلى بعض، رأيت أبا الدرداء جالسا وحده يبكي؛ فقلت: يا أبا الدرداء، ما يبكيك في يوم أعز اللٰه فيه الإسلام وأهله؟! قال: «ويحك يا جبير، ما أهون الخلق على اللٰه! إذا هم تركوا أمره؛ بينا هي أمة قاهرة ظاهرة لهم الملك، تركوا أمر اللٰه عز وجل، فصاروا إلى ما ترى» (رواه أحمد في الزهد) .

4- المعاصي تؤثر حتى على الدواب، والأشجار، والأرض وعلى المخلوقات: قال اللٰه تعالى: "ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون" (الروم آية 41) .

وعن أبي قتادة بن ربعي أنه كان يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر عليه بجنازة فقال: "مستريح ومستراح منه" قالوا يا رسول الله ما المستريح والمستراح منه فقال: "العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب" (متفق عليه)، قال مجاهد: إن البهائم تلعن عصاة بني آدم إذا اشتدت السِّنة – أي : القحط - وأمسك المطر , وتقول : هذا بشؤم معصية ابن آدم .

5- الاختلاف والتمزق: قال تعالى: "فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة" (المائدة آية14)

عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صَلى الله عليه وسلم كان يقول: «والذي نفس محمد بيده، ما تواد اثنان ففرق بينهما، إلا بذنب يحدثه أحدهما» (رواه أحمد وصححه الألباني)

عباد الله فعيكم بمداومة التوبة من الذنوب والمعاصي؛ فإنَّ الشيطان قد قطع على نفسه عهداً فقال: وعزتك وجلالك لأغوينهم ما دامت أرواحهم في أجسادهم، والله يقطع العهد على نفسه: وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني.

والناس رجلان: تائب وظالم، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له.

قال الله تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31)} ... [النور:31].

وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا} ... [التحريم: 8].

وقال الله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11)} [الحجرات: 11].

وليتذكر العبد أيضًا أن الله تعالى وعد أصحاب التوبة من الذنوب والمعاصي بأنه -سبحانه - سوف يبدل سيئاتهم حسنات كما قال تعالى: بعد أن عدد أنواع الذنوب وذكر أصحابها، قال عن التائبين: { إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا (71) } [الفرقان:70-71] .

مع تحيات

اللجنة العلمية لملتقى الخطيب المؤثر أسد المنابر