السبت ، ٢١ جمادى الأول ، ١٤٤٦ هجري | 23 نوفمبر 2024 ميلادي
الشباب والصيف
وصف الخطبة : -

بيان معالم من عناية الإسلام بالشباب وتحميلهم المسئولية، والحث على اغتنام الأوقات في الأمور النافعة


سلسلة الخطب المقترحة رقم ((565))

الخطبة الأولى من صفر لعام 1446 هـ

عنوان الخطبة ((الشباب والصيف))

الهدف من الخطبة

بيان معالم من عناية الإسلام بالشباب وتحميلهم المسئولية، والحث على اغتنام الأوقات في الأمور النافعة

عناصر الموضوع

1) عناية الإسلام بالشباب وتحميلهم المسئولية.

2) شبابنا والصيف.

3) وللآباء دور.

الشباب والصيف

مقدمة الموضوع: أما بعد، قال الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}، فعلى العبد أن يغتنم كل أوقاته في طاعة ربه، لأن الله تعالى خلقنا لذلك، ومع دخول فصل الصيف وفترة الإجازة من الدراسة نجد الناس على أشكال شتى، في كيفية قضاء تلك الأوقات، واستغلالها، ودين الإسلام اليسر والسماحة، لا يحارب الغرائز البشرية، فهى ضرورية لحياة الإنسان، وإنما يروض تلك الغرائز، ويهذبها، ويكبح طغيانها، ويوجهها ويقومها نحو الصواب والحق والخير، ويوازن بين علاقة الروح والجسد، ويضبط ذلك كله.

عناية الإسلام بالشباب وتحميلهم المسئولية

إن الإنسان يمر في حياته بمراحل عمرية مختلفة، ولكل مرحلة منها ما يميزها، وتتميز مرحلة الشباب بالطاقة والحركة والقوة، قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ}، وقال سبحانه: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}.

ولما كانت الطاقة والقوة فيهم نجد أن المهتدين ضربوا أروع الأمثلة في قيام أمتهم بواجباتها:

فإبراهيم عليه السلام كان شابًا لما دعا قومه إلى عبادة الله تعالى وترك الشرك والمنكرات، قال تعالى عن قول قومه: {قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ}، وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا شَابًّا، وَلَا أُوتِيَ الْعَلَمَ عَالِمٌ إِلَّا وَهُوَ شَابٌّ، وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: {قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ}.

ويوسف عليه السلام لما دعته امرأة العزيز فأنكر دعوتها: {قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ} كان شابًا.

وأصحاب الكهف الذين تركوا شرك قومهم وجهلهم بربهم كانوا أيضًا شبابًا، قال تعالى: {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى}.

ولما جاء الإسلام لم يقم فقط على أكتاف الكهول بل كان للشباب دورًا ملموسًا مشهودًا؛ فهذا علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أول من أسلم من الصبيان، واختاره النبي صلى الله عليه وسلمَ لينام في فراشه عند الهجرة، ثم ليرد الأمانات إلى أهلها.

وهذا مصعب بن عمير: كان فتى مكة شبابًا وجمالاً، وكان أبواه يحبانه، وكانت أمه كثيرة المال، تكسوه أحسن الثياب وأرقه، وكان أعطر أهل مكة، ويلبس أفضل النعال، ثم أسلم وترك حياة اللهو والترف، ودخل دار الأرقم، وأرسله النبي صلى الله عليه وسلمَ إلى المدينة ليبلغ رسالة الإسلام، فهاجر وكلم الناس بالقرآن والإسلام فأسلم كثير من الناس، حتى تهيئت المدينة لاستقبال النبي صلى الله عليه وسلمَ، شهد بدرًا وحمل لواء جيش المسلمين فيها، وشهد أحدًا وحمل لواء المهاجرين فيها واستشهد فيها فلم يجدوا ما يكفي لكفنه رضي الله عنه.

وهذا سعد بن معاذ: أسلم على يد مصعب بن عمير، وأسلم على يده قبيلة بني عبد الأشهل، شهد بدرًا وحمل راية الأنصار فيها، وشهد أحدًا والخندق وجرح فيها ثم حكّمَه النبي صلى الله عليه وسلمَ في بني قريظه فقضى فيهم بحكم الله تعالى واستشهد على إثر ذلك، واهتز عرش الرحمن لموته رضي الله عنه.

هذه نماذج من شباب الإسلام، وصور مشرقة من تاريخنا الصادق، لأن الإسلام قد اعتنى بالشباب عناية بالغة، ومن معالم عناية الإسلام بالشباب أيضًا ما يلي:

1- عنايته بضبط عقيدة الشباب وإيمانهم: فعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا رَدِيفُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ إِلَّا آخِرَةُ الرَّحْلِ، فَقَالَ: «يَا مُعَاذُ»، قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: «يَا مُعَاذُ»، قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: «يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ»، قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ، قَالَ: «هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ؟» قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا»، ثُمَّ سَارَ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَ: «يَا مُعَاذُ بْنَ جَبَلٍ»، قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ وَسَعْدَيْكَ، قَالَ: «هَلْ تَدْرِي مَا حَقُّ العِبَادِ عَلَى اللَّهِ إِذَا فَعَلُوهُ؟» قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «حَقُّ العِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لاَ يُعَذِّبَهُمْ». رواه البخاري ومسلم، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أنه قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا، فَقَالَ: «يَا غُلَامُ احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، وَإِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأقلام وجفَّت الصُّحُف». رَوَاهُ أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وصححه الألباني.

2- عنايته بالناحية التربوية والتنشئة الإيمانية والتعبدية: فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ: «سَبْعَة يظلهم الله تَعَالَى فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ إِمَامٌ عَادِلٌ وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ وَرجل قلبه مُعَلّق بِالْمَسْجِدِ وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ وَرجل دَعَتْهُ امْرَأَة ذَات منصب وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ». متفق عليه، وعن عَبْدِ اللَّهِ بْن عَمْرِو بْنِ العَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أنه قَالَ: قال لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا عَبْدَ اللَّهِ، أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ، وَتَقُومُ اللَّيْلَ؟»، فَقُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «فَلاَ تَفْعَلْ صُمْ وَأَفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ، فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ بِحَسْبِكَ أَنْ تَصُومَ كُلَّ شَهْرٍ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنَّ لَكَ بِكُلِّ حَسَنَةٍ عَشْرَ أَمْثَالِهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ صِيَامُ الدَّهْرِ كُلِّهِ»، فَشَدَّدْتُ، فَشُدِّدَ عَلَيَّ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَجِدُ قُوَّةً قَالَ: «فَصُمْ صِيَامَ نَبِيِّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَم، وَلاَ تَزِدْ عَلَيْهِ»، قُلْتُ: وَمَا كَانَ صِيَامُ نَبِيِّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ؟ قَالَ: «نِصْفَ الدَّهْرِ»، فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَقُولُ بَعْدَ مَا كَبِرَ: يَا لَيْتَنِي قَبِلْتُ رُخْصَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. رواه البخاري ومسلم، وعَنِ عبد الله بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أنه رأى رؤيا فقصها على أخته حفصة رضي الله عنها فَقَصَّتْهَا حَفْصَةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ لَوْ كَانَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ». فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ لاَ يَنَامُ مِنَ اللَّيْلِ إِلَّا قَلِيلًا. رواه البخاري ومسلم.

3- عنايته بضبط تصرفاتهم، وتمكينهم من حقوقهم: فعَن عمر بن أبي سَلمَة رضي الله عنه أنه قَالَ: كُنْتُ غُلاَمًا فِي حَجْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا غُلاَمُ، سَمِّ اللَّهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ». فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِي بَعْدُ. متفق عليه، وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه أنه قَالَ: أَتَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَدَحٍ فَشَرِبَ مِنْهُ وَعَنْ يَمِينِهِ غُلَامٌ أَصْغَرُ الْقَوْمِ وَالْأَشْيَاخُ عَنْ يَسَارِهِ، فَقَالَ: «يَا غُلَامُ أَتَأْذَنُ أَنْ أُعْطِيَهُ الْأَشْيَاخَ؟» فَقَالَ: مَا كُنْتُ لِأُوثِرَ بِفَضْلٍ مِنْكَ أَحَدًا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأعْطَاهُ إِيَّاه. متفق عليه.

4- عنايته بضبط أوقات الشباب واستغلالها: فعن معاذ بن جبلٍ رضي الله عنه أنه قال: قال رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَنْ تزولَ قدما عبدٍ يومَ القيامَةِ حتى يُسْأَلَ عن أربِع خِصالٍ: عَنْ عمُرهِ فيمَ أَفْنَاهُ؟ وعَنْ شَبابِه فيمَ أَبْلاهُ؟ وعنْ مَالِه مِنْ أيْنَ اكْتَسَبَهُ وفيمَ أَنفَقَهُ؟ وعَنْ علْمِهِ ماذا عَمِلَ فيهِ". رواه البزار والطبراني وصححه لغيره الألباني، وفي رواية: {وعن جِسمِه فِيمَ أبلاه}. رواه الترمذي وصححه الألباني، وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجلٍ وهو يَعِظُه: "اغْتَنِمْ خَمْساً قبلَ خَمْسٍ: شبابَكَ قبلَ هَرمِكَ، وصِحَّتَك قبل سَقْمِكَ، وغِناكَ قبْلَ فقْرِكَ، وفَراغَك قَبْلَ شُغْلِكَ، وحياتَك قَبْلَ مَوْتِكَ". رواه الحاكم وصححه ووافقه الألباني.

5- عنايته بعفته وطهارته وكماله النفسي والأسري والاجتماعي: فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ». متفق عليه.

6- عنايته بالحوار مع الشباب وضبط فهمه وخلقه وسلوكه: فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه أنه قَالَ: إِنَّ فَتًى شَابًّا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا، فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ وَقَالُوا: مَهْ مَهْ ! فَقَالَ: "ادْنُهْ"، فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا، قَالَ: فَجَلَسَ قَالَ: "أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ؟" قَالَ: لَا وَاللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: "وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ". قَالَ: "أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ؟" قَالَ: لَا وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: "وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ". قَالَ: "أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ؟" قَالَ: لَا وَاللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: "وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ". قَالَ: "أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ؟" قَالَ: لَا وَاللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: "وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ". قَالَ: "أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ؟" قَالَ: لَا وَاللهِ جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: "وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالَاتِهِمْ". قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: "اللهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ وَطَهِّرْ قَلْبَهُ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ" قَالَ: فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ. رواه أحمد وصححه الألباني.

7- عنايته ببناء شخصية الشباب، وإشراكهم في أمر أمتهم ونهضتها، ومن ذلك: مشاورة النبي صلى الله عليه وسلمَ لأصحابه وأخذه برأي الشباب أحيانًا، فإنهم جزء من المجتمع، ومنه استعمالهم في الأمور العظيمة التي تهم الأمة، فكان النبي صلى الله عليه وسلمَ يستأمنهم على قيادة الجيش، وما في ذلك من ثقة في نضج العقول، وصيانة الأنفس والأعراض والأموال، ونشر الدين وجهاد الكافرين.

ولما عزم أبو بكر على جمع القرآن استعمل زيد بن ثابت على ذلك، قَالَ زيد: أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَقْتَلَ أَهْلِ الْيَمَامَةِ. فَإِذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عِنْدَهُ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ عُمَرَ أَتَانِي، فَقَالَ: إِنَّ الْقَتْلَ قَدِ اسْتَحَرَّ يَوْمَ الْيَمَامَةِ بِقُرَّاءِ الْقُرْآنِ، وَإِنِّي أَخْشَى أَنِ اسْتَحَرَّ الْقَتْلُ بِالْقُرَّاءِ بِالْمَوَاطِنِ فَيَذْهَبُ كَثِيرٌ مِنَ الْقُرْآنِ، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَأْمُرَ بِجَمْعِ الْقُرْآنِ. قُلْتُ لِعُمَرَ: كَيْفَ تَفْعَلُ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ عُمَرُ: هَذَا وَاللَّهِ خَيْرٌ فَلم يزل عمر يراجعني فِيهِ حَتَّى شرح الله صَدْرِي لذَلِك، وَرَأَيْت الَّذِي رَأَى عُمَرُ. قَالَ زَيْدٌ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّكَ رَجُلٌ شَابٌّ عَاقِلٌ لَا نَتَّهِمُكَ، وَقَدْ كُنْتَ تَكْتُبُ الْوَحْيَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَتَبَّعِ الْقُرْآنَ، فَاجْمَعْهُ، فَوَاللَّهِ لَوْ كَلَّفُونِي نَقْلَ جَبَلٍ مِنَ الْجِبَالِ مَا كَانَ أَثْقَلَ عَلَيَّ مِمَّا أَمَرَنِي بِهِ مِنْ جمع الْقُرْآن. قَالَ: قلت: كَيفَ تَفْعَلُونَ شَيْئا لم يَفْعَله النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: هُوَ وَاللَّهِ خير، فَلم أزل أراجعه حَتَّى شرح الله صَدْرِي للَّذي شرح الله لَهُ صدر أبي بكر وَعمر. فَقُمْت فَتَتَبَّعْتُ الْقُرْآنَ أَجْمَعُهُ مِنَ الْعُسُبِ وَاللِّخَافِ وَصُدُورِ الرِّجَال، حَتَّى وجدت من سُورَة التَّوْبَة آيَتَيْنِ مَعَ أَبِي خُزَيْمَةَ الْأَنْصَارِيِّ لَمْ أَجِدْهَا مَعَ أَحَدٍ غَيْرِهِ: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} حَتَّى خَاتِمَةِ بَرَاءَةَ. فَكَانَتِ الصُّحُفُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ ثُمَّ عِنْدَ عُمَرَ حَيَاته ثمَّ عِنْد حَفْصَة. رَوَاهُ البُخَارِيّ.

فتأمل في عِظَم المسئولية، وكيف وصفها أبو بكر، ومن الذي استعمله على ذلك، لتوقن بأهمية دور شباب في أمتنا، وأنهم أهل لاستعادة مجد الأمة، وقيادتها، والقيام بشئونها.

وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقدم الشباب في مجلس مشورته، وفي مقدمتهم ابن عباس رضي الله عنهما.

شبابنا والصيف

ينبغي على المؤمن أن يعلم أن لله تعالى عليه حقوقاً، وأن للخلق حقوقاً، وأن لنفسه حقوقاً؛ فيقوم بأداء ما افترضه الله عليه من فرائض، ويتقرب إليه بما استطاع من النوافل، ويحذر من الوقوع فيما حرم الله تعالى، فيتقي حدود الله ولا يقربها، ويؤدي الحقوق لأهلها، كالوالدين والزوجة والأبناء والأرحام والجيران والأضياف والأصدقاء؛ فيؤتي لهم ما يحب أن يؤتوا إليه.

ويعطي نفسه حقها من الترويح المباح، البعيد عن كل ما يغضب الله، ولا يتجاوز حدود الاعتدال فيما يباح، فإن ذلك مما ينبغي للعاقل أن يصون نفسه ووقته عنه.

وقد اعتاد الناس مع دخول فترة الإجازة والصيف أن يبحثوا عن وسائل للترفيه يقضون فيه أوقاتهم، وكل له طريقته في قضاء إجازته ووقته، ومن الملاحظ أن وسائل الترفيه كثيرة، ولكن ينبغي أن ننتبه إلى أنه أيًا ما كانت وسيلة الترفيه، وأيا ما كانت طريقة قضاء تلك الأوقات، فلابد أن تنضبط بضوابط الشريعة ولا تخالفها، وأن تكون في طاعة الله تعالى لا في معصيته.

وننصح الشباب أن يغتنموا أوقات الإجازة والصيف في الأمور النافعة، كحفظ القرآن، وتعلم العلم الشرعي، والقراءة في الكتب المفيدة، وتعلم بعض المهارات المفيدة، وممارسة الأنشطة والرياضة المباحة، ونحو ذلك.

أما وسائل اللهو والترفيه فينبغي أن تنضبط بالضوابط الشرعية ومنها:

1- أن تكون وسيلة الترفيه مباحة شرعًا غير محرمة؛ فإن من الألعاب ما يحرم كاللعب بالنرد {ألعاب الزهر كالطاولة والدومينو وأوراق الكوتشينة ونحو ذلك}، ففي الحديث أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدَشِيرِ فَكَأَنَّمَا صَبَغَ يَدَهُ فِي لَحْمِ خِنْزِيرٍ وَدَمِهِ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدِ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وحسنه الألباني، فلا ينبغي لعب مثل هذه الألعاب.

2- ألا تلهي عن طاعة واجبة، بتضييع أو تأخير، مثل الصلاة، وطاعة الوالدين، وصلة الرحم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

3- ألا تشتمل على منكر محرم، كأن تشتمل على: قمار، أو تعصب وتنافر وخصومة، أو فحش بالقول {كالشتم والسب واللعن}، أو تشبه بالكفار، أو كشف للعورات، أو يكون فيها حيل وخداع، أو صور محرمة كصور النساء، أو غيبة، أو نميمة، أو كذب كالنكت، أو موسيقى وألحان كالأفلام، أو اختلاط محرم ككثير من الشواطئ، أو إلقاء بالنفس إلى التهلكة مثل زيادة سرعة السيارة أو الدراجة البخارية، أو تشتمل على سلوكيات خاطئة، أو أفكار فاسدة أو منحرفة، مثل كثير من الأفلام والمسلسلات والألعاب الإلكترونية.

4- ألا تلهي عن مصلحة يجب تحصيلها، أو حقوق واجبة يجب أداؤها، كالعمل من أجل تحصيل قوته وقوت أهله، والقيام على مصالحهم، ورعايتهم، وتربيتهم وتوجيههم.

5- ألا تشتمل على ضرر.

6- ألا تكون على عوض، إلإ فيما خصه الدليل، وهو النصل والخف والحافر.

7- ألا تغلب أو تستحوذ على وقته، حتى لا تدخل في حد الإسراف في المباحات، ومن ثم الإفضاء إلى المنكر.

هذا وعلى العاقل أن لا يجعل اللهو والترفيه غاية في نفسه، وهدفاً مطلوبا لذاته، بل يجعله وسيلة لما أمر الله به من الإعداد والأخذ بأسباب النصر والتمكين، أو لغرض التقوي للعبادة وتيسير الطاعة، أو الترويح عن النفس، أو المحافظة على الصحة، وغيرها من المقاصد الحسنة.

وللآباء دور

إن دور الآباء ليس قاصرًا على توفير احتياجات البيت والأبناء من المأكل والمشرب والملبس والنفقة فقط بل هو أعظم من هذا؛ فالأهم من ذلك هو التنشئة السليمة والتربية الصحيحة، فيقوم الأب على شئون أهله وأولاده رعاية ومتابعة ونصحًا وتوجيهًا، وتربية وتقويمًا، ولا يخفى أن أعداء الإسلام قد ابتكروا أنواعًا من اللعب واللهو والترفيه، فأصبحت صناعة الترفيه لها مناهج وبرامج، حتى تنوعت وسائله وكثرت صوره وبرامجه، حرصًا منهم على إفساد شباب المسلمين، وإهدار أوقاتهم، وتعطيل طاقاتهم الوقادة، وكثير من الشباب قد انشغلوا باللهو والترفيه حتى ضاعت أوقاتهم وفسدت أخلاقهم وتبددت طاقاتهم، فعلى الآباء أن يجنبوا أبناءهم كل محرم وكل تافه من الأمور، وأن يضبطوا قاعدة اهتماماتهم وأولوياتهم، وأن يعلموهم أهمية الوقت وقيمته وكيفية الحفاظ عليه، وألا يقضونه إلا فيما يرضي الله تعالى، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَنْ تزولَ قدما عبدٍ يومَ القيامَةِ حتى يُسْأَلَ عن أربِع خِصالٍ: عَنْ عمُرهِ فيمَ أَفْنَاهُ؟ وعَنْ شَبابِه فيمَ أَبْلاهُ؟ وعنْ مَالِه مِنْ أيْنَ اكْتَسَبَهُ وفيمَ أَنفَقَهُ؟ وعَنْ علْمِهِ ماذا عَمِلَ فيهِ". رواه البزار والطبراني وصححه لغيره الألباني، وفي رواية: "وعن جِسمِه فِيمَ أبلاه". رواه الترمذي وصححه الألباني، وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجلٍ وهو يَعِظُه: "اغْتَنِمْ خَمْساً قبلَ خَمْسٍ: شبابَكَ قبلَ هَرمِكَ، وصِحَّتَك قبل سَقْمِكَ، وغِناكَ قبْلَ فقْرِكَ، وفَراغَك قَبْلَ شُغْلِكَ، وحياتَك قَبْلَ مَوْتِكَ". رواه الحاكم وصححه الألباني؛ فينبغي للمسلم أن يحافظ على وقته، ولا يهدره فيما لا يعود عليه بفائدة دينية أو دنيوية، وإن أراد الترويح عن نفسه فليروح عنها بالأمور المباحة، وأن يحسن النية في ذلك ليؤجر.

وعلى المسلم أن يرتب لأولاده ويهيئ لهم ما ينفعهم، مثل إلحاقهم بحلقات علوم القرآن، وحلق العلم، وممارسة الأنشطة النافعة، وتعلم المهارات المفيدة، وتوجيههم لمساعدة الآباء والأمهات، فلا مانع أن تدخل البنات مع أمها المطبخ وتقوم معها بشئون البيت، ولا مانع أن ينزل الذكور مع أبيهم للعمل –إن أمكن- ليتعلموا ما ينفعهم من فنون التجارة أو الزراعة أو الصناعة أو الحرف المختلفة؛ فليست الإجازة وقتًا للاستجمام واللهو والترفيه واللعب فقط، وليست للنوم والكسل والخمول كذلك، فالعاقل اللبيب من اغتنمها في تحصيل المصالح الدينية والدنيوية.

وعلى الآباء أن يساعدوا أبناءهم في التخطيط لقضاء الإجازة الصيفية، ولا يتركونهم يقضون الأوقات حسب أهوائهم، بل يتابعون الأبناء ولا يتركونهم يلهون دائمًا، أو يسهرون الليل، أو ينامون النهار، أو يقعدون الساعات أمام الشاشات، أو على مواقع التواصل الاجتماعي أو الإنترنت، وليحذروا من أصحاب السوء فكم أفسدوا عقولاً وأهدروا طاقات وضيعوا أجيالاً من الشباب.

نسأل الله تعالى أن يوفقنا لفعل الخيرات وترك المنكرات، وأن يحفظنا وأبناءنا وأبناء المسلمين.

مع تحيات

اللجنة العلمية لملتقى الخطيب المؤثر أسد المنابر