الثلاثاء ، ١ جمادى الآخر ، ١٤٤٦ هجري | 03 ديسمبر 2024 ميلادي
حُجُّوا قَبْلَ أَلَّا تَحُجُّوا
وصف الخطبة : -

الحث على الحج، وبيان حكمه، وفضله، وشروطه، وحكم من تركه مع الاستطاعة، ونصائح لمن يريد الحج.


سلسلة الخطب المقترحة رقم ((552))

الخطبة الأولى من ذو القعدة لعام 1445 هـ

عنوان الخطبة ((حُجُّوا قَبْلَ أَلَّا تَحُجُّوا))

الغرض من الخطبة: الحث على الحج، وبيان حكمه، وفضله، وشروطه، وحكم من تركه مع الاستطاعة، ونصائح لمن يريد الحج.

عناصر الموضوع:

1- تعريف الحج وحكمه.

2- فضل الحج والعمرة.

3- شروط الحج وعلى من يجب؟

4- حكم من وجب عليه الحج ولم يحج.

5- نصائح لمن عزم على الحج.

المقدمة: أما بعد، قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 97].

بين يدي الخطبة:

تعريف الحج وحكمه

الحَجُّ في اللغة: القصد. وفي الاصطلاح: التعبد لله تعالى بأداء المناسك في مكان مخصوص، وفي وقت مخصوص، على ما جاء في سنة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

والحج أحد أركان الإسلام، وفرض واجب بالكتاب والسنة والإجماع على المستطيع مرة واحدة في العمر، قال تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 97]، وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهما أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «بُنِيَ الإسْلامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أنْ لا إلَهَ إلا اللهُ وَأنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ، وَإقَامِ الصَّلاةِ، وَإيتَاءِ الزَّكَاةِ، والحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ». متفق عليه، وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنه قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «أيُّهَا النَّاسُ! قَدْ فَرَضَ اللهُ عَلَيْكُمُ الحَجَّ فَحُجُّوا». فَقَالَ رَجُلٌ: أكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ فَسَكَتَ، حَتَّى قَالَهَا ثَلاثاً، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَوْ قُلْتُ: نَعَمْ، لَوَجَبَتْ، وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ». ثُمَّ قال: «ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلافِهِمْ عَلَى أنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا أمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ» أخرجه مسلم، وفي رواية: "الْحَجُّ مَرَّةً فَمَنْ زَادَ فَهو تَطَوُّعٌ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاودَ وصححه الألباني.

وقد أجمعت الأمة على وجوب الحج مرة في العمر على المسلم المستطيع.

قال ابن المنذر رحمه الله: وأجمعوا على أن على المرء في عمره حجة واحدة، حجة الإِسلام.

وتجب العمرة على المستطيع مرة واحدة في العمر؛ فعَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها أنها قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ عَلَى النِّسَاءِ جِهَادٌ؟ قَالَ: «عَلَيْهن جِهَادٌ لَا قِتَالَ فِيهِ: الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ». أخرجه أحمد وابن ماجه وابن خزيمة وصححه الألباني.

قَالَ الحافظ أَبُو بَكْرٍ بن خزيمة رحمه الله: فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلَيْهِنَّ جِهَادٌ لَا قِتَالَ فِيهِ»، وَإِعْلَامُهُ أَنَّ الْجِهَادَ الَّذِي عَلَيْهِنَّ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ بَيَانُ أَنَّ الْعُمْرَةَ وَاجِبَةٌ كَالْحَجِّ إِذْ ظَاهِرُ قَوْلِهِ عَلَيْهِنَّ أَنَّهُ وَاجِبٌ إِذْ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُقَالَ عَلَى الْمَرْءِ مَا هُوَ تَطَوُّعٌ غَيْرُ وَاجِبٍ. انتهى.

وعَنْ أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا يَسْتَطِيعُ الْحَجَّ وَلَا الْعُمْرَةَ وَالظَّعْنَ. قَالَ: «حُجَّ عَنْ أَبِيكَ وَاعْتَمِرْ». أخرجه أحمد وأصحاب السنن وصححه الألباني.

فضل الحج والعمرة

من فضائل الحج:

1- الحج من أفضل الأعمال: فعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنْهُ أنه قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: أيُّ الأعْمَالِ أفْضَلُ؟ قال: «إِيمَانٌ بِاللهِ وَرَسُولِهِ». قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قال: «جِهَادٌ فِي سَبِيلِ اللهِ». قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قال: «حَجٌّ مَبْرُورٌ». متفق عليه.

2- الحج تزكية وإصلاح وتقويم للنفوس على مراد الله تعالى حيث قال سبحانه: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ} [البقرة: 197]، وعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ حَجَّ للهِ، فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ». متفق عليه. قال الحافظ: الرفث يطلق ويراد به الجماع، ويطلق ويراد به الفحش، ويطلق ويراد به خطابُ الرجلِ المرأةَ فيما يتعلق بالجماع. انتهى؛ فالحج يربي النفوس ويصلحها، ويهذب الأخلاق والسلوك ويحسنها، وتأمل في إلزام الناسك بفعل المناسك المشروعة، وترك المحظورات الممنوعة.

3- الحج تنقية وتخلية من الذنوب: فعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ حَجَّ للهِ، فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ». متفق عليه. فمن حسن حجه رجع بلا ذنوب، وعَنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: «أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ؟ وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهَا؟ وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ؟» الحديث. رواه مسلم.

4- الحج ينفي الذنوب والفقر: فعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلَيْسَ لِلْحَجَّةِ الْمَبْرُورَةِ ثَوَابٌ إِلَّا الْجَنَّةَ». أخرجه التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِي وصححه الألباني.

5- الحج ليس له جزاء إلا الجنة: فعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «العُمْرَةُ إِلَى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالحَجُّ المَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلا الجَنَّةُ». متفق عليه، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أيضًا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ: «مَا أَهَلَّ مُهِلٌّ قَطُّ إِلَّا بُشِّرَ، وَلَا كَبَّرَ مُكَبِّرٌ قَطُّ إِلَّا بُشِّرَ». قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بِالْجَنَّةِ؟ قَالَ: «نَعَمْ». أخرجه الطبراني وحسنه الألباني، وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما أنه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ: «الْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةَ». قَالَ: وَمَا بِرُّهُ؟ قَالَ: «إِطْعَامُ الطَّعَامِ، وَطِيبُ الْكَلَامِ». أخرجه أحمد والطبراني وصححه لغيره الألباني، قال النووي رحمه الله: المبرور هُوَ: الَّذِي لا يرتكِبُ صاحِبُهُ فِيهِ معصيةً.

6- العتق من النار: فعن عائشة رَضِيَ اللهُ عنها أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا مِنْ يَوْمٍ أكْثَرَ مِنْ أَن يَعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ». رواه مسلم.

7- تلبية الحاجات وإجابة الدعوات: فعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ: «الْغَازِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالْحَاجُّ وَالْمُعْتَمِرُ، وَفْدُ اللَّهِ، دَعَاهُمْ فَأَجَابُوهُ، وَسَأَلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ». رواه ابن ماجه وحسنه الألباني.

8- الحج جهاد لا شوكة فيه: فعَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيًّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنه قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنِّي جَبَانٌ وَإِنِّي ضَعِيفٌ. قَالَ: «هَلُمَّ إِلَى جِهَادٍ لَا شَوْكَةَ فِيهِ: الْحَجُّ». أخرجه الطبراني وصححه الألباني، وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نَرَى الجِهَادَ أَفْضَلَ العَمَلِ، أَفَلاَ نُجَاهِدُ؟ قَالَ: «لاَ، لَكِنَّ أَفْضَلَ الجِهَادِ حَجٌّ مَبْرُورٌ». أخرجه البخاري.

9- مناسك الحج فضلها عظيم: فعَن ابْنِ عُمَر رضي الله عنهما أنه قَالَ: كُنْتُ قَاعِدًا مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّم فِي مَسْجِدِ مِنًى فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ وَرَجُلٌ مِنْ ثَقِيفٍ فَسَلَّمَا، ثُمَّ قَالا: يَا رَسولَ اللهِ, جِئْنَا نَسْأَلُكَ فَقَالَ: إِنْ شِئْتُمَا أَخْبَرْتُكُمَا بِمَا جِئْتُمَا تَسْأَلانِي عَنْهُ فَعَلْتُ، وَإن شِئْتُمَا أَنْ أُمْسِكَ وَتَسْأَلانِي فَعَلْتُ. فَقَالا: أَخْبِرْنَا يَا رَسولَ اللهِ فَقَالَ الثَّقَفِيُّ للأَنْصَارِيُّ: سَلْ، فَقَالَ: أَخْبَرْنِي يَا رَسولَ اللهِ قَالَ: جِئْتَنِي تَسْأَلُنِي عَن مَخْرَجِكَ مِنْ بَيْتِكَ تَؤُمُّ الْبَيْتَ الْحَرَامَ، ومَا لَكَ فِيهِ، وعَن رَكْعَتَيْكِ بَعْدَ الطَّوَافِ، ومَا لَكَ فِيهِمَا، وعَن طَوَافِكَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ومَا لَكَ فِيهِ وَوَقُوفِكَ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ، ومَا لَكَ فِيهِ، وعَن رَمْيِكَ الْجِمَارِ، ومَا لَكَ فِيهِ، وعَن نَحْرِكَ، ومَا لَكَ فِيهِ، وعَن حَلْقِكَ رَأْسِكَ، ومَا لَكَ فِيهِ، وعَن طَوَافِكَ بِالْبَيْتِ بَعْدَ ذَلِكَ، ومَا لَكَ فِيهِ مَعَ الإِفَاضَةِ فَقَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، عَن هَذَا جِئْتُ أَسْأَلُكَ. قَالَ: فَإِنَّكَ إِذَا خَرَجْتَ مِنْ بَيْتِكَ تَؤُمُّ الْبَيْتَ الْحَرَامَ لا تَضَعْ نَاقَتُكَ خُفًّا، ولاَ تَرْفَعُهُ إلاَّ كَتَبَ اللَّهُ لَكَ بِهِ حَسَنَةً وَمَحَا عَنْكَ خَطِيئَةً وَأَمَّا رَكْعَتَاكَ بَعْدَ الطَّوَافِ كَعِتْقِ رَقَبَةٍ مِنْ بَنِي إِسْمَاعِيلَ وَأَمَّا طَوَافُكَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ بَعْدَ ذَلِكَ كَعِتْقِ سَبْعِينَ رَقَبَةً وَأَمَّا وُقُوفُكَ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَهْبِطُ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا فَيُبَاهِي بِكُمُ الْمَلائِكَةَ يَقُولُ: عِبَادِي جَاءُونِي شُعْثًا مِنْ كِلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ يَرْجُونَ رَحْمَتِي فَلَوْ كَانَتْ ذُنُوبُكُمْ كَعَدَدِ الرَّمْلِ، أَوْ كَقَطْرِ الْمَطَرِ، أَوْ كَزَبَدِ الْبَحْرِ لَغَفَرَهَا، أَوْ لَغَفَرْتُهَا، أَفِيضُوا عِبَادِي مَغْفُورًا لَكُمْ وَلِمَنْ شَفَعْتُمْ لَهُ وَأَمَّا رَمْيُكَ الْجِمَارِ فَلَكَ بِكُلِّ حَصَاةٍ رَمَيْتَهَا كَبِيرَةٌ مِنَ الْمُوبِقَاتِ وَأَمَّا نَحْرُكَ فَمَذْخُورٌ لَكَ عِنْدَ رَبِّكَ وَأَمَّا حِلاقُكَ رَأْسِكَ فَلَكَ بِكُلِّ شَعْرَةٍ حَلَقْتَهَا حَسَنَةٌ وَيُمْحَى عَنْكَ بِهَا خَطِيئَةٌ وَأَمَّا طَوَافُكَ بِالْبَيْتِ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّكَ تَطُوفُ، ولاَ ذَنْبَ لَكَ يَأْتِي مَلَكٌ حَتَّى يَضَعَ يَدَيْهِ بَيْنَ كَتِفَيْكَ فَيَقُولُ: اعْمَلْ فِيمَا تَسْتَقْبِلُ فَقَدْ غُفِرَ لَكَ مَا مَضَى. أخرجه البزار وقال الألباني: حسن لغيره.

10- جريان أجر من مات حاجًا أو معتمرًا، ويبعث يوم القيامة ملبيًا: فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مِنْ خَرَجَ حَاجًّا فَمَاتَ كُتِبَ لَهُ أَجْرُ الْحَاجِّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ خَرَجَ مُعْتَمِرًا فَمَاتَ كُتِبَ لَهُ أَجْرُ الْمُعْتَمِرِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ خَرَجَ غَازِيًا فَمَاتَ كُتِبَ لَهُ أَجْرُ الْغَازِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ». أخرجه أبو يعلى والطبراني وقال الألباني: صحيح لغيره، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أنه قَالَ: إِنَّ رَجُلًا كَانَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَقَصَتْهُ نَاقَتُهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَمَاتَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ وَلَا تَمَسُّوهُ بِطِيبٍ وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْم الْقِيَامَة ملبيا». متفق عليه. وَقَصَتْه ناقته أي: رمته عنها فكسرت عنقه.

11- الحج منافع في الدنيا والآخرة: قال الله تعالى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ . لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ}. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ} قَالَ: مَنَافِعُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ أَمَّا مَنَافِعُ الْآخِرَةِ فَرِضْوَانُ اللَّهِ، وَأَمَّا مَنَافِعُ الدُّنْيَا فَمَا يُصِيبُونَ مِنْ مَنَافِعِ البُدْن وَالرِّبْحِ وَالتِّجَارَاتِ.

وقال الله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ . لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ}.

وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أنه قَالَ: كَانَتْ عُكَاظُ وَمَجَنَّةُ وَذُو المَجَازِ أَسْوَاقًا فِي الجَاهِلِيَّةِ، فَتَأَثَّمُوا أَنْ يَتَّجِرُوا فِي المَوَاسِمِ، فَنَزَلَتْ: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} فِي مَوَاسِمِ الحَجِّ". رواه البخاري، وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ التَّيْمِيِّ أنه قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عُمَرَ: أِنَّا نُكْرِي، فَهَلْ لَنَا مِنْ حَجٍّ؟ قَالَ: أَلَيْسَ تَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ، وَتَأْتُونَ الْمُعَرَّفَ، وَتَرْمُونَ الْجِمَارَ، وَتَحْلِقُونَ رُءُوسَكُمْ؟ قَالَ: قُلْنَا: بَلَى، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَنِ الَّذِي سَأَلْتَنِي، فَلَمْ يُجِبْهُ حَتَّى نَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِهَذِهِ الْآيَةِ: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ}، فَدَعَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «أَنْتُمْ حُجَّاجٌ». أخرجه أحمد، وصححه الشيخ أحمد شاكر وشعيب الأرناؤوط.

شروط الحج وعلى من يجب؟

الحج فريضة عظيمة من شرائع الإسلام، وشعيرة من شعائره الظاهرة، وفيها فضائل عظيمة، ومكارم جليلة، ومنافع دينية ودنيوية.

فهل يجب الحج على مسلم كما تجب عليهم الصلاة؟ قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 97]، فلا يجب الحج إلا بشروط منها الاستطاعة، وهذه الشروط ستة كما يلي:

أولاً الْإِسْلَام: فلا يصح الحج من الكافر، ولا يجوز له دخول الحرم، مع الْقَوْلِ بِأَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِشَرَائِعِ الْإِسْلَامِ، ومؤاخذون بها يوم القيامة، فلو فعلوها لم تقبل منهم إلا أن يُسْلِمُوا، قال تعالى: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [المائدة: 5]، وقَالَ تَعَالَى: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ} [التوبة: 54]، وقال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة:28]، وقال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ . إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ . فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ . عَنِ الْمُجْرِمِينَ . مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ . قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ . وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ . وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ . وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ . حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ} [المدثر: 38 - 47]، وقال عز وجل: {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ . الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ} [فصلت: 6، 7]، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أنه قَالَ: بَعَثَنِي أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ فِي الْحَجَّةِ الَّتِي أَمَّرَهُ عَلَيْهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَبْلَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فِي رَهْطٍ، يُؤَذِّنُونَ فِي النَّاسِ يَوْمَ النَّحْرِ: «لَا يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ». متفق عليه.

ثانيًا البلوغ: فلا يجب الحج على الصغير، ويصح الحج منه، ولكن لا يسقط عنه حجة الإسلام، فعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلَّم: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ: عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ, وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ». أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه وصححه الألباني، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه لَقِيَ رَكْبًا بِالرَّوْحَاءِ، فَقَالَ: «مَنِ الْقَوْمُ؟» قَالُوا: الْمُسْلِمُونَ، فَقَالُوا: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: «رَسُولُ اللهِ»، فَرَفَعَتْ إِلَيْهِ امْرَأَةٌ صَبِيًّا، فَقَالَتْ: أَلِهَذَا حَجٌّ؟ قَالَ: «نَعَمْ، وَلَكِ أَجْرٌ». أخرجه مسلم، وعنه رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا حَجَّ الصَّبِيُّ فَهِيَ لَهُ حَجَّةٌ حَتَّى يَعْقِلَ، فَإِذَا عَقَلَ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أُخْرَى، وَإِذَا حَجَّ الْأَعْرَابِيُّ فَهِيَ لَهُ حَجَّةٌ، فَإِذَا هَاجَرَ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أُخْرَى». أخرجه ابن خزيمة وصححه الألباني.

ثالثًا العقل: فلا يجب الحج على المجنون، كما مضى في حديث أمير المؤمنين علي رضي الله عنه: «وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ».

رابعًا الحرية: فلا يجب الحج على الرقيق حتى يُعْتَقُوا، ويصح الحج منهم قبل العتق لكن لا يجزئهم عن حجة الإسلام إذا أُعْتقوا.

فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّمَا عَبْدٍ حَجِّ ثُمَّ أُعْتِقَ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أُخْرَى». أخرجه البيهقي في السنن الصغير والضياء في المختارة وصححه الألباني.

خامسًا الاستطاعة بالبدن والمال مع أمن الطريق: قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}، وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أنه قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمَ عَامَ حَجَّةِ الوَدَاعِ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَوِيَ عَلَى الرَّاحِلَةِ فَهَلْ يَقْضِي عَنْهُ أَنْ أَحُجَّ عَنْهُ؟ قَالَ: «نَعَمْ». متفق عليه.

ومعنى الاستطاعة يشمل القدرة البدنية والمالية وأمن الطريق.

أما القدرة البدنية المعتبرة فهي التي يتمكن معها من السفر وأداء المناسك.

وأما القدرة المالية فتكون بملك الزاد الذي يكفيه ومن تلزمه نفقتهم أثناء سفره وحجه وحتى رجوعه، وأن يملك الراحلة التي تبلغه سفره، أو تكلفة السفر.

وأمن الطريق يحصل بالتمكن من الوصول بأمان إلى المناسك فلا يمنع بسبب عدو أو وحش أو وباء أو نحوه، وكذا يمنع من الوصول للحج بالإحصار.

قال الإمام ابن قدامة المقدسي رحمه الله: وَجُمْلَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْحَجَّ إنَّمَا يَجِبُ بِخَمْسِ شَرَائِطَ: الْإِسْلَامُ، وَالْعَقْلُ، وَالْبُلُوغُ، وَالْحُرِّيَّةُ، وَالِاسْتِطَاعَةُ. لَا نَعْلَمُ فِي هَذَا كُلِّهِ اخْتِلَافًا. انتهى من المغني.

سادسًا المَحْرَم مع النساء: فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ تُسَافِرِ المَرْأَةُ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ، وَلاَ يَدْخُلُ عَلَيْهَا رَجُلٌ إِلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ»، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ فِي جَيْشِ كَذَا وَكَذَا، وَامْرَأَتِي تُرِيدُ الحَجَّ، فَقَالَ: «اخْرُجْ مَعَهَا». أخرجه البخاري، وعنه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ، وَلاَ تُسَافِرَنَّ امْرَأَةٌ إِلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ»، فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا، وَخَرَجَتِ امْرَأَتِي حَاجَّةً، قَالَ: «اذْهَبْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ». أخرجه البخاري ومسلم، وعنه أيضًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «لَا تَحُجَّنَّ امْرَأَةٌ إِلَّا وَمَعَهَا ذُو مُحْرِمٍ». أخرجه الدارقطني وصححه الألباني.

حكم من استطاع الحج ولم يحج

ينبغي على المسلم إن كان مستطيعًا للحج أن يبادر إليه، لأن الحج فرض واجب، قال الله تعالى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 97]. فالآية تدل دلالة واضحة على وجوب الحج على المستطيع، وقد اختلف العلماء في معنى الكفر في قوله تعالى: {وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}، فذهب الإمام أحمد في رواية إلى أن من وجدَ ما يحج به ثم لا يحجَّ، فهو كافر. وهو قول السدي. وعن عمرَ بنِ الخطاب رضي الله عنه أنه قال: مَن أطاق الحجَّ فلم يحجَّ، فسواءٌ عليه يهوديًا مات أو نصرانيًا. أخرجه ابن كثير في مسند الفاروق وصححه موقوفًا.

وحمله بعض أهل العلم على مَنْ لم يعتقد وجوبَه. وحمله بعضهم على من استحل تركه، وحمله بعضهم أنه ورد على سبيل التَّغليظ والتَّنفير والتَّحريض على المُبادرة إلى قضاء الفرض، ولا يُرادُ به أنَّ الذي يؤخِّرُ الفرضَ يموتُ يهوديًا أو نصرانيًا.

وعن ابن عباس أنه قال: من زعم أنه ليس بفرض عليه.

قال الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله: يعني بذلك جل ثناؤه: ومن جَحد ما ألزمه الله من فرض حَجّ بيته، فأنكره وكفر به، فإن الله غنيّ عنه وعن حجه وعمله، وعن سائر خَلقه من الجن والإنس. انتهى. وذكر أقوال المفسرين في معنى الآية ثم قال: وأولى التأويلات بالصواب في ذلك قولُ من قال: معنى (ومن كفر)، ومن جحد فرضَ ذلك وأنكرَ وُجوبه، فإن الله غني عنه وعن حَجه وعن العالمين جميعًا. انتهى.

فمن استطاع الحج لزمه أن يحج بنفسه، فإن كان عاجزًا لمرض أو كبر سن، لزمه أن ينيب من يحج عنه بماله، فإن مات مستطيعًا ولم يحج، فإنه يموت عاصياً مرتكبًا لكبيرة من كبائر الذنوب -على الراجح من أقوال أهل العلم-، لأنه قصر في فريضة من فرائض الإسلام مع القدرة، ويجب على ورثته أن يخرجوا من تركته ما يُحَج به عنه، من نصيب الديون لا الوصايا، وسواء وصى أم لم يوصِ؛ لأن الحج دين في ذمته، ودين الله أحق بالقضاء، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ، جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: إِنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ فَلَمْ تَحُجَّ حَتَّى مَاتَتْ، أَفَأَحُجُّ عَنْهَا؟ قَالَ: «نَعَمْ حُجِّي عَنْهَا، أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ أَكُنْتِ قَاضِيَةً؟ اقْضُوا اللَّهَ فَاللَّهُ أَحَقُّ بِالوَفَاءِ». أخرجه البخاري، وعنه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قَالَ: أَتَى رَجُلٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ: إِنَّ أُخْتِي قَدْ نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ، وَإِنَّهَا مَاتَتْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ كَانَ عَلَيْهَا دَيْنٌ أَكُنْتَ قَاضِيَهُ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَاقْضِ اللَّهَ، فَهُوَ أَحَقُّ بِالقَضَاءِ». أخرجه البخاري، وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «قَالَ اللَّهُ تعالى: إِنَّ عَبْدًا صَحَّحْتُ لَهُ جِسْمَهُ، وَوَسَّعْتُ عَلَيْهِ فِي الْمَعِيشَةِ يَمْضِي عَلَيْهِ خَمْسَةُ أَعْوَامٍ لَا يَفِدُ إِلَيَّ لَمَحْرُومٌ». أخرجه أبو بكر بن أبي شيبة وأبو يعلى وابن حبان وصححه الألباني.

قال ابن قدامة رحمه الله: متى توفي من وجب عليه الحج ولم يحج, وجب أن يخرج عنه من جميع ماله ما يحج به عنه ويعتمر, سواء فاته بتفريط أو بغير تفريط. انتهى.

من الأسباب المعينة على بلوغ الحج

من كملت له شروط وجوب الحج فليبادر بالحج فإنه لا يدري ما يعرض له من الأمور، فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: « تَعَجَّلُوا إِلَى الْحَجِّ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي مَا يَعْرِضُ لَهُ». رواه أحمد وصححه الألباني، وعن ابْنِ عَبَّاسٍ أَوْ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ أَوْ عَنْ أَحَدِهِمَا عَنْ صَاحِبِهِ رضي الله عنهم أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَرَادَ أَنْ يَحُجَّ، فَلْيَتَعَجَّلْ فَإِنَّهُ قَدْ تَضِلُّ الضَّالَّةُ، وَيَمْرَضُ الْمَرِيضُ، وَتَكُونُ الْحَاجَةُ». رواه أحمد وابن ماجه وحسنه الألباني.

فالعبد اليوم قد يكون مستطيعًا بدنيًا وماديًا، وغدًا لا يدري ما يحصل له، وما يطرأ عليه من العوارض، فربما حيل بينه وبين ما يرجوه، بفقر أو مرض أو شغل شاغل.

ومن الأمور المعينة على بلوغ الحج:

1- النية الصادقة الخالصة، وعقد العزم على إرادة الحج؛ فإن من ابتغى هدفًا نبيلاً، ينبغي أن ينشغل به قلبه، ويُعْمِل فيه عزمه وفكره، ولا يهدأ إلا ببلوغ مراده، وتحقيق أماله، ولا يكون الأمر مجرد تشهي وأماني، بل كن ذا نية صادقة وعزم أكيد.

2- الدعاء: سل الله دائمًا لزوم الطاعة، ودوام العبادة والاستقامة، وأن يبلغك بيته الحرام حاجًا ومعتمرًا، فهو الإله الرب الخالق الذي لا يكون أمرًا إلا بأمره، ولا يصير شيئًا إلا بإذنه، فادعه يستجب لك الدعاء، وييسر لك الأسباب.

3- حسن الظن بالله تعالى: فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي». أخرجه البخاري ومسلم، وبرواية لمسلم: «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا دَعَانِي».

4- الأخذ بالأسباب الممكنة والمتاحة: فمن رام أمرًا أخذ بأسباب تحقيقه، فهل يستوي عبد ملك نصف الاستطاعة مع من لم يملك شيئًا؟! بل على من ملك نصف الاستطاعة أو تهيئ له شيئًا من الأسباب أن يكون أشد حرصًا ممن لم يتهيئ له شيء.

5- المواظبة على العمل الصالح: فإن الله تعالى يفتح لعبده الطائع ما لا يفتح لغيره، ويهيئ له ما لا يهيئ لغيره، فمن دوام على العمل الصالح يوشك أن يتوج عمله بحج مبرور وذنب مغفور وجنة عند الرب الشكور.

6- طيب المعاش، من مأكل ومشرب وملبس ومسكن ونحو ذلك: فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا وَأَنَّ اللَّهَ أَمَرَ المؤْمنينَ بِمَا أمرَ بِهِ المرسَلينَ، فَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ واعْمَلوا صَالحا)، وَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ)، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ يَا رَبِّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِّيَ بِالْحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟" رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

نصائح لمن عزم على الحج( )

إذا يسر الله تعالى لعبد الحج فينبغي عليه أن يعتني بما يصح به حجه ويتمَّ به نسكه، ويجتنبَ ما يقلل أجره أو يفوته، ويحرصَ على السلامة مما يشغله في رحلته عن مقصوده، فيحرصَ على تحصيل الأسباب التي ترغبه في عمله، ويندفع بها شواغله وغوائله، وفي ضوء هذا ننصحه ببعض الأمور، ونسأل الله تعالى أن يبلغنا حج بيته الحرام وأن يجعله حجًا مبرورًا وأن ينفعنا بهذه النصائح:

1- إخلاص النية وإصلاح المقصد، فيقصد بحجته وعمرته وجه الله تعالى والدار الآخرة، والتقرب إلى الله بما يرضيه من الأقوال والأعمال، ويحذر كل الحذر من أن يقصد بعمله الدنيا وحطامها، أو الرياء والسمعة والمفاخرة بذلك، فإن ذلك من أقبح المقاصد وسبب لحبوط العمل وعدم قبوله، كما قال تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ . أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي، تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ ". أخرجه مسلم، وعن عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ». أخرجه البخاري ومسلم.

2- التوبة ورد المظالم إلى أهلها، قال تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: 31]، وقال عز وجل: {وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الحجرات: 11]، وحقيقة التوبة: الإقلاع عن الذنوب وتركها، والندم على ما مضى منها، والعزيمة على عدم العودة فيها، وإن كان عنده للناس مظالم من نفس أو مال أو عرض ردها إليهم، أو تحلل منهم قبل سفره؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ، فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ اليَوْمَ، قَبْلَ أَنْ لاَ يَكُونَ دِينَارٌ وَلاَ دِرْهَمٌ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ». أخرجه البخاري.

3- كتابة الوصية وإشهاد من يثق فيه على وصيته، فيوصي بتقوى الله تعالى، ويكتب ماله وما عليه من الحقوق المالية كالديون.

4- التزود بما يحتاجه من نفقات وطعام وثياب ونحوها مما يحتاج إليه في رحلته، فينتخب لحجه وعمرته نفقة طيبة من مال حلال: فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا". أخرجه مسلم، وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أنه قَالَ: كَانَ أَهْلُ اليَمَنِ يَحُجُّونَ وَلاَ يَتَزَوَّدُونَ، وَيَقُولُونَ: نَحْنُ المُتَوَكِّلُونَ، فَإِذَا قَدِمُوا مَكَّةَ سَأَلُوا النَّاسَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى}. أخرجه البخاري.

5- تدبير أمر من يعول قبل أن يسافر، من أمر النفقة وقضاء الحاجات، فلا يتركهم عالة يتكففون الناس، أو لهم حاجات لا تقضى؛ فعن وَهْبِ بْنِ جَابِرٍ أنه قال: إِنَّ مَوْلًى لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ لَهُ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُقِيمَ هَذَا الشَّهْرَ هَاهُنَا بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ؟ فَقَالَ لَهُ: تَرَكْتَ لِأَهْلِكَ مَا يَقُوتُهُمْ هَذَا الشَّهْرَ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَارْجِعْ إِلَى أَهْلِكَ فَاتْرُكْ لَهُمْ مَا يَقُوتُهُمْ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضِيعَ مَنْ يَقُوتُ». أخرجه أحمد وأبو داود وحسنه الألباني.

6- تعلم أحكام ومناسك الحج والعمرة، فإن ذلك في حق المستطيع واجب يأثم بتقصيره فيه، وحتى لا يعرض حجه للنقص أو الفساد، ومن عجز عن التعلم فعليه أن يسأل أهل العلم الثقات عن أحكام الحج ويؤدي المناسك بناءً على ذلك.

7- طلب الرفقة الصالحة، فيصحب في سفره الأخيار من أهل الطاعة والتقوى والفقه في الدين، ويحذر من مصاحبة السفهاء والفساق، وأهل البدع والأهواء، أو الذين يقعون في أعراض الناس بالغيبة والنميمة والسخرية والاستهزاء.

8- التحلي بآداب السفر، فيودع أهله وأرحامه، ويسلم عليهم، ويقول أذكار السفر كالذكر عند ركوب الدابة، والتكبير على كل شرف، والاستعاذة بالله إذا نزل منزلاً، وينبغي أن يكثر في سفره من ذكر الله تعالى واستغفاره، ودعائه سبحانه، والتضرع إليه، وتلاوة القرآن وتدبر معانيه، والمحافظة على الصلوات الخمس.

9- صيانة النفس عن الفضول والتدخل فيما لا يعنيها، فلا يزاحم على المباحات، ولا يتدخل فيما لا يخصه ولا علاقة له به، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ المَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ». أخرجه الترمذي وابن ماجه وصححه الألباني.

10- الصبر والاحتساب وهضم حظ النفس قليلاً، وتوطين النفس على مشاق السفر، فلا يضجر لمجرد تعطل بعض الخدمات أو تأخر بعضها، ولا يتأفف من حر أو برد أو طول طريق أو قلة طعام، ونحو ذلك، بل ينبغي أن يكون هينًا لينًا سهلاً قريبًا ودودًا حليمًا، يبذل الندى ويكف الأذى، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حُرِّمَ عَلَى النَّارِ كُلُّ هَيِّنٍ لَيِّنٍ سَهْلٍ قَرِيبٍ مِنَ النَّاسِ». أخرجه أحمد والترمذي وصححه الألباني.

مع تحيات

اللجنة العلمية لملتقى الخطيب المؤثر أسد المنابر