الخميس ، ١٩ جمادى الأول ، ١٤٤٦ هجري | 21 نوفمبر 2024 ميلادي
من المقبول؟
وصف الخطبة : -

الحث على المداومة على الطاعة بعد رمضان.


سلسلة الخطب المقترحة رقم ((548))

الخطبة الاولى من شوال لعام 1445 هـ

عنوان الخطبة (((من المقبول؟)))

الغرض من الخطبة: الحث على المداومة على الطاعة بعد رمضان.

عناصر الخطبة:

1- علامات القبول.

2- فإذا فرغت فانصب.

3- عوامل الثبات.

المقدمة: أما بعد، قال الله تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}، فليفرح المسلمون بما جاءهم من الله تعالى من الهدى ودين الحق وهو الإسلام; فإن الإسلام الذي دعاهم الله إليه، والقرآن الذي أنزله على محمد صَلى الله عليه وسلم، خير مما يجمعون من حطام الدنيا الفانية.

بين يدي الخطبة:

علامات القبول

إن من نعم الله تعالى علينا أن بلغنا رمضان، وأعاننا على الصيام والقيام والطاعات، ووفقنا لإتمام الشهر المبارك، قال تعالى: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)، فلله تعالى تمام الحمد والمنة، وهذه النعم تستوجب الشكر، فلم يصم الصائمون بحولهم وقوتهم، ولم يتهجد المتهجدون بحولهم ولا بقوتهم، ولم يتصدق المتصدقون بحولهم ولا بقوتهم، ولم يتعبد المتعبدون ويتقرب المتقربون ويطع الطائعون إلا بتوفيق الله تعالى وحده وبحوله وقوته، فواجبنا شكره جل وعلا وتبارك، ومن شكره تعالى المداومة على الطاعات وفعلها، وترك المنكرات وهجرها.

وعَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ أَعْمَالِكُمُ الصَّلَاةُ وَلَا يُحَافِظُ عَلَى الْوُضُوءِ إِلَّا مُؤْمِنٌ». رَوَاهُ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وصححه الألباني. أي ابذلوا جهدكم في طاعة ربكم بقدر ما تستطيعون ولن توفوا الحقوق على وجه الكمال، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَنْ يُنْجِيَ أَحَدًا مِنْكُمْ عَمَلُهُ» قَالُوا: وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «وَلَا أَنَا إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ مِنْهُ بِرَحْمَتِهِ فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا واغْدُوا وروحوا وشيءٌ من الدُّلْجَةِ والقَصدَ القصدَ تبلغوا». متفق عليه، وعَنْ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ رضي الله عنه أنه قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَوْ أَنَّ رَجُلًا يَخِرُّ [أو يُجَرُّ] عَلَى وَجْهِهِ، مِنْ يَوْمِ وُلِدَ إِلَى يَوْمِ يَمُوتُ، هَرَمًا فِي مَرْضَاةِ اللهِ، لَحَقَّرَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». رواه أحمد وحسنه الألباني، فعلى العبد أن يداوم على الطاعة بعد رمضان، ويحافظ على اعتياد فعل الطاعات والأوراد الشرعية، إذ اعتاد الطاعة في رمضان، واستساغها، ولم يعد الأمر صعبًا كما كان قبل رمضان.

إن شهر رمضان ليس نهاية سعي الطائعين، بل إن لهم حالاً مع المواظبة والمداومة على الطاعة، وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى الله أدومها وَإِن قل». متفق عليه.

فلا تترك القيام بعد رمضان، ولو ركعات خفيفة من الليل تداوم عليها، وأيام قليلة من النهار تصومها، ودراهم معدودة تتصدق بها.

عباد الله! إن الصيام والعمل الصالح من التجارات الرابحة، ورمضان مثل سوق قام وانفض، والعبد الفطن عبد على كل حال، وفي كل زمان، فلا يتعبد تارة ويتنصل أخرى، بل يكون من أهل الطاعة دائمًا، قال تعالى: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ)، فليست العبادة مقصورة على أيام معينة بل إنها وظيفة العمر كله، فهذا أمر من الله تعالى بعبادته وحتى يأتي أجل العبد.

ولا يصح من العبد أن يَمُنَ ويغتر بعمله، قال تعالى: (وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ)، فلا تمن على الله بالعمل فإن العبد مهما بلغ عمله فلن يوفي حق الله تعالى، ولولا توفيق الله تعالى ما صلى من صلى، ولا زكى من زكى، ولا تزكى من تزكى، ولا صام من صام، ولا قام من قام، ولا أطاع من أطاع؛ ولكن الله تعالى يمن على من يشاء وينعم، قال تعالى: (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)؛ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلمَ متلبسًا بالعمل الصالح، ينقل التراب في حفر الخندق لقتال الكفار ويقول: "اللهم لولا أنت ما اهتدينا .. ولا تصدقنا ولا صلينا". متفق عليه.

والصالحون يعملون الطاعات، ويسألون الله تعالى قبول أعمالهم دون مَنٍّ أو غرور، فعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أنها قَالَتْ: سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: (وَالَّذِينَ يُؤْتونَ مَا آتوا وقُلوبُهم وَجِلَةٌ) أَهُمُ الَّذِينَ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَيَسْرِقُونَ؟ قَالَ: «لَا يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ وَلَكِنَّهُمُ الَّذِينَ يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَتَصَدَّقُونَ وَهُمْ يَخَافُونَ أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْن مَاجَه وصححه الألباني. فالعبرة بقبول العمل، فمن المقبول؟!

روي عن علي رضي الله عنه أنه إذا كانت آخر ليلة من رمضان صاح وبكى وقال: ألا ليت شعري من هو المقبول فنهنيه ومن هو المحروم فنعزيه، وعنه أيضًا أنه قال: كونوا لقبول العمل أشد اهتماماً منكم بالعمل، ألم تسمعوا إلى قول الله عز وجل: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ)، وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: من هذا المقبول منا فنهنيه؟ ومن هذا المحروم منا فنعزيه، وخرجَ عمرُ بنُ عبدِ العزيزِ -رحمهُ اللَّهُ- في يومِ عيدِ فطرٍ، فقالَ في خطبته: أيُّها الناسُ؛ إنَّكم صُمتم للَّهِ ثلاثين يومًا، وقُمتُم ثلاثين ليلةً، وخرجتُم اليومَ تطلبون من اللَّه أن يتقبَّل منكم، وكانَ بعضُ السَّلف يظهرُ عليه الحزنُ يومَ عيدِ الفطر، فيقالُ له: إنَه يومُ فرحٍ وسرورٍ، فيقولُ: صدقتُم، ولكنِّي عبدٌ أمرنِي مولاي أن أعملَ له عملاً، فلا أدري أيقبلُه منِّي أم لا؟

يقول العلماء: من علامات قبول العمل أن يتبع الحسنة بحسنة مثلها، كما قال بعض السلف: الحسنة تقول أختي أختي، والمعصية تقول أختي أختي؛ ومصداق هذا في قوله صلى اللهُ عليه وسلم: «عَليْكُم بِالصِّدقِ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ». متفق عليه.

فمن علامات قبول العمل: المداومة عليه، ومن العبادات المستحبة بعد رمضان: صيام ستة أيام من شهر شوال، فَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّال كَانَ كصيام الدَّهْر». رَوَاهُ مُسلم.

عباد الله! حذار من تضييع الحسنات بعد تحصيلها: قال تعالى: (وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثاً)، فهذا مثل لامرأة خرقاء تعبت واجتهدت في الغزل، فلما استوفته واكتمل تعبت مرة أخرى في نقضه.

ويصدق هذا على ينتكس بعد رمضان، فيترك الصلاة والطاعات، ويُقبل على المعاصي التي هجرها في رمضان عياذًا بالله.

عباد الله علينا بالتوبة والاستغفار والمداومة على العمل الصالح في رمضان وفي غيره من الشهور.

فإذا فرغت فانصب

إن شهر رمضان ليس نهاية سعي الطائعين، بل إن لهم حالاً مع المواظبة والمداومة على الطاعة بعده، وقد خلق الله تعالى الخلق وأمرهم بعبادته في كل الأوقات وليس في رمضان فقط، والله تعالى يحب المداومة على الطاعة ولو كانت قليلة، فعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى الله أدومها وَإِن قل». متفق عليه.

إن شهر رمضان كان اختبارا لكشف قدرة النفس على الاستقامة والطاعة، فقد علم العبد من نفسه أنها تطيق الصيام والقيام والاجتهاد، ولكن الموفق من وفقه الله تعالى.

وحري بالمؤمن الحريص على الطاعة أن ينطلق من رمضان إلى ما بعده، وأن يأخذ قرارا بالمحافظة على العبادات بعد رمضان، ومن الأعمال التي كثرت من الطائعين في رمضان، وهي مشروعة على مدار العام، وبإمكان الناس المدوامة عليها ما يلي:

1- الصلاة: وأول ذلك وأعظمه الفرائض، ثم يداوم على ورد من صلاة النوافل، كالسنن الرواتب، وصلاة الضحى، وقيام الليل، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمِ وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ». رَوَاهُ مُسلم، وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما أنه قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا عَبْدَ اللَّهِ لَا تَكُنْ مِثْلَ فُلَانٍ كَانَ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ فَتَرَكَ قيام اللَّيْل». متفق عليه.

2- قراءة القرآن واستماعه وتدبره: فيجعل المسلم لنفسه وردا من التلاوة ويستمع للقرآن ويتعلم من أحكامه، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: «اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ اقْرَءُوا الزَّهْرَاوَيْنِ الْبَقَرَةَ وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ أَو فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا اقْرَءُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ وَلَا تستطيعها البطلة». رَوَاهُ مُسلم، وعَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَيْرُكُمْ من تعلم الْقُرْآن وَعلمه». رَوَاهُ البُخَارِيّ، وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ وَهُوَ عَلَيْهِ شاق لَهُ أَجْرَانِ». متفق عليه، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ: اقْرَأْ وَارَتْقِ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا فَإِنَّ مَنْزِلَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَة تقرؤها". رَوَاهُ أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وحسنه الألباني، وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا لَا أَقُولُ: آلم حَرْفٌ. أَلْفٌ حَرْفٌ وَلَامٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وصححه الألباني.

3- الصيام: قد شرع الله لنا من الصيام غير رمضان، ومن ذلك صيام ستة أيام من شوال: فعَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ، ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ". رواه مسلم، وَعَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ صَامَ سِتَّةَ أَيَّامٍ بَعْدَ الْفِطْرِ كَانَ تَمَامَ السَّنَةِ، {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا}". رواه ابن ماجه وصححه الألباني، وعَنْه رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ فَشَهْرٌ بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ، وَصِيَامُ سِتَّةِ أَيَّامٍ بَعْدَ الْفِطْرِ، فَذَلِكَ تَمَامُ صِيَامِ السَّنَةِ". أخرجه أحمد وصححه الألباني، قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله: وفي معاودة الصيام بعد رمضان فوائد عديدة:

منها: أن صيام ستة أيام من شوال بعد رمضان يستكمل بها أجر صيام الدهر كله كما سبق.

ومنها: أن صيام شوال وشعبان كصلاة السنن الرواتب قبل الصلاة المفروضة وبعدها، فيكمل بذلك ما حصل في الفرض من خلل ونقص، فإن الفرائض تجبر أو تكمل بالنوافل يوم القيامة، كما ورد ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه متعددة، وأكثر الناس في صيامه للفرض نقص وخلل فيحتاج إلى ما يجبره ويكمله من الأعمال، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم: أن يقول الرجل صمت رمضان كله أو قمته كله، قال الصحابي: فلا أدري أكره التزكية أم لا بد من الغفلة، وكان عمر بن عبد العزيز رحمه الله يقول: من لم يجد ما يتصدق به فليصم، يعني من لم يجد ما يخرجه صدقة الفطر في آخر رمضان فليصم بعد الفطر، فإن الصيام يقوم مقام الإطعام في التكفير للسيئات كما يقوم مقامه في كفارات الإيمان وغيرها من الكفارات في مثل كفارات القتل والوطء في رمضان والظهار.

ومنها: أن معاودة الصيام بعد صيام رمضان علامة على قبول صوم رمضان، فإن الله إذا تقبل عمل عبد وفقه لعمل صالح بعده كما قال بعضهم: ثواب الحسنة الحسنة بعدها فمن عمل حسنة ثم اتبعها بعد بحسنة كان ذلك علامة على قبول الحسنة الأولى، كما أن من عمل حسنة ثم اتبعها بسيئة كان ذلك علامة رد الحسنة وعدم قبولها.

ومنها: أن صيام رمضان يوجب مغفرة ما تقدم من الذنوب، وأن الصائمين لرمضان يوفون أجورهم في يوم الفطر وهو يوم الجوائز فيكون معاودة الصيام بعد الفطر شكرا لهذه النعمة فلا نعمة أعظم من مغفرة الذنوب كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم حتى تتورم قدماه فيقال له: أتفعل هذا وقد غفر الله لك ماتقدم من ذنبك وما تأخر؟ فيقول: "أفلا أكون عبدا شكورا".

وقد أمر الله سبحانه وتعالى عباده بشكر نعمة صيام رمضان بإظهار ذكره وغير ذلك من أنواع شكره فقال: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} فمن جملة شكر العبد لربه على توقيفه لصيام رمضان وإعانته عليه ومغفرة ذنوبه أن يصوم له شكرا عقب ذلك، كان بعض السلف إذا وفق لقيام ليلة من الليالي أصبح في نهاره صائما ويجعل صيامه شكرا للتوفيق للقيام، وكان وهب بن الورد يسئل عن ثواب شيء من الأعمال كالطواف ونحوه؟ فيقول: لا تسألوا عن ثوابه ولكن اسألوا ما الذي على من وفق لهذا العمل من الشكر للتوفيق والإعانة عليه.

على كل نعمة على العبد من الله في دين أو دنيا يحتاج إلى شكر عليها، ثم للتوفيق للشكر عليها نعمة أخرى تحتاج إلى شكر ثان، ثم التوفيق للشكر الثاني نعمة أخرى يحتاج إلى شكر أخر، وهكذا أبدا فلا يقدر العبد على القيام بشكر النعم، وحقيقة الشكر الإعتراف بالعجز عن الشكر.

فأما مقابلة نعمة التوفيق كصيام شهر رمضان بارتكاب المعاصي بعده فهو من فعل من بدل نعمة الله كفرًا.

ومنها أن الأعمال التي كان العبد يتقرب بها إلى ربه في شهر رمضان لا تنقطع بانقضاء رمضان بل هي باقية بعد انقضائه ما دام العبد حيا. انتهى باختصار.

وكذا قضاء الصوم لمن عليه أيام من رمضان: قال تعالى: (فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلٰى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ).

وكذا المواظبة على الصيام على مدار العام، وذلك بعمل ورد للصيام أسبوعي كصوم يومي الإثنين والخميس، أو شهري كصوم ثلاثة أيام من كل شهر، أو سنوي كصوم يوم وإفطار يوم، وصوم التسع الأول من ذي الحجة أو يوم عرفة، وصوم أيام من شهر المحرم، أو صوم عاشوراء، وصوم أيام من شهر شعبان.

4- الصدقة والجود والإنفاق في سبل الخير: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أنه: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلَانِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أطع مُنْفِقًا خَلَفًا وَيَقُولُ الْآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تلفا". متفق عليه، وَعَنْ أَسْمَاءَ أنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَنَفِقِي وَلَا تُحْصِي فَيُحْصِيَ اللَّهُ عَلَيْكِ وَلَا تُوعِي فَيُوعِيَ اللَّهُ عَلَيْكِ ارْضَخِي مَا اسْتَطَعْتِ». متفق عليه، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَنْفِقْ يَا ابْن آدم أنْفق عَلَيْك". متفق عليه، وَعَنْ أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى بِلَالٍ وَعِنْدَهُ صُبْرَةٌ مِنْ تَمْرٍ، فَقَالَ: «مَا هَذَا يَا بِلَالُ؟» قَالَ: شَيْءٌ ادَّخَرْتُهُ لِغَدٍ. فَقَالَ: «أَمَا تَخْشَى أَنْ تَرَى لَهُ غَدًا بخارا فِي نَار جَهَنَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنْفِقْ بِلَالُ وَلَا تَخْشَ من ذِي الْعَرْش إقلالاً». رواه البزار وصححه الألباني، وَعَنه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا نقصت صَدَقَة من مَال شَيْئا وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ». رَوَاهُ مُسلم، وَعَنْهُ أيضًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا الطَّيِّبَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهَا كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَل». متفق عليه.

5- الدعاء: فيكثر العبد من سؤال الله تعالى في أمور دينه ودنياه، ويسأل الله تعالى الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد والغنيمة من كل بر والسلامة من كل إثم والفوز بالجنة والنجاة من النار، لاسيما في الأوقات والأحوال مظان الإجابة، كالسجود ووقت السحر.

6- الذكر: فيكثر العبد من ذكر الله لا سيما الأذكار الموظفة، كأدبار الصلوات والصباح والمساء وعند الأكل والشرب والنوم ونحوها.

7- التآلف والترابط والاجتماع الأسري: اغتنم ثمار رمضان في تقوية العلاقات بين أفراد الأسرة، وفي التربية والتوجيه الصحيح.

8- التكافل والتضامن والتعاطف والتراحم بين المسلمين: نريد أن تستمر هذه الحالة المحمودة من التفقد والبذل والإحسان.

واعلم يا عبدالله أنك مفتقر إلى توفيق الله تعالى وإعانته، فاحذر الاتكال على النفس أو التعلق بالأسباب فتخذل؛ واعلم أنك تحتاج إلى صحبة صالحة تعينك على الخير، وصحبة ناصحة ترشدك إلى الحق، فاحذر صحبة السوء فتنسى المعروف وتألف المنكر فتفتن؛ واعلم أنك تحتاج إلى بيئة صالحة للطاعة فتعاهد القرآن وحلق الذكر وطلب العلم، واهجر المنكرات وأمكانها وأهلها تسهل عليك الطاعة وتألفها إن شاء الله تعالى.

عوامل الثبات

إن حاجة المسلم ماسة للثبات على الدين وفعل الطاعات، والاستقامة على شرع الله والتزامه، لا سيما إذا كان حديث عهد بموسم عظيم من مواسم الطاعات مثل رمضان، ولا سيما إن كان من العاملين فيه بطاعة الله تعالى، ولا سيما مع الشعور بالفقد والفتور بعد رمضان، ولا سيما في أزمنة الفتن وقلة الأعوان على الخير والصلاح والإصلاح.

قال الله تعالى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ}، فالعبادة إذن لا تقتصر على وقت دون غيره، وللثبات على الطاعات عوامل منها:

1- أن نؤمن بأن التثبيت من الله وحده، وأن الموفق من وفقه الله تعالى: قال الله تعالى: (وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا)، أي: ولولا أن مننا عليك بالتثبيت على الحق لقد أوشكت أن تميل إليهم بعض المَيْل، فتوافقهم فيما اقترحوه عليك؛ لقوة خداعهم وشدّة احتيالهم مع فرط حرصك على إيمانهم، لكن عصمناك من الميل إليهم.

2- الإيمان والعمل الصالح: قال الله تعالى: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ)، وقال سبحانه: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ)، أي: يُثبِّت الله المؤمنين بالإيمان والعمل الصالح في الحياة الدنيا حتى يموتوا على حسن الخاتمة، ويثبتهم في القبر عند السؤال، ويثبتهم يوم القيامة.

3- الامتثال لله بفعل ما جاء في الكتاب والسنة، والعمل بالعلم: قال الله تعالى: (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا . وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا)، أي: ولو أنهم فعلوا ما يُذَكَّرُون به من طاعة الله لكان خيرًا من المخالفة، وأشد رسوخًا لإيمانهم، ولآتيناهم من عندنا ثوابًا عظيمًا، ولوفقناهم إلى الطريق الموصل إلى الله وجنته.

4- الخوف من تحول القلب عن الحق، وصرفه لغيره.

5- الدعاء وسؤال الله الثبات على الحق: فإن هذا من صفات وأحوال المؤمنين، قال تعالى عنهم: (رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا)، وقال تعالى: (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ . وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ . فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)، وعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: «يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ»؛ فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ آمَنَّا بِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا؟ قَالَ: «نَعَمْ إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ». رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه وصححه الألباني، وعن شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رضي الله عنه عن رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: «إِذَا اكْتَنَزَ النَّاسُ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ، فَاكْتَنِزُوا هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الْأَمْرِ، وَالْعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشْدِ، وَأَسْأَلُكَ شُكْرَ نِعْمَتِكَ، وَحُسْنَ عِبَادَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا تَعْلَمُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا تَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا تَعْلَمُ، إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ». أخرجه ابن حبان، وصححه لغيره الألباني، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى عَلَى الْجَنَازَةِ قَالَ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا وَشَاهِدِنَا وَغَائِبِنَا وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا. اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الْإِيمَانِ. اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُ». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وصححه الألباني.

6- الإقبال على القرآن سماعًا وتلاوة وحفظًا وعملاً به: قال الله تعالى: (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ)، أي: ليثبّت الذين آمنوا بالله على إيمانهم، وليكون هداية لهم إلى الحق، وبشارة للمسلمين بما يحصلون عليه من الثواب الكريم، وقال سبحانه: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا).

7- دراسة قصص الأنبياء وتدبرها للاقتداء بهم: قال الله تعالى: (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ)، أي: لنُثَبِّت به قلبك على الحق ونقوّيه؛ فمن تدبر قصص الأنبياء وتأمل في أحوالهم اطمأن قلبه وثبت فؤداه وعلم طبيعة الطريق؛ فتأمل مثلاً في قصص نوح وإبراهيم وموسى ويوسف ومحمد صلى الله عليهم وسلم تسليمًا كثيرًا.

8- كثرة ذكر الله تعالى: قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)، أي: تهدأ قلوبهم وتثبت بذكر الله تعالى، وقد أمر الله عز وجل بالثبات في الجهاد وعدم الفرار وأمر بذكره كثيرًا في هذا الموطن فإنه من أعظم عوامل الثبات، قال تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).

9- العيش في مجتمع صالح: فعَنْ أَبِي مُوسَى الأشعري رضي الله عنه أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ، كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ؛ فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ وَإِمَّا أَنْ تبتاعَ مِنْهُ وإِمَّا أَن تجدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يَحْرِقَ ثيابَكَ وإِمَّا أنْ تجدَ مِنْهُ ريحًا خبيثةً». مُتَّفق عَلَيْهِ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عن رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن الله تعالى يقول للملائكة فيمن شهدوا مجالس الذكر: "هُمُ الْقَوْمُ لَا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ". رواه البخاري ومسلم، وفي قصة الرجل الذي قتل مائة نفس قال له العالم: «انْطَلِقْ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا، فَإِنَّ بِهَا أُنَاسًا يَعْبُدُونَ اللهَ فَاعْبُدِ اللهَ مَعَهُمْ، وَلاَ تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ فَإِنَّهَا أَرْضُ سَوْءٍ». متفق عليه، ولا شك أن مجتمع الصحابة رضي الله عنهم مختلف تمامًا عن مجتمع الجاهلية، فتأمل.

10- الصحبة الصالحة الناصحة المصلحة: قال تعالى: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا)، وَعَن أبي سعيد أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا وَلَا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وحسنه الألباني، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلْ». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وحسنه الألباني.

11- حسن الظن بالله تعالى: وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَأٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَأٍ خير مِنْهُم". متفق عليه.

12- معاونة الخلق والإحسان إليهم، وأعظم ذلك بالنصيحة في الدين والدعوة إلى الله تعالى: قال تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ». رَوَاهُ مُسلم.

مع تحيات

اللجنة العلمية لملتقى الخطيب المؤثر أسد المنابر