الحث على اغتنام ما تبقى من رمضان، والحرص على حسن اختتامه بصالح الأعمال، والتذكير بآداب العيد.
سلسلة الخطب المقترحة رقم ((547))
الخطبة الرابعة من رمضان لعام 1445 هـ
عنوان الخطبة ((فسارعوا))
الهدف من الخطبة : الحث على اغتنام ما تبقى من رمضان، والحرص على حسن اختتامه بصالح الأعمال، والتذكير بآداب العيد.
عناصر الموضوع
1) - إنما الأعمال بالخواتيم.
2) أحسن فيما بقي
3) زكاة الفطر من رمضان
4) آداب عيد الفطر
المقدمة: أما بعد، قال الله تعالى: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.
بين يدي الخطبة:
إنما الأعمال بالخواتيم
قال تعالى عن شهر رمضان: {أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ}، ها هي شمس رمضان قد أوشكت على الغروب، فما أجمل ختام هذا الشهر المبارك بالتوبة والاستغفار وسؤال الله تعالى القبول وشكره سبحانه على تيسيره وإعانته وتوفيقه، فإن العبد لا حول له ولا قوة إلا بالله، كما أنه ينفك عن نقص وتقصير، وإننا وَاللَّهِ لَوْلَا اللَّهُ مَا اهْتَدَيْنَا وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صلَّينا، وقَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا، فَإِنَّهُ لا يُدْخِلُ أَحَدًا الجَنَّةَ عَمَلُهُ». قَالُوا: وَلاَ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «وَلا أَنَا، إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِمَغْفِرَةٍ وَرَحْمَةٍ». متفق عليه.
وعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَرْوِي عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: «يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعمالكُم أحصها عَلَيْكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَمِنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومن إِلَّا نَفسه». رَوَاهُ مُسلم.
وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالْخَوَاتِيمِ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: وَالِاعْتِبَارُ فِي الْفَضَائِلِ بِكَمَالِ النِّهَايَةِ لَا بِنَقْصِ الْبِدَايَةِ. انتهى من منهاج السنة.
وقال ابن الجوزي رحمه الله: وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الاجْتِهَادُ فِي أَوَاخِرِ الشَّهْرِ أَكْثَرَ من أوله لشيئين: أحدهما لشرف هذا الْعَشْرِ وَطَلَبِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ. وَالثَّانِي: لِوَدَاعِ شَهْرٍ لا يَدْرِي هَلْ يَلْقَى مِثْلَهُ أَمْ لا. انتهى بتصرف يسير من التبصرة.
أحسن فيما بقي
بعد أيام قليلة ينقضي هذا الشهر المبارك، سوق قام وانفض، ربح فيه من ربح، وغُبن فيه من غُبن؛ ولكن هناك رسالة للعاملين والمجتهدين، وكذا للمقصرين، والمفرطين:
عَن سهل بن سَعْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ العَبْدَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ وَإِنَّهُ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الجَنَّةِ وَإِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَإِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالخَوَاتِيمِ». متفق عليه.
أيها الطائع أيها العابد الزاهد أيها المُجد المجتهد لا تغتر بعملك، واخضع وانكسر لربك، وسله الثبات على الأمر، والعزيمة على الرشد، فالأعمال بالخواتيم، وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: «يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ» فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ آمَنَّا بِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا؟ قَالَ: «نَعَمْ إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه وصححه الألباني.
وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «سَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا، فَإِنَّهُ لا يُدْخِلُ أَحَدًا الجَنَّةَ عَمَلُهُ» قَالُوا: وَلاَ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «وَلا أَنَا، إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِمَغْفِرَةٍ وَرَحْمَةٍ». متفق عليه.
أيها الطائع أيها العابد الزاهد أيها المُجد المجتهد إياك والعجب والغرور، وهل أهلك إبليس إلا هذا؟!
أيها المقصر أيها المفرط إياك والقنوط واليأس، وعليك بالعمل فأحسن في ما بقي، فإن هذا زمان فاضل ليس للهو واللعب والتفريط، وعن أبي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَنْ يُدْخِلَ أَحَدًا عَمَلُهُ الجَنَّةَ» قَالُوا: وَلاَ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "لاَ، وَلاَ أَنَا، إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِفَضْلٍ وَرَحْمَةٍ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا، وَلاَ يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ المَوْتَ: إِمَّا مُحْسِنًا فَلَعَلَّهُ أَنْ يَزْدَادَ خَيْرًا، وَإِمَّا مُسِيئًا فَلَعَلَّهُ أَنْ يَسْتَعْتِبَ" رواه البخاري، وعَن أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآنِ - أَوْ تَمْلَأُ - مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالصَّلَاةُ نُورٌ وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
عباد الله استنقذوا أنفسكم قبل فوات الأوان، فإن الأزمان تمضي، والأعمار تنقضي.
روى ابن أبي الدنيا في كتاب الزهد عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: جَاءَ مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ: يَا أَطْوَلَ النَّبِيِّينَ عُمْرًا كَيْفَ وَجَدْتَ الدُّنْيَا وَلَذَّتَهَا؟ قَالَ: «كَرَجُلٍ دَخَلَ بَيْتًا لَهُ بَابَانِ، فَقَامَ فِي وَسَطِ الْبَيْتِ هُنَيَّةً، ثُمَّ خَرَجَ مِنَ الْبَابِ الْآخَرِ».
ونحن مهما بلغت سنون وأعوام حياتنا فإنها قصيرة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَعْمَارُ أُمَّتِي مَا بَيْنَ السِتِّينَ إِلَى السَبْعِينَ وَأَقَلُّهُمْ مَنْ يَجُوزُ ذَلِكَ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَه وحسنه الألباني .
فلا حيلة إلا بإحسان العمل، والتوبة والاستغفار من التقصير والذلل، لا سيما وقد خفي علينا الأجل، والعبرة بالخواتيم وحسن العمل .
وخير الناس هم أهل اغتنام الأعمار في طاعة ربهم سبحانه، فعَن أبي بكرةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ خيرٌ؟ قَالَ: «مَن طالَ عمُرُه وحسُنَ عَمَلُهُ» . قَالَ: فَأَيُّ النَّاسِ شَرٌّ؟ قَالَ: «مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَسَاءَ عَمَلُهُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وصححه الألباني .
فهنيئًا لمن طالت أعمارهم في طاعة ربهم ، فهم الأخيار بنص قول النبي عليه الصلاة والسلام؛ والعكس بالعكس لمن طالت أعمارهم وساءت أعمالكم -عياذًا بالله- .
فعلى من أطال الله بقاءه، وبسط له في عمره أن يحسن العمل، ولا ينتهج الخمول والكسل، فإنه لا يدري بمَ يختم له، والأعمال بالخواتيم كما أخبر سيد المرسلين.
وعلى من فرط أن يبادر بالعودة، ويقدم بين يدي رجوعه التوبة، وأن يصلح من طاعته وعمله، ويحسن فيما بقي من أجله.
زكاة الفطر من رمضان
إن هذا الشهر المبارك تتنوع فيه الطاعات، فقد شرع الله تعالى لنا فيه الصيام، والقيام، والعمرة، والاعتكاف، وصور شتى من العبادات، ومما شرع الله سبحانه وتعالى فعله في آخر هذا الشهر: صدقة الفطر، وهذا من فضل الله تعالى علينا فإن صدقة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ" الحديث متفق عليه، فشرع الله جل وعلا لنا ما يَطهر به صومنا مما قد يشوبه من اللغو أو الرفث؛ وما ينجبر به النقص أو التفريط أو التقصير؛ ليجزي سبحانه عليه عظيم الجزاء.
وهي طعمة للمساكين، إنعامًا منه تعالى عليهم، فيفرحون ولا يبأسون، ويأكلون ولا يسألون حال فرح الناس يوم العيد فيفرح كل المسلمين معًا، ولله الحمد والفضل والمنة.
عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أنه قَالَ: فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَ الصِّيَامِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وصححه الألباني.
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أنه قَالَ: فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاس إِلَى الصَّلَاة. متفق عليه.
فتجب زكاة الفطر على كل مسلم كبير وصغير، وذكر وأنثى، وحر وعبد؛ ويجب أن يُخرجها المسلم عن نفسه، وعمن تلزمه نفقته، من زوجة أو قريب، ويستحب إخراجها عن الجنين.
والواجب في زكاة الفطر صاع من غالب قوت أهل البلد من بر (قمح)، أو شعير، أو تمر، أو زبيب، أو أَقط، أو أرز، أو ذرة، أو غير ذلك؛ لثبوت ذلك عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الأحاديث الصحيحة.
ويجوز أن تعطي الجماعة زكاة فطرها لشخص واحد، وأن يعطي الواحد زكاته لجماعة.
والسنة تأخير زكاة الفطر، فتجب زكاة الفطر بغروب شمس آخر يوم من رمضان، وأول ليلة من شوال (ليلة عيد الفطر)، والأفضل أن تخرج مع خروج الناس لصلاة العيد، ولا بأس أن تخرج قبل العيد بيوم أو يومين.
آداب عيد الفطر
قد شرع الله تعالى لنا الفرح بعد هذه العبادة الجليلة عبادة الصيام، فشرع لنا العيد، وفي الحديث: "لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ". متفق عليه، ولا يجوز استباحة العيد بفعل المحرمات وارتكاب المنهيات بدعوى الفرح، فاحذروا احتراق أعمال الخير في رمضان بالمعاصي بعده، فقد تذهب حقير الذنوب في أعيينا بكثير الطاعة، قال تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا}.
والعيد شعيرة من شعائر الإسلام العظيمة الظاهرة, والمسلمون ليس عندهم إلا عيد الفطر وعيد الأضحى، ولا يحل لنا الاحتفال بغيرهما من الأعياد، فعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أنه قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا فَقَالَ: «مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ؟» قَالُوا: كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قَدْ أَبْدَلَكُمُ اللَّهُ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الْأَضْحَى وَيَوْمَ الْفِطْرِ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُد صححه الألباني.
ومن تأمل في هذا التشريع الحكيم علم لماذا العيد؟ ولماذا نفرح؟ فإن الأعياد شرعت للفرح بالتوبة والطاعة والمغفرة والفوز بالجنة والنجاة من النار، قال تعالى: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)، فليفرحوا بالطاعات، فليفرحوا بالرحمات، فليفرحوا بالبركات، فليفرحوا بإقامة الصلوات، فليفرحوا بالإحسان والصدقات، فليفرحوا بالصيام، فليفرحوا بالحج، وغير ذلك من الطاعات؛ فلا يجوز للعبد إذن أن يفرح بمعصية الله تعالى، ونحوها ونحن في هذه المواسم العظيمة.
ومن سنن وآداب عيد الفطر:
1- التكبير: ويبدأ من ليلة العيد وحتى صلاته، ويكبر حال ذهابه للمصلى وبالمصلى، ويرفع صوته بالتكبير، فعَنْ عَبْدِ اللهِ بن عمر رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْرُجُ مِنَ الْعِيدَيْنِ رَافِعًا صَوْتَهُ بِالتَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ. أخرجه البيهقي في شعب الإيمان وحسنه الألباني، وعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ يُكَبِّرُ يَوْمَ الْفِطْرِ مِنْ حِينِ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ حَتَّى يَأْتِيَ الْمُصَلَّى». أخرجه الحاكم والبيهقي والدارقطني وصححه الألباني، ويروى موقوفًا على ابن عمر.
2- ومن آدابه الاغتسال، والتنظف، والتطيب، والتسوك، ولبس الثياب الجميلة، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْبَسُ يَوْمَ الْعِيدِ بُرْدَةً حَمْرَاءَ. أخرجه الطبراني وقال الألباني: هذا إسناد جيد، وعَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَغْتَسِلُ يَوْمَ الْفِطْرِ، قَبْلَ أَنْ يَغْدُوَ إِلَى الْمُصَلَّى. أخرجه مالك وصححه الألباني، وعَنْ زَاذَانَ أنه قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ الْغُسْلِ فَقَالَ: «اغْتَسِلْ كُلَّ يَوْمٍ إِنْ شِئْتَ»، فَقَالَ: الْغُسْلُ الَّذِي هُوَ الْغُسْلُ؟ قَالَ: «يَوْمُ الْجُمُعَةِ، وَيَوْمُ عَرَفَةَ، وَيَوْمُ النَّحْرِ، وَيَوْمُ الْفِطْرِ». أخرجه الشافعي في المسند وقال الألباني: إسناده صحيح.
3- الفطر قبل الخروج للمصلى على تمرات، وأن يجعلهن وترًا، فَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَغْدُو يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ وَيَأْكُلَهُنَّ وِتْرًا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
4- وأن يخرج إلى المصلى ماشيًا ويرجع ماشيًا: فعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أنه قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْرُجُ إِلَى الْعِيدِ مَاشِيًا، وَيَرْجِعُ مَاشِيًا». رواه ابن ماجه وحسنه الألباني، وعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أنه قَالَ: إِنَّ مِنَ السُّنَّةِ أَنْ يَمْشِيَ إِلَى الْعِيدِ. رواه ابن ماجه وحسنه الألباني.
5- مخالفة الطريق، فيذهب من طريق ويرجع من طريق آخر: فَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ يَوْمُ عِيدٍ خَالَفَ الطَّرِيق. رَوَاهُ البُخَارِيّ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَرَجَ يَوْمَ الْعِيدِ فِي طَرِيقٍ رَجَعَ فِي غَيْرِهِ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وصححه الألباني.
6- صلاة العيد في المصلى، وسماع خطبته، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رضي الله عنه أنه قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْرُجُ يَوْمَ الفِطْرِ وَالأَضْحَى إِلَى المُصَلَّى، فَأَوَّلُ شَيْءٍ يَبْدَأُ بِهِ الصَّلاَةُ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ، فَيَقُومُ مُقَابِلَ النَّاسِ، وَالنَّاسُ جُلُوسٌ عَلَى صُفُوفِهِمْ فَيَعِظُهُمْ، وَيُوصِيهِمْ، وَيَأْمُرُهُمْ، فَإِنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَقْطَعَ بَعْثًا قَطَعَهُ، أَوْ يَأْمُرَ بِشَيْءٍ أَمَرَ بِهِ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ». متفق عليه.
7- خروج جميع المسلمين لشهود الصلاة رجالاً ونساءً صغارًا وكبارًا: فعَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أنها قَالَتْ: أُمِرْنَا أَنْ نُخْرِجَ الْحُيَّضَ يَوْمَ الْعِيدَيْنِ وَذَوَاتَ الْخُدُورِ فَيَشْهَدْنَ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَدَعْوَتَهُمْ وَتَعْتَزِلُ الْحُيَّضُ عَنْ مُصَلَّاهُنَّ قَالَتِ امْرَأَةٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِحْدَانَا لَيْسَ لَهَا جِلْبَابٌ؟ قَالَ: «لِتُلْبِسْهَا صَاحِبَتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا». متفق عليه.
8- صلاة ركعتين في البيت بعد الرجوع من صلاة العيد: فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُصَلِّي قَبْلَ الْعِيدِ شَيْئًا، فَإِذَا رَجَعَ إِلَى مَنْزِلِهِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ. أخرجه ابن ماجه وحسنه الألباني.
9- لا حرج في التهنئة بالعيد: فعن محمد بن زياد أنه قال: كنت مع أبي أمامة الباهلي وغيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فكانوا إذا رجعوا يقول بعضهم لبعض: تقبل الله منا ومنك. قال الإمام أحمد بن حنبل: إسناده اسناد جيد، وعن جُبَير بن نفير أنه قال: كان أصحاب النبي صلى اللهُ عليه وسلَّم إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض: تقبَّل الله منا ومنك. رواه المحاملي في كتاب صلاة العيدين وصححه الألباني.
10- التوسعة على الأهل والعيال في المباح مع اجتناب الحرام؛ فَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أنه قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا فَقَالَ: «مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ؟» قَالُوا: كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَدْ أَبْدَلَكُمُ اللَّهُ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الْأَضْحَى وَيَوْمَ الْفِطْرِ». رَوَاهُ أحمد وأَبُو دَاوُد والنسائي وصححه الألباني، وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أنها قَالَتْ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا جَارِيَتَانِ فِي أَيَّامِ مِنًى تُدَفِّفَانِ وَتَضْرِبَانِ وَفِي رِوَايَةٍ: تُغَنِّيَانِ بِمَا تَقَاوَلَتِ الْأَنْصَارُ يَوْمَ بُعَاثَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَغَشٍّ بِثَوْبِهِ فَانْتَهَرَهُمَا أَبُو بَكْرٍ فَكَشَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ وَجْهِهِ فَقَالَ: "دَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ فَإِنَّهَا أَيَّامُ عِيدٍ وَفِي رِوَايَةٍ: يَا أَبَا بَكْرٍ إِن لكل قوم عيدا وَهَذَا عيدنا". متفق عليه، ولا يجوز استباحة العيد بفعل المحرمات وارتكاب المنهيات بدعوى الفرح، فاحذروا احتراق أعمال الخير في رمضان بالمعاصي بعده، فقد تذهب حقير الذنوب في أعيينا بكثير الطاعة، قال تعالى: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا)، ولنحرص على طاعة الله تعالى في جميع الأوقات، ولنحرص على صلة الأرحام والتوسعة على الأهل والأولاد وإدخال السرور عليهم في غير إسراف أو محرم
مع تحيات
اللجنة العلمية لملتقى الخطيب المؤثر أسد المنابر