بيان حال الأمة في زمان اجتياح التتار، والشبه بين زماننا وذاك الزمان، ووحدة سبيل التمكين.
سلسلة الخطب المقترحة رقم (( 546 ))
الخطبة الثانية من شهر رمضان 1445 هـ
بعنوان : (( معركة عين جالوت ))...................
الغرض من الخطبة: بيان حال الأمة في زمان اجتياح التتار، والشبه بين زماننا وذاك الزمان، ووحدة سبيل التمكين.
عناصر الموضوع:
1- ما أشبه الليلة بالبارحة.
2- عين جالوت.
3- اللهم فرج كرب أمتنا.
المقدمة: أما بعد، قال الله تعالى: (فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا)، فلله عز وجل سنن في الخلق، وسنن في الدول، وسنن في المسلمين، وسنن في الكافرين؛ وكل هذه السنن تعمل مجتمعة، وتجري على حسب ما قدره الله تعالى لها من قواعدَ وقوانينَ، فلا تتغير ولا تتبدل، بل تجرى كما قدرها وأرادها سبحانه وتعالى.
ومن تأمل في سنن الله تعالى أيقن أن واقعنا ليس بجديد في سنته سبحانه، بل ما أشبه الليلةَ بالبارحة، فإن الأمة اليوم تمر بحالة من الاستضعاف، ومكرِ الأعداء، على اختلاف مشاربهم، وعلى تنوع غاياتهم، وكلهم يظن أن الإسلام قد انتهت دولته، وذهبت صولته وجولته، حتى قنع بعض المسلمين بالانطواء والسكون، وجلس بعضهم ظنًا منهم أن الأمر قد قضي، وبعضهم يبكي أمجاده، وينادى أين عمر وخالد وصلاح الدين؟! وبعضهم يُلقي المسئولية عن عاتقه ويقول: أين العلماء وأين المصلحون؟ وكل هؤلاء مبتلون بالتقصير وعدم القيام بما يجب عليهم تجاه نصرة دينهم وأمتهم، بل قد جهلوا السنن الإلهية والقوانين الربانية، فإن سنة الله تعالى ماضية، ودولة الإسلام باقية، وقافلته سائرة، التحق بها من التحق، وانخنس عنها من انخنس.
قال تعالى: (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ)، فتارة نصر وتارة هزيمة، وتارة تمكين وتارة استضعاف، ولكن العاقبة للمتقين.
بين يدي الخطبة:
ما أشبه الليلةَ بالبارحة
إنها ليست المرة الأولى التي يصل الحال بالمسلمين إلى هذه الدرجة من الاستضعاف، بل من تأمل السير والأخبار والتاريخ، علم أن الأيام دول، والحرب سجال، وتعالوا نتصفح بعض صفحات التاريخ لنرى حالنا في زمان غيرنا، وما أشبه حالنا بحال الأمة وقت ظهور التتار؛ ففي أوائل القرن السابع الهجري كانت دولة الإسلام تضرب من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، من حدود الصين في آسيا شرقًا إلى الأندلس في أوربا غربًا، ومع هذا الاتساع الشاسع فقد كانت الدولة في أوهى حالات ضعفها، حيث انقسمت إلى دويلات وولايات وإمارات تنتمي إلى دولة الخلافة نسبة فقط، فها هي دولة الموحدين في المغرب، ودولة الأيوبيين منقسمة في مصر والشام، ودولة الخوارزميين في المشرق، ودولة الخلافة في بغداد، وقد بلغت مبلغًا عظيمًا من الضعف والوهن، فضاعت هيبة الخلافة آنذاك، فقد وصل الحال بالخلفاء أن يكون مبلغ أمانيهم الاستمرار أطول فترة ممكنة في الحكم، ثم توريثه لأبنائهم، وتمكين أفراد عائلتهم من رقاب الناس، وكذلك كانوا يحرصون على جمع الأموال الكثيرة، وسماع الأغاني والموسيقى واللهو والطرب؛ وانشغلوا عن أحوال الرعية ومصالحها.
في هذا الوقت ظهرت قوة جديدة في العالم، وهي جيش التتار، عبارة عن مجموعة من القبائل المغولية، يقودها جنكيز خان مؤسس دولتهم، وكان قائداً عسكرياً ميت القلب، سفاكاً للدماء، فجهز جيشه وانطلق يغزو الديار المسلمة، وقد تعترضه بعض المقاومات الضعيفة؛ فقتلوا الرجال، واغتصبوا النساء، وذبحوا الأطفال، وبقروا بطون الحوامل، وانتهكوا الأعراض، ونهبوا الأموال، وحرقوا الديار، ولم يبقوا على شيء.
قال ابن الأثير في الكامل: نسأل الله أن ييسر للإسلام والمسلمين نصرا من عنده، فإن الناصر، والمعين، والذاب، عن الإسلام معدوم، {وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ}، فإن هؤلاء التتر إنما استقام لهم هذا الأمر لعدم المانع . انتهى
وقال: ذكر خروج التتر إلى بلاد الإسلام؛ لقد بقيت عدة سنين معرضا عن ذكر هذه الحادثة استعظاما لها، كارها لذكرها، فأنا أقدم إليه رجلا وأؤخر أخرى، فمن الذي يسهل عليه أن يكتب نعي الإسلام والمسلمين؟ ومن الذي يهون عليه ذكر ذلك؟ فيا ليت أمي لم تلدني، ويا ليتني مت قبل حدوثها وكنت نسيًا منسيًا، إلا أنني حثني جماعة من الأصدقاء على تسطيرها وأنا متوقف، ثم رأيت أن ترك ذلك لا يجدي نفعًا، فنقول: هذا الفعل يتضمن ذكر الحادثة العظمى، والمصيبة الكبرى التي عقت الأيام والليالي عن مثلها، عمت الخلائق، وخصت المسلمين، فلو قال قائل: إن العالم مذ خلق الله سبحانه وتعالى آدم، إلى الآن، لم يبتلوا بمثلها، لكان صادقًا، فإن التواريخ لم تتضمن ما يقاربها ولا ما يدانيها.
ومن أعظم ما يذكرون من الحوادث ما فعله بُخْتُ نَصَّرَ ببني إسرائيل من القتل، وتخريب البيت المقدس، وما البيت المقدس بالنسبة إلى ما خرب هؤلاء الملاعن من البلاد، التي كل مدينة منها أضعاف البيت المقدس، وما بنو إسرائيل بالنسبة إلى من قتلوا، فإن أهل مدينة واحدة ممن قتلوا أكثر من بني إسرائيل، ولعل الخلق لا يرون مثل هذه الحادثة إلى أن ينقرض العالم، وتفنى الدنيا، إلا يأجوج ومأجوج؛ وأما الدجال فإنه يُبْقِي على من اتبعه، ويهلك من خالفه، وهؤلاء لم يبقوا على أحد، بل قتلوا النساء والرجال والأطفال، وشقوا بطون الحوامل، وقتلوا الأجنة، فإنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
لهذه الحادثة التي استطار شررها، وعم ضررها، وسارت في البلاد كالسحاب استدبرته الريح، فإن قوما خرجوا من أطراف الصين، فقصدوا بلاد تركستان مثل كَاشْغَرَ وَبِلَاسَاغُونَ، ثم منها إلى بلاد ما وراء النهر، مثل سمرقند وبخارى وغيرهما، فيملكونها، ويفعلون بأهلها ما نذكره. انتهى.
ثم ذكر اجتياحهم البلاد وما فعلوه فيها من الفساد، من القتل والنهب والتخريب، حتى ملكوها في أقل من سنة واحدة.
فقال: وَهَؤُلَاءِ قَدْ مَلَكُوا أَكْثَرَ الْمَعْمُورِ مِنَ الْأَرْضِ وَأَحْسَنَهُ، وَأَكْثَرَهُ عِمَارَةً وَأَهْلًا، وَأَعْدَلَ أَهْلِ الْأَرْضِ أَخْلَاقًا وَسِيرَةً، فِي نَحْوِ سَنَةٍ، وَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ فِي الْبِلَادِ الَّتِي لَمْ يَطْرُقُوهَا إِلَّا وَهُوَ خَائِفٌ يَتَوَقَّعُهُمْ، وَيَتَرَقَّبُ وُصُولَهُمْ إِلَيْهِ. انتهى.
قال ابن كثير رحمه الله عن اجتياحهم لمدينة بخارى: ففتحوها قسرًا في عشرة أيام، فقتل من كان بها، ثم عاد إلى البلد فاصطفى أموال تجارها وأحلها لجنده فقتلوا من أهلها خلقًا لا يعلمهم إلا الله عز وجل، وأسروا الذرية والنساء، وفعلوا معهن الفواحش بحضرة أهليهن، فمن الناس من قاتل دون حريمه حتى قتل، ومنهم من أسر فعذب بأنواع العذاب، وكثر البكاء والضجيج بالبلد من النساء والأطفال والرجال، ثم ألقت التتار النار في دور بخارى ومدارسها ومساجدها فاحترقت حتى صارت بلاقع خاوية على عروشها، ثم كروا راجعين عنها قاصدين سمرقند. انتهى من البداية والنهاية.
ووصف المؤرخون حال المسلمين، بالذل والصغار، والاستكانة والاستسلام، ووقوع الخلاف فيما بينهم، وانشغال بعضهم بالشهوات،
قال ابن الأثير: وَبَلَغَنِي أَنَّ امْرَأَةً مِنَ التَّتَرِ دَخَلَتْ دَارًا وَقَتَلَتْ جَمَاعَةً مِنْ أَهْلِهَا وَهُمْ يَظُنُّونَهَا رُجُلًا، فَوَضَعَتِ السِّلَاحَ وَإِذَا هِيَ امْرَأَةٌ، فَقَتَلَهَا رَجُلٌ أَخَذَتْهُ أَسِيرًا، وَسَمِعْتُ مِنْ بَعْضِ أَهْلِهَا أَنَّ رَجُلًا مِنَ التَّتَرِ دَخَلَ دَرْبًا فِيهِ مَائَةُ رَجُلٍ، فَمَا زَالَ يَقْتُلُهُمْ وَاحِدًا وَاحِدًا حَتَّى أَفْنَاهُمْ، وَلَمْ يَمُدَّ أَحَدٌ يَدَهُ إِلَيْهِ بِسُوءٍ، وَوُضِعَتِ الذِّلَّةُ عَلَى النَّاسِ فَلَا يَدْفَعُونَ عَنْ نُفُوسِهِمْ قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا، نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنِ الْخِذْلَانِ. انتهى.
ولا زال الأمر كذلك حتى وصلوا بغداد وقاتلهم من فيها تسعة وثلاثين نهارًا، ثم سقطت بغداد في أيدي التتار، ومن ثم سقطت الخلافة العباسية بعد خمسة قرون من قيامها، فقتل الخليفة، وقتل أهل بغداد (حوالي ثلاثة ملايين نسمة)، وجرت سيول الدماء، وكانت الجثث كالتلال، واختبئ بعض الناس بالقبور، وبعضهم تحت الأرض، ولكن نتنت الجثث وانتشرت الأوبئة، فمات الجميع، وحملت الرياح الأوبئة إلى بلاد الشام، فدمرت وخربت البلاد.
ومن أعظم أسباب حصول ذلك الذل والصغار، ثقة الخليفة في الشيعة الروافض واعتماد ابن العلقمي الرافضي وزيرًا للخليفة، ذو رأي ومشورة عنده، فما لبث أن خان عهده، وخالف بيعته، ولفظ إحسانه، فكتب إلى التتار يناصرهم، ويأملهم، ويقوي عزمهم على اجتياح العراق، فكان ما كان، ثم عينه هولاكو قائد التتار آنذاك حاكمًا على بغداد، لكنه لم يلبث إلا ثلاثة أشهر ثم مات غبنًا وغمًا.
ثم اجتاح التتار الشام أيضًا حتى وصلوا إلى غزة، وأوشكوا على دخول سيناء، فراسلوا حاكم مصر آنذاك بالاستسلام والإذعان، ولكن قدَّر الله تعالى أمرًا فيه الفرج بعد الكرب، والنصر بعد الهزيمة والصبر.
عين جالوت
اجتمعت كلمة العسكر أخيرًا، واتحدت مصر والشام تحت راية واحدة، وقام العلماء والفقهاء مثل سلطان العلماء عبدالعزيز بن عبدالسلام، بواجبهم تجاه جهاد العدو، وقام الأمراء والمجاهدون، فاجتمعت كلمتهم على جهاد الأعداء.
فها هو الملك المظفر سيف الدين قطز صاحب مصر يسمع للعلماء، ويؤلف الأمراء، ولما بلغه أن التتار قد فعلوا بالشام ما فعلوه، وقد نهبوا البلاد كلها حتى وصلوا إلى غزة، وقد عزموا على الدخول إلى مصر، مزق رسالة التتار التي وصلت إليه، وقتل من جاء بها وصلبهم، ثم بادرهم قبل أن يبادروه وبرز إليهم وأقدم عليهم قبل أن يقدموا عليه، فخرج في عساكره وقد اجتمعت الكلمة عليه، حتى انتهى إلى الشام واستيقظ له عسكر التتار وعليهم كتبغا، وقد أشير عليه بأنه لا قبل له بالمظفر قطز حتى يطلب مددًا من هولاكو؛ فأبى إلا أن يناجزه سريعًا، فساروا إليه وسار المظفر إليهم، فكان اجتماعهم على عين جالوت (قرية بين بيسان ونابلس) يوم الجمعة الخامس والعشرين من رمضان، فلما رأى قطز عصائب التتار وجحافلهم، قال للأمراء والجيوش الذين معه: لا تقاتلوهم حتى تزول الشمس وتفيء الظلال وتهب الرياح، ويدعو لنا الخطباء والناس في صلاتهم، أي لا تبدأوا القتال إلا بعد صلاة المسلمين للجمعة ودعاؤهم للجيوش فيها.
ثم تلاحم الفريقان واقتتلوا قتالاً عظيمًا، فشد التتار على المسلمين في بداية المعركة، حتى كُسرت ميسرة المسلمين، وقتل جواد قطز، فترجل وبقي واقفاً على الأرض ثابتاً، والقتال عمَّال في المعركة، وهو في موضع السلطان في القلب، فلما رآه بعض الأمراء نزل عن فرسه، وحلف على السلطان ليركبنها فامتنع وقال له: ما كنت لأحرم المسلمين نفعك، ولم يزل كذلك حتى جاؤوه بالخيل فركب، فلامه بعض الأمراء وقالوا: لِمَ لا ركبت فرس فلان؟ فلو أن بعض الأعداء رآك لقتلك وهلك الإسلام بسببك! فقال: أما أنا فكنت أروح إلى الجنة، وأما الإسلام فله رب لا يضيعه، قد قتل فلان وفلان وفلان حتى عد خلقاً من الملوك، فأقام للإسلام من يحفظه غيرهم ولم يضيع الإسلام، وألقى خوذته عن رأسه إلى الأرض، وصاح بأعلى صوته: واإسلاماه! واإسلاماه! فاستجاب له الجند، ودوت الصيحة فى ميدان المعركة، ورفع المسلمون أصواتهم بالتكبير، الله أكبر، الله أكبر، وعمدوا إلى قتال عدوهم، وجاهدوا فى سبيل الله.
فكانت النصرة ولله الحمد للإسلام وأهله، فهزمهم المسلمون هزيمة هائلة، وقتل أمير التتار كتبغا، وجماعة من بيته، واتبعهم الجيش الإسلامي يقتلونهم في كل موضع، وقد قاتل الملك المنصور صاحب حماه مع الملك المظفر قتالاً شديدًا، وكذلك الأمير فارس الدين أقطاي المستعرب، وكان أتابك العسكر، واتبع الأمير ركن الدين بيبرس البندقداري وجماعة من الشجعان التتار يقتلونهم في كل مكان، إلى أن وصلوا خلفهم إلى حلب، وهرب من بدمشق منهم، فتبعهم المسلمون من دمشق يقتلون فيهم، ويستفكون الأسارى من أيديهم، وجاءت بذلك البشارة ولله الحمد على جبره إياهم بلطفه فجاوبتها دق البشائر من القلعة وفرح المؤمنون بنصر الله فرحًا شديدًا، وأيد الله الإسلام وأهله تأييدًا وكبت الله النصارى واليهود والمنافقين وظهر دين الله وهم كارهون، وقتلت العامة وسط الجامع شيخًا رافضيًا كان مصانعًا للتتار على أموال الناس، وقتلوا جماعة مثله من المنافقين فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين.
اللهم فرج كرب أمتنا
ثمة أمور كثيرة كانت سببًا في عودة أحوال المسلمين إلى نصابها في هذه العصور، وهذه الأمور كما كانت أسبابًا فهي ما زالت أيضًا، كما أن الله تعالى مكن لهؤلاء، فهو سبحانه القادر على التمكين لأمتنا اليوم، فنسأل الله تعالى أن يهيء لنا الأمور لأرشدها، وأن يمكن لدينه وأوليائه.
ولا شك أن الله تعالى شرع أسبابًا يترتب عليها نصرة هذا الدين، والتي تتلخص في ثلاثة أصول: توحيد الله تعالى، واتباع الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتزكية النفس، ومن فروع تلك الأصول:
اعتقاد العقيدة الصحيحة في الله تعالى وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، والدعوة إليها، ونشرها بين الناس، فإن قاعدة النصر الأساسية في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}، وذلك بأن تنصروا توحيده وشريعته ودينه، والعقيدة الصحيحة هي أولى المهمات؛ فينبغي على الأمة أن تتعلم العقيدة الصحيحة وتعمل بها وتدعو إليها، قال تعالى: {يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا}، وقال سبحانه: {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا}.
طاعة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وإقامة شرع الله في الأرض، والحكم به، والتحاكم إليه، قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 55]، وعَنِ عبدِ الله بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمُ الْجِهَادَ، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ». أخرجه أحمد وأبو داود وصححه الألباني.
إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والمحافظة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال تعالى: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج: 41].
عودة المسلمين إلى الالتزام بالإسلام، عقيدة، وعملاً، وسلوكًا، فقد بين الله سبحانه غرض الكفار من المسلمين، وأنهم لن يرضوا إلا بارتدادهم عن دينهم: قال تعالى: {وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} [البقرة: 217]، وقال سبحانه: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} [البقرة: 109]، وقال عز وجل: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة: 120]، فظهر أن الصراع عقدي.
الإكثار من ذكر الله تعالى، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأنفال: 45].
الدعاء بالنصر والتمكين على الأعداء: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60]، وقال عز وجل: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ} [الأنفال: 9].
اليقين بنصر الله، وصدق التوكل على الله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 3]، {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران: 173].
التوكل على الله والأخذ بالأسباب: التوكل على الله مع إعداد القوة من أعظم عوامل النصر؛ قال تعالى: {إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ}.
العناية بالتربية الإيمانية الحقيقية، للنفس والأهل والذرية والمجتمع كله.
الدعوة إلى الله تعالى على بصيرة، بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن.
البذل في سبيل نصرة الدين من النفس والوقت والمال.
الجهاد في سبيل الله تعالى بضوابطه وشروطه وضبط قضاياه.
إعداد القوة والسلاح بقدر المستطاع: قال عز وجل: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ}.
تحقيق معاني الأخوة وضبط وتحقيق عقيدة الولاء والبراء: قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ}، وقال سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}، وقال عز وجل: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ . إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ . لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ . قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ . رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}.
الالتفاف حول العلماء: قال تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}، وقال سبحانه: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}، فيجب لزوم غرز العلماء والمصلحين، العالمين العاملين، المتمسكين بالكتاب والسنة، والسائرين على منهاج النبوة، بفهم سلف الأمة.
وحدة الصف المسلم، والاعتصام من منطلق الشرع، والحذر من أسباب الفرقة: قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ}، وقال: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}، ومن أسباب الفرقة التي يجب تجنبها: الابتداع، الجهل، اتباع الهوى، تحكيم العقل وتقديمه على النصوص، معاداة أهل السنة.
تحقيق مبدأ الشورى، والتناصح وقبول الحق، قال تعالى: {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ . وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ} [الشورى: 38، 39]، وقال سبحانه: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ . إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [آل عمران: 159، 160].
إسناد الأمر إلى أهله، ووضع الخبرات المناسبة في الأماكن المناسبة، وتوظيف القدرات والطاقات في أماكنها الصحيحة.
مجانبة أسباب الهزيمة والخذلان، والحذر من التولي والاستبدال: قال تعالى: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ}، وعَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَذَلِكَ». رواه مسلم، ومن أعظم أسباب الخذلان: المعاصي والذنوب، فإنها تخون العبد وهو أحوج ما يكون إلى نصر ربه، قال تعالى مبينًا سبب انهزام بعض المسلمين في إحدى الغزوات: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ التَقَى الجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [آل عمران: 155].
القيام بحق المستضعفين وتقديم الدعم اللازم لهم: فعن أَبي موسى رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: «المُؤْمِنُ للْمُؤْمِنِ كَالبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا»، وشبَّكَ بَيْنَ أصَابِعِهِ. مُتَّفَقٌ عَلَيهِ، فنفرح بفرح إخواننا، ونحزن لحزنهم وآلامهم، وندعو الله لهم بأن ينصر المجاهدين وأن يتقبل القتلى في الشهداء وأن يشفي مرضاهم ويداوي جرحاهم، وأن نواسيهم ونعاونهم بالمال والعلاج ونحوهما، وأن ندعم الموقف الإيجابي للدولة والأزهر في نصرة إخواننا المجاهدين.
الوعي والتوعية بقضايا الأمة.
قال الله تعالى: (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ . إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ . وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ . أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ)، وقال تعالى: (كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ).
مع تحيات
اللجنة العلمية لملتقى الخطيب المؤثر أسد المنابر