الأحد ، ٢٢ جمادى الأول ، ١٤٤٦ هجري | 24 نوفمبر 2024 ميلادي
استقيموا يرحمكم الله
وصف الخطبة : -

قال الله تعالى : "فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ"


سلسلة الخطب المقترحة رقم (( 538 ))

الخطبة الثانية من شهر رجب 1445 هـ

بعنوان ((استقيموا يرحمكم الله ......... ))

مدخل الموضوع قال الله تعالى : "فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ"

العناصر

1) تعريف الاستقامة

2) الاستقامة في القرءان .

3) الاستقامة في السنة

4) الاستقامة عند السلف .

5) الاستقامة بالقلب والجوار واللسان .

6) الاسباب التي تعين على الاستقامة .

7) ثمرات الاستقامة في الدنيا والآخرة .

تعريف الاستقامة

لأئمة الدين في تعريف الاستقامة وحدها ألفاظ وأقوال مختلفة، ذات دلالة واحدة، والأقوال هي:

سئل أبو بكر الصديق رضي الله عنه عن الاستقامة، فقال: "أن لا تشرك بالله شيئاً".

. وقال عمر رضي الله عنه: "أن تستقيم على الأمر والنهي، ولا تراوغ روغان الثعلب".

وقال عثمان رضي الله عنه: "إخلاص العمل لله".

وعرفها علي رضي الله عنه: "بأنها أداء الفرائض".

وقال الحسن البصري رحمه الله: "استقاموا على أمر الله، فعملوا بطاعته، واجتنبوا معصيته".

وقال مجاهد رحمه الله: "استقاموا على شهادة أن لا إله إلا الله حتى لحقوا بالله".

وقال ابن زيد وقتادة رحمهما الله: "الاستقامة على طاعة الله".

وقال سفيان الثوري رحمه الله: "العمل على وفاق القول".

وقال الربيع بن هيثم رحمه الله: "الإعراض عما سوى الله".

وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: "الزهد في الفانية، والرغبة في الباقية".

وقال ابن تيمية رحمه الله: "الاستقامة على محبة الله وعبوديته، وعدم الالتفات عنه يمنة أو يسرى".

وقال شيخ الإسلام الهروي رحمه الله: "الاجتهاد في اقتصاد".

 الاستقامة في القران

لقد حث الله على الاستقامة، وأمر بها عباده، وكذلك حض عليها نبيه صلى الله عليه وسلم، من ذلك:

قوله تعالى: "اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ. صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ".

وقوله: " إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ".

وقوله: "إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ. أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ".

وقال مخاطباً الرسول وأمته: "فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ"

الاستقامة في السنة

وفي صحيح مسلم عن سفيان بن عبد الله الثقفي رضي الله عنه قال: قلتُ: يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً غيرك، قال: "قل آمنتُ بالله ثم استقم".

زاد الترمذي: قلت: يا رسل الله، ما أخوف ما تخاف عليَّ؟ فأخذ بلسان نفسه، وقال: "هذا".

وخرجه الإمام أحمد والنسائي من رواية عبد الله ابن سفيان الثقافي عن أبيه أن رجلا قال يا رسول الله مرني بأمر في الإسلام لا أسأل عنه أحد بعدك قال " قل أمنت به ثم استقم " قلت فما أتقي ؟ فأومأ إلي لسانه

 الاستقامة عند السلف

قال الحافظ ابن رجب رحمه الله قول سفيان ابن عبد الله للنبي قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحد بعدك طلب منه أن يعلمه كلاما جامعا لأمر الإسلام كافيا حتي لا يحتاج بعده إلي غيره

قال أبو بكر الصديق في تفسير ثم استقاموا قال لم يشركوا بالله شيئاً وعنه قال لم يلتفتوا إلي غيره

وروي عن عمر ابن الخطاب أنه قرء هذه الآية على المنبر "إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا" فقال لم يراوغوا روغان الثعالب

وروي عن ابن أبي طلحة عن ابن عباس فوله تعالي ثم استقيموا قال استقيموا علي أداء فرائضهم

وعن أبي العالية قال ثم أخلصوا له الدين والعمل

وعن قتادة قال استقيموا علي طاعة الله

وقال ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالي "فاستقم كما أمرت" ما نزلت علي رسول الله في جميع القرآن أية كانت أشد ولا أشق عليه من هذه الآية ولذلك قال لأصحابه حين قالوا قد أسرع إليك الشيب فقال شيبتني هود وأخوتها

 الاستقامة بالقلب واللسان والجوارح

وأعظم ما يراعي استقامته بعد القلب من الجوارح اللسان فانه ترجمان القلب والمعبر عنه ولهذا لما أمر النبي بالاستقامة وصاه بعد ذلك بحفظ لسانه وفى مسند الإمام أحمد عن أنس عن النبي قال لا يستقيم إيمان عبد حتي يستقيم قلبه ولا يستقيم قلبه حتي يستقيم لسانه وفي الترمذي عن أبى سعيد الخدري مرفوعا وموقوفا إذا أصبح ابن أدم فان الأعضاء كلها تكفر اللسان فتقول اتقي الله فينا فإنما نحن بك فإذا استقمت استقمنا وإذا اعوججت اعوججنا

والاستقامة في القلب تكون بالمحبة واليقين والأيمان والإخلاص والخوف والرجاء

وأما اللسان فتكون بالذكر والاستغفار وقرأه القران وقول الأذكار والدعاء

 الأسباب التي تعين علي تحقيق الاستقامة

الاستقامة على أمر الله نعمة عظيمة، ودرجة رفيعة، ومنة عالية، فتحقيقها يحتاج إلى جد، واجتهاد، وصبر، واحتساب، ودعاء، وتضرع، وإخبات، وتوفيق، واحتراز.

أهم المعينات على تحقيق ذلك بعد توفيق الله عز وجل ما يأتي:

أولاً : الدعاء والتضرع، وسؤالها بجد وإخلاص، ولأهمية ذلك أمرنا بقراءة الفاتحة في كل ركعة، لما فيها من سؤال الصراط المستقيم المخالف لأصحاب الجحيم.

فالدعاء هو العبادة، وهو سلاح المستضعفين، وعدة الصالحين، ولا يعجز عنه إلا المخذولين، فالله سبحانه وتعالى مالك الهداية والاستقامة، فلا تُطلب إلا من مالكها.

ثانياً : الاشتغال بالعلم الشرعي، فالعلم قائد والعمل تبع له: "فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ"، فأمر بالعلم قبل العمل.

وينبغي أن يبدأ بصغار العلم قبل كباره، ويشرع في الأهم ثم المهم، وأن يتلقى من مشايخ أهل السنة الموثوق بدينهم وعقيدتهم وعلمهم، "إن هذا العلم دين، فانظروا ممن تأخذون دينكم"، كما قال مالك وغيره.

ثالثاً: الحرص على التمسك بالسنة، فهي سفينة النجاة، والحذر كل الحذر من البدع والاقتراب من المبتدعين، فإن ذلك هو الداء العظيم، والضلال المبين، بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ"، وفي رواية: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد"، كما جاء في الصحيح، فمن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة.

رابعاً: مراقبة الله في السر والعلن.

خامساً: مجاهدة النفس، والهوى، والشيطان، وعدم الغفلة عن ذلك، ومحاسبتها في كل وقت وحين، وعلى الجليل والحقير.

سادساً: الإكثار من تلاوة القرآن، ومحاولة حفظه أو ما تيسر منه، والمداومة على ورد ثابت.

سابعاً : الإكثار من ذكر الله عز وجل، والمداومة على أذكار الصباح والمساء، وأذكار وأدعية المناسبات المختلفات، فمن لم يوفق للغزو والجهاد، ولا لصيام الهواجر وقيام الليالي، فلا يفوتنه أن يعوض عن ذلك بلسانه.

فقد روي مرفوعاً وموقوفاً كما قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله: "من فاته الليل أن يكابده، وبخل بماله أن ينفقه، وجبن عن عدوه أن يقاتله، فليكثر من "سبحان الله وبحمده"، فإنها أحب إلى الله من جبل ذهب أو فضة ينفقه في سبيل الله عز جل".

ويغني عنه ما في الصحيح: "لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله".

ثامناً : الحرص على سلامة القلب، والحذر من أمراض القلب المعنوية، كالحسد، والرياء، والنفاق، والشك، والحرص، والطمع، والعُجْب، والكِبْر، وطول الأمل، وحب الدنيا، فإنها أخطر من أمراضه الحسية، وهي سبب لكل رزية.

تاسعاً : التقلب بين الخوف والرجاء، في حال الصحة والشباب يغلب جانب الخوف، وعند المرض ونزول البلاء وعند الاحتضار يغلب جانب الرجاء.

عاشراً : مزاحمة العلماء بالركب، والقرب منهم، والحرص على الاستفادة منهم، واقتباس الأدب والسلوك قبل العلم والمعرفة.

الحادي عشر: دراسة السيرة النبوية، وتراجم الأصحاب والعلماء، يعين على تزكية النفوس والترقي بها، "فإن التشبه بالرجال فلاح".

الثاني عشر: الحرص على معاشرة الأخيار، فالمرء على دين خليله، والطيور على أشكالها تقع، "الأَخِلاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلا الْمُتَّقِينَ".

الثالث عشر : الإكثار من ذكر الموت وتوقعه في كل وقت وحين، فهو أقرب إلى أحدنا من شراك نعله.

الرابع عشر: القناعة بما قسم الله، والرضا بذلك، والنظر إلى من هو دونك وليس إلى من هو أرفع منك في شأن الدنيا، أما في شأن الدين: "وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ".

الخامس عشر: الخوف والحذر من سوء الخاتمة.

السادس عشر: سؤال الله والاستعاذة به من الفتن، ما ظهر منها وما بطن.

السابع عشر : الاستفادة من الوقت، والحرص عليه، فما العمر إلا أيام، وساعات، وثوان.

الثامن عشر : تجديد التوبة والإنابة، مع تحقيق شروطها والحرص على أن تكون توبة نصوحاً .

 ثمار الاستقامة ونتائجها

ما أكثر ثمار الاستقامة، وما أجل نتائجها، وما أفضل عقباها، نسوق منها ما يلي، إذ العبرة بالخواتيم:

1) السعادة في الدنيا.

فلستُ أرى السعادة جمع مال ولكن التقي هو السعيــد

2) نزول ملائكة الرحمة على المستقيمين عند الموت مطمئنة ومثبتة لهم، ومبشرة إياهم: "أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا"، أي لا تخافوا الموت، ولا تحزنوا على أولادكم.

3) وكذلك تبشرهم في القبر بالقول الثابت.

4) وعند القيام للبعث والنشور.

5) دخل الجنة دار الكرامة والمقامة: "لاَ يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ".

اللهم ارزقنا الاستقامة، وأحلنا دار الكرامة، وأجرنا من الذل، والخزي، والمهانة.

اللهم أحينا مسلمين، وتوفنا مؤمنين، واحشرنا في زمرة الرسل، والأنبياء، والشهداء، والصالحين، اللهم إنا نسألك عيش السعداء، وموت الشهداء، والنصر على الأعداء، والعصمة من الفتن العمياء، وصلى الله وسلم على إمام المتقين، وسيد الغر المحجلين، الداعي إلى خيري الدنيا والدين، وعلى آله، وصحبه، والتابعين.

مع تحيات

اللجنة العلمية لملتقى الخطيب المؤثر وفن الوصول إليه