وقفات مع دروس مستفادة من قصة أصحاب الأخدود
سلسلة الخطب المقترحة رقم ((536))
الخطبة الخامسة من جمادى اخر لعام 1445 هـ
عنوان الخطبة ((قصة أصحاب الأخدود))
الهدف من الخطبة : وقفات مع دروس مستفادة من قصة أصحاب الأخدود
عناصر الموضوع
1) قصة أصحاب الأخدود في القرآن.
2) قصة أصحاب الأخدود في السنة.
3) من الفوائد والدروس المستفادة.
قصة أصحاب الأخدود
المقدمة: أما بعد، قال الله تعالى: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ . وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ . وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ . قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ . النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ . إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ . وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ . وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ . الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [البروج: 1 - 9].
بين يدي الخطبة:
قصة أصحاب الأخدود في القرآن
إن الصراع بين الحق والباطل وبين الإيمان والكفر قديم ودائم، حتى إنك لتجد أهل الباطل يرتكبون أكبر الجرائم وأخطرها في سبيل نصرة باطلهم، ولكن في النهاية تكون الخيبة والخسارة والدمار عليهم، وينتصر الحق وأهله، ويندحر الباطل وجنده.
ومن صور الصراع الذي دار بين الحق والباطل: قصة أصحاب الأخدود، والتي ورد ذكرها في القرآن الكريم في سورة كاملة، وهي سورة البروج، كما ورد ذكرها في السنة النبوية في قصة الغلام المؤمن.
قال الله تعالى: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ . وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ . وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ . قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ . النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ . إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ . وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ . وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ . الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [البروج: 1 - 9].
يُقْسِمُ اللَّهُ بِالسَّمَاءِ وَبُرُوجِهَا، وَهِيَ: النُّجُومُ الْعِظَامُ، كَمَا فِي قَوْلِهِ: {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا} [الْفُرْقَانِ: 61]، وباليوم الموعود وهو يوم القيامة، وبالشاهد وهو يوم الجمعة، والمشهود وهو يوم عرفة، والله تعالى يقسم بما يشاء من مخلوقاته، أما المخلوق فلا يجوز له أن يقسم بغير الله، فإن حلف المخلوق بغير الله شرك.
أقسم الله تعالى بهذه الأقسام على لعن أصحاب الأخدود الذين حرقوا المؤمنين.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: قَوْلُهُ: {قُتِلَ أَصْحَابُ الأخْدُودِ} أَيْ: لُعِنُ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ، وَجَمْعُهُ: أَخَادِيدُ، وَهِيَ الْحَفِيرُ فِي الْأَرْضِ، وَهَذَا خَبَرٌ عَنْ قَوْمٍ مِنَ الْكُفَّارِ عَمَدوا إِلَى مَنْ عِنْدَهُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بِاللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، فَقَهَرُوهُمْ وَأَرَادُوهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا عَنْ دِينِهِمْ، فَأَبَوْا عَلَيْهِمْ، فَحَفَرُوا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ أخدُودًا وَأَجَّجُوا فيه نار، وَأَعَدُّوا لَهَا وَقُودًا يُسَعِّرُونَهَا بِهِ، ثُمَّ أَرَادُوهُمْ فَلَمْ يَقْبَلُوا مِنْهُمْ، فَقَذَفُوهُمْ فِيهَا؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {قُتِلَ أَصْحَابُ الأخْدُودِ النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ} أَيْ: مُشَاهِدُونَ لِمَا يُفْعَلُ بِأُولَئِكَ الْمُؤْمِنِينَ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} أَيْ: وَمَا كَانَ لَهُمْ عِنْدَهُمْ ذَنْبٌ إِلَّا إِيمَانُهُمْ بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الَّذِي لَا يُضَامُ مَنْ لَاذَ بِجَنَابِهِ، الْمَنِيعِ الْحَمِيدِ فِي جَمِيعِ أَفْعَالِهِ وَأَقْوَالِهِ وَشَرْعِهِ وَقَدْرِهِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ قَدّر عَلَى عِبَادِهِ هَؤُلَاءِ هَذَا الَّذِي وَقَعَ بِهِمْ بِأَيْدِي الْكُفَّارِ بِهِ، فَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَمِيدُ، وَإِنْ خَفِيَ سَبَبُ ذَلِكَ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ. انتهى.
فقد يبتلى المؤمن لإيمانه، فإذا ابتلي فليصبر وليحتسب، وليتوكل على الأرض تعالى مفوضًا أمره إليه عاملاً بالأسباب الممكنة له، مؤمنًا بقدر الله راضيًا بقضائه، ولا يقل: لم البلاء؟ وما الذنب؟ ونحو ذلك، فالبلاء سنة كونية، وإلا فما ذنب هؤلاء الذين حرقوا في نار الأخدود، وما ذنب إبراهيم عليه السلام حينما قال قومه: {اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ} [العنكبوت:24]، وما ذنب لوط عليه السلام لما قال قومه: {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ} [النمل:56]، وما ذنب موسى عليه السلام لما قال فرعون: {ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ} [غافر: 26]، وما ذنب نبينا محمد صلى الله عليه وسلمَ لما مكر به قومه: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال:30]؟
فليس لهؤلاء جميعاً ذنب إلا أنهم آمنوا بالله تعالى، كما قال مؤمن آل فرعون: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ} [غافر: 28].
قال الشيخ السعدي رحمه الله: وهذا من أعظم ما يكون من التجبر وقساوة القلب، لأنهم جمعوا بين الكفر بآيات الله ومعاندتها، ومحاربة أهلها وتعذيبهم بهذا العذاب، الذي تنفطر منه القلوب، وحضورهم إياهم عند إلقائهم فيها، والحال أنهم ما نقموا من المؤمنين إلا خصلة يمدحون عليها، وبها سعادتهم، وهي أنهم كانوا يؤمنون بالله العزيز الحميد أي: الذي له العزة التي قهر بها كل شيء، وهو حميد في أقواله وأوصافه وأفعاله، {الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ} خلقًا وعبيدًا، يتصرف فيهم تصرف المالك بملكه، {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} علمًا وسمعًا وبصرًا، أفلا خاف هؤلاء المتمردون على الله، أن يبطش بهم العزيز المقتدر، أو ما علموا أنهم جميعهم مماليك لله، ليس لأحد على أحد سلطة، من دون إذن المالك؟ أو خفي عليهم أن الله محيط بأعمالهم، مجاز لهم على فعالهم؟ كلا إن الكافر في غرور، والظالم في جهل وعمى عن سواء السبيل. انتهى.
قَوْلُهُ تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} أَيْ: أحرقوهم في النار، {ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا} أَيْ: لَمْ يُقْلِعُوا عَمَّا فَعَلُوا، وَيَنْدَمُوا عَلَى مَا أَسْلَفُوا. {فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ}، وَذَلِكَ أَنَّ الْجَزَاءَ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ.
قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: انْظُرُوا إِلَى هَذَا الْكَرَمِ وَالْجُودِ، قَتَلُوا أَوْلِيَاءَهُ وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إِلَى التَّوْبَةِ وَالْمَغْفِرَةِ.
فيه دليل على أنهم لو تابوا لقبلت توبتهم، فتأمل، هؤلاء قوم قتلوا المؤمنين وحرقوهم وقعدوا على شفير النيران يتفرجون عليهم، ومع ذلك إن تابوا تاب الله عليهم، فلا ينبغي لأحد أن يقنط من رحمة الله سبحانه وتعالى، فإن باب باب التوبة ما زال مفتوحًا؛ قال تعالى: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا . يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا . إِلَّا مَنْ تَابَ} [الفرقان:68-70]، وقال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53].
وفي هذه الآية توعدهم الله تعالى بعذاب جهنم وبعذاب الحريق، فهل هما عذابان أم عذاب واحد في جهنم؟
الظاهر أنهما عذابان، لكن هل هما في الآخرة أم في الدنيا والآخرة، فقال بعض أهل العلم: إن لهؤلاء عذاب في الدنيا، وهو الحريق، وعذاب في الآخرة، وهو في جهنم، وقال بعض أهل العلم: أنهما في الآخرة في جهنم، وذلك لمنكرين وقعوا فيهما، فعذاب جهنم للكفر، وعذاب الحريق لتحريقهم المؤمنين، كما قال الله تعالى: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [النحل:88]، فهم فعلوا شيئين: كفروا، وصدوا عن سبيل الله، {زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ العَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ} [النحل:88] ، فعذاب على الكفر، وعذاب للصد عن سبيل الله،وقال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ . وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ} [العنكبوت:12-13] فأثقال للكفر، وأثقال مع أثقالهم للإغواء والإضلال.
ومن أهل العلم من قال: إنهم يعذبون عذابًا بالزمهرير الذي هو البرد الشديد، ثم يتبع الزمهرير بالحريق الذي هو النار، كما قال سبحانه: {هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ} [ص:57]، فالحميم الذي انتهى حره وبلغ المنتهى من الحر، والغساق الذي بلغ المنتهى في البرودة.
قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ} [البروج: 11].
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ {لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ} بِخِلَافِ مَا أُعِدَّ لِأَعْدَائِهِ مِنَ الْحَرِيقِ وَالْجَحِيمِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ}. ثُمَّ قَالَ: {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ} أَيْ: إِنَّ بَطْشَهُ وَانْتِقَامَهُ مِنْ أَعْدَائِهِ الَّذِينَ كَذَّبوا رُسُلَهُ وَخَالَفُوا أَمْرَهُ، لَشَدِيدٌ عَظِيمٌ قَوِيٌّ؛ فَإِنَّهُ تَعَالَى ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ، الَّذِي مَا شَاءَ كَانَ كَمَا يَشَاءُ فِي مِثْلِ لَمْحِ الْبَصَرِ، أَوْ هُوَ أَقْرَبُ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيد} أَيْ: مِنْ قُوَّتِهِ وَقُدْرَتِهِ التَّامَّةِ يُبْدِئُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ كَمَا بَدَأَهُ، بِلَا مُمَانِعٍ وَلَا مُدَافِعٍ. {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُود} أَيْ: يَغْفِرُ ذَنْبَ مَنْ تَابَ إِلَيْهِ وخَضَع لَدَيْهِ، وَلَوْ كَانَ الذَّنْبُ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ كَانَ. انتهى.
قصة أصحاب الأخدود في السنة
أخرج الإمام مسلم في صحيحه عَنْ صُهَيْبِ بْنِ سِنَانٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كَانَ مَلِكٌ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، وَكَانَ لَهُ سَاحِرٌ، فَلَمَّا كَبِرَ، قَالَ لِلْمَلِكِ: إِنِّي قَدْ كَبِرْتُ، فَابْعَثْ إِلَيَّ غُلَامًا أُعَلِّمْهُ السِّحْرَ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ غُلَامًا يُعَلِّمُهُ، فَكَانَ فِي طَرِيقِهِ، إِذَا سَلَكَ رَاهِبٌ فَقَعَدَ إِلَيْهِ وَسَمِعَ كَلَامَهُ، فَأَعْجَبَهُ فَكَانَ إِذَا أَتَى السَّاحِرَ مَرَّ بِالرَّاهِبِ وَقَعَدَ إِلَيْهِ، فَإِذَا أَتَى السَّاحِرَ ضَرَبَهُ، فَشَكَا ذَلِكَ إِلَى الرَّاهِبِ، فَقَالَ: إِذَا خَشِيتَ السَّاحِرَ، فَقُلْ: حَبَسَنِي أَهْلِي، وَإِذَا خَشِيتَ أَهْلَكَ فَقُلْ: حَبَسَنِي السَّاحِرُ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَتَى عَلَى دَابَّةٍ عَظِيمَةٍ قَدْ حَبَسَتِ النَّاسَ، فَقَالَ: الْيَوْمَ أَعْلَمُ آلسَّاحِرُ أَفْضَلُ أَمِ الرَّاهِبُ أَفْضَلُ؟ فَأَخَذَ حَجَرًا، فَقَالَ: اللهُمَّ إِنْ كَانَ أَمْرُ الرَّاهِبِ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ أَمْرِ السَّاحِرِ فَاقْتُلْ هَذِهِ الدَّابَّةَ، حَتَّى يَمْضِيَ النَّاسُ، فَرَمَاهَا فَقَتَلَهَا، وَمَضَى النَّاسُ، فَأَتَى الرَّاهِبَ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ لَهُ الرَّاهِبُ: أَيْ بُنَيَّ أَنْتَ الْيَوْمَ أَفْضَلُ مِنِّي، قَدْ بَلَغَ مِنْ أَمْرِكَ مَا أَرَى، وَإِنَّكَ سَتُبْتَلَى، فَإِنِ ابْتُلِيتَ فَلَا تَدُلَّ عَلَيَّ، وَكَانَ الْغُلَامُ يُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ، وَيُدَاوِي النَّاسَ مِنْ سَائِرِ الْأَدْوَاءِ، فَسَمِعَ جَلِيسٌ لِلْمَلِكِ كَانَ قَدْ عَمِيَ، فَأَتَاهُ بِهَدَايَا كَثِيرَةٍ، فَقَالَ: مَا هَاهُنَا لَكَ أَجْمَعُ، إِنْ أَنْتَ شَفَيْتَنِي، فَقَالَ: إِنِّي لَا أَشْفِي أَحَدًا إِنَّمَا يَشْفِي اللهُ، فَإِنْ أَنْتَ آمَنْتَ بِاللهِ دَعَوْتُ اللهَ فَشَفَاكَ، فَآمَنَ بِاللهِ فَشَفَاهُ اللهُ، فَأَتَى الْمَلِكَ فَجَلَسَ إِلَيْهِ كَمَا كَانَ يَجْلِسُ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: مَنْ رَدَّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ؟ قَالَ: رَبِّي، قَالَ: وَلَكَ رَبٌّ غَيْرِي؟ قَالَ: رَبِّي وَرَبُّكَ اللهُ، فَأَخَذَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبُهُ حَتَّى دَلَّ عَلَى الْغُلَامِ، فَجِيءَ بِالْغُلَامِ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: أَيْ بُنَيَّ قَدْ بَلَغَ مِنْ سِحْرِكَ مَا تُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ، وَتَفْعَلُ وَتَفْعَلُ، فَقَالَ: إِنِّي لَا أَشْفِي أَحَدًا، إِنَّمَا يَشْفِي اللهُ، فَأَخَذَهُ فَلَمْ يَزَلْ يُعَذِّبُهُ حَتَّى دَلَّ عَلَى الرَّاهِبِ، فَجِيءَ بِالرَّاهِبِ، فَقِيلَ لَهُ: ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ، فَأَبَى، فَدَعَا بِالْمِئْشَارِ، فَوَضَعَ الْمِئْشَارَ فِي مَفْرِقِ رَأْسِهِ، فَشَقَّهُ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ، ثُمَّ جِيءَ بِجَلِيسِ الْمَلِكِ فَقِيلَ لَهُ: ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ، فَأَبَى فَوَضَعَ الْمِئْشَارَ فِي مَفْرِقِ رَأْسِهِ، فَشَقَّهُ بِهِ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ، ثُمَّ جِيءَ بِالْغُلَامِ فَقِيلَ لَهُ ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ، فَأَبَى فَدَفَعَهُ إِلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: اذْهَبُوا بِهِ إِلَى جَبَلِ كَذَا وَكَذَا، فَاصْعَدُوا بِهِ الْجَبَلَ، فَإِذَا بَلَغْتُمْ ذُرْوَتَهُ، فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ، وَإِلَّا فَاطْرَحُوهُ، فَذَهَبُوا بِهِ فَصَعِدُوا بِهِ الْجَبَلَ، فَقَالَ: اللهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ، فَرَجَفَ بِهِمِ الْجَبَلُ فَسَقَطُوا، وَجَاءَ يَمْشِي إِلَى الْمَلِكِ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: مَا فَعَلَ أَصْحَابُكَ؟ قَالَ: كَفَانِيهِمُ اللهُ، فَدَفَعَهُ إِلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: اذْهَبُوا بِهِ فَاحْمِلُوهُ فِي قُرْقُورٍ، فَتَوَسَّطُوا بِهِ الْبَحْرَ، فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ وَإِلَّا فَاقْذِفُوهُ، فَذَهَبُوا بِهِ، فَقَالَ: اللهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ، فَانْكَفَأَتْ بِهِمِ السَّفِينَةُ فَغَرِقُوا، وَجَاءَ يَمْشِي إِلَى الْمَلِكِ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: مَا فَعَلَ أَصْحَابُكَ؟ قَالَ: كَفَانِيهِمُ اللهُ، فَقَالَ لِلْمَلِكِ: إِنَّكَ لَسْتَ بِقَاتِلِي حَتَّى تَفْعَلَ مَا آمُرُكَ بِهِ، قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَ: تَجْمَعُ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، وَتَصْلُبُنِي عَلَى جِذْعٍ، ثُمَّ خُذْ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِي، ثُمَّ ضَعِ السَّهْمَ فِي كَبِدِ الْقَوْسِ، ثُمَّ قُلْ: بِاسْمِ اللهِ رَبِّ الْغُلَامِ، ثُمَّ ارْمِنِي، فَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ قَتَلْتَنِي، فَجَمَعَ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، وَصَلَبَهُ عَلَى جِذْعٍ، ثُمَّ أَخَذَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ، ثُمَّ وَضَعَ السَّهْمَ فِي كَبْدِ الْقَوْسِ، ثُمَّ قَالَ: بِاسْمِ اللهِ، رَبِّ الْغُلَامِ، ثُمَّ رَمَاهُ فَوَقَعَ السَّهْمُ فِي صُدْغِهِ، فَوَضَعَ يَدَهُ فِي صُدْغِهِ فِي مَوْضِعِ السَّهْمِ فَمَاتَ، فَقَالَ النَّاسُ: آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ، آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ، آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ، فَأُتِيَ الْمَلِكُ فَقِيلَ لَهُ: أَرَأَيْتَ مَا كُنْتَ تَحْذَرُ؟ قَدْ وَاللهِ نَزَلَ بِكَ حَذَرُكَ، قَدْ آمَنَ النَّاسُ، فَأَمَرَ بِالْأُخْدُودِ فِي أَفْوَاهِ السِّكَكِ، فَخُدَّتْ وَأَضْرَمَ النِّيرَانَ، وَقَالَ: مَنْ لَمْ يَرْجِعْ عَنْ دِينِهِ فَأَحْمُوهُ فِيهَا، أَوْ قِيلَ لَهُ: اقْتَحِمْ، فَفَعَلُوا [وفي رواية لأحمد: فَكَانُوا يَتَعَادَوْنَ فِيهَا وَيَتَدَافَعُونَ] حَتَّى جَاءَتِ امْرَأَةٌ وَمَعَهَا صَبِيٌّ لَهَا فَتَقَاعَسَتْ أَنْ تَقَعَ فِيهَا، فَقَالَ لَهَا الْغُلَامُ: يَا أُمَّهْ اصْبِرِي فَإِنَّكِ عَلَى الْحَقِّ».
(الأكمه) الذي خلق أعمى، (بالمئشار) أي المنشار، (ذروته) ذروة الجبل أعلاه، (فرجف بهم الجبل) أي اضطرب وتحرك حركة شديدة، (قرقور) القرقور السفينة الصغيرة، وقيل الكبيرة، (فانكفأت بهم السفينة) أي انقلبت، (صعيد) الصعيد هنا الأرض البارزة، (كبد القوس) مقبضها عند الرمي، (نزل بك حذرك) أي ما كنت تحذر وتخاف، (فتقاعست) أي توقفت ولزمت موضعها وكرهت الدخول في النار.
من الفوائد والدروس المستفادة
أهمية العقيدة الصحيحة.
الصراع بين الحق والباطل سنة كونية.
اضطهاد الطغاة للمؤمنين.
تعاون الطواغيت على الفساد في الأرض.
يظن أهل الباطل أنهم انتصروا لكنهم في الحقيقة خابوا وخسروا.
المعركة بين المسلمين والكفار معركة عقيدة.
فضل ثبات المؤمن على الحق، وعدم قبوله للتنازلات التي تفسد دعوته ودينه.
الإشارة إلى نصر الله تعالى لأوليائه الصالحين على عدوهم حسياً ومعنوياً، بل سماه الله فوزاً كبيراً.
التمكين ليس مقصودًا لذاته، بل تحقيق الإيمان هو الفوز الحقيقي، ورفع كلمة التوحيد هو الغاية الحقيقية، لذلك شرع الجهاد.
لم ينقص ملك الله تعالى بتحريق الكفار للمؤمنين، فالله تعالى {لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ}، وأراد جل وعلا أن يجتبي بعض عباده ويختبرهم وينظر كيف يضحون في سبيله.
أهمية التوبة والدعوة إليها بعد الذنب.
أهمية غرس العقيدة في نفوس الصغار.
رصيد الفطرة السوية في النفوس: قدر الله لهذا الغلام شيئاً عجيباً، وهو أن يتلقى تعليماً مزدوجاً، تعليماً من الراهب الذي أعجبه كلامه، وتعليماً من الساحر الذي يعلمه الأذى والزور والباطل، ويعلمه السحر وأن الملك هو الرب، والراهب يعلمه أن الله سبحانه وتعالى لا إله غيره ولا رب سواه، وهناك رصيد كبير للساحر فيما يبدو؛ لأنه بتوجيه الملك، وهناك إعداد لأن يكون هذا ساحر الملك الذي يحتاج إليه الملك، يعني: وظيفة كبرى مهيأة لمستقبل هذا الغلام، فالملك في حاجة إلى هذا الساحر، وسبحان الله! كان الرصيد الأعظم في حق الراهب صاحب الصوت المنفرد الضعيف المختبئ في دير أو في كهف أو في طريق غير مشهور ولا معلوم لم يعد يسمعه الملك ولا جنود الملك، وكان صوته ضعيفاً لكنه يركز على الفطرة، ويصل إلى الفطرة الإنسانية المستقر فيها توحيد الله عز وجل، لذا أعجبه ذلك، ولذلك نقول لمن يقولون: ما تبنونه أنتم في سنة سوف يهدمه الباطل في شهر أو في ساعة؛ لأن الباطل بوقه عال، نقول: نعم، عنده أصوات عالية، لكن الحق له رصيد عظيم في النفوس، هو رصيد الفطرة الإنسانية السوية، فكل إنسان يميل إلى الحق؛ ولذلك نجد أنه كلما ازداد الباطل طغياناً وظلماً انصرفت قلوب العباد إلى الطاعة، وإلى الهدى، وإلى دين الله سبحانه وتعالى، وهذا معلوم عبر تاريخ الأمة، فكل المحن يعقبها فترات التزام، ويعقبها فترات إقبال على طاعة الله عز وجل حتى تتغير الموازين بإذن الله تبارك وتعالى.
بيان فضل العلم وأهمية الصبر عليه، فقد صبر الغلام على ضرب الساحر من أجل تأخره لتعلم الحق من الراهب.
ذهاب الغلام ليبشر الراهب فيه استحباب بشارة المسلم بما يسره، ويكون أولى الناس بذلك شيوخه الذين علموه، فيعرف لهم الفضل، ويقر لهم بتلك المنزلة، وهذا الراهب كان رجلاً عالماً فعلاً، ولم يكن مجرد راهب متعبد دون علم، بل كان على علم بطريق الحق وسنن الله سبحانه وتعالى.
قوله: (راهب) يدل على أنه كان بعد زمن المسيح صلى الله عليه وسلم، فإن الرهبانية إنما وجدت في أتباع المسيح، فقد كان راهباً موحداً على دين المسيح صلى الله عليه وسلم، وليس على دين التثليث وعبادة المسيح الذي هو الشرك بالله سبحانه وتعالى، فإن من قال: إن الله ثالث ثلاثة، أو قال: إن الله هو المسيح ابن مريم، لا يكون مؤمناً فضلاً عن أن يكون ولياً.
إثبات كرامات الأولياء، كما في موت الدابة، ونجاة الغلام مرارًا، وقوله: (إِنَّكَ لَسْتَ بِقَاتِلِي حَتَّى تَفْعَلَ مَا آمُرُكَ بِهِ)، وتحقق ذلك كما أخبر به، وتكلم الرضيع في المهد.
قول الراهب: (أي بني! أنت اليوم أفضل مني)، هذا من التواضع، ومن الإقرار بالحق، وعدم الحسد والحقد، فليس المؤمن الذي يأكل قلبه الحسد، وليس المؤمن الذي يكون في قلبه الضغائن والأحقاد، وإنما هو مخلص لله عز وجل.
البلاء سنة كونية، كما في قوله: (وإنك ستبتلى)، علم الراهب ذلك من سنة الله سبحانه وتعالى في الأولين والسابقين، فإن المرء لا يمكن حتى يبتلى، ولابد أن يبتلى كل من أعلن الإيمان كما قال تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ . وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت:2 - 3]، فمن ظن أن طريق الالتزام مفروش بالورود فإنه لا يعرف سنة الله سبحانه وتعالى في خلقه، فلا بد أن يعلم كل من يسير على طريق الحق أنه لابد من الابتلاء.
قول الراهب: (فإن ابتليت فلا تدل علي) أي: إن ابتليت وقيل: من علمك هذا؟ فلا تخبرهم عني، يريد الرجل بذلك العافية؛ لأنه وإن كان كما سيأتي صبر الصبر العظيم ونشر بمنشار حديد حتى قتل رضي الله تعالى عنه إلا أنه كان يطلب العافية، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تتمنوا لقاء العدو، وسلوا الله العافية)، فالذي يعرض نفسه للبلاء ويقول: أنا لا يهمني البلاء، على خطر الغرور والإعجاب بالنفس وتزكيتها، وعلى خطر أن يوكل إلى نفسه؛ لأنه معجب بها، وأما الذي يفوض أمره إلى الله، ويسأل الله العافية، ويظهر عجزه وضعفه، فإنه أولى بأن يثبت بتوفيق الله سبحانه وتعالى.
وقوله: (إن ابتليت فلا تدل علي) من الكتمان المشروع، هو ألا يدل على من علمه الحق لأعدائه فينتقمون منه ويصيبونه بأنواع الأذى، وقد تحمل الغلام في سبيل هذه الوصية ما تحمل إلى أن شاء الله عز وجل عجزه عن تحملها.
جواز التداوي المشروع.
قال صلى الله عليه وسلم: (وكان الغلام يبرئ الأكمه والأبرص ويداوي الناس من سائر الأدواء)، فسائر الأمراض يداويهم بالدعاء، وكان له تجربة عارف، وأقصر طريق للخير أن يلجأ إلى الله عز وجل، فكان يداويهم ويعالجهم بالدعاء والتضرع إلى الله عز وجل.
وجوب ربط الناس عند علاجهم بالله عز وجل وعدم التعلق بالدنيا، كما في قول الغلام: (فسمع جليس للملك كان قد عمي، فأتاه بهدايا كثيرة، فقال: ما هاهنا لك أجمع إن أنت شفيتني، فقال: إني لا أشفي أحداً إنما يشفي الله تعالى، فإن آمنت بالله دعوت الله لك فشفاك، فآمن بالله، فشفاه الله تعالى).
الشفاء من الله تعالى وحده، كما في قوله: (فقال: إني لا أشفي أحداً إنما يشفي الله تعالى)، وقوله: (فشفاه الله تعالى).
عظيم أثر الإيمان في القلوب، فإن جليس الملك لم يرتد عن الدين بعد أن خالط الإيمان بشاشة قلبه، بالرغم من الترف ورغد العيش الذي كان يعيش فيه قبل ذلك.
الحذر من أساليب الباطل للصد عن سبيل الله، وأساليبهم تدور بين الترغيب والاحتواء والترهيب والتعذيب.
تنويع أهل الظلم والطغيان الأساليب في التعذيب ومواجهة الحق.
في قول الغلام: (اللهم اكفنيهم بما شئت) صدق لجوء أولياء الله تعالى إليه في السراء والضراء.
رعاية الله تعالى لأوليائه، فتأمل كيف حفظ على الراهب دينه، وكيف انتشرت دعوته بعد كتمها سنين، وكيف أخذ بناصية الغلام إلى الحق، وكيف مكن له، وكيف حفظه من بطش الملك وجنوده، وكيف كتب له وللراهب وللمؤمنين معهم الفوز الكبير. أما تحريقهم بالنار فالأمر في حق الشهداء ليس على ظاهره بل هو هين، كما في قول الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا يَجِدُ الشَّهِيدُ مِنْ مَسِّ الْقَتْلِ، إِلَّا كَمَا يَجِدُ أَحَدُكُمْ مَسِّ الْقَرْصَةِ». أخرجه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه وقال الألباني: حسن صحيح.
الحرص على نشر دعوة الإسلام، والبذل في سبيل ذلك.
في دلالة الغلام للملك على كيفية قتله دروس منها: عجز الملك وفقره وحاجته وجهله وذله وانكساره وتطبيقه لأوامر الغلام، وفيه تضحية الغلام، وإحسانه إلى الناس، وحرصه على إيمان الناس، وانتشار الإسلام، والقضاء على الكفر.
مع تحيات
اللجنة العلمية لملتقى الخطيب المؤثر أسد المنابر