الهدف من الخطبة : التعرف على سيرةعمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ
(الفاروق عمر رضي الله عنه))
الهدف من الخطبة : التعرف على سيرةعمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ
عناصر الموضوع
1) اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ.
2) مناقب عمر الفاروق رضي الله عنه.
3) استشهاده رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ
أما بعد، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ«إِيهً يَا ابْنَ الخَطَّابِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ قَطُّ سَالِكًا فَجًّا إِلَّا سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ». متفق عليه.
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ
هو أبو حفصٍ عمر بن الخطَّاب بن نُفيل بن عبد العُزَّى بن رياح بن عبد الله بن قرُط بن رَزاح بن عدي بن كعب بن لؤي، بن غالب العدويُّ القرشيُّ، يجتمع نسبه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في كعب بن لؤي بن غالب، ولُقِّب بالفاروق، لأنه أظهر الإسلام بمكة ففرّق الله به بين الكفر والإيمان.
وكان في أول الأمر شديداً على المسلمين، ثم أسلم، فكان إسلامُه فَتْحاً لهم، وفَرَجاً لهم من الضِّيق، فعَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ رضي الله عنه أنه قال: وَاللهِ لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَإِنَّ عُمَرَ لَمُوثِقِي عَلَى الْإِسْلَامِ، أَنَا وَأُخْتُهُ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ. رواه البخاري، وَعَنْ عَبْدِالْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ أُمّهِ أُمّ عَبْدِ اللهِ بِنْتِ أَبِي حَثْمَةَ رضي الله عنها أنها قَالَتْ: وَاللهِ إنّا لَنَتَرَحّلُ إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَقَدْ ذَهَبَ عَامِرٌ فِي بَعْضِ حَاجَاتِنَا، إذْ أَقْبَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ حَتّى وَقَفَ عَلَيّ، وَهُوَ عَلَى شِرْكِهِ، قَالَتْ: وَكُنّا نَلْقَى مِنْهُ الْبَلَاءَ وَالشَدَّةَ عَلَيْنَا، فَقَالَ: إنّهُ الْإنْطِلَاقُ يَا أُمّ عَبْدِ اللهِ؟ فَقُلْت: نَعَمْ, وَاللهِ لَنَخْرُجَنّ فِي أَرْضِ اللهِ، آذَيْتُمُونَا وَقَهَرْتُمُونَا، حَتّى يَجْعَلَ اللهُ لَنَا مَخْرَجًا، فَقَالَ: صَحِبَكُمْ اللهُ، وَرَأَيْت لَهُ رِقّةً لَمْ أَكُنْ أَرَاهَا، ثُمّ انْصَرَفَ وَقَدْ أَحْزَنَهُ -فِيمَا أَرَى- خُرُوجُنَا، قَالَتْ: فَجَاءَ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ مِنْ حَاجَتِهِ تِلْكَ، فَقُلْتُ لَهُ يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ, لَوْ رَأَيْتَ عُمَرَ آنِفًا وَرِقّتَهُ وَحُزْنَهُ عَلَيْنَا، قَالَ أَفَطَمِعْتِ فِي إسْلَامِهِ؟ قُلْت: نَعَمْ، قَالَ لَا يُسْلِمُ الّذِي رَأَيْتِ حَتّى يُسْلِمَ حِمَارُ الْخَطّابِ! -قَالَتْ: يَأسًا مِنْهُ, لِمَا كَانَ يَرَى مِنْ غِلْظَتِهِ وَقَسْوَتِهِ عَنْ الْإِسْلَامِ-. أخرجه الحاكم
أسلم عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ سنة ستٍّ من البعثة النبوية، وعمره سبعٌ وعشرون سنةً، وكان سبب إسلامه: دعاء النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ بِأَحَبِّ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ إِلَيْكَ بِأَبِي جَهْلٍ أَوْ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَكَانَ أَحَبُّهُمَا إِلَى اللَّهِ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ». أخرجه أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وقال الألباني: حسن صحيح، وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ خَاصَّةً». أخرجه ابن ماجه وابن حبان وصححه الألباني.
قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ: لَمَّا أَسْلَمْتُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، تَذَكَّرْتُ أَيُّ أَهْلِ مَكَّةَ أَشَدُّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَدَاوَةً؟ حَتَّى آتِيَهُ فَأُخْبِرَهُ أَنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ، قُلْتُ: أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ، فَأَقْبَلْتُ حِينَ أَصْبَحْتُ حَتَّى ضَرَبْتُ عَلَيْهِ بَابَهُ، فَخَرَجَ إِلَيَّ فَقَالَ: مَرْحَبًا وَأَهْلًا يَا ابْنَ أُخْتِي، مَا جَاءَ بِكَ؟ قَالَ: قُلْتُ: جِئْتُ أُخْبِرُكَ أَنِّي قَدْ آمَنْتُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَصَدَّقْتُهُ بِمَا جَاءَ بِهِ، قَالَ: فَضَرَبَ بِالْبَابِ فِي وَجْهِي وَقَالَ: قَبَّحَكَ اللَّهُ وَقَبَّحَ مَا جِئْتَ بِهِ.
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُما أنه قَالَ: لَمَّا أَسْلَمَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لَمْ تَعْلَمْ قُرَيْشٌ بِإِسْلَامِهِ، فَقَالَ: «أَيْ أَهْلُ مَكَّةَ، أَنْشَأُ لِلْحَدِيثِ؟» فَقَالُوا: جَمِيلُ بْنُ مَعْمَرٍ الْجُمَحِيُّ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ وَأَنَا مَعَهُ أَتْبَعُ أَثَرَهُ، أَعْقِلُ مَا أَرَى، وَأَسْمَعُ فَأَتَاهُ، فَقَالَ: «يَا جَمِيلُ، إِنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ»، قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا رَدَّ عَلَيْهِ كَلِمَةً حَتَّى قَامَ عَامِدًا إِلَى الْمَسْجِدِ، فَنَادَى أَنْدِيَةَ قُرَيْشٍ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إِنَّ ابْنَ الْخَطَّابِ قَدْ صَبَأَ، فَقَالَ عُمَرُ: «كَذَبَ، وَلَكِنِّي أَسْلَمْتُ وَآمَنْتُ بِاللَّهِ وَصَدَّقْتُ رَسُولَهُ»، فَثَاوَرُوهُ، فَقَاتَلَهُمْ حَتَّى رَكَدَتِ الشَّمْسُ عَلَى رُءُوسِهِمْ، حَتَّى فَتَرَ عُمَرُ وَجَلَسَ فَقَامُوا عَلَى رَأْسِهِ، فَقَالَ عُمَرُ: «افْعَلُوا مَا بَدَا لَكُمْ، فَوَاللَّهِ لَوْ كُنَّا ثَلَاثَمِائَةِ رَجُلٍ لَقَدْ تَرَكْتُمُوهَا لَنَا أَوْ تَرَكْنَاهَا لَكُمْ»، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ قِيَامٌ عَلَيْهِ، إِذْ جَاءَ رَجُلٌ عَلَيْهِ حُلَّةُ حَرِيرٍ وَقَمِيصٌ قَوْمَسِيٌّ، فَقَالَ: مَا بَالَكُمْ؟ فَقَالُوا: إِنَّ ابْنَ الْخَطَّابِ قَدْ صَبَأَ، قَالَ: فَمَهْ، امْرُؤٌ اخْتَارَ دِينًا لِنَفْسِهِ، أَفَتَظُنُّونَ أَنَّ بَنِي عَدِيٍّ تُسْلِمُ إِلَيْكُمْ صَاحِبَهُمْ؟ قَالَ: فَكَأَنَّمَا كَانُوا ثَوْبًا انْكَشَفَ عَنْهُ، فَقُلْتُ لَهُ بَعْدُ بِالْمَدِينَةِ: يَا أَبَتِ، مَنِ الرَّجُلُ الَّذِي رَدَّ عَنْكَ الْقَوْمَ يَوْمَئِذٍ؟ فَقَالَ: «يَا بُنَيَّ، ذَاكَ الْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ». أخرجه ابن حبان
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أنه قَالَ: لَمَّا أَسْلَمَ عُمَرُ رضي الله عنه اجْتَمَعَ النَّاسُ عِنْدَ دَارِهِ, وَقَالُوا: صَبَأَ عُمَرُ، وَأَنَا غُلَامٌ فَوْقَ ظَهْرِ بَيْتِي، فَجَاءَ رَجُلٌ عَلَيْهِ حُلَّةُ قَبَاءٌ مِنْ دِيبَاجٍ، فَلَقِيَ النَّاسَ قَدْ سَالَ بِهِمْ الْوَادِي فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُونَ؟ فَقَالُوا: نُرِيدُ هَذَا ابْنَ الْخَطَّابِ الَّذِي صَبَأَ. فَقَالَ: قَدْ صَبَأَ عُمَرُ, فَمَا ذَاكَ؟ فَأَنَا لَهُ جَارٌ, قَالَ: فَرَأَيْتُ النَّاسَ تَصَدَّعُوا عَنْهُ, فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: الْعَاصِ بْنُ وَائِلٍ، أَبُو عَمْرٍو، وَهُوَ مِنْ بَنِي سَهْمٍ، وَهُمْ حُلَفَاؤُنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ. رواه البخاري.
مناقب عمر الفاروق رضي الله عنه
1-كان لإسلامه رضي الله عنه أثرًا إيجابيًا عظيمًا في الدعوة، فبإسلامه عزَّ الإسلام، كما دعا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قَالَ: «مَا زِلْنَا أَعِزَّةً مُنْذُ أَسْلَمَ عُمَرُ». رواه البخاري، وقال ابن مسعود أيضًا: إِنَّ إِسْلَامَهُ كَانَ فَتْحًا، وَإِنَّ هِجْرَتَهُ كَانَتْ نَصْرًا، وَإِنَّ سُلْطَانَهُ كَانَ رَحْمَةً. وكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَقُولُ: مَا كُنَّا نَقْدِرُ عَلَى أَنْ نُصَلِّيَ عِنْدَ الْكَعْبَةِ حَتَّى أَسْلَمَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَلَمَّا أَسْلَمَ قَاتَلَ قُرَيْشًا حَتَّى صَلَّى عِنْدَ الْكَعْبَةِ وَصَلَّيْنَا مَعَهُ. انظر فضائل الصحابة للإمام أحمد وصحيح السيرة للألباني، وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما أنه قَالَ: لَمَّا أَسْلَمَ عُمَرُ قَالَ الْمُشْرِكُونَ: قَدِ انْتَصَفَ الْقَوْمُ مِنَّا.
2-من أفاضل الصحابة رضي الله عنهم، ومن أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: فَعَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُ عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ، قَالَ: فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: «عَائِشَةُ». قُلْتُ: مِنِ الرِّجَالِ؟ قَالَ: «أَبُوهَا». قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «عُمَرُ». فَعَدَّ رِجَالًا فَسَكَتُّ مَخَافَةَ أَنْ يَجْعَلَنِي فِي آخِرهم. مُتَّفق عَلَيْهِ.
وَعَن ابْنِ عمرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما أنه قَالَ: كُنَّا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ ﷺلَا نَعْدِلُ بِأَبِي بَكْرٍ أَحَدًا ثُمَّ عُمَرَ ثُمَّ عُثْمَانَ ثُمَّ نَتْرُكُ أَصْحَابَ النَّبِيِّ ﷺ لَا نُفَاضِلُ بَيْنَهُمْ. أخرجه الْبُخَارِيُّ.
وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ أنه قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي -يعني علي بن أبي طالب-: أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ بَعْدَ النَّبِيِّ ﷺ؟ قَالَ: أَبُو بَكْرٍ. قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: عُمَرُ. وَخَشِيتُ أَنْ يَقُولَ: عُثْمَانُ. قُلْتُ: ثُمَّ أَنْتَ قَالَ: «مَا أَنَا إِلَّا رجلٌ من الْمُسلمين». رَوَاهُ البُخَارِيّ.
3-هاجر رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ إلى المدينة، فله فضل الهجرة: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ رضي الله عنهما أنه قَالَ: قَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: مَا عَلِمْتُ أَنَّ أَحَدًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ هَاجَرَ إِلا مُخْتَفِيًا، إِلا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَإِنَّهُ لَمَّا هَمَّ بِالْهِجْرَةِ تَقَلَّدَ سَيْفَهُ، وَتَنَكَّبَ قَوْسَهُ، وَانْتَضَى فِي يَدِهِ أَسْهُمًا، وَاخْتَصَرَ عَنْزَتَهُ، وَمَضَى قِبَلَ الْكَعْبَةِ، وَالْمَلأُ مِنْ قُرَيْشٍ بِفِنَائِهَا، فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا مُتَمَكِّنًا، ثُمَّ أَتَى الْمُقَامَ، فَصَلَّى مُتَمَكِّنًا، ثُمَّ وَقَفَ عَلَى الْحلقِ وَاحِدَةً وَاحِدَةً، وَقَالَ لَهُمْ: شَاهَتِ الْوُجُوهُ، لا يَرْغَمُ اللَّهُ إِلا هَذِهِ الْمَعَاطِسَ، مَنْ أَرَادَ أَنْ تَثْكُلَهُ أُمُّهُ، وَيُيتم وَلَدَهُ، وَيُرْمِلَ زَوْجَتَهُ، فَلْيَلْقَنِي وَرَاءَ هَذَا الْوَادِي. قَالَ عَلِيٌّ: فَمَا تَبِعَهُ أَحَدٌ إِلا قَوْمٌ مِنَ الْمُسْتَضْعَفِينَ عَلِمَهُمْ وَأَرْشَدَهُمْ وَمَضَى لِوَجْهِهِ". (عَنْزَتَهُ) عصاه. (شَاهَتِ الْوُجُوهُ) أي قَبُحت. (الْمَعَاطِسَ) الأنوف.
وفضل الهجرة عظيم، فمن ذلك: قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 218]، وقال عز وجل: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ} [آل عمران: 195]، وقال سبحانه: {الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ . يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ . خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [التوبة: 20، 22]، وَعَنْ أَبِي فَاطِمَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، حَدِّثْنِي بِعَمَلٍ أَسْتَقِيمُ عَلَيْهِ وَأَعْمَلُهُ، قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «عَلَيْكَ بِالْهِجْرَةِ، فَإِنَّهُ لَا مِثْلَ لَهَا». أخرجه النسائي وصححه الألباني.
4- جعل الله الحق على لسانه رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ: فعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ أنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ يَقُولُ بِهِ». أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه وصححه الألباني.
5- ثناء النبي صلى الله عليه وسلم على عمر: فعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَوْ كَانَ نَبِيٌّ بَعْدِي لَكَانَ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وحسنه الألباني.
6-شهد بدرًا، وقد غفر الله لأهل بدر: فعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ، فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ». أخرجه البخاري ومسلم.
7-كان رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ من أهل بيعة الرضوان، وقد رضي الله عنهم: قال تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح: 18].
8-ملهم موفق: فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ أن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «لَقَدْ كَانَ فِيمَا قَبْلَكُمْ مِنَ الْأُمَمِ مُحَدَّثُونَ فَإِنْ يَكُ فِي أمّتي أحدٌ فإِنَّه عمر». مُتَّفق عَلَيْهِ. مُحَدَّثُونَ: ملهمون وقيل مصيبون إذا ظنوا. ومن ذلك: أَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قَالَ: وَافَقْتُ رَبِّي فِي ثَلَاثٍ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوِ اتَّخَذْنَا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى؟ فَنَزَلَتْ {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}. وَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ يَدْخُلُ عَلَى نِسَائِكَ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ فَلَوْ أَمَرْتَهُنَّ يَحْتَجِبْنَ؟ فَنَزَلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ. وَاجْتَمَعَ نِسَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْغَيْرَةِ فَقُلْتُ {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طلَّقكنَّ أَن يُبدلهُ أَزْوَاجًا خيرا منكنَّ} فَنزلت كَذَلِك. متفق عليه، وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ عُمَرُ: وَافَقْتُ رَبِّي فِي ثَلَاثٍ: فِي مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ وَفِي الْحِجَابِ وَفِي أُسَارَى بَدْرٍ. مُتَّفق عَلَيْه.
ومن ذلك: موافقته في تحريم الخمر، كما روى الإمام أحمد عن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ أنه لما نزل تحريم الخمر قال: اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً فنزلت هذه الآية التي في سورة البقرة: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ} قال: فدعي عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ فقرئت عليه فقال: اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً فنزلت الآية التي في سورة النساء: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} فكان منادي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أقام الصلاة نادى أن لا يقربن الصلاة سكران فدعي عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ فقرئت عليه فقال: اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً فنزلت الآية في المائدة فدعي عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ فقرئت عليه فلما بلغ {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} قال: فقال عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ انتهينا انتهينا".
ومن ذلك: ما رواه مسلم عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُما أنه قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ جَاءَ ابْنُهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ اللهِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ قَمِيصَهُ أَنْ يُكَفِّنَ فِيهِ أَبَاهُ، فَأَعْطَاهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ؟ فَقَامَ عُمَرُ فَأَخَذَ بِثَوْبِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَتُصَلِّي عَلَيْهِ وَقَدْ نَهَاكَ اللهُ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَيْهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّمَا خَيَّرَنِي اللهُ فَقَالَ: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً وَسَأَزِيدُ عَلَى سَبْعِينَ " قَالَ: إِنَّهُ مُنَافِقٌ! فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} [التوبة: 84].
9- لا يسلك الشيطان طريقًا فيه عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ: فعن سَعْد بْن أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ أنه قَالَ: اسْتَأْذَنَ عُمَرُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺوَعِنْدَهُ نِسَاءٌ مِنْ قُرَيْشٍ يُكَلِّمْنَهُ وَيَسْتَكْثِرْنَهُ، عَالِيَةً أَصْوَاتُهُنَّ، فَلَمَّا اسْتَأْذَنَ عُمَرُ قُمْنَ يَبْتَدِرْنَ الحِجَابَ، فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَضْحَكُ، فَقَالَ عُمَرُ: أَضْحَكَ اللَّهُ سِنَّكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «عَجِبْتُ مِنْ هَؤُلاَءِ اللَّاتِي كُنَّ عِنْدِي، فَلَمَّا سَمِعْنَ صَوْتَكَ ابْتَدَرْنَ الحِجَابَ» قَالَ عُمَرُ: فَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كُنْتَ أَحَقَّ أَنْ يَهَبْنَ، ثُمَّ قَالَ: أَيْ عَدُوَّاتِ أَنْفُسِهِنَّ، أَتَهَبْنَنِي وَلاَ تَهَبْنَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ؟ قُلْنَ: نَعَمْ، أَنْتَ أَفَظُّ وَأَغْلَظُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِيهً يَا ابْنَ الخَطَّابِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ قَطُّ سَالِكًا فَجًّا إِلَّا سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ». متفق عليه.
10-بشرى النبي صلى الله عليه وسلم لعمر رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ بالدين والعلم والخلافة والشهادة والجنة: فعن أَبَي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ أنه قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ، رَأَيْتُ النَّاسَ يُعْرَضُونَ وَعَلَيْهِمْ قُمُصٌ، مِنْهَا مَا يَبْلُغُ الثُّدِيَّ وَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ دُونَ ذَلِكَ وَمَرَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ يَجُرُّهُ قَالُوا مَاذَا أَوَّلْتَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: «الدِّينَ». مُتَّفق عَلَيْهِ.
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺأنه قَالَ: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ، إِذْ رَأَيْتُ قَدَحًا أُتِيتُ بِهِ فِيهِ لَبَنٌ، فَشَرِبْتُ مِنْهُ حَتَّى إِنِّي لَأَرَى الرِّيَّ يَجْرِي فِي أَظْفَارِي، ثُمَّ أَعْطَيْتُ فَضْلِي عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ» قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَ ذَلِكَ؟ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: «الْعِلْمَ». مُتَّفق عَلَيْهِ، وعن أَبَي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ أنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي عَلَى قَلِيبٍ عَلَيْهَا دَلْوٌ فَنَزَعْتُ مِنْهَا مَا شَاءَ اللهُ ثُمَّ أَخَذَهَا ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ فَنَزَعَ بِهَا ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ وَفِي نَزْعِهِ وَاللهُ يَغْفِرُ لَهُ ضَعْفٌ ثُمَّ اسْتَحَالَتْ غَرْبًا فَأَخَذَهَا ابْنُ الْخَطَّابِ فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا مِنَ النَّاسِ يَنْزِعُ نَزْعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ». مُتَّفق عَلَيْهِ. و(القليب): البئر بعد حفرها وقبل أن تبنى جدرانها. (نزعت) استقيت. (ذنوبا) الدلو المملوءة. (استحالت) تحولت. (غربا) دلوًا عظيمًا. (عبقريا) العبقري هو السيد. (ضرب الناس بعطن) أي سقوا إبلهم ثم آووها لموضع راحتها.
وعن أَنَس بْن مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ صَعِدَ أُحُدًا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ، فَرَجَفَ بِهِمْ فَضَرَبَهُ بِرِجْلِهِ، فَقَالَ: «اثْبُتْ أُحُدُ، فَإِنَّمَا عَلَيْكَ نَبِيٌّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَانِ». رواه البخاري، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ أنه قَالَ: "بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ إِذْ رَأَيْتُنِي فِي الْجَنَّةِ، فَإِذَا امْرَأَةٌ تَوَضَّأُ إِلَى جَانِبِ قَصْرٍ، فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا: لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَذَكَرْتُ غَيْرَةَ عُمَرَ فَوَلَّيْتُ مُدْبِرًا". قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَبَكَى عُمَرُ وَنَحْنُ جَمِيعًا فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ ثُمَّ قَالَ عُمَرُ: بِأَبِي أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ أَعَلَيْكَ أَغَارُ؟ رواه البخاري ومسلم.
11-أشد الأمة في الحق رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ: فَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ وَأَشَدُّهُمْ فِي أَمْرِ اللَّهِ عُمَرُ وَأَصْدَقُهُمْ حَيَاءً عُثْمَانُ وَأَفْرَضُهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَأَقْرَؤُهُمْ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَأَعْلَمُهُمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ وَأَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وصححه الألباني.
12-من المبشرين بالجنة: وعَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَبُو بَكْرٍ فِي الْجَنَّةِ وَعُمَرُ فِي الْجَنَّةِ وَعُثْمَانُ فِي الْجَنَّةِ وَعَلِيٌّ فِي الْجَنَّةِ وَطَلْحَةُ فِي الْجَنَّةِ وَالزُّبَيْرُ فِي الْجَنَّةِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فِي الْجَنَّةِ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فِي الْجَنَّةِ وَسَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ فِي الْجَنَّةِ وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ فِي الْجَنَّةِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وصححه الألباني.
13-منافسته في الخير: فعَن عُمَرَ رضي الله عنه أنه قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺأَنْ نَتَصَدَّقَ وَوَافَقَ ذَلِكَ عِنْدِي مَالًا فَقُلْتُ: الْيَوْمَ أَسْبِقُ أَبَا بَكْرٍ إِنْ سَبَقْتُهُ يَوْمًا. قَالَ: فَجِئْتُ بِنِصْفِ مَالِي. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ؟» فَقُلْتُ: مِثْلَهُ. وَأَتَى أَبُو بَكْرٍ بِكُلِّ مَا عِنْدَهُ. فَقَالَ: «يَا أَبَا بَكْرٍ مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ؟» فَقَالَ: أَبْقَيْتُ لَهُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. قُلْتُ: لَا أَسْبِقُهُ إِلَى شَيْءٍ أَبَدًا. رَوَاهُ أبو داود والتِّرْمِذِيّ وَحسنه الألباني، وكان عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ من أهل السبق في الإنقاق، فقَالَ رضي الله عنه: لَئِنْ سَلَّمَنِي اللَّهُ تَعَالَى لَأَدَعَنَّ أَرَامِلَ أَهْلِ الْعِرَاقِ لَا يَحْتَجْنَ إِلَى رَجُلٍ بَعْدِي أَبَدًا. رواه البخاري؛ وقَرَأَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} إِلَى آخِرِ الْآيَةِ فَقَالَ هَذِهِ لِهَؤُلَاءِ ثُمَّ تَلَا: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} إِلَى آخِرِ الْآيَةِ ثُمَّ قَالَ هَذِهِ لِهَؤُلَاءِ ثُمَّ تَلَا {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} إِلَى آخِرِ الْآيَةِ ثُمَّ قَرَأَ {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ} إِلَى آخِرِ الْآيَةِ ثُمَّ قَالَ هَؤُلَاءِ الْمُهَاجِرُونَ ثُمَّ تَلَا {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ} إِلَى آخِرِ الْآيَةِ فَقَالَ: هَؤُلَاءِ الْأَنْصَارُ. قَالَ: وَقَالَ {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ} إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، قَالَ: فَهَذِهِ اسْتَوْعَبَتِ النَّاسَ، وَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا وَلَهُ فِي هَذَا الْمَالِ حَقٌّ إِلَّا مَا تَمْلِكُونَ مِنْ رَقِيقِكُمْ فَإِنْ أَعِشْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا سَيَأْتِيهِ حَقُّهُ حَتَّى الرَّاعِي بِسُرَّ وَحِمْيَرَ يَأْتِيهِ حَقُّهُ وَلَمْ يَعْرَقْ فِيهِ جَبِينُهُ. رَوَاهُ البيهقي وصححه الألباني.
وكان إذا أعجبه شيء من ماله تصدق به، فكتب إلى أبي موسى الأشعري أن يبتاع له جارية من سبي جلولاء يوم فتحت مدائن كسرى، فلما جاءت أعجبته فقال عمر إن الله عزّ وجلّ يقول: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}، فأعتقها عمر.
14-بين الأمة وبين الفتن باب مغلق، وكان عمر رضي الله عنه الباب: فعن حُذَيْفَةَ قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ فَقَالَ: أَيُّكُمْ يَحْفَظُ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْفِتْنَةِ؟ فَقُلْتُ: أَنَا أَحْفَظُ كَمَا قَالَ، قَالَ: هَاتِ إِنَّكَ لِجَرِيءٌ وَكَيْفَ؟ قَالَ: قُلْتُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ «فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَنَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَجَارِهِ يُكَفِّرُهَا الصِّيَامُ وَالصَّلَاةُ وَالصَّدَقَةُ وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ» فَقَالَ عُمَرُ: لَيْسَ هَذَا أُرِيدُ إِنَّمَا أُرِيدُ الَّتِي تَمُوجُ كَمَوْجِ الْبَحْر. قَالَ: مَا لَكَ وَلَهَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ إِنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بَابًا مُغْلَقًا، قَالَ: أَيُكْسَرُ أَمْ يُفْتَحُ؟ قَالَ: يُكْسَرُ، قَالَ: إِذًا لاَ يُغْلَقَ أَبَدًا، قُلْنَا: أَكَانَ عُمَرُ يَعْلَمُ البَابَ؟ قَالَ: نَعَمْ، كَمَا أَنَّ دُونَ الغَدِ اللَّيْلَةَ، إِنِّي حَدَّثْتُهُ بِحَدِيثٍ لَيْسَ بِالأَغَالِيطِ فَهِبْنَا أَنْ نَسْأَلَ حُذَيْفَةَ، فَأَمَرْنَا مَسْرُوقًا فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: البَابُ عُمَرُ. متفق عليه.
15-أوصى أبو بكرٍ الصِّدِّيق رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ لعمر بالخلافة، فلمَّا توفِّي ليلة الثلاثاء لثمانٍ بقين من جمادى الآخرة من سنة ثلاث عشرة للهجرة استقبل عمر بخلافته وبقي في الخلافة عشر سنين وستة أشهر.
16-وكان من أخباره: أنه خَرَجَ يَعِسّ الْمَدِينَةَ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَمَرَّ بِدَارِ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَوَافَقَهُ قَائِمًا يُصَلِّي، فَوَقَفَ يَسْتَمِعُ قِرَاءَتَهُ فَقَرَأَ: {وَالطُّورِ} حَتَّى بَلَغَ {إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ} قَالَ عمر: قَسَمٌ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ حَقٌّ. فَنَزَلَ عَنْ حِمَارِهِ وَاسْتَنَدَ إِلَى حَائِطٍ، فَمَكَثَ مَلِيًّا، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مِنْزِلِهِ، فَمَكَثَ شَهْرًا يَعُودُهُ النَّاسُ لَا يَدْرُونَ مَا مَرَضُهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وعَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أنه قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ إِلَى حَرَّةَ وَاقِمٍ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِصِرَارٍ إِذَا نَارٌ، فَقَالَ: يَا أَسْلَمُ إِنِّي لَأَرَى هَا هُنَا رَكْبًا قَصَّرَ بِهِمُ اللَّيْلُ وَالْبَرْدُ، انْطَلِقْ بِنَا، فَخَرَجْنَا نُهَرْوِلُ حَتَّى دَنَوْنَا مِنْهُمْ، فَإِذَا بِامْرَأَةٍ مَعَهَا صِبْيَانٌ صِغَارٌ وَقِدْرٌ مَنْصُوبَةٌ عَلَى نَارٍ وَصِبْيَانُهَا يَتَضَاغَوْنَ، فَقَالَ عُمَرُ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا أَصْحَابَ الضَّوْءِ، وَكَرِهَ أَنْ يَقُولَ: يَا أَصْحَابَ النَّارِ، فَقَالَتْ: وَعَلَيْكَ السَّلَامُ، فَقَالَ: أَدْنُو؟، فَقَالَتِ: ادْنُ بِخَيْرٍ أَوْ دَعْ، فَدَنَا فَقَالَ: مَا بَالُكُمْ؟ قَالَتْ: قَصَّرَ بِنَا اللَّيْلُ وَالْبَرْدُ، قَالَ: فَمَا بَالُ هَؤُلَاءِ الصِّبْيَةِ يَتَضَاغَوْنَ؟ قَالَتِ: الْجُوعُ، قَالَ: فَأَيُّ شَيْءٍ فِي هَذِهِ الْقِدْرِ؟ قَالَتْ: مَا أُسْكِتُهُمْ بِهِ حَتَّى يَنَامُوا، وَاللَّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ عُمَرَ، فَقَالَ: أَيْ رَحِمَكِ اللَّهُ، وَمَا يُدْرِي عُمَرَ بِكُمْ؟ قَالَتْ: يَتَوَلَّى عُمَرُ أَمْرَنَا ثُمَّ يَغْفُلُ عَنَّا. قَالَ: فَأَقْبَلَ عَلَيَّ فَقَالَ: انْطَلِقْ بِنَا، فَخَرَجْنَا نُهَرْوِلُ حَتَّى أَتَيْنَا دَارَ الدَّقِيقِ، فَأَخْرَجَ عِدْلًا مِنْ دَقِيقٍ وَكَبَّةً مِنْ شَحْمٍ، فَقَالَ: احْمِلْهُ عَلَيَّ، فَقُلْتُ: أَنَا أَحْمِلُهُ عَنْكَ، قَالَ: أَنْتَ تَحْمِلُ عَنِّي وِزْرِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا أُمَّ لَكَ؟ فَحَمَلْتُهُ عَلَيْهِ فَانْطَلَقَ، وَانْطَلَقْتُ مَعَهُ إِلَيْهَا، نُهَرْوِلُ، فَأَلْقَى ذَلِكَ عِنْدَهَا وَأَخْرَجَ مِنَ الدَّقِيقِ شَيْئًا، فَجَعَلَ يَقُولُ لَهَا: ذُرِّي عَلَيَّ، وَأَنَا أُحَرِّكُ لَكِ، وَجَعَلَ يَنْفُخُ تَحْتَ الْقِدْرِ ثُمَّ أَنْزَلَهَا، فَقَالَ: أَبْغِينِي شَيْئًا، فَأَتَتْهُ بِصَحْفَةٍ فَأَفْرَغَهَا فِيهَا ثُمَّ جَعَلَ يَقُولُ لَهَا: أَطْعِمِيهُمْ وَأَنَا أُسَطِّحُ لَهُمْ، فَلَمْ يَزَلْ حَتَّى شَبِعُوا، وَتَرَكَ عِنْدَهَا فَضْلَ ذَلِكَ، وَقَامَ وَقُمْتُ مَعَهُ، فَجَعَلَتْ تَقُولُ: جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا، كُنْتَ أَوْلَى بِهَذَا الْأَمْرِ مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَيَقُولُ: قُولِي خَيْرًا إِذَا جِئْتِ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَحَدَّثِينِي هُنَاكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ تَنَحَّى نَاحِيَةً عَنْهَا ثُمَّ اسْتَقْبَلَهَا فَرَبَضَ مَرْبَضًا، فَقُلْنَا لَهُ: إِنَّ لَنَا شَأْنًا غَيْرَ هَذَا، وَلَا يُكَلِّمُنِي حَتَّى رَأَيْتُ الصِّبْيَةَ يَصْطَرِعُونَ ثُمَّ نَامُوا وَهَدَأُوا، فَقَالَ: يَا أَسْلَمُ، إِنَّ الْجُوعَ أَسْهَرَهُمْ وَأَبْكَاهُمْ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ لَا أَنْصَرِفَ حَتَّى أَرَى مَا رَأَيْتُ.
وخَرَجَ عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ فِي سَوَادِ اللَّيْلِ فَرَأَهُ طَلْحَةُ، فَذَهَبَ عُمَرُ فَدَخَلَ بَيْتًا ثُمَّ دَخَلَ بَيْتًا آخَرَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ طَلْحَةُ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ الْبَيْتِ فَإِذَا بِعَجُوزٍ عَمْيَاءَ مُقْعَدَةٍ، فَقَالَ لَهَا: مَا بَالُ هَذَا الرَّجُلِ يَأْتِيكِ؟ قَالَتْ: إِنَّهُ يَتَعَاهَدُنِي مُنْذُ كَذَا وَكَذَا، يَأْتِينِي بِمَا يُصْلِحُنِي، وَيُخْرِجُ عَنِّي الْأَذَى، فَقَالَ طَلْحَةُ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا طَلْحَةُ أَعَثَرَاتِ عُمَرَ تَتْبَعُ؟
وكان طعامه الخبز والزيت، وحينما كان يلام على ذلك يقول: إني سمعت الله تعالى يقول عن أقوام: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمْ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا} فإني أخاف أن أقدم طيباتي في الدنيا ولا يكون لي عند الله في الآخرة! وفي عام الرمادة: العام السابع عشر، وكان عام مجاعة شديدة، امتنع من أكل اللحم والسمن، وأبى إلا أن يأكل الزيت، عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أنه قَالَ: تَقَرْقَرَ بَطْنُ عُمَرَ قَالَ: وَكَانَ يَأْكُلُ الزَّيْتَ عَامَ الرَّمَادَةِ وَكَانَ قَدْ حَرَّمَ عَلَيْهَا السَّمْنَ، قَالَ: فَنَقَرَ بَطْنَهُ بِإِصْبَعِهِ وَقَالَ: تَقَرْقَرْ إِنَّهُ لَيْسَ لَكَ عِنْدَنَا غَيْرُهُ حَتَّى يَحْيَى النَّاسُ. الزهد للإمام أحمد، وعَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أنه قَالَ: أَصَابَ النَّاسَ سَنَةٌ غَلَا فِيهَا السَّمْنُ، وَكَانَ عُمَرُ يَأْكُلُ الزَّيْتَ؛ فَيُقَرْقِرُ بَطْنُهُ، فَيَقُولُ: قَرْقِرْ مَا شِئْتَ، فَوَاللَّهِ، لَا تَأْكُلُ السَّمْنَ حَتَّى يَأْكُلَهُ النَّاسُ. ثُمَّ قَالَ: اكْسِرْ عَنِّي حَرَّهُ بِالنَّارِ فَكُنْتُ أَطْبُخُهُ لَهُ فَيَأْكُلُهُ. الزهد للإمام أحمد.
وعن مُعَاوِيَةَ بْنِ خَدِيجٍ أنه قَالَ: بَعَثَنِي عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِفَتْحِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ، فَقَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فِي الظَّهِيرَةِ فَأَنَخْتُ رَاحِلَتِي بِبَابِ الْمَسْجِدِ ثُمَّ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ إِذْ خَرَجَتْ جَارِيَةٌ مِنْ مَنْزِلِ عُمَرَ فَرَأَتْنِي سَاحِبًا عَلَى ثِيَابِ السَّفَرِ فَانْصَرَفْتُ، فَقَالَتْ: أَجِبْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. قَالَ: يَا جَارِيَةُ هَلْ مِنْ طَعَامٍ؟ فَأَتَتْ بِخُبْزٍ وَزَيْتٍ قَالَ: كُلْ، فَأَكَلْتُ عَلَى حَيَاءٍ. قَالَ: كُلْ فَإِنَّ الْمُسَافِرَ يُحِبُّ الطَّعَامَ، ثُمَّ قَالَ: يَا جَارِيَةُ هَلْ مِنْ تَمْرٍ؟ فَأَتَتْنِي بِتَمْرٍ فِي طَبَقٍ. قَالَ: كُلْ فَأَكَلْتُ عَلَى حَيَاءٍ، ثُمَّ قَالَ: مَاذَا قُلْتَ يَا مُعَاوِيَةُ حِينَ أَتَيْتَ الْمَسْجِدَ؟ قَالَ قُلْتُ: إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَائِلٌ قَالَ: بِئْسَ مَا قُلْتَ أَوْ بِئْسَ مَا ظَنَنْتَ لَئِنْ نِمْتُ النَّهَارَ لَأُضَيِّعَنَّ الرَّعِيَّةَ وَلَئِنْ نِمْتُ اللَّيْلَ لَأُضَيِّعَنَّ نَفْسِي، فَكَيْفَ بِالنَّوْمِ مَعَ هَذَيْنِ يَا مُعَاوِيَةُ. أخرجه أحمد في الزهد. (قَائِلٌ) أي نائم وقت الظهيرة.
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُما، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ بَعَثَ جَيْشًا، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا يُدْعَى سَارِيَةَ، قَالَ: فَبَيْنَا عُمَرُ يَخْطُبُ النَّاسَ يَوْمًا، قَالَ: فَجَعَلَ يَصِيحُ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ: يَا سَارِيَة الْجَبَلَ، يَا سَارِيَة الْجَبَلَ، قَالَ: فَقَدِمَ رَسُولُ الْجَيْشِ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَقِينَا عَدُوَّنَا فَهَزَمْنَاهُمْ، فَإِذَا بِصَايِحٍ يَصِيحُ: يَا سَارِيَة الْجَبَلَ، يَا سَارِيَة الْجَبَلَ، فَأَسْنَدْنَا ظُهُورَنَا بِالْجَبَلِ فَهَزَمَهُمُ اللَّهُ، فَقِيلَ لِعُمَرَ، يَعْنِي: إِنَّكَ كُنْتَ تَصِيحُ بِذَلِكَ . وفي رواية أن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ رأى في نومه المعركة، فنادى: الصلاة جامعة فخطب في الناس وأثناء الخطبة قطعها بقوله: ياسارية الجبل الجبل! وقال: إن لله عز وجل جنودا، ولعل بعضها أن يبلغهم.
فتحت في خلافته بلاد الشام وبيت المقدس والعراق ومصر وبرقة وطرابلس ليبيا وأذربيجان ونهاوند وجرجان وبلاد فارس وأطفأ نار المجوس. وبنيت البصرة والكوفة، وكان عمر أوّل من أخرج اليهود من الجزيرة العربية، ففي عهده قضى على أكبر قوتين في زمانهِ وهما دولة الروم ودولة الفرس، ولما جاءوا بكنوز كسرى إلى عمر رضي الله عنه قال: إن قوماً أدوا هذا لأمناء، فقال عليّ رضي الله عنه: إن القوم رأوك عففت فعفوا، ولو رتعت لرتعوا. ثم ألبس ثياب كسرى خشبة، وذم الدنيا وزينتها.
سار بنفسه لاستلام مفاتيح بيت المقدس، فدخله وصلى فيه، ورفع القمامة التي تراكمت فيه، وأمر ببناء المسجد القبلي.
وعَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ أنه قَالَ: خَرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى الشَّامِ وَمَعَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ فَأَتَوْا عَلَى مَخَاضَةٍ وَعُمَرُ عَلَى نَاقَةٍ لَهُ فَنَزَلَ عَنْهَا وَخَلَعَ خُفَّيْهِ فَوَضَعَهُمَا عَلَى عَاتِقِهِ، وَأَخَذَ بِزِمَامِ نَاقَتِهِ فَخَاضَ بِهَا الْمَخَاضَةَ، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْتَ تَفْعَلُ هَذَا، تَخْلَعُ خُفَّيْكَ وَتَضَعُهُمَا عَلَى عَاتِقِكَ، وَتَأْخُذُ بِزِمَامِ نَاقَتِكَ، وَتَخُوضُ بِهَا الْمَخَاضَةَ؟ مَا يَسُرُّنِي أَنَّ أَهْلَ الْبَلَدِ اسْتَشْرَفُوكَ، فَقَالَ عُمَرُ: «أَوَّهْ لَمْ يَقُلْ ذَا غَيْرُكَ أَبَا عُبَيْدَةَ جَعَلْتُهُ نَكَالًا لَأُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّا كُنَّا أَذَلَّ قَوْمٍ فَأَعَزَّنَا اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ فَمَهْمَا نَطْلُبُ الْعِزَّةَ بِغَيْرِ مَا أَعَزَّنَا اللَّهُ بِهِ أَذَلَّنَا اللَّهُ». أخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي.
استشهاده رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ
- عن عمرو بن ميمون قال: رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه قبل أن يصاب بأيام بالمدينة وقف على حذيفة بن اليمان وعثمان بن حنيف وقال: كيف فعلتما؟ أتخافان أن تكونا قد حمّلتما الأرض ما لا تطيق (يعني من الخراج)؟ قالا: حملناها أمراً هي له مطيقة، ما فيها كبير فضل، قال: انظرا أن تكونا حملتما الأرض ما لا تطيق. قالا: لا. فقال عمر: لئن سلّمني الله تعالى لأدعنّ أرامل أهل العراق لا يحتجن إلى رجل بعدي أبداً. قال فما أتت عليه رابعة حتى أصيب رضي الله عنه.
قال إني لقائم ما بيني وبينه إلاّ عبد الله بن عباس غداة أصيب وكان إذا مرّ بين الصّفين قال: استووا، حتى إذا لم ير فيهن خللاً تقدم فكبّر، وربما قرأ سورة يوسف أو النحل أو نحو ذلك في الركعة الأولى حتى يجتمع النّاس، فما هو إلا أن كبّر حتى سمعته يقول: قتلني -أو أكلني- الكلب حين طعنه، فطار العلج بسكّين ذات طرفين لا يمر على أحدٍ يميناً ولا شمالاً إلا طعنه، حتى طعن ثلاثة عشر رجلاً مات منهم سبعة، فلمّا رأى ذلك رجلٌ من المسلمين طرح عليه برنساً فلما ظنّ العلج أنّه مأخوذٌ نحر نفسه، وتناول عمر يد عبدالرحمن بن عوف فقدّمه، فمن يلي عمر فقد رأى الذي أرى وأما نواحي المسجد فلا يدرون غير أنّهم فقدوا صوت عمر رضي الله عنه وهم يقولون سبحان الله سبحان الله، فصلّى بهم عبد الرحمن بن عوف صلاةً خفيفة، فلمّا انصرفوا قال: يا ابن عباس، انظر من قتلني. فجال ساعة ثم جاء فقال: غلام المغيرة، فقال: الصّنع؟ قال: نعم. قال: قاتله الله، لقد أمرت به معروفاً، الحمد لله الذي لم يجعل منيتي بيد رجلٌ يدّعي الإسلام، فقد كنت أنت وأبوك تحبّان أن تكثر العلوج بالمدينة. وكان العباس أكثرهم رقيقاً. فقال: إن شئت فعلت، أي إن شئت قتلنا. قال: كذبت، بعدما تكلّموا بلسانكم، وصلّوا إلى قبلتكم، وحجّوا حجّكم؟ فاحتمل إلى بيته فانطلقنا معه وكأنّ الناس لم تصبهم مصيبة قبل يومئذ، فقائل يقول: لا بأس، وقائل يقول: أخاف عليه، فأتي بنبيذٍ فشربه فخرج من جوفه، ثم أتي بلبن فشربه فخرج من جرحه، فعلموا أنّه ميّتٌ، فدخلنا عليه وجاء الناس يثنون عليه، وجاء رجلٌ شابٌّ فقال: أبشر يا أمير المؤمنين ببشرى الله لك من صحبة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقدمٍ في الإسلام ما قد علمت، ثم وليت فعدلت، ثم شهادة. قال: وددت أنّ ذلك كفاف، لا عليّ ولا لي. فلمّا أدبر إذا إزاره يمسّ الأرض، قال: ردوا عليّ الغلام، قال: ابن أخي ارفع ثوبك، إنّه أبقى لثوبك، وأتقى لربّك. يا عبدالله بن عمر انظر ما علي من الدّين، فحسبوه فوجدوه ستة وثمانين ألفاً أو نحوه، قال: إن وفى له مال آل عمر فأدّه من أموالهم، وإلا فسل بني عديّ بن كعب، فإن لم تف أموالهم فسل في قريش ولا تعدهم إلى غيرهم، فأدّ عنّي هذا المال، وانطلق إلى عائشة فقل: يقرأ عليك عمر السلام، ولا تقل أمير المؤمنين فإنّي لست اليوم للمؤمنين أميراً، وقل: يستأذن عمر بن الخطاب أن يدفن مع صاحبيه. فسلّم واستأذن ثم دخل عليها فوجدها قاعدةٌ تبكي، فقال: يقرأ عليك عمر بن الخطاب السلام ويستأذن أن يدفن مع صاحبيه، فقالت: كنت أريده لنفسي ولأوثرنّ به اليوم على نفسي. فلما أقبل قيل: هذا عبد الله بن عمر قد جاء، قال: ارفعوني، فأسنده رجل إليه فقال: ما لديك؟ قال: الذي تحبّ يا أمير المؤمنين، أذنت. قال: الحمد لله. ما كان من شيءٍ أهمّ إليّ من ذلك، فإذا أنا قضيت فاحملوني، ثم سلّم فقل: يستأذن عمر بن الخطاب، فإن أذنت لي فأدخلوني، وإن ردّتني ردّوني إلى مقابر المسلمين.
وعَنِ الْمُسَيَّبِ بْنِ رَافِعٍ أنه قَالَ: سَارَ إِلَيْنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ سَبْعًا مِنَ الْمَدِينَةِ، فَصَعَدَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ غُلَامَ الْمُغِيرَةِ، أَبَا لُؤْلُؤَةَ، قَتَلَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ، قَالَ: فَضَجَّ النَّاسُ وَصَاحُوا وَاشْتَدَّ بُكَاؤُهُمْ.
وعن ابْن عَبَّاسٍ أنه قال: وُضِعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عَلَى سَرِيرِهِ فَتَكَنَّفَهُ النَّاسُ يَدْعُونَ وَيُثْنُونَ وَيُصَلُّونَ عَلَيْهِ، قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ، وَأَنَا فِيهِمْ، قَالَ فَلَمْ يَرُعْنِي إِلَّا بِرَجُلٍ قَدْ أَخَذَ بِمَنْكِبِي مِنْ وَرَائِي، فَالْتَفَتُّ إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ عَلِيٌّ، فَتَرَحَّمَ عَلَى عُمَرَ، وَقَالَ: مَا خَلَّفْتَ أَحَدًا أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَلْقَى اللهَ بِمِثْلِ عَمَلِهِ مِنْكَ، وَايْمُ اللهِ إِنْ كُنْتُ لَأَظُنُّ أَنْ يَجْعَلَكَ اللهُ مَعَ صَاحِبَيْكَ، وَذَاكَ أَنِّي كُنْتُ أُكَثِّرُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «جِئْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَدَخَلْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَخَرَجْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، فَإِنْ كُنْتُ لَأَرْجُو، أَوْ لَأَظُنُّ، أَنْ يَجْعَلَكَ اللهُ مَعَهُمَا». رواه مسلم. (فتكنفه الناس) أي أحاطوا به. (فلم يرعني) معناه لم يفجأني.
وعَنِ المِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ أنه قَالَ: لَمَّا طُعِنَ عُمَرُ جَعَلَ يَأْلَمُ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَكَأَنَّهُ يُجَزِّعُهُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، وَلَئِنْ كَانَ ذَاكَ، لَقَدْ صَحِبْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَحْسَنْتَ صُحْبَتَهُ، ثُمَّ فَارَقْتَهُ وَهُوَ عَنْكَ رَاضٍ، ثُمَّ صَحِبْتَ أَبَا بَكْرٍ فَأَحْسَنْتَ صُحْبَتَهُ، ثُمَّ فَارَقْتَهُ وَهُوَ عَنْكَ رَاضٍ، ثُمَّ صَحِبْتَ صَحَبَتَهُمْ فَأَحْسَنْتَ صُحْبَتَهُمْ، وَلَئِنْ فَارَقْتَهُمْ لَتُفَارِقَنَّهُمْ وَهُمْ عَنْكَ رَاضُونَ، قَالَ: «أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ صُحْبَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرِضَاهُ، فَإِنَّمَا ذَاكَ مَنٌّ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى مَنَّ بِهِ عَلَيَّ، وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ صُحْبَةِ أَبِي بَكْرٍ وَرِضَاهُ، فَإِنَّمَا ذَاكَ مَنٌّ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ مَنَّ بِهِ عَلَيَّ، وَأَمَّا مَا تَرَى مِنْ جَزَعِي فَهُوَ مِنْ أَجْلِكَ وَأَجْلِ أَصْحَابِكَ، وَاللَّهِ لَوْ أَنَّ لِي طِلاَعَ الأَرْضِ ذَهَبًا لاَفْتَدَيْتُ بِهِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَبْلَ أَنْ أَرَاهُ». رواه البخاري . (يجزعه) يزيل جزعه.
مع تحيات اللجنة العلمية ملتقى الخطيب المؤثر أسد المنابر