قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يُوشِك الأمم أنْ تداعَى عليكم كما تداعَى الأكلة إلى قَصْعَتها))، فقال قائلٌ: ومن قلَّةٍ نحن يومئذٍ؟ قال: ((بل أنتم يومئذٍ كثيرٌ، ولكنَّكم غُثاء كغُثاء السَّيْل، ولينزعنَّ الله من صُدور عدوِّكم المهابة منكم، وليقذفنَّ الله في قُلوبكم الوهن))، فقال قائل: يا رسول الله، وما الوهن؟ قال: ((حبُّ الدنيا وكراهية المَوْتِ)). أخرجه أحمد وأبو داود
(( الطريق إلى الأقصى ))
رقم الخطبة : ( 525)
الخطبة الأولى من ربيع ثان عام 1445ه............
مدخل الموضوع
قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يُوشِك الأمم أنْ تداعَى عليكم كما تداعَى الأكلة إلى قَصْعَتها))، فقال قائلٌ: ومن قلَّةٍ نحن يومئذٍ؟ قال: ((بل أنتم يومئذٍ كثيرٌ، ولكنَّكم غُثاء كغُثاء السَّيْل، ولينزعنَّ الله من صُدور عدوِّكم المهابة منكم، وليقذفنَّ الله في قُلوبكم الوهن))، فقال قائل: يا رسول الله، وما الوهن؟ قال: ((حبُّ الدنيا وكراهية المَوْتِ)). أخرجه أحمد وأبو داود
عناصر الموضوع
1- ضعف الامة الاسلامية اليوم
2- امل الامة تخليص الاقصى
3- وحدة المسلمين
4- ما أشبه الليلة بالبارحة!
5- الطريق لتحرير القدس
الطريق الي الاقصي
ضعف الامة الاسلامية اليوم
إنَّ المسلمين اليوم فقَدُوا الرغبة في العمل والعطاء، وتسرَّب إليهم الوهن والضعف ودنوُّ الهمة؛ لضعف إيمانهم، فالقوَّة الإيمانية التي دفَعتْ إسلامهم نحو الرُّقيِّ والبناء لم تعدْ تملك الوَقُود اللازم الذي يتمثَّل في صَفاء الروح، ووُضوح الهدف والفِكرة، وبذلك أصبح المسلمون عاجِزين عن أداء رِسالتهم الحقيقيَّة؛ لأنَّ مَن يَفقِد تلك القوَّة الدافعة للعمل سيَبقَى ثابتًا في مكانه يَدُور حول نفسه.
وقد بيَّن الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - حالَ الأمة حين تَفقِد تلك القوَّة الإيمانية؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يُوشِك الأمم أنْ تداعَى عليكم كما تداعَى الأكلة إلى قَصْعَتها))، فقال قائلٌ: ومن قلَّةٍ نحن يومئذٍ؟ قال: ((بل أنتم يومئذٍ كثيرٌ، ولكنَّكم غُثاء كغُثاء السَّيْل، ولينزعنَّ الله من صُدور عدوِّكم المهابة منكم، وليقذفنَّ الله في قُلوبكم الوهن))، فقال قائل: يا رسول الله، وما الوهن؟ قال: ((حبُّ الدنيا وكراهية المَوْتِ)). أخرجه أحمد وأبو داود .
إنَّ هذا الحديث يُقدِّم لنا تفسيرًا واضحًا للأزمة التي تمرُّ بها الأمَّة الإسلاميَّة في هذا العصر، مع ما لديها من كثْرةٍ في العدد، ووفرةٍ في الوسائل، فالرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - وصَف الأمَّة بالغثائيَّة، وهي تعني: فقدان الإيمان والمنهج؛ لأنَّ السيل المُتَدافِع ليس له هدفٌ يسيرُ إليه، وهو في سَيْره يحمل رُكامًا من الأشياء التي ليس لها أيَّة أهميَّة في نظَر الإنسان، وما تلك الغثائيَّة إلا بسبب حبِّ الدنيا وكراهية الموت، وبُعدنا عن الإيمان.
فإنَّ ضعفَ الإيمان أصلُ الأسباب التي جعلت هذا الضعف ودنوَّ الهمة عند الأمَّة، فدبَّ العجز والكسل في أفرادها، وممَّا يُبيِّن لنا أنَّ الإيمان يُقوِّي العزم عند المؤمن، ويزيل أثَر الغثائيَّة والوهن والشعور بالضعف - قوله - تعالى -: { الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ } [آل عمران: 173]، يقول البغوي في تفسير هذه الآية: "﴿ فَاخْشَوْهُمْ ﴾ فخافوهم واحذروهم؛ فإنَّه لا طاقة لكم بهم، ﴿ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا ﴾ تصديقًا ويقينًا وقوَّة"[2].
أمل الامة تخليص الاقصى
كل المسلمين اليوم في مشارق الأرض ومغاربها يتطلعون إلى خلاص المسجد الأقصى وفلسطين من أيدي أعداء الله اليهود الغاصبين، ولكن هذه الأمنية تحتاج لتحقيقها واقعاً إلى تغيير في نفوسنا، يخلصنا أولاً من العبودية لغير الله في أي صورة من صور الشرك وعبادة غير الله. فلا بدّ من تغيير عميق للجذور, نبني به رجل العقيدة المسلم, الذي يحقق العبودية لله تعالى في نفسه ويعبِّد الآخرين لخالقهم, وبهذا الأساس الصلب سينفذ جيل النصر القادم لا محالة إلى اليهود القابعين في بيت المقدس, وبذلك الوصف سينادي الحجر والشجر جند الله المؤمنين الذين سينازلون اليهود: (يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي وارئي تعال فاقتله)، وسبيل ذلك التربية المتوازنة على العقيدة الصافية التي لا تكدرها شائبة, من خرافة ومحدثة وشبهة، العقدية التي يريدها القرآن الكريم، وتريدها السنة الصحيحة أن نعتقدها بشمولها عبادة ونكساً، وولاءً وبراءً، شريعة وحكماً، دون تجزئة , أونسيان حظ مما ذكرنا به، كما قال الله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} [البقرة: 208].
وحدة المسلمين
السعي الدؤوب لوحدة المسلمين على كلمة سواء من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والاعتصام بهما قال تعالى : {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103] ، وأثبت الواقع أنه لم ولن تكون القومية العربية إطاراً يحقق الوحدة لأنها بناء قائم على جرفٍ هارٍ ودعوة مالها من الله من برهان ولا نصير، في حين اثبت الإسلام صلاحيته لتوحيد شعوب مترامية المسكن, مختلفة الأجناس, صهرهم في بوتقة واحدة, وصقلهم وهذب أخلاقهم وطباعهم، وأبدع بهم حضارة حكمت الشرق والغرب، وحقق لها شعور الانتماء الواحد , أكثر من الذي يشعر به أبناء البلد الواحد, واعتبر الإسلام هذه الرابطة أقوى وشيجة بقوله تعالى : { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10] ، وقوله تعالى : {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ } [الأنبياء: 92], وبمثل قوله عليه الصلاة والسلام: عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِهَارًا غَيْرَ سِرٍّ يَقُولُ : (( أَلَا إِنَّ آلَ أَبِي يَعْنِي فُلَانًا لَيْسُوا لِي بِأَوْلِيَاءَ إِنَّمَا وَلِيِّيَ اللَّهُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ )). رواه مسلم .
إن رابطة البنوّة فَصَمَتْ بين نوح عليه السلام وابنه عندما انعدمت رابطة الإيمان قال تعالى : { قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ } [هود: 46], كذلك رابطة الأبوة بين إبراهيم عليه السلام وأبيه فصمت لما انعدمت رابطة العقيدة قال تعالى : {فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ} [التوبة: 114].
كذلك لم ينفع أبا لهب وهو العربي القرشي رابطةُ النسب والقوم، وكان من الهالكين لكفره, لكنّ بلالاً الحبشي, وصهيباً الرومي, وسلمان الفارسي كانوا من خير أبناء هذه الأمة, وهكذا ضمّت دائرة الإسلام العرب والفرس والأكراد والترك والبربر والهنود والصين والأفارقة وغيرهم, وجعلت منهم أمة واحدة من دون الناس كما قال عليه الصلاة والسلام, فكان لهم التاريخ الواحد, والمآثر الواحدة, والأفراح والأعياد الواحدة, ولغة الدين الواحدة، وسل التاريخ ينبئك!! .
فها هم أولئك المماليك الذين حموْا هذه البقعة من بلاد الشام وبيت المقدس لم يكونوا من جنس العرب، وإنما كانوا من جنس التتار، ولكنهم قاتلوا حميّة للإسلام، وحمى صلاح الدين هذه البلاد من اندثار العروبة والعرب واللغة العربية، وهو كردي لا عربي, ولكن حفظ لها عروبتها ولغتها حين حفظ لها إسلامها من غارة الصليبيين, وكان الإسلام في ضميره هو الذي كافح الصليبيين كما كان الإسلام في ضمير بيبرس والمظفر قطز .
لقد آن الأوان لننبذ كل تلك الطروح القومية والوطنية والاشتراكية والشيوعية والعلمانية وسواها من رايات الفشل والشقاق , ونتخذ راية الإسلام شعاراً لتوحيد الجهد والجهاد في سبيل الله قال تعالى : { إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف: 128].
ما أشبه الليلة بالبارحة!
فكما رزء المسلمون في القرن الخامس الهجري قبل فتح بيت المقدس بالحركات الباطنية كالعبيديين, والحشاشين, والنصيريين والدروز, فإننا اليوم مبتلون بهذه الحركات وغيرها مما لم يكن في الماضي كالقاديانية والبهائية, وإذا كان الإمامان نور الدين زنكي وصلاح الدين الأيوبي قد وفقا لإدراك خطر الدولة العبيدية على وحدة المسلمين ولم شعثهم، فإننا اليوم ينبغي أن نتصدى لهؤلاء بكل الوسائل الممكنة, ويجب أن نحذر من اعتبارهم في أي وحدة لانهم كالسوس ينخر من الداخل.
الطريق لتحرير القدس
كلمة التوحيد قبل توحيد الكلمة
مستحيلٌ أن يحرر الأقصى جيل لم يعرف الله، وأتحدى من يقول بغير ذلك، فكيف يحرر الأقصى جيل تحدى الله، وحادَّ شرع الله، وانحرف بعيداً عن منهج الله جل وعلا؟!! فتح بيت المقدس عمر بن الخطاب الذي جاء متذللاً متضرعاً خاشعاً لله، وجاء من المدينة إلى أرض فلسطين وهو يتلو قرآن ربه جل وعلا.
أما اليوم فإن الأمة قد نحت قرآن الله، وتحدت شريعة الله جل وعلا، فـ عمر فتح القدس، واستلم المفاتيح؛ لأنه جاء وقد أحنى رأسه ذلاًّ لله، وتواضعاً لله جل وعلا، جاء في ركب متواضع، على ظهر دابة واحدة مع خادمه فقط، جاء وهو يتلو كتاب الله، وهنالك في القدس قابله قائد الجيوش أبو عبيدة رضي الله عنه، وكانت الكرة لخادم عمر ، فلقد كان عمر يركب على ظهر الدابة مرة وهو يقرأ سورة يس، وينزل من على ظهرها مرة ليركب الخادم وأمير المؤمنين يمشي على قدميه ويقرأ الخادم السورة مرة، ويترك الأمير والخادم الدابة مرة لتستريح، بهذه القلوب تحررت القدس، وبهذه القلوب تحرر الأقصى.
وأمام القدس المبارك وفي الأرض الطاهرة يمر عمر بن الخطاب بدابته على مخاضة -بركة ماء- فينزل الفاروق من على ظهر الدابة، فيلتفت إليه قائد الجند أبو عبيدة أمين الأمة ويقول: (يا أمير المؤمنين! والله! ما أحب أن القوم قد استشرفوك، ولا أحب أن يراك القوم وأنت على هذه الحالة).
فقال فاروق الأمة: (آهٍ يا أبا عبيدة ! لو غيرك قالها؛ لقد كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام، فمهما ابتغينا العز في غيره أذلنا الله!!) .
كلمات نرددها ونسمعها، ولكنها والله! ما صادفت القلوب، ولكنها والله! ما تمكنت من القلوب، لقد كنا أذل قوم، كنا رعاة للإبل والغنم فأعزنا الله، بماذا؟ بالإسلام، فمهما ابتغينا العز في غيره أذلنا الله.
ويوم أن تحرر قلب صلاح الدين انطلق ليحرر الأقصى الكريم، قيل له: يا صلاح الدين ! لماذا لم تُر مبتسماً؟ لماذا لا تبتسم؟!! فقال صلاح الدين : (والله! لن أبتسم والقدس في أيدى الصليبيين!!!) إنها القلوب التي عرفت ربها جل وعلا، وجاءت مذعنة منقادة إلى الله، فذلل الله لها الأرض، بل وأنزل الله لها الملائكة، وأنا لا أتصور أبداً أن ينزل الله الملائكة الآن لأمة نحت كتاب الله، وانحرفت في عقيدتها، ولا أتصور أن يقذف الله الرعب في قلوب أعدائها في هذه الأيام.
أيها الأخيار الكرام! كلمة التوحيد قبل توحيد الكلمة أمر مهم.
تصحيح العقيدة هي الخطوة الأولى لتحرير القدس
الذي ندين لله ! أن الخطوة الأولى على طريق تحرير القدس هي تصحيح العقيدة، وتصحيح العبادة، وعودة الأمة إلى الله، وثق كل الثقة أن الأمة لو لم تمتثل إلا هذا البند، ولو لم تخط إلا هذه الخطوة؛ لالتقينا في الأقصى الكريم بموعود الله وبموعود رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالإسلام عقيدة تنبثق منها شريعة تنظم كل شئون الحياة، ولا يقبل الله من قوم عملاً إلا إذا صحت عقيدتهم، وحققوا كلمة التوحيد بشمولها وبكمالها.
فالتوحيد هو: أن تصرف الأمة العبادة كاملة إلى الله.
وكلمة التوحيد تلزم الأمة أن تحكم شريعة الله.
وكلمة التوحيد تلزم الأمة بالموالاة لله ورسوله، فتوالي الأمة الله ورسوله والمؤمنين، وتتبرأ الأمة من الشرك والمشركين.
قال الشاعر:
أتحب أعداء الحبيب وتدعي حباً له * ما ذاك في الإمكان
وكذا تعادي جاهلاً أحبابه * أين المحبة يا أخا الشيطان
إن المحبة أن توافق من تحـ ـب * على محبته بلا نقصان
فإذا ادعيت له المحبة مع خلافك * ما يحب فأنت ذو بهتان
فكلمة التوحيد تستلزم أن ترجع الأمة إلى التوحيد بشموله وكماله، فالتوحيد ليس كلمة فحسب، بل كلمة باللسان، وتصديق بالجنان، وعمل بالجوارح والأركان، ففي صحيح مسلم من حديث أبى هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم ).
قال الحسن : ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي، ولكن الإيمان ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال، فمن قال خيراً وعمل خيراً قُبِلَ منه، ومن قال خيراً وعمل شراً لم يقبل منه.
فلابد من تصحيح العقيدة، وتصحيح العبادة، وتحكيم الشريعة، قال عز وجل : { فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } [النساء:65] .
هذه هي الخطوة الأولى بلا نزاع على طريق تحرير القدس، فلن يحرر القدس إلا رجل العقيدة الذي عرف قدر الله، وعظمة الله، وعلم يقيناً أنه كله لله، وامتثل عملياً قول الله سبحانه: { قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ } [الأنعام:162-163].
فلن يحرر القدس إلا رجل العقيدة الذي استقر في قلبه مفهوم الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين، واستقر في قلبه مفهوم البراء من الشرك والمشركين، وراح يحول في قلبه وواقعه ومنهج حياته قول الله جل وعلا: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } [المائدة:51] .
سيُدرك النصر إن يأذن به صمـد * بعد امتحان بخير المال والولــد
ودولة الظلم لن تبقي إلى أمــد * وهل تدوم ومادامت الي أحــد
ستشرق الشمس لا تجـزع لغيبتها * ويبزغ الفجر فوق السهل والنجد
وترجع القدس تزهو في مآذنــها * وعد الإله الكريم المنعـم الصمد
واليك بعض الوسائل لنصرة الاقصى
ألا فاعلم أيها المبارك غير مجهَّل : إن داء أمتنا منها ، وأنها مصابة بداء نقص المناعة الذاتي ، فصارت تتلف نفسها ، وتتأبى على أطبائها ، والله قد أنبأنا عن الداء ، فقال تعالى : { ومَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ } [النساء : 79] قال عز وجل : { إنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ } [الرعد : 11] ثم وصف لفا الدواء : { إن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ } [محمد : 7] ، وقال : { وعَدَ اللَّهُ الَذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ولَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَذِي ارْتَضَى لَهُمْ ولَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً ومَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ * وأَقِيمُوا الصَّلاةَ وآتُوا الزَّكَاةَ وأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } [النور : 54 ، 55] .
إنه الطريق الذي سلكه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، الطريق الذي لا
يلقاه إلا الذين صبروا ، ولا يلقاه إلا ذو حظ عظيم .
ومن معالم هذا الطريق :
- صرف الجهود في تربية الجيل ، وتزكيته ، والسعي لرفع مستواه ، بالدعوة الدؤوبة ، والمتابعة الدقيقة .
- ومنها نشر العلم الشرعي ، المبني على الكتاب والسنة ، وتعليمه الناس وتقريبه لهم .
- ومنها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والأخذ على أيدي المفسدين ، وفضح كيد الخائنين .
- ومنها الاستفادة من كل الخبرات ، والعلوم العصرية ، والحرص على تعلمها واتقانها والتفوق فيها .
- ومنها التعاون بين فئات الدعاة إلى الله تعالى وتنسيق الجهود ، وترتيب القدرات ، والاجتماع والتآلف .
- ومع هذا كله فلا بد من الصبر ، فالصبر ثم الصبر وهذا هو الطريق الذي لا يمر عبر البيت الأبيض ولا غيره فضلاً عن أن يبدأ منه ، إنما قبلته البيت العتيق .
ومن أهم معالم الطريق للأقصى :
1- الدعاء, وهو سلاح يغفل عنه الكثير ويستقله البعض وقد اقترحت دانية حملة المليون دعاء. وفي نتيجة الاستفتاء الذي أعده ودرس نتائجه فتى الوسقة والمبتسم تبين أن أعظم عمل أجمع عليه من وقعوا على الاستفتاء- وعددهم قرابة الأربعين- هو الدعاء فالدعاء سلاح لا يخيب حامله، لكن يجب ألا نقول : لا نملك إلا الدعاء؛ بل نملك الدعاء ونملك معه الكثير ، ومن آثار الدعاء تحفيز نفوس الداعين لعمل المزيد.
2- إصلاح الذات والبدء بالنفس وتغييرها حتى يتغير ما حولنا.
3- أننا جميعا نستطيع فعل الكثير , إن الطالب الذي يتفوق في دراسته ويساعد أمته على النهوض يساهم في تحرير المسجد الأقصى، والموظف الذي يعمل بشرف والتاجر الذي يبيع بأمانة يسهمان في تحرير المسجد الأقصى، والأم التي تربي أولادها على الحق و الفضيلة، وكل من يعمل عملا يساعد على تقدم هذه الأمة يساهم في تحرير المسجد الأقصى .
4- إن قضية فلسطين جزء من قضية الأمة ، فكل ما يساهم في نهضة الأمة وتقدمها فهو جزء من الحل وعلينا أن لا نعتقد أن اليهود هم سبب تخلفنا بل تخلفنا هو سبب هزيمتنا في فلسطين وغيرها.
5- من أجل أن نعرف كيف يتحقق النصر لا بد أن ندرك كيف وقعت الهزيمة ، ومن أجل أن نرسم طريق الخلاص لابد أن نعرف كيف حدثت المعاناة
6- ولا بد من شيء من التفاؤل مهما كانت الأحداث .
الرجاء من الشيوخ والعلماء والدعاة وطلاب العلم أن يركزوا على جزئية بث الأمل في قلوب الأمة، وفي قلوب رجالها وشبابها حتى لا نقنط ولا نيئس ولا نقبع في أماكننا مستسلمين لهذا الواقع المرير، بل ننطلق بعزة واستعلاء وأمل في الله، وثقة في نصرة دين الله جل وعلا.
أيها الداعية ! حدد الدواء، واملأ قلوب شباب هذه الأمة أملاً ورجاء في رب الأرض والسماء، وثقة بنصرة دين الله جل وعلا، يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: ( لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون، فيختبئ اليهود وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر والشجر: يا مسلم! يا عبد الله! ورائي يهودي تعال فاقتله ) .
مع تحيات
اللجنة العلمية لملتقى الخطيب المحترف فارس المنبر