الهدف من الخطبة : بيان المشروع والممنوع من الترفيه، والحث على اغتنام الأوقات فيما ينفع العبد في الدنيا والآخرة
سلسلة الخطب المقترحة رقم ((510))
الخطبة الثالثة من ذو الحجة لعام 1444 هـ
عنوان الخطبة ((ساعة وساعة))
الهدف من الخطبة : بيان المشروع والممنوع من الترفيه، والحث على اغتنام الأوقات فيما ينفع العبد في الدنيا والآخرة
عناصر الموضوع
1) حكم الترويح في الإسلام
2) الشباب والصيف.
3) محاذير الأجازة الصيفية
ساعة وساعة
المقدمة: أما بعد، فمع دخول فصل الصيف، وفترة الإجازة من الدراسة نجد الناس على أشكال شتى، وطرائق عدة، في كيفية قضاء تلك الأوقات، واستغلالها.
والإسلام دين اليسر والسماحة، لا يحارب الغرائز البشرية، فهى ضرورية لحياة الإنسان، وإنما يروض تلك الغرائز ويهذبها، ويكبح طغيانها، ويوجهها ويقومها نحو الصواب والحق والخير، ويوازن بين علاقة الروح والجسد، ويضبط ذلك كله.
عَن أبي أُمامةَ رضي الله عنه أنه قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَرِيَّةٍ، فَمَرَّ رَجُلٌ بِغَارٍ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ مَاءٍ وَبَقْلٍ، فَحَدَّثَ نَفْسَهُ بِأَنْ يُقِيمَ فِيهِ وَيَتَخَلَّى مِنَ الدُّنْيَا، فَاسْتَأْذَنَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ بِالْيَهُودِيَّةِ وَلَا بِالنَّصْرَانِيَّةِ وَلَكَنِّي بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَغَدْوَةٌ أَوْ رَوْحَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَلَمَقَامُ أَحَدِكُمْ فِي الصَّفِّ خَيْرٌ مِنْ صَلَاتِهِ سِتِّينَ سَنَةً». رَوَاهُ أَحْمد وصححه الألباني.
بين يدي الخطبة:
حكم الترويح في الإسلام
عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ السُوائي رضي الله عنه أنه قَالَ: آخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ سَلْمَانَ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ، فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةً، فَقَالَ لَهَا: مَا شَأْنُكِ؟ قَالَتْ: أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الدُّنْيَا، فَجَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا، فَقَالَ: كُلْ؟ قَالَ: فَإِنِّي صَائِمٌ، قَالَ: مَا أَنَا بِآكِلٍ حَتَّى تَأْكُلَ، قَالَ: فَأَكَلَ، فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ ذَهَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُومُ، قَالَ: نَمْ، فَنَامَ، ثُمَّ ذَهَبَ يَقُومُ فَقَالَ: نَمْ، فَلَمَّا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ قَالَ: سَلْمَانُ قُمِ الآنَ، فَصَلَّيَا فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ: إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَدَقَ سَلْمَانُ». رواه البخاري، ولما ظن حنظلة الأسيدي رضي الله عنه أنه نافق بسبب تغير حاله في بيته عن ما يكون عليه في مجلس النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال له رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً» ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. رَوَاهُ مُسلم.
فينبغي على المسلم أن يعلم أن لله تعالى عليه حقوقًا، وأن للخلق حقوقًا، وأن لنفسه حقوقًا؛ فيقوم بأداء ما افترضه الله عليه من فرائض، ويتقرب إليه بما استطاع من النوافل، ويحذر من الوقوع فيما حرم الله تعالى، فيتقي حدود الله ولا يقربها.
وكذا يؤدي حقوق أهله ممن له عليه حق من خلق الله، كالوالدين والزوجة والأبناء، والأرحام والجيران والأضياف والأصدقاء؛ فيؤتي لهم ما يحب أن يؤتوا إليه.
وكذا يعطي نفسه حقها من الترويح المباح، البعيد عن كل ما يغضب الله، ولا يتجاوز حدود الاعتدال فيما يباح، فإن ذلك مما ينبغي للعاقل أن يصون نفسه ووقته عنه، فمن استطاع أن يوازن بين الحقوق التي عليه فهو من أهنأ الناس عيشًا.
إن الإسلام لم يأت بالعنت بل جاء باليسر المنضبط كمًا وكيفًا، وقد أبيح في الإسلام أنواعًا من اللهو المباح، كرمي السهام والقوس وركوب الخيل والفروسية، وكل ما كان فيه بناء الجسم وحفظ الصحة من أنواع الرياضة، كالسباحة والمشي والعَدْو والمبارزة إذا خلا من محرم، وأبيح في الإسلام الترويح عن النفس –من حيث الأصل- باللهو المباح والألعاب المباحة لا سيما في المناسبات السارة مثل أعياد المسلمين، وقد كان الحبشة يلعبون بالحراب يوم العيد في المسجد وكان النبي صلى الله عليه وسلم ينظر إليهم ويشهد عائشة رضي الله عنها.
ودَخَلَ أَبُو بَكْرٍ الصديق رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى عَائِشَةَ رضي الله عنها يوم عيد الأضحى، وَعِنْدَهَا جَارِيَتَانِ تُغَنِّيَانِ، وَتُدَفِّفَانِ، وَتَضْرِبَانِ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَغَشٍّ بِثَوْبِهِ، فَانْتَهَرَهُمَا أَبُو بَكْرٍ، فَكَشَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ وَجْهِهِ، فَقَالَ: «دَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ، فَإِنَّهَا أَيَّامُ عِيدٍ. إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا, وَهَذَا عِيدُنَا».
وسَابَقَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم عائشةَ رضي الله عنها مرتين، فسبقته في الأولى، وسبقها في الأخرى.
وسَابَقَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بين الخيل، وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فيمن سابق بها.
ولا حرج في اقتناء الألعاب المباحة، وحفظها في البيت، فقد كان نساء الصحابة رضي الله عنهم يصنعون لصبيانهم الْلُعَبَ مِنَ الصوف، ورَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ، أَوْ خَيْبَرَ وَفِي سَهْوَتِهَا سِتْرٌ، فَهَبَّتْ رِيحٌ فَكَشَفَتْ نَاحِيَةَ السِّتْرِ عَنْ بَنَاتٍ لِعَائِشَةَ لُعَبٍ، فَقَالَ: «مَا هَذَا يَا عَائِشَةُ؟» قَالَتْ: بَنَاتِي، وَرَأَى بَيْنَهُنَّ فَرَسًا لَهُ جَنَاحَانِ مِنْ رِقَاعٍ، فَقَالَ: «مَا هَذَا الَّذِي أَرَى وَسْطَهُنَّ؟» قَالَتْ: فَرَسٌ، قَالَ: «وَمَا هَذَا الَّذِي عَلَيْهِ؟» قَالَتْ: جَنَاحَانِ، قَالَ: «فَرَسٌ لَهُ جَنَاحَانِ؟» قَالَتْ: أَمَا سَمِعْتَ أَنَّ لِسُلَيْمَانَ خَيْلًا لَهَا أَجْنِحَةٌ؟ قَالَتْ: فَضَحِكَ حَتَّى رَأَيْتُ نَوَاجِذَهُ. أخرجه أبو داود وصححه الألباني.
وعلى وجه العموم: الأصل في اللهو الإباحة إلا ما خصه الدليل بالنهي، أو اشتمل على محرم؛ فقد ثبت في السنة النبوية جواز التسابق على الأقدام، واللعب بالحراب، والرمي بالسهام، والسبق بالإبل والخيول، وإباحة ملاعبة الزوجة، والمزاح الذي لا يشتمل على باطل، ولهو الصبيان والفتيات بالْلُعَبِ، وإنشاد النساء وضربهن بالدف.
فيجب على المسلم الاقتصار على ما يجوز فقط، وذلك في ضوء الضوابط التالية:
أولاً: أن تكون وسيلة الترفيه مباحة شرعًا غير محرمة؛ فإن من الألعاب ما يحرم بالدليل، كاللعب بالنرد وهو الزهر المكعب وما أشبهه، وما اشتمل عليه، كالطاولة والدومينو وأوراق الكوتشينة ونحو ذلك، فقد نهى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنه بقوله: «مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدِ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وحسنه الألباني، وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدَشِيرِ فَكَأَنَّمَا صَبَغَ يَدَهُ فِي لَحْمِ خِنْزِيرٍ وَدَمِهِ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وعند التأمل نجد أن هذه الألعاب مبناها على الحظ والحدس وليس فيها مهارة مفيدة.
ثانيًا: ألا تُلْهي عن طاعة واجبة، أو حق واجب، أو مصلحة يجب تحصيلها، سواء بالتضييع أو التأخير، كإضاعة الصلاة أو تأخيرها، أو التفريط في بر الوالدين وصلة الرحم، أو المنع من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو العمل من أجل تحصيل قوته وقوت أهله، أو القيام على مصالحهم ورعايتهم وتربيتهم وتوجيههم.
ثالثًا: ألا تشتمل على منكر أو ضرر، بأن تكون مباحة الأصل لكن اتصلت بمحرم، مثل: قمار، أو حيل وخداع، أو صور محرمة، أو تعصب مذموم، أو خصومة وقطيعة، أو غيبة، أو نميمة، أو كذب كالنكت، أو فحش بالقول من سب وشتم وطعن ولعن ونحوه، أو تشبه بالكفار، أو كشف للعورات، أو موسيقى ومعازف كالأفلام، أو اختلاط محرم كما في كثير من الشواطئ، أو إلقاء بالنفس إلى التهلكة مثل التهور بالسيارة أو الدراجة البخارية، أو تشتمل على سلوكيات خاطئة، أو أفكار فاسدة أو منحرفة، مثل كثير من الأفلام والمسلسلات والألعاب الإلكترونية.
رابعًا: ألا تكون على عوض، إلإ فيما خصه الدليل، وهو النصل والخف والحافر، وما صح قياسه عليهم مما فيه مصلحة الجهاد أو العلم الشرعي، ففي الحديث: «لَا سَبَقَ إِلَّا فِي نَصْلٍ أَوْ خُفٍّ أَوْ حَافِرٍ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وصححه الألباني، والنصل هو السهم، والخف هو البعير، والحافر هو الخيل، والمعنى لا يحل أخذ مال أو جائزة بالمسابقة إلا في هذه الثلاث.
خامسًا: ألا تغلب على وقته، حتى لا تدخل في حد الإسراف في المباحات، ومن ثم الإفضاء إلى المنكر.
فإن اختلّ شيء من هذه الضوابط لم تجز ممارسته، ولا المعاونة عليه، قال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [المائدة:2].
هذا وعلى العاقل ألا يجعل اللهو والترفيه غاية في نفسه، وهدفًا مطلوبا لذاته، بل يجعله وسيلة لما أمر الله به، كالتقوي للطاعة، ونفع المسلمين، والأخذ بأسباب عزة الإسلام والمسلمين، أو سلامة البدن، أو الترويح المباح عن النفس، وغيرها من المقاصد الحسنة.
الشباب والصيف
مع انتهاء الطلاب من الاختبارات الدراسية ودخول الصيف وفترة الإجازة اعتاد الناس أن يبحثوا عن وسائل يقضون بها تلك الأوقات، وكل له طريقته في قضاء إجازته ووقته، ولا شك أن تلك الأوقات فرصة يجب اغتنامها لئلا تهدر الأعمار فيما لا ينفع، فالفراغ نعمة قل من يغتنمها، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، والعبد سيسأل عن عمره فيما أفناه وقضاه، وعَنْ عبدِ الله بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ: «لَا تَزُولُ قَدَمُ ابْنِ آدَمَ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ: عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ، وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ، وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ، وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ». أخرجه الترمذي وحسنه الألباني، وقد أمر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ باغتنام فترة الشباب وصحة البدن وكثرة المال والفراغ والحياة كلها في طاعة الله، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ: «اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هِرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاءَكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ». أخرجه الحاكم وصححه الألباني.
إنَّ النفس إنْ لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية، فمن لم ينتبه لنفسه ويملأ فراغها بما ينفعها فقد تركها لسبل الشبهات والشهوات تتخبط فيها.
فينبغي على المسلم أن يحافظ على وقته، ولا يهدره فيما لا يعود عليه بفائدة دينية أو دنيوية، وإن أراد الترويح عن نفسه فليروح عنها بالأمور المباحة؛ وأن يحسن النية في ذلك ليؤجر على المباحات، كما لو أحسن النية في طعامه وشرابه ونومه.
وعلى المسلم أن يرتب لأولاده ويهيئ لهم ما ينفعهم، وإن من أعظم ما تقضى فيه الأوقات: أن تكون بصحبة القرآن الكريم وأهله، والعلم النافع وأهله، فيوجه الشباب بقضاء الأجازة الصيفية في الالتحاق بمدارس القرآن وحلق القرآن، ومجالس التزكية والتربية، وطلب العلم الشرعي، والمشاركة في الأعمال الخيرية، وصحبة الصالحين.
كما يحسن أن تقسم الأوقات وتنظم لئلا تفوت بغير فائدة، فيمكن كذلك أن يغتنم الشباب أجازتهم في تعلم بعض المهارات النافعة، وممارسة الرياضة المفيدة، وتوجيههم لمساعدة الآباء والأمهات، ولا مانع أن ينزل الشباب مع أبيهم للعمل –إن أمكن- ليتعلموا ما ينفعهم من فنون التجارة أو الصناعة أو الزراعة ونحو ذلك، وأن تدخل الفتيات مع أمهم المطبخ والعناية بأمور البيت والأسرة.
محاذير الأجازة الصيفية
أن أعداء الإسلام والمسلمين قد بالغوا في وسائل الترفيه واللهو، وذلك بتعدد وسائله وتنويع أساليبه وتكثير برامجه وتطويل أوقاته، فضلاً عن اشتماله –غالبًا- على محرمات كثيرة، حتى أصبحت صناعة الترفيه لها مناهج وبرامج إعلامية وغير إعلامية، وبعضها من أصحاب المناهج الفاسدة والمنحرفة، وقد تزايدت هذه الوسائل وتفننت في الإغراء والإغواء والابتكار الذي يجذب إليها ويشغل بها، لذا يجب على المسلم الحذر من ذلك على نفسه وأهله ومجتمعه، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التحريم: 6]، وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلا كلُّكُمْ راعٍ وكلُّكُمْ مسؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ». متفق عليه.
إن كثيرًا من الناس قد انشغلوا باللهو والترفيه حتى ضاعت أوقاتهم وفسدت أخلاقهم وتبددت طاقاتهم، فعلى المسلم أن يجتنب كل محرم ويترفع على كل تافه من الأمور، وأن يضبط اهتماماته وأولوياته، ويشغل نفسه بما ينفعه، ويقوم على شئون أهله وأولاده رعاية ومتابعة ونصحًا وتوجيهًا وتربية وتقويمًا.
وهناك بعض المحاذير والممارسات الخاطئة التي ينبغي اجتنابها أو الإقلاع عنها وتركها، ومن ذلك:
1- الصحبة السيئة: قال تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف: 28]، وَعَن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا، وَلَا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ». أخرجه أَبُو دَاوُدَ والتِّرْمِذِيُّ وحسنه الألباني، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلْ». أخرجه أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وحسنه الألباني.
قال ابن قدامة المقدسي رحمه الله: واعلم أنه لا يصلح للصحبة كل أحد، ولابد أن يتميز المصحوب بصفات وخصال يُرغب بسببها في صحبته، وتشترط تلك الخصال بحسب الفوائد المطلوبة من الصحبة، وهي إما دنيوية كالانتفاع بالمال والجاه، أو بمجرد الاستئناس بالمشاهدة والمحاورة، وليس ذلك غرضنا؛ وإما دينية وتجتمع فيها أغراض مختلفة منها الاستفادة بالعلم والعمل، ومنها الاستفادة من المال للاكتفاء به عن تضييع الأوقات في طلب القوت، ومنها الاستعانة في المهمات، فتكون عدة في المصائب وقوة في الأحوال، ومنها انتظار الشفاعة في الآخرة، كما قال بعض السلف: استكثروا من الإخوان، فإن لكل مؤمن شفاعة؛ فهذه فوائد تستدعي كل فائدة شروطاً لا تحصل إلا بها؛ وفي جملة: فينبغي أن يكون فيمن تؤثر صحبته خمس خصال، أن يكون: عاقلاً، حسن الخلق، غير فاسق، ولا مبتدع، ولا حريص على الدنيا. انتهى من مختصر منهاج القاصدين.
2- الأفكار الهدامة والمنحرفة: سواء كانت في جانب الشبهات أو الشهوات، فإن أصحاب تلك الأفكار يعملون على إفساد عقول الشباب وأفكارهم، ويعتمدون في نشر باطلهم على الشباب، فمن يتحصن دينيًا وأخلاقيًا، يسهل أن يصبح فريسة لهؤلاء، فتصيبه سهامهم المسمومة ويقع في شباك باطلهم، مثل: الإلحاد، الطعن في السنة النبوية، الطعن في العلماء، تمييع قضايا الأمة، الفتاوى الباطلة، التغريب، الشذوذ الجنسي.
ولاشك أن طلب العلم الشرعي والالتحاق بحلقات القرآن، ومجالس التربية والتزكية وفق منهج أهل السنة والجماعة من أسباب التحصين الفكري المنضبط ضد تلك الأفكار المنحرفة.
3- السهر: فإن له مخاطر دينية وصحية، فقد تُضيع بسببه الصلوات، ويضعف البدن، ويجلب الإعياء والإجهاد والصداع، ويفضي إلى ضياع النهار في النوم، وعدم تحصيل المصالح، ولا بأس بالسهر أحيانًا إذا كان لمصلحة شرعية، كالسهر من أجل طلب العلم، أو إكرام ضيف، ونحو ذلك، ما لم يترتب على ذلك ضياع الواجبات أو الحقوق.
4- ضياع الأوقات: قال ابن القيم: إضاعة الوقت أشد من الموت، لأن إضاعة الوقت تقطع عليك أمر دنياك وآخرتك. وقال أيضًا: أعظم الإضاعات إضاعتان هما أصل كل إضاعة: إضاعة القلب وإضاعة الوقت، فإضاعة القلب من إيثار الدنيا على الآخرة، وإضاعة الوقت من طول الأمل، فاجتمع الفساد كله في اتباع الهوى وطول الأمل، والصلاح كله في اتباع الهدى والاستعداد للقاء.
قال الشاعر: وَالوَقْتُ أنْفَسُ مَا عُنِيتَ بِحِفْظِهِ ... وَأَرَاهُ أَسْهَلَ مَا عَلَيْكَ يَضِيعُ
وقال آخر: إنّا لَنفْرحُ بِالأَيامِ نَقْطَعُهَا ... وكُلُّ يَوْمٍ مَضَى يُدْنِي مِنَ الأَجَل
فَاعْمَلْ بِنفَسِكَ قَبْلَ المَوْتِ مُجْتَهِدًا ... فَإِنَّمَا الرِّبْحُ والخُسْرَانُ فِي العَمَل
وقد انشغل كثير من الناس لاسيما الشباب في اللهو ومتابعة اللعب والمباريات، فضلاً عمن تضييع أوقاتهم في التسكع في الطرقات، والجلوس على النواصي والمقاهي، والتردد على الأسواق، فينبغي التنبه لهذا والحذر منه فإنه ضياع للأعمار وعلامة على فقدان بركتها.
5- وسائل التواصل الاجتماعي والفضائيات: وهذا من أكثر ما تضيع فيه الأوقات وتنفق فيه الأموال، وآثاره السلبية كثيرة من غرس السلوكيات الخاطئة وتعلم الأخلاق السيئة والأفكار المنحرفة، والوقوع في منكرات النظر المحرم والسماع المحرم، والجدال بحق أو بباطل، والأخذ والرد، والقيل والقال، والغيبة والنميمة، فهل يصلح أن تقضى الأوقات وتنقضي الأعمار في مثل هذا؟!
كما أن بعض الناس يقضون أوقاتهم في متابعة الفضائيات من قنوات متخصصة وغير متخصصة، عربية وغير عربية، وأشكال وأنواع مختلفة وكثيرة من الأفلام والمسلسلات والمسرحيات والمباريات والأغاني والبرامج والنشرات، فهناك العشرات بل المئات من القنوات الفضائية لمحاربة الدين والأخلاق والفضيلة، بل هي منابر لنشر الفساد والرذيلة، ومع الأسف الشديد فإن القنوات الفضائية قد دخلت بيوتنا، وأصبحت مربيةً لأبنائنا وبناتنا، ومرشدةً لزوجاتنا، وموجهةً لشبابنا ورجالنا، إلا من رحم ربي وحفظه من هذا الطوفان الهادر، والفيضان الرهيب.
فاحرص أيها المسلم على سلامة دينك وأخلاقك وأسرتك، وتذكر قوله تبارك وتعالى: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا} [الإسراء: 36]، وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} [الفرقان: 72]، وقوله عز وجل: {وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} [المؤمنون: 3].
6- النوم والكسل: النوم جزء من العمر، فلا ينبغي الإفراط في أمر النوم، بل يكون لحاجة الإنسان فقط، وينبغي على الشباب أن يتحملوا المسئولية، فلا يركنوا إلى النوم والكسل، لئلا تضيع الأجازة فيما لا ينفع، ويعتاد البدن البطالة.
7- السفر المحرم: يميل بعض الشباب إلى السفر خلال فترة الإجازة، فيجب أن ينتبه إلى أن للسفر ضوابط، وله مخاطر، فقد تضعف الرقابة، ويقل الحياء، وترتكب المحرمات والغرق في المباحات، وتتغير الأخلاق والسلوكيات وربما المعتقدات؛ لذا ينبغي التنبه لهذا، وإذا كان السفر خيارًا مطروحًا للترفيه أو اللهو المباح فلابد أن ينضبط بالضوابط الشرعية، من حيث المكان والزمان والمدة، والأخلاق والسلوكيات، والأفعال والتصرفات.
8- فتنة النساء: وهي أشد فتنة على الرجال، فينبغي حفظ النفس وصيانتها من الاختلاط المحرم، والنظر المحرم، والحديث المحرم؛ فكم من صالح فسد، وكم من ملتزم انتكس، وكم من متفوق فشل، وكم من خلوق فحش، وكم من شهم ضاعت مروءته بسبب فتنة النساء، ولا يكفي للوقاية من الفتن عدم فعلها والسعي لها، بل يكون بالهرب منها واجتنابها، وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم الشباب على الزواج، لأنه أغض للبصر وأحصن للفرج، وحث من لم يستطع أن يلتزم الصوم.
9- ذنوب الخلوات: ذم الله تعالى من يستخفي بذنبه من الناس ولا يستخفي من الله، قال تعالى: {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا} [النساء: 108]، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من ذنوب الخلوة والسر، فعَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه أن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا". قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لاَ نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لاَ نَعْلَمُ، قَالَ: "أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا". أخرجه ابن ماجه وصححه الألباني، فعلى المسلم –لاسيما الشاب- أن يحذر من ذنوب الخلوات، وأن يلجأ إلى الله تعالى للتخلص منها، وأن يجاهد نفسه في اجتنابها، وأن يدفع الخواطر القلبية والصور الذهنية الجالبة لها.
10- الانشغال بالمفضول عن الفاضل: لابد من مراعاة الأولويات، وتقديم الواجبات على المستحبات والمباحات، والأهم على المهم، والتفريق بين الضروريات والحاجيات والتحسينات، فلا يصح تقديم اللهو على الفروض كالصلاة، ولا يسوغ الانشغال باللعب عن بر الوالدين وخدمتهم وتلبية احتياجاتهم.
مع تحيات
اللجنة العلمية لملتقى الخطيب المؤثر أسد المنابرٌ