الخميس ، ١٩ جمادى الأول ، ١٤٤٦ هجري | 21 نوفمبر 2024 ميلادي
فاذكروني أذكركم
وصف الخطبة : -

الهدف من الخطبة : بيان فضائل الذكر، والحث على الإكثار من ذكر الله تعالى، والحذر من الغفلة عن الذكر أو الابتداع فيه.


سلسلة الخطب المقترحة رقم ((509))

الخطبة الثانية من ذو الحجة لعام 1444 هـ

عنوان الخطبة ((فاذكروني أذكركم))

الهدف من الخطبة : بيان فضائل الذكر، والحث على الإكثار من ذكر الله تعالى، والحذر من الغفلة عن الذكر أو الابتداع فيه.

عناصر الموضوع

1) فضائل الذكر وفوائده

2) أنواع الذكر.

3) آداب الذكر

فاذكروني أذكركم

المقدمة: أما بعد، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا . وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [الأحزاب: 41، 42].

بين يدي الخطبة:

فضائل الذكر وفوائده

إن ذكر الله تعالى عبادة جليلة أمر الله تعالى بها عباده المؤمنين، فقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا . وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [الأحزاب: 41، 42]، قال ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير هذه الآية: إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَفْرِضْ عَلَى عِبَادِهِ فَرِيضَةً إِلَّا جَعَلَ لَهَا حَدًّا مَعْلُومًا، ثُمَّ عَذَرَ أَهْلَهَا فِي حَالِ عُذْرٍ، غَيْرَ الذِّكْرِ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ حَدًّا يَنْتَهِي إِلَيْهِ، وَلَمْ يَعْذُرْ أَحَدًا فِي تَرْكِهِ، إِلَّا مَغْلُوبًا عَلَى تَرْكِهِ، فَقَالَ: {فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ}، بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، وَفِي السِّفْرِ وَالْحَضَرِ، وَالْغِنَى وَالْفَقْرِ، وَالصِّحَّةِ وَالسَّقَمِ، وَالسِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ، وَقَالَ: {وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا} فَإِذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ صَلَّى عَلَيْكُمْ هُوَ وَمَلَائِكَتُهُ. انتهى من تفسير ابن كثير، وقوله تعالى: {وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا}، أي في الصباح والمساء، قال تعالى: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ . وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ} [الروم: 17، 18]، بل أمر الله تعالى بها عباده في أصعب المواقف فقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأنفال: 45].

والعبد لا يحتاج في عبادته لربه من صلاة وزكاة وصوم وحج وذكر وغير ذلك إلى إذن من أحد طالما ثبتت مشروعية العمل.

وللذكر فضائل جليلة وكثيرة، وهذه الفضائل منها ما هو عام في فضل الذكر، ومنها ما هو خاص بنوع الذكر، فمن الفضائل عمومًا:

1- ذكر الله أكبر وأعظم من كل شيء: قال تعالى: {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} [العنكبوت: 45]، والمعنى: ذكركم الله أفضل من كلّ شيء، وذكر الله لكم أكبر من ذكركم له.

2- ومن أعظم فضائل الذكر؛ ذكر الله لمن ذكره: قال تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة: 152]، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أنه قَالَ: قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَأٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَأٍ خير مِنْهُم". متفق عليه.

3- خير الأعمال وأزكاها عن الله: عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ، وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالوَرِقِ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ؟» قَالُوا: بَلَى. قَالَ: «ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى». أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه وصححه الألباني.

4- الذاكرون الله تعالى تحفهم الملائكة، وتغشاهم الرحمة، وتنزل عليهم السكينة: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وأَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أنهما قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَقْعُدُ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا حَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فَيْمَنْ عِنْدَهُ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ، أَيْ أَحَاطَتْ بِهِمُ الْمَلَائِكَةُ الَّذِينَ يَطُوفُونَ فِي الطَّرِيقِ يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ الذِّكْرِ، وَغَطَّتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمُ الطُّمَأْنِينَةُ وَالْوَقَارُ، وَمِنْهُ قَوْلهُ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ} [الفتح: 4].

5- حصول اطمئنان القلب وراحته وسعادته بذكر الله: قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28]، فعلى من يشتكي الهموم والغموم، أن يكثر من ذكر الله، فإن أهل الذكر لا تصيبهم الأمراض النفسية.

6- أهل الذكر أحياء، وأهل الغفلة أموات: عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه انه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لَا يَذْكُرُ ربه مَثَلُ الْحَيّ وَالْمَيِّت». متفق عليه.

7- الفوز بمعية الله تعالى الخاصة: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: أَنَا مَعَ عَبْدِي إِذَا ذَكَرَنِي وتحركت بِي شفتاه". رَوَاهُ البُخَارِيّ.

8- أهل الذكر هم أهل الفوز والفلاح في الدنيا والآخرة: قال تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأنفال: 45].

9- الذاكرون الله كثيرًا هم السابقون: وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسِيرُ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ فَمَرَّ عَلَى جَبَلٍ يُقَالُ لَهُ: جُمْدَانُ، فَقَالَ: «سِيرُوا هَذَا جُمْدَانُ سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ». قَالُوا: وَمَا الْمُفَرِّدُونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «الذَّاكِرُونَ الله كثيرا وَالذَّاكِرَات». رَوَاهُ مُسلم.

10- أهل الذكر أهل المغفرة والأجر العظيم: قال تعالى: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 35].

11- وهم القوم لا يشقى بهم جليسهم: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً يَطُوفُونَ فِي الطُّرُقِ يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ الذِّكْرِ فَإِذَا وَجَدُوا قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَنَادَوْا: هَلُمُّوا إِلَى حَاجَتِكُمْ، قَالَ: فَيَحُفُّونَهُمْ بِأَجْنِحَتِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، قَالَ: فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ: مَا يَقُولُ عِبَادِي؟ قَالَ: يَقُولُونَ: يُسَبِّحُونَكَ وَيُكَبِّرُونَكَ وَيُحَمِّدُونَكَ وَيُمَجِّدُونَكَ، قَالَ: فَيَقُولُ: هَلْ رَأَوْنِي؟ قَالَ: فَيَقُولُونَ: لَا وَاللَّهِ مَا رَأَوْكَ، قَالَ فَيَقُولُ: كَيْفَ لَوْ رَأَوْنِي؟ قَالَ: فَيَقُولُونَ: لَوْ رَأَوْكَ كَانُوا أَشَدَّ لَكَ عِبَادَةً وَأَشَدَّ لَكَ تَمْجِيدًا وَأَكْثَرَ لَكَ تَسْبِيحًا، قَالَ: فَيَقُولُ: فَمَا يَسْأَلُونَ؟ قَالُوا: يسألونكَ الجنَّةَ، قَالَ: يَقُول: وَهل رأوها؟ قَالَ: فَيَقُولُونَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا رَأَوْهَا، قَالَ: فَيَقُولُ: فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْهَا؟ قَالَ: يقولونَ: لَو أنَّهم رأوها كَانُوا أَشد حِرْصًا وَأَشَدَّ لَهَا طَلَبًا وَأَعْظَمَ فِيهَا رَغْبَةً قَالَ: فممَّ يتعوذون؟ قَالَ: يَقُولُونَ: مِنَ النَّارِ، قَالَ: يَقُولُ: فَهَلْ رَأَوْهَا؟ قَالَ: يَقُولُونَ:لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا رَأَوْهَا، قَالَ: يَقُولُ: فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْهَا؟ قَالَ: «يَقُولُونَ لَوْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ مِنْهَا فِرَارًا وَأَشَدَّ لَهَا مَخَافَةً، قَالَ: فَيَقُولُ: فَأُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ، قَالَ: يَقُولُ مَلَكٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ: فِيهِمْ فُلَانٌ لَيْسَ مِنْهُمْ إِنَّمَا جَاءَ لِحَاجَةٍ قَالَ: هُمُ الْجُلَسَاءُ لَا يَشْقَى جَلِيسُهُمْ". أخرجه الْبُخَارِيُّ ومسلم.

12- يباهي الله تعالى بهم الملائكة: فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه أنه قَالَ: خَرَجَ مُعَاوِيَةُ عَلَى حَلْقَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ: مَا أَجْلَسَكُمْ؟ قَالُوا: جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللَّهَ قَالَ: آللَّهِ مَا أَجْلَسَكُمْ إِلَّا ذَلِكَ؟ قَالُوا: آللَّهِ مَا أَجْلَسَنَا غَيْرُهُ قَالَ: أما إِنِّي لم أستحلفكم تُهْمَة لكم وَمَا كَانَ أَحَدٌ بِمَنْزِلَتِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَلَّ عَنْهُ حَدِيثًا مِنِّي وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَلَى حَلْقَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ: «مَا أَجْلَسَكُمْ هَاهُنَا ؟» قَالُوا: جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللَّهَ وَنَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا لِلْإِسْلَامِ وَمَنَّ بِهِ علينا قَالَ: «آالله مَا أجلسكم إِلَّا ذَلِك؟» قَالُوا: آالله مَا أَجْلَسَنَا إِلَّا ذَلِكَ قَالَ: «أَمَا إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ وَلَكِنَّهُ أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَخْبَرَنِي أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُبَاهِي بِكُمُ الْمَلَائِكَة». رَوَاهُ مُسلم.

13- أهل الذكر تبدل سيئاتهم حسنات: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ: "مَا مِنْ قَوْمٍ اجْتَمَعُوا يَذْكُرُونَ اللَّهَ، لَا يُرِيدُونَ بِذَلِكَ إِلَّا وَجْهَهُ، إِلَّا نَادَاهُمْ مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ: أَنْ قُومُوا مَغْفُورًا لَكُمْ، قَدْ بُدِّلَتْ سَيِّئَاتُكُمْ حَسَنَاتٍ". رواه أحمد وصححه الألباني، بخلاف من جلسوا مجلسًا لم يذكروا فيه الله تعالى، فإنه يكون عليهم حسرة وندامة، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ قَوْمٍ يَقُومُونَ مِنْ مَجْلِسٍ لَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ فِيهِ، إِلَّا قَامُوا عَنْ مِثْلِ جِيفَةِ حِمَارٍ وَكَانَ لَهُمْ حَسْرَةً». أخرجه أَبُو دَاوُد وصححه الألباني، وعن مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه أنه قال: «مَا شَيْءٌ أَنْجَى مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ». أخرجه الترمذي وصححه الألباني موقوفًا.

14- الدنيا وما فيها ملعونون إلا ذكر الله وما والاه وعالم ومتعلم: عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «أَلَا إِنَّ الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ مَلْعُونٌ مَا فِيهَا إِلَّا ذِكْرُ اللَّهِ وَمَا وَالَاهُ وَعَالِمٌ أَوْ مُتَعَلِّمٌ». أخرجه الترمذي وابن ماجه وحسنه الألباني.

15- كثرة الذكر من علامات الإيمان والإخلاص، وقلته من علامات النفاق: فليس في القرآن ياأيها الناس اذكروا الله، وإنما يأمر الله تعالى بالذكر عباده المؤمنين، لأنهم أهل السمع والطاعة والاستجابة فالذكر من هديهم وسمتهم وعلاماتهم، وقال تعالى عن المنافقين: ({إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء: 142]، فلما كان هذا حالهم من قلة ذكرهم وسفول همتهم كانوا كما قال الله: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا . إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 145، 146].

16- عبادة سهلة لا تحتاج إلى قوة ولا مال: قال تعالى: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ} [آل عمران: 191]، وعن عَبْدِ اللهِ بْنِ بُسْرٍ رضي الله عنه أنه قَالَ: جَاءَ أَعْرَابِيَّانِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ؟ قَالَ: "مَنْ طَالَ عُمْرُهُ، وَحَسُنَ عَمَلُهُ" وَقَالَ الْآخَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ قَدْ كَثُرَتْ عَلَيَّ، فَمُرْنِي بِأَمْرٍ أَتَثَبَّتُ -أو أتشبث- بِهِ، فَقَالَ: "لَا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنَ ذكر اللهِ". رواه أحمد وصححه الألباني، فإلى من يشتكي كثرة الطاعات، وضعف الطاقات، وضيق الأوقات.. عليك بذكر الله.

17- إلى أهل الأحزان التي لا تنكشف، والهموم والغموم التي لا تنجلي، إلى أهل الأسقام التي لا يجدي معها العلاج، عضوية أو نفسية، قلبية أو بدنية، محسوسة أو معنوية..، اعلم أن الله هو الطبيب الشافي، وفي ذكره الشفاء، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [يونس: 57]، وقال سبحانه: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ} [فصلت: 44]، وقال تبارك وتعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء: 82]، والرقية الشرعية إنما هي أذكار، وتأمل في قصص من تعافوا من السموم والأسقام بفاتحة الكتاب، ومن تعافوا من السحر والحسد والعين بالبقرة والمعوذات..، والأذكار عند الهم والغم والحزن والكرب، ومنها عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الْكَرْبِ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيم». متفق عليه.

18- ذكر الله هو الحصن الحصين الواقي من الجن والشياطين: عن الحارث الأشعري رضي الله عنه أنّ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إِنَّ اللَّهَ أَمَرَ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ أَنْ يَعْمَلَ بِهَا وَيَأْمُرَ بني إسرائيل أَنْ يَعْمَلُوا بِهَا.." الحديث، وذكر منها: "وَآمُرُكُمْ أَنْ تَذْكُرُوا اللَّهَ فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ خَرَجَ العَدُوُّ فِي أَثَرِهِ سِرَاعًا حَتَّى إِذَا أَتَى عَلَى حِصْنٍ حَصِينٍ فَأَحْرَزَ نَفْسَهُ مِنْهُمْ، كَذَلِكَ العَبْدُ لَا يُحْرِزُ نَفْسَهُ مِنَ الشَّيْطَانِ إِلَّا بِذِكْرِ اللَّهِ". رواه الترمذي وصححه الألباني، وعَنْ أَبِي تَمِيمَةَ الْهُجَيْمِيِّ عَمَّنْ كَانَ رَدِيفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ: كُنْتُ رَدِيفَهُ عَلَى حِمَارٍ، فَعَثَرَ الْحِمَارُ، فَقُلْتُ: تَعِسَ الشَّيْطَانُ، فَقَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَقُلْ: تَعِسَ الشَّيْطَانُ، فَإِنَّكَ إِذَا قُلْتَ: تَعِسَ الشَّيْطَانُ، تَعَاظَمَ الشَّيْطَانُ فِي نَفْسِهِ، وَقَالَ: صَرَعْتُهُ بِقُوَّتِي، فَإِذَا قُلْتَ: بِسْمِ اللَّهِ، تَصَاغَرَتْ إِلَيْهِ نَفْسُهُ حَتَّى يَكُونَ أَصْغَرَ مِنْ ذُبَابٍ". أخرجه أحمد وأبو داود وصححه الألباني، وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ} [الناس: 4]، قَالَ: «الشَّيْطَانُ جَاثِمٌ عَلَى قَلْبِ ابْنِ آدَمَ، فَإِذَا سَهَا وَغَفَلَ وَسْوَسَ، وَإِذَا ذَكَرَ اللَّهَ خَنَسَ». أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه وصححه الألباني.

أما الفضائل المخصوصة بالأذكار، فحدث ولا حرج، فقراءة القرآن لها من الفضائل الشيء الكثير، وكذا فضائل الأذكار الموظفة بوقت أو مكان أو حال، كأذكار الصباح والمساء، وأذكار النوم، وأذكار الصلاة، وأذكار ما بعد الصلاة، وأذكار دخول البيت والخروج منه، والذكر عند نزول المطر، والأذكار المطلقة من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير والحوقلة.. وأنواع كثيرة من الأذكار ثبت ورود الفضل المترتب عليها بنحو: من قال كذا من الأذكار.. فله كذا من الأجر.

وَقَدْ ذَكَرَ الْإِمَامُ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْقَيِّمِ أَنَّ لِلذِّكْرِ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ فَائِدَةٍ، مِنْهَا: طَرْدُ الشَّيْطَانِ وَقَمْعُهُ، وَأَنَّهُ يُرْضِي الرَّحْمَنَ، وَيُزِيلُ الْهَمَّ وَالْغَمَّ عَنْ الْقَلْبِ، وَيَجْلِبُ لَهُ الْفَرَحَ وَالسُّرُورَ، وَيُقَوِّي الْبَدَنَ وَالْقَلْبَ، وَيَجْلِبُ الرِّزْقَ، وَيُكْسِي الذَّاكِرَ الْمَهَابَةَ وَالْحَلَاوَةَ وَالنُّضْرَةَ، وَيُورِثُهُ الْمَحَبَّةَ الَّتِي هِيَ رُوحُ الْإِسْلَامِ وَقُطْبُ رَحَى الدِّينِ وَمَدَارُ السَّعَادَةِ وَالنَّجَاةِ، فَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا، وَجَعَلَ سَبَبَ الْمَحَبَّةِ دَوَامَ الذِّكْرِ، فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَنَالَ مَحَبَّةَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَلْيَلْهَجْ بِذِكْرِهِ، فَإِنَّ الدَّرْسَ وَالْمُذَاكَرَةَ كَمَا أَنَّهُ بَابُ الْعِلْمِ، فَالذِّكْرُ بَابُ الْمَحَبَّةِ وَطَرِيقُهَا الْأَعْظَمُ، وَصِرَاطُهَا الْأَقْوَمُ، وَيُورِثُ الذِّكْرُ الذَّاكِرَ الْمُرَاقَبَةَ حَتَّى يُدْخِلَهُ فِي بَابِ الْإِحْسَانِ فَيَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّهُ يَرَاهُ، وَيُورِثُهُ الْإِنَابَةَ وَهِيَ الرُّجُوعُ إلَى اللَّهِ وَالْقُرْبُ مِنْهُ، وَيَفْتَحُ لَهُ بَابًا عَظِيمًا مِنْ أَبْوَابِ الْمَعْرِفَةِ، وَيُورِثُهُ الْهَيْبَةَ لِرَبِّهِ وَإِجْلَالَهُ لِشِدَّةِ اسْتِيلَائِهِ عَلَى قَلْبِهِ وَحُضُورِهِ مَعَ اللَّهِ بِخِلَافِ الْغَافِلِ.

من أنواع الذكر

الأصل في الذكر أنه مطلوب ومشروع على وجه العموم في كل وقت، قال تعالى: {يا أيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا . وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [الأحزاب: 41، 42]، وقال سبحانه: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ} [الأحزاب: 35]، وقال عز من قائل: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ} [آل عمران: 191].

فالذكر مشروع من حيث العموم إلا أن اختراع ذكر معين أو ألفاظ معينة على سبيل التعبد والقربة يعد بدعة أصلية، كالقول بالتجربة والذوق والاعتقاد في الحروف.

كما أن تخصيص ذكر معين بوقت معين أو بعدد معين أو مكان معين أو حال معينة يحتاج إلى دليل، فإذا لم يدل عليه الدليل كان بدعة إضافية، كالذكر الجماعي، فضلاً عما يصحب ذلك من منكرات كالرقص والمعازف، وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ». أخرجه مسلم.

أما الذكر من حيث إطلاقه وتقييده: فمنه ما هو مطلق، ومنه ما هو مقيد؛ فالذكر المطلق: هو ما لا يختص بوقت معين، ولا سبب معين، كقراءة القرآن، وعموم الأذكار من التسبيح والتحميد والتكبير والتهليل، فهذا النوع من الذكر يستحب للمسلم الإكثار منه.

وأما الذكر المقيد: فهو ما يختص بوقت معين أو بمكان معين أو بحال معينة، كأذكار ما بعد الصلوات، والصباح والمساء، والنوم والاستيقاظ، وقبل الأكل وبعده، وعند الدخول والخروج –المسجد، البيت، الخلاء-، وعند هبوب الريح، أو نزول المطر، ونحو ذلك.

فهذا النوع من الذكر يستحب للمسلم أن يواظب عليه ويتقيد بما ورد فيه، من حيث الصفة والعدد والزمان أو المكان أو الحال ونحوه.

ومن أعظم الذكر قراءة القرآن، فالحرف بحسنة، والحسنة بعشرة، وسورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن، ونحوها من الفضائل.

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: "من قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلَّا رَجُلٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْهُ". متفق عليه، وعن أبي هُريرةَ وأَبي سعيدٍ رضي اللهُ عنهما عن النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "إنَّ الله اصطفى مِنَ الكَلامِ أربعاً: سبحانَ الله والحمدُ لله، ولا إله إلا الله، واللهُ أَكبرُ. فمن قال: سبحانَ الله؛ كُتبتْ له عِشرونَ حسنةً، وحُطَّتْ عنهِ عشرون سيئةً، ومن قال: الله أكبرَ فمثلٍ ذلكَ، ومَنْ قال: لا إله إلا الله فمثل ذلكَ، ومن قال: الحمدُ لله ربِّ العالمينَ مِنْ قبل نفسهِ؛ كتبتْ له ثَلاثون حسنةً، وَحُطَّتْ عنه ثَلاثون سيِّئةً". رواه أحمد والنسائي واللفظ له وصححه الألباني، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ، حُطَّتْ خَطَايَاهُ، وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ". أخرجه البخاري ومسلم، وَعَنْه رضي الله عنه أنه قَالَ: إِنَّ فُقَرَاءَ الْمُهَاجِرِينَ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: قَدْ ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالدَّرَجَاتِ الْعُلَى وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ فَقَالَ: «وَمَا ذَاكَ ؟» قَالُوا: يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ وَيَتَصَدَّقُونَ وَلَا نَتَصَدَّقُ وَيُعْتِقُونَ وَلَا نُعْتِقُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَفَلَا أُعَلِّمُكُمْ شَيْئًا تُدْرِكُونَ بِهِ مَنْ سَبَقَكُمْ وَتَسْبِقُونَ بِهِ مَنْ بَعْدَكُمْ وَلَا يَكُونُ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِنْكُمْ إِلَّا مَنْ صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْتُمْ» قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «تُسَبِّحُونَ وَتُكَبِّرُونَ وَتَحْمَدُونَ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ مَرَّةً». متفق عليه، وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، وَالصَّلاَةِ القَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الوَسِيلَةَ وَالفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ، حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ". أخرجه البخاري، وعَنْه رضي الله عنه أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ غُرِسَتْ لَهُ نَخْلَةٌ فِي الْجَنَّةِ». رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وصححه الألباني، وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أنهما قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ صَدَّقَهُ رَبُّهُ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا وَأَنَا أَكْبَرُ وَإِذَا قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ يَقُولُ اللَّهُ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا وَحْدِي لَا شَرِيكَ لِي وَإِذَا قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا لِيَ الْمُلْكُ وَلِيَ الْحَمْدُ وَإِذَا قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا الله وَلَا وحول وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِي" وَكَانَ يَقُولُ: «مَنْ قَالَهَا فِي مَرَضِهِ ثُمَّ مَاتَ لَمْ تَطْعَمْهُ النَّارُ». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْن مَاجَه وصححه الألباني، وفي رواية عن أبي هريرة وحده مرفوعاً: "مَنْ قالَ: لا إله إلا الله والله أكْبَرُ، لا إله إلا الله وحدَهُ، لا إله إلا الله ولا شريك له، لا إله إلا الله لَهُ الملْكُ، ولَهُ الحَمْدُ، لا إله إلا الله، ولا حولَ ولا قُوَّةَ إلا بالله" -يَعْقِدُهُنَّ خَمْساً بأصابِعهِ- ثم قال: "مَنْ قالَهُنَّ في يومٍ أوْ في ليلَةٍ، أوْ في شَهْرٍ؛ ثُمَّ ماتَ في ذلك اليومِ أو في تلكَ الليلَةِ أوْ في ذلكَ الشهرِ غُفِرَ له ذَنْبُه". رواه النسائي في عمل اليوم والليلة وصححه لغيره الألباني، وعن أنسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من قالَ إذا أوى إلى فراشه: الحمدُ لله الذي كفاني، وآواني، والحمدُ لله الذي أطعمني وسقاني، والحمد لله الذي منَّ عليَّ فأفضلَ؛ فقد حَمِدَ اللهَ بجميعِ محامِدِ الخلقِ كلِّهم". رواه البيهقي وحسنه الألباني.

إلى غير ذلك من أنواع الذكر وفضائله.

آداب الذكر

للذكر آداب ينبغي أن يتحلّى بها الذَّاكر، فمن هذه الآداب:

1- الإخلاص لله تعالى وحسن القصد والنية.

2- حضور القلب وتدبر ما يقول من الذكر، ويتعقل معناه.

3- أن يذكر الله على طهارة.

4- أن يطيب فمه بالسواك.

5- أن يستقبل القبلة.

6- أن يكونَ موضع الذِّكْرِ نظيفًا طاهراً، ولهذا مُدِحَ الذِّكرُ في المساجد، قال تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ}. [النور: 36].

7- ما جاء الشرع بتقييد أو تحديد عدد معين فيه كأذكار ما بعد الصلاة ينبغي التقيد فيه بما جاء به الشرع.

8- خفض الصوت بالذكر وعدم الجهر به، قال الله تعالى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الجَهْرِ مِنَ القَوْلِ بِالغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُنْ مِنَ الغَافِلِينَ} [الأعراف:205]. قال الحافظ ابن كثير: أَيِ: اذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ رهبة ورغبة، وبالقول لا جهرًا.

وهذه الآية قد اشتملت على جملةٍ طيِّبةٍ من الآداب أيضًا التي ينبغي أن يتحلّى بها الذَّاكر، فمن هذه الآداب:

أوّلاً: أن يكون الذِّكر في نفسه؛ لأنَّ الإخفاء أدخلُ في الإخلاص، وأقربُ إلى الإجابة وأبعدُ من الرِّياء.

ثانياً: أن يكون على سبيل التضرُّع، وهو التّذلُّل والخضوع والاعتراف بالتّقصير ليتحقّق فيه ذِلَّة العبودية والانكسار لعظمة الرُّبوبيّة.

ثالثاً: أن يكون على وجه الخيفة أي الخوف من المؤاخذة على التّقصير في العمل، والخشية من الرد، وعدم القَبول.

رابعاً: أن يكون دون الجهر؛ لأنَّه أقرب إلى حسن التفكُّر.

خامساً: أن يكون باللسان لا بالقلب وحده، وهو مستفادٌ من قوله: {وَدُونَ الجَهْرِ} لأنَّ معناه: ومتكلِّمًا كلامًا دون الجهر، ويكون المرادُ بالآية الأمرَ بالجمع في الذكر بين اللسان والقلب.

سادساً: أن يكون بالغدوّ والآصال، أي في البكرة والعشيِّ، فتدلُّ الآية على مزيَّة هذين الوقتين، لأنَّهما وقت سكون ودعة وتعبُّد اجتهاد، وما بينهما الغالبُ فيه الانقطاع إلى أمر المعاش.

سابعاً: النهي عن الغفلة عن ذكره بقوله: {وَلاَ تَكُنْ مِنَ الغَافِلِينَ} 3، أي: من الذين يغفلون عن ذكر الله ويلهون عنه، وفيه إشعارٌ بطلب دوام ذكره تعالى والاستمرار عليه، وأحبُّ العمل إلى الله أَدْوَمُه وإن قلّ.

فهذه سبعةُ آداب عظيمة اشتملت عليها هذه الآية الكريمة، ذكرها القاسمي رحمه الله في كتاب محاسن التأويل.

9- أن يختم مجلسه بذكر كفارة المجلس: «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ. أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ. أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ».

مع تحيات

اللجنة العلمية لملتقى الخطيب المؤثر أسد المنابرٌ.