الهدف من الخطبة خطبة عيد الأضحى 1444 هـ
سلسلة الخطب المقترحة عيد الأضحى 1444 هـ
خطبة عيد الأضحى 1444 هـ
بعنوان ((وذكرهم بأيام الله))
الهدف من الخطبة خطبة عيد الأضحى 1444 هـ
عناصر الموضوع
1- قصص الأنبياء والتذكير بأيام الله.
2- أيام الله في قصة إبراهيم وقضية التوحيد.
3- أيام الله في قصة إبراهيم ومواجهة أهل الإلحاد.
4- أيام الله في قصة إبراهيم والاستسلام لأمر الله.
5- أيام الله في قصة إبراهيم ومقدسات الأمة .
6- إبراهيم الأسوة وخطورة دعوات الدين الإبراهيمي.
وذكرهم بأيام الله
الحمد لله الذي كان بعباده خبيرًا بصيرًا، وتبارك الذي جعل في السماء بروجًا، وجعل فيها سراجًا، وقمرًا منيرًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا. وبعد.
فإننا نشكر الله شكرًا كثيرًا متواصلًا بالقلب واللسان والجوارح والأركان، على ما منَّ به علينا من نعمٍ متواترة، وآلاءٍ متتابعة، فنصبح في نعمة، ونمسي في نعمة، فالحمد لله على ألائه ونعمه.
الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
عباد الله: لقد جعل الله قصص السابقين، وتاريخ الأمم والشعوب والأفراد وسيلة من وسائل التربية والتقويم، وتصحيح المسار وأخذ العبرة والعظة للأفراد والأمم والمجتمعات، التي تأتي بعدهم ليقيم الحجة على عباده، قال آ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ال عمران: 137]، وقال أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ ۖ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [الروم: 9].
وكأن الآيات تقول لنا: إن السعيد من وعظ بغيره، ولقد كان لكم في مَنْ مضى عبرة لو كنتم معتبرين، فسنن الله تعالى لا تعرف المحاباة، ولن تجد لسنة الله تبديلًا، والمتأمل في سير الأمم السابقة وأخبار الماضين يتبين له ذلك جليًا، لذلك فقد أمر بتذكر وتدبر أحداث السابقين، فقال وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ [إبراهيم:5].
قصص الأنبياء والتذكير بأيام الله
- الوقائع التي تُذَكِّر الناس، وتُبصِّرهم بحِكَمِ الله، ونِعمه، وسُنَنه في خلقه، بحلوها ومُرِّها، وسَرَّائها وضَرَّائها.
- فالتذكير بأيام الله تذكير بما أمر الله به، وبما فعله رسله عليهم السلام حين ذكروا أقوامهم بأيام ربهم ، وأيام الله تعالى تشمل نعمه فيهم، وعذابه لأعدائهم، ووقائعه في القرون الأولى.
- ومن قرأ قصص المرسلين عليهم السلام في القرآن الكريم؛ وجد فيها تذكيرًا بأيام الله تعالى، فكل نبي يذكر بها قومه؛ لئلا يصيبهم ما أصاب من كانوا قبلهم.
- هذا هود يذكر قومه بأيام الله تعالى فيهم حين استخلفهم في الأرض بعد هلاك قوم نوح ؛ لئلا يسيروا سيرتهم؛ وليشكروا ربهم على أيامه فيهم فقال لهم: وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ[الأعراف: 69].
- وخلفهم قوم صالح فذكرهم بأيام الله تعالى فيهم، وبأيامه فيمن كانوا قبلهم من المكذبين، وما حل بهم من العذاب.
فقال لهم: وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ[الأعراف: 74].
- ثم بُعث شعيب في قومه، فذكرهم بأيام الله تعالى فيهم، ونعمه عليهم، وحذرهم من سبل المفسدين ممن عذبوا قبلهم فقال لهم وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ [الأعراف: 86].
- وبعث الله تعالى موسى وأنزل عليه التوراة، وأمره بتذكير بني إسرائيل بأيامه فيهم، وبأيامه في فرعون وجنده، وفي المكذبين من قبلهم فقال : وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ [إبراهيم: 5].
- وهكذا كان حال الأنبياء عليهم السلام دائًما ما يذكِّرون أقوامهم بأيام الله ونعمه، وسُنَنه في خلقه.
وفي مثل هذه الأوقات المباركة مِن أشهر الحج، نتذكر قصة الخليل إبراهيم ، أبي الأنبياء الذي رفع القواعد من البيت وابنه إسماعيل ؛ فما أحوجنا أن نعيش مع أيام الله في قصة إبراهيم ، لنأخذ منها الدروس والعبر ونتعرف من خلالها على سنن الله في خلقه.
أيام الله في قصة إبراهيم وقضية التوحيد.
- رزق إبراهيم الهداية منذ صغره، قال : وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ [الأنبياء:51]، ولذلك كان ينكر على أبيه وقومه عبادة الأصنام، ويدعوهم إلى التوحيد ويقيم الحجة عليهم، قال : وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ [الشعراء:69-73].
- فبدأ إبراهيم دعوة قومه إلى توحيد الله بالعبادة، وبيَّن لهم أن ما يَعبدون ما هو إلا إفك مفترى، وأنها لا تَملك لهم رزقًا.
ثم أخبرهم بأنه مُبلِّغ من ربه لا يَستطيع هدايتهم إلا بإذن الله، ولفَت أنظارهم إلى أنَّ مصيرهم - إن لم يستجيبوا لدعوته - مصير أمثالهم من الأُمم السابقة، فقال : وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ [العنكبوت: 16 – 18].
- الدعوة إلى توحيد الله هي أول القضايا التي ينبغي للإنسان أن ينشغل بها، فالله ما أرسل الرسل إلا من أجلها قال : وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ، بل الغاية من خلق الخلق هو تحقيق العبودية والتوحيد قال :وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ، يقول ابن عباس : إلا ليوحدون.
وكان النبي يهتم بهذه القضية اهتمامًا كبيرًا ، فقد أرسل معاذًا لليمن فقال له موصيًا : «إنَّك تَقْدَمُ على قومٍ من أهلِ الكتابِ، فليكُن أوَّل ما تدعُوهُم إليه، عِبادةُ الله» رواه مسلم.
وكان إبراهيم يخاف على نفسه وعلى ذريته من الشرك، قال تعالى: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الْأَصْنَامَ
لذلك يجب علينا أن نحذر من جميع صور الشرك، كاعتقاد النفع والضر في أصحاب القبور، والاستغاثة بهم، والذبح والنذر لغير الله، وغيرها من صور الشرك فقد قال : وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ
- ومن معاني التوحيد أيضًا توحيد المتبوع: باتباع ما جاء به الرسول من الأوامر والنواهي، لذلك علينا أن نحذر من الدعوات التي خرجت علينا تخالف سنة النبي لنشر الخرافات والبدع، مثل الإذن في الذكر وتخصيص أعداد معينة لأذكار لم ينص عليها الدليل، والصلاة على النبي بشكل جماعي، وغيرها من المحاولات التي تسعى لإحياء الصوفية من جديد، فقد أخرج عبد الرزاق في مصنفه أن سعيد بن المسيب رحمه الله رأى رجلًا يكرر الركوع بعد طلوع الفجر فنهاه، فقال: يا أبا محمد، أيعذبني الله على الصلاة؟ قال: لا، ولكن يعذبك على خلاف السنة.
أيام الله في قصة إبراهيم ومواجهة أهل الإلحاد.
- لقد استجابت قلة لدعوة الحق مع إبراهيم ، فما كان من إبراهيم إلا أن هاجر إلى أرض جديدة لنشر دعوة الحق والدين، قال : فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي (العنكبوت:26).
وقال : وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ (الأنبياء:71).
- هاجر إبراهيم إلى بلاد الشام وهناك التقى بالنمرود الجبار الذي اغتر بماله وملكه، فادعى الربوبية، قال : أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) البقرة:258)
- استدلّ إبراهيم على وجود الله بالمشاهدات التي حوله من الكون؛ من موت، وحياة، فرَدّ عليه النمرود أنّ بإمكانه أن يأتيَ برجُلَين حُكِم عليهما بالقتل؛ فيقتل أحدهما، ويعفو عن الآخر، فيكون بذلك قد أمات الأول، وأحيا الثاني، إلّا أنّ إبراهيم ألجمَه حين ضرب له مثلًا بالشمس التي تُشرق من المشرق، وتحدّاه أن يأتيَ بها من المغرب، ولكنّ النمرود كان أضعف من ذلك، فبُهِت وسكت.
- وهنا تبرز أهمية مواجهة أفكار الإلحاد التي ظهرت في هذا الزمان وانتشرت بين بعض الشباب وعلينا تحصين أبنائنا من مثل هذه الدعوات والأفكار، من خلال تربيتهم على الكتاب والسنة، وتعليمهم أدلة وجود الله من العقل والفطرة والحس والشرع، خصوصًا وأن حجج دعاة الإلحاد ضعيفة وواهية، ولا تستطيع أن تصمد أمام الأدلة العقلية والشرعية، كما حدث في قصة النمرود مع إبراهيم .
أيام الله في قصة إبراهيم والاستسلام لأمر الله.
- لقد استكمل إبراهيم رحلة الدعوة إلى بلاد مصر، وكانت هناك محنة جديدة مع جبار مصر، ولذلك رجع إبراهيم وسارة -عليهما السلام- مِن أرض مصر إلى أرض الشام، ومعها هاجر فوهبتها لإبراهيم، فأنجب منها إسماعيل ، ولكن جاء الأمر من الله بترك هذه الزوجة وهذا الولد في مكان لا تصلح فيه الحياة، فعن ابن عباس رضي الله عنهما: «جَاءَ بِهَا إِبْرَاهِيمُ وَبِابْنِهَا إِسْمَاعِيلَ وَهِيَ تُرْضِعُهُ، حَتَّى وَضَعَهُمَا عِنْدَ البَيْتِ عِنْدَ دَوْحَةٍ، فَوْقَ زَمْزَمَ فِي أَعْلَى المَسْجِدِ، وَلَيْسَ بِمَكَّةَ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ، وَلَيْسَ بِهَا مَاءٌ، فَوَضَعَهُمَا هُنَالِكَ، وَوَضَعَ عِنْدَهُمَا جِرَابًا فِيهِ تَمْرٌ، وَسِقَاءً فِيهِ مَاءٌ، ثُمَّ قَفَّى إِبْرَاهِيمُ مُنْطَلِقًا، فَتَبِعَتْهُ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ فَقَالَتْ: يَا إِبْرَاهِيمُ، أَيْنَ تَذْهَبُ وَتَتْرُكُنَا بِهَذَا الوَادِي الَّذِي لَيْسَ فِيهِ إِنْسٌ وَلاَ شَيْءٌ؟ فَقَالَتْ لَهُ ذَلِكَ مِرَارًا، وَجَعَلَ لاَ يَلْتَفِتُ إِلَيْهَا، فَقَالَتْ لَهُ: آللَّهُ الَّذِي أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ نَعَمْ، قَالَتْ: إِذَنْ لاَ يُضَيِّعُنَا، ثُمَّ رَجَعَتْ، فَانْطَلَقَ إِبْرَاهِيمُ حَتَّى إِذَا كَانَ عِنْدَ الثَّنِيَّةِ حَيْثُ لاَ يَرَوْنَهُ، اسْتَقْبَلَ بِوَجْهِهِ البَيْتَ، ثُمَّ دَعَا بِهَؤُلاَءِ الكَلِمَاتِ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ» (إبراهيم:37) (رواه البخاري).
- الانقياد لأمر الله وقوة الأمل والثقة واليقين بموعود الله في قلب هاجر -عليها السلام- ففي الحديث - قالت:
«آللَّهُ الَّذِي أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ نَعَمْ، قَالَتْ: إِذَنْ لاَ يُضَيِّعُنَا».
- وفي حديث علي قال: "فَنَادَاهَا جِبْرِيلُ فَقَالَ: «مَنْ أَنْتِ؟ قَالَتْ: أَنَا هَاجَرُ أُمُّ وَلَدِ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: فَإِلَى مَنْ وَكَلَكُمَا؟ قَالَتْ: إِلَى اللَّهِ, قَالَ: وَكَلَكُمَا إِلَى كَافٍ» (رواه الطبراني، وحسنه الحافظ ابن حجر).
- ثم جاء الأمر الثاني : فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (الصافات:99-108).
- هكذا نجح إبراهيم في كل الامتحانات التي اُبتلي بها، حيث قابلها بالإذعان والتسليم والانقياد للتكاليف الشرعية، ووفـَّى بأمر ربه، قال تعالى: وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (النجم:37).
أيام الله في قصة إبراهيم ومقدسات الأمة.
- من أيام الله في قصة إبراهيم بناء الكعبة وبدأت قصة بناء البيت بدعوة مباركة مِن إبراهيم تَغيَّر بها وجه الأرض: رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ المُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (إبراهيم:37).
- وبناء البيت الحرام مرتبط ببناء المسجد الأقصى، فقد جاء في الحديث الصحيح عن رسول الله أنّ أبا ذر قال: قلت: «يا رسول الله أي مسجد وضع في الأرض أول؟ قال: «المسجد الحرام»، قال: قلت: ثمّ أي؟ قال: «المسجد الأقصى»، قال: كم كان بينهما؟ قال: «أربعون سنة ثم أينما أدركت الصلاة بعد فصله، فإنّ الفضل فيه» أخرجه البخاري
- تُعمّق قصة إبراهيم صلة المسلمين ببيت المقدس، وتجعله جزءًا من عقيدة المسلمين التي لا يمكن التنازل
عنها بأي حال من الأحوال، فقد هاجر إبراهيم من العراق إلى بيت المقدس وما حولها واستقرّ فيها، وعاش بين ربوعها، ومن فلسطين انطلقت رحلات إبراهيم إلى مصر وإلى الحجاز وإلى غيرها من البلدان، وأكثر الرحلات تكرارًا هي رحلاته من فلسطين ومكة المكرّمة؛ ليتفقّد هاجر وابنه هناك، وليؤدي فريضة الحج التي أمره الله بها وأراه مناسكها، فهذه الرحلات المتكررة لإبراهيم عمّقت الصلة بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى المبارك بحيث أصبحت جزءًا من عقيدة المسلمين لا يجوز التنازل عنها أو التفريط بها أبدًا.
إبراهيم الأسوة وخطورة دعوات الدين الإبراهيمي.
- بعد هذه الرحلة مع أيام الله في قصة إبراهيم يبقى علينا الاقتداء بسيدنا إبراهيم قال : ثمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وقال : قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ
- وقال : وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ * إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ* وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ
- إبراهيم كان حنيفًا مسلمًا، ودعا إلى دين الإسلام وتمسك بالإسلام وهو الأسوة والقدوة في ذلك ولكن خرجت علينا دعوات خطيرة الآن تنادي ببدعة جديدة يطلقون عليها "الدين الإبراهيمي" وهذا الخلط بين الأديان يُقصَد به الخلط الذي تفقد معه العقيدة الإسلامية جوهرَها القائم على شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، لتصبح الفكرة الرئيسة هي الوصول إلى الله تعالى؛ سواء عن طريق اليهودية أو النصرانية أو الإسلام، فلا فرقَ عند أصحاب هذه الدعوة بين تلك الأديان، وهذا الخلط فكرة ضالة قديمة تظهر اليوم بثوب جديد؛ اسمه "الدين الإبراهيمي"، وإبراهيم عليه الصلاة والسلام إمامُ الحنفاء كان مسلمًا، وهو بَرَاء من هذا التصور المختلط المشوَّهِ؛ قال الله عز وجل: مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [آل عمران: 67].
== الدعاء وآداب العيد ==
مع تحيات
اللجنة العلمية لملتقى الخطيب المؤثر أسد المنابر