الهدف من الخطبة بيان فضل العشر الأول من ذي الحجة، والحث على اغتنامها بفعل أنواع من الطاعات
سلسلة الخطب المقترحة رقم ((507))
الخطبة الرابعة من ذو القعدة لعام 1444 هـ
عنوان الخطبة ((العشر فضائل وأحكام))
الهدف من الخطبة بيان فضل العشر الأول من ذي الحجة، والحث على اغتنامها بفعل أنواع من الطاعات
عناصر الموضوع
1) فضائل الأيام العشر الأول من ذي الحجة
2) الأعمال الصالحة في العشر الأول من ذي الحجة
العشر فضائل وأحكام
المقدمة: أما بعد، فإن من فضل الله تعالى أنه لا يكاد ينقضي موسم للطاعة إلا ويأتي غيره، والمؤمن وقته كله مشغول بالطاعات، وها نستقبل موسمًا جديدًا من تلك المواسم الطيبة التي يتزود فيها الصالحون من طاعة ربهم، والتقرب إليه، ها هي أفضل أيام الدنيا قد أقبلت وأطلت وأشرفت، فهل من مغتنم لها؟ وهل من مجد فيها؟ قال تعالى: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} [البقرة: 197]؛ فالتزود من الطاعات شأن الصالحين، واغتنام الأوقات الفاضلة حال المتقين، فالسعيد من اغتنم تلك الأيام، ولم يجعلها تمر عليه مرورًا عابرًا، إنها الأيام الفاضلة أيام عشر الأول من ذي الحجة، وهذه الأيام ليست كغيرها من الأيام بل لها فضائل عظيمة.
بين يدي الخطبة:
فضائل الأيام العشر الأول من ذي الحجة
1- هي الأيام المعلومات التي ذكرها الله في كتابه: قال تعالى: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} [الحج: 28].
2- هي عشر التمام لموسى عليه السلام: فهي التي أتم الله بها أربعين موسى عليه السلام ثم كلمه ربه تعالى، قال جل وعلا: {وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ . وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} [الأعراف: 142، 143]، قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: وَقَدِ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي هَذِهِ الْعَشْرِ مَا هِيَ؟ فَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّ الثَّلَاثِينَ هِيَ ذُو الْقَعْدَةِ، وَالْعَشَرُ عَشَرُ ذِي الْحِجَّةِ؛ قَالَهُ مُجَاهِدٌ، وَمَسْرُوقٌ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَدْ كَمَّلَ الْمِيقَاتَ يَوْمَ النَّحْرِ، وَحَصَلَ فِيهِ التَّكْلِيمُ لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ.
3- وَفِيهِا أَكْمَلَ اللَّهُ الدِّينَ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأتم عليه النعمة، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3].
4- ذهب جمهور المفسرين أن العشر التي أقسم الله تعالى بها في قوله سبحانه: {وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [الفجر: 2]، هي عشر ذي الحجة، وذكر ابن كثير في تفسيره أن هذا هو الصحيح.
5- هي أفضل أيام الدنيا: فعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَفْضَلُ أَيَّامِ الدُّنْيَا أَيَّامُ الْعَشْرِ»، يَعْنِي: عَشْرَ ذِي الْحَجَّةِ، قِيلَ: وَلا مِثْلُهُنَّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَالَ: «وَلا مِثْلُهُنَّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَّا رَجُلٌ عُفِّرَ وَجْهَهُ فِي التُّرَابِ». أخرجه البزار وصححه الألباني.
6- فيها يوم عرفة: وهو يوم مغفرة الذنوب، ويوم العتق من النيران، ولو لم يكن في هذه الأيام إلا يوم عرفة لكفاها ذلك فضلاً، فعَنْ أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ». أخرجه مسلم، وعن أُمِّ المؤمنين عائشةَ رضي الله عنها أن رسولَ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ وَإِنَّهُ لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِى بِهِمُ الْمَلاَئِكَةَ فَيَقُولُ مَا أَرَادَ هَؤُلاَءِ». أخرجه مسلم، وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ». أخرجه الترمذي وصححه الألباني، وعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ يَوْمَ عَرَفَةَ وَيَوْمَ النَّحْرِ وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ عِيدُنَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ، وَهِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ». أخرجه أحمد وأبو داود والترمذى والنسائي وصححه الألباني.
7- فيها يوم النحر: وهو من أفضل أيام السنة: فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُرْطٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ: «إِنَّ أَعْظَمَ الْأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمُ النَّحْرِ ثُمَّ يَوْمُ الْقَرِّ». أخرجه أبو داود والنسائي وصححه الألباني، ويوم القر: هو يوم الاستقرار في منى، وهو اليوم الثاني بعد يوم النحر -أول أيام التشريق-.
8- أن العمل الصالح فيها أفضل عند الله من العمل الصالح في غيرها: فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشَرَةِ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: «وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ» أخرجه البُخَارِيّ.
9- اجتماع أمهات العبادات فيها: من صلاة وصدقة وصيام وحج، وهذا لا يكون في غيرها.
الأعمال الصالحة في العشر الأول من ذي الحجة
إن العمل الصالح في هذه الأيام لها فضل عظيم، حتى إنه نافس فضل الجهاد في سبيل الله تعالى، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشَرَةِ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: «وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ» رَوَاهُ البُخَارِيّ، وفي رواية للدارمي: قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ عَمَلٍ أَزْكَى عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَا أَعْظَمَ أَجْرًا مِنْ خَيْرٍ يَعْمَلُهُ فِي عَشْرِ الْأَضْحَى». قِيلَ: وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ: «وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ»، قَالَ: وَكَانَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ إِذَا دَخَلَ أَيَّامُ الْعَشْرِ اجْتَهَدَ اجْتِهَادًا شَدِيدًا حَتَّى مَا يَكَادُ يَقْدِرُ عَلَيْهِ. وحسنه الألباني.
فتأمل عظم هذا الأجر الذي يناله الطائع في هذه الأيام العشر، وكيف يفضل العمل الصالح فيها على الجهاد إلا في حالة واحدة!
ومع عظيم فضائل تلك الأيام العشر الأول من ذي الحجة، ومع عظيم فضل العمل الصالح فيها، فإنه ينبغي على المسلم اللبيب الفطن أن يغتنم تلك الأيام بالأعمال الصالحة -نوعًا وكمًا-، فيكثر منها ويتنوع فيها ولا يقتصر على عبادة بعينها.
ومن تلك الأعمال الصالحة التي يمكن للمسلم اغتنام تلك العشر بها:
1- الاستعداد لهذه الأيام بالتوبة والاستغفار وصدق الرجوع إلى الله تعالى: قال سبحانه: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: 31]، وقال جل وعلا: {وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الحجرات: 11]، وَعَنِ الْأَغَرِّ الْمُزَنِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ فَإِنِّي أَتُوبُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ مائةَ مرِّةٍ». رَوَاهُ مُسلم، وَعَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا». رَوَاهُ مُسْلِمٌ، ومن منا لم يعص؟! فعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ والدارمي وحسنه الألباني، فلنتب إلى الله تعالى، فعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم: «إِنَّ الْعَبَدَ إِذَا اعْتَرَفَ ثُمَّ تَابَ تَابَ الله عَلَيْهِ». متفق عليه.
2- المحافظة على الصلاة: يستحب التبكير إلى الفرائض والمسارعة إلى الصف الأول، والإكثار من النوافل، فإنها من أفضل القربات، فعن عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه أنه قال: سألت رسولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أيُّ العملِ أحبُّ إلى الله؟ قال: "الصلاةُ على وقْتِها" قلتُ: ثُمَّ أيّ؟ قال: "بِرُّ الوالِدَيْنِ" قلتُ: ثُمَّ أيّ؟ قال: "الجهادُ في سبيلِ الله". رواه البخاري ومسلم، وعن ثوبان رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلمَ يقول: «عَلَيْكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ لِلَّهِ، فَإِنَّكَ لَا تَسْجُدُ لِلَّهِ سَجْدَةً، إِلَّا رَفَعَكَ اللهُ بِهَا دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْكَ بِهَا خَطِيئَةً». رواه مسلم، وهذا عام في كل وقت.
3- الصدقة ولو باليسير: قال تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً} [البقرة: 245]، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا الطَّيِّبَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهَا كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَل». متفق عليه، وعنه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ: «سَبْعَة يظلهم الله تَعَالَى فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ».. منهم: «وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ». متفق عليه، وعن عَبْدُ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قال: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيُّكُمْ مَالُ وَارِثِهِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ مَالِهِ؟» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا مِنَّا أَحَدٌ إِلَّا مَالُهُ أَحَبُّ إِلَيْهِ، قَالَ: «فَإِنَّ مَالَهُ مَا قَدَّمَ، وَمَالُ وَارِثِهِ مَا أَخَّرَ». رواه البخاري، وَعَن عديِّ بن حاتمٍ رضي الله عنه أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم: «فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَة». مُتَّفق عَلَيْهِ، وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه أنه قال: سمعتُ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "كل امرئٍ في ظلٍّ صدقتِه حتى يُقضى بين الناس". رواه أحمد وابن خزيمة وابن حبان وصححه الألباني، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّه قال: يا رسولَ الله! أي الصدقة أفضل؟ قال: "جُهدُ الُمقِلِّ، وابدأ بمن تعول". رواه أبو داود وابن خزيمة وصححه الألباني.
4- الصيام: ويدخل في جملة الأعمال الصالحة في الأيام العشر، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ" الحديث متفق عليه، وعن بعض أزواج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنها قالت: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصوم تِسْعَ ذي الحِجةِ، ويومَ عاشوراءَ، وثلاثة أيام من كل شهر: أول اثنين من الشهر، والخمِيْسَيْن. رواه أبو داود وصححه الألباني، وروي عَنْ حَفْصَةَ أنها قَالَتْ: أَرْبَعٌ لَمْ يَكُنْ يَدَعُهُنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صِيَامُ عَاشُورَاءَ وَالْعَشْرِ وَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَرَكْعَتَانِ قبل الْفجْر. رَوَاهُ النَّسَائِيّ وضعفه الألباني.
أما ما ثبت عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا من أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَصُمِ الْعَشْرَ. أخرجه مسلم، وأنها قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَائِمًا فِي الْعَشْرِ قَطُّ. أخرجه مسلم، فإنه يعني أنها لم تره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصومها، فالمعنى: لا أعلمه لا صامها، ولا رأيته صامها، دون نفي رؤية غيرها من أزواجه رضي الله عنهن، والمثبت مقدم على النافي.
والأمر واسع والحمد لله، فلا إشكال في مشروعية الصوم، فإنه يدخل في عموم قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشَرَةِ».
وقد حث النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على صيام يوم عرفة: فقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ». رَوَاهُ مُسلم.
5- الحج والعمرة: الحج من أفضل الأعمال: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنْهُ أنه قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: أيُّ الأعْمَالِ أفْضَلُ؟ قال: «إِيمَانٌ بِاللهِ وَرَسُولِهِ». قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قال: «جِهَادٌ فِي سَبِيلِ اللهِ». قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قال: «حَجٌّ مَبْرُورٌ». متفق عليه، والحج جزاؤه الجنة: فعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «العُمْرَةُ إِلَى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالحَجُّ المَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلا الجَنَّةُ». متفق عليه، وهما ينفيان الذنوب والفقر: فعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلَيْسَ لِلْحَجَّةِ الْمَبْرُورَةِ ثَوَابٌ إِلَّا الْجَنَّةَ». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِي وصححه الألباني.
6- قراءة القرآن الكريم: قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ . لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ} [فاطر: 29، 30]، وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه أنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: «اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ، اقْرَءُوا الزَّهْرَاوَيْنِ: الْبَقَرَةَ وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ، فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ أَو فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا، اقْرَءُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ وَلَا تستطيعها البطلة». رَوَاهُ مُسلم، وعَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَيْرُكُمْ من تعلم الْقُرْآن وَعلمه». رَوَاهُ البُخَارِيّ، وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ وَهُوَ عَلَيْهِ شاق لَهُ أَجْرَانِ» متفق عليه، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ: اقْرَأْ وَارَتْقِ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا فَإِنَّ مَنْزِلَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَة تقرؤها". رَوَاهُ أَحْمد وأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وحسنه الألباني، وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا لَا أَقُولُ: آلم حَرْفٌ؛ أَلْفٌ حَرْفٌ وَلَامٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وصححه الألباني.
7- الإكثار من ذكر الله تعالى: قال تعالى: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} [الحج: 28]، وهي العشر الأول من ذي الحجة، وروى البخاري تعليقًا عن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أنه قال: "وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ" أَيَّامُ العَشْرِ، وَالأَيَّامُ المَعْدُودَاتُ: أَيَّامُ التَّشْرِيقِ. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنهم: «يَخْرُجَانِ إِلَى السُّوقِ فِي أَيَّامِ العَشْرِ يُكَبِّرَانِ، وَيُكَبِّرُ النَّاسُ بِتَكْبِيرِهِمَا»، وَكَبَّرَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ خَلْفَ النَّافِلَةِ. وقال: وَكَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «يُكَبِّرُ فِي قُبَّتِهِ بِمِنًى فَيَسْمَعُهُ أَهْلُ المَسْجِدِ، فَيُكَبِّرُونَ وَيُكَبِّرُ أَهْلُ الأَسْوَاقِ حَتَّى تَرْتَجَّ مِنًى تَكْبِيرًا». وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ «يُكَبِّرُ بِمِنًى تِلْكَ الأَيَّامَ، وَخَلْفَ الصَّلَوَاتِ وَعَلَى فِرَاشِهِ وَفِي فُسْطَاطِهِ وَمَجْلِسِهِ، وَمَمْشَاهُ تِلْكَ الأَيَّامَ جَمِيعًا». وَكَانَتْ مَيْمُونَةُ: «تُكَبِّرُ يَوْمَ النَّحْرِ»، وعَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ، وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ الْعَمَلِ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ، فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ، وَالتَّكْبِيرِ، وَالتَّحْمِيدِ". أخرجه أحمد وصححه شعيب الأرناؤوط.
والمؤمن دائم الذكر لله تعالى، ولكنه يكثر في هذه الأيام من التهليل والتسبيح والتحميد والتكبير.
أما التكبير المطلق ففي جميع العشر، وأما التكبير المقيد دبر الصلوات المكتوبة فيبدأ من فجر عرفة إلى غروب شمس ثالث أيام التشريق.
8- الإمساك عن الشعر والظفر لمن أراد أن يضحي: فعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها أنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ وَأَرَادَ بَعْضُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلَا يَمَسَّ مِنْ شَعْرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا»، وَفِي رِوَايَةٍ «فَلَا يَأْخُذَنَّ شَعْرًا وَلَا يَقْلِمَنَّ ظُفْرًا»، وَفِي رِوَايَةٍ «مَنْ رَأَى هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ وَأَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ فَلَا يَأْخُذْ مِنْ شَعْرِهِ وَلَا مِنْ أَظْفَارِهِ». رَوَاهُ مُسلم.
9- الأضحية: قال تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2]، وقَالَ تَعَالَى: {لَنْ يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} [الحج: 37]، أَيْ: يصل إليه التقوى منكم؛ أَيْ: ما أريد به وجهه, فذلك الذي يقبله ويُرفع إليه, ويُثِيب عليه.
والأعمال الصالحة كثيرة، ويستحب الإكثار منها في هذه الأيام ومن ذلك أيضًا: الدعاء، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، وإفشاء السلام، وإطعام الطعام، والإصلاح بين الناس، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحفظ اللسان والفرج، والإحسان إلى الجيران، وإكرام الضيف، والإنفاق في سبيل الله، وإماطة الأذى عن الطريق، والنفقة على الزوجة والعيال، وكفالة الأيتام، وزيارة المرضى، وقضاء حوائج المسملين، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلمَ، وعدم إيذاء المسلمين، والدعاء لهم بظهر الغيب، وأداء الأمانات، والوفاء بالعهد، وإغاثة الملهوف، وغض البصر عن محارم الله، وإسباغ الوضوء، وقراءة سورة الكهف يوم الجمعة، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، والإكثار من النوافل، وذكر الله عقب الصلوات، والحرص على الكسب الحلال، وإدخال السرور على المسلمين، والشفقة بالضعفاء، واصطناع المعروف، والدلالة على الخير، وسلامة الصدر، وترك الشحناء، وتعليم الأولاد والبنات، والتعاون مع المسلمين فيما فيه خير ... ٌ.
مع تحيات
اللجنة العلمية لملتقى الخطيب المؤثر أسد المنابر