الأربعاء ، ٢ جمادى الآخر ، ١٤٤٦ هجري | 04 ديسمبر 2024 ميلادي
رمضان الحصاد
وصف الخطبة : -

الهدف من الخطبة وقفات مع نهاية شهر رمضان، للتذكير بثمرة الصيام، والحث على المداومة على الطاعة بعد رمضان


عنوان الخطبة ((رمضان الحصاد))

الهدف من الخطبة وقفات مع نهاية شهر رمضان، للتذكير بثمرة الصيام، والحث على المداومة على الطاعة بعد رمضان

عناصر الموضوع

1) ثمرة الصيام التقوى

2) من علامات قبول الحسنة الحسنة بعدها

3) فإذا فرغت فانصب

رمضان الحصاد

المقدمة: أما بعد، قال الله تعالى: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)، فليفرح المسلمون بما جاءهم من الله تعالى من الهدى ودين الحق وهو الإسلام; فإن الإسلام الذي دعاهم الله إليه، والقرآن الذي أنزله على محمد صَلى الله عليه وسلم، خير مما يجمعون من حطام الدنيا وما فيها من الزهرة الفانية الذاهبة.

بين يدي الخطبة:

ثمرة الصيام التقوى

قال الله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، فالتقوى هي ثمرة الصيام العظيمة، وللتقوى ثمرات كثيرة جليلة في الدنيا والآخرة، ومنها:

أولاً: الانتفاع بالقرآن العظيم، والفوز بهدايتي الإرشاد، والتوفيق، قال الله عز وجل: (الم . ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ).

ثانياً: تحصيل معيّة الله تعالى الخاصة، قال عز وجل: (إِنَّ الله مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ)، وهذه معيّة التوفيق والتسديد، والنصرة، والتأييد، والإعانة، والحماية.

ثالثاً: التوفيق لتحصيل البصيرة والفرقان الذي يميز به العبد بين الحق والباطل، وتحصيل الأجر العظيم، ومغفرة الذنوب وتكفير السيئات: قال الله عز وجل: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ).

رابعاً: تحصيل محبة الله تعالى، قال عز وجل: (إِنَّ الله يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ).

خامساً: عدم الخوف من ضرر وكيد الأعداء، قال تعالى: (وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ الله بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ).

سادسًا: قبول الأعمال الصالحة، قال الله عز وجل: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ الله مِنَ الْمُتَّقِينَ).

سابعًا: حصول الفلاح، قال الله عز وجل: (فَاتَّقُواْ الله يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).

ثامنًا: حصول الاستقامة، والبعد عن الزيغ والضلال، قال الله عز وجل: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).

تاسعًا: السلامة من الخوف والحزن في الدنيا والآخرة، قال الله عز وجل: (فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ).

عاشرًا: حصول وحلول البركات، قال الله عز وجل: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ).

الحادي عشر: نيل رحمة الله عز وجل، قال تعالى: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ)، وقال عز وجل: (وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ).

الثاني عشر: الفوز بولاية الله تعالى، قال سبحانه: (إِنْ أَوْلِيَآؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ)، وقال عز وجل: (وإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالله وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ)، وقال جل وعلا: (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ . الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ . لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).

الثالث عشر: النجاة من وساوس ضرر الشيطان، (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ).

الرابع عشر: العاقبة الحميدة الحسنة في الدنيا والآخرة للمتقين، قال سبحانه وتعالى: (فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ)، وقال سبحانه: (تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ).

الخامس عشر: حصول الفرج، والمخرج من كل شدة ومشقة وكرب، ويسوق الله بها الرزق للمتقي من حيث لا يحتسبه، ولا يشعر به، ولا يخطر له على بال، قال الله سبحانه وتعالى: (وَمَن يَتَّقِ الله يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا . وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ).

السادس عشر: تيسير الأمور، قال الله عز وجل: (وَمَن يَتَّقِ الله يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا).

السابع عشر: المكانة العالية عند الله يوم القيامة، قال الله عز وجل: (زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ اتَّقَواْ فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالله يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ).

الثامن عشر: التقوى تثمر دخول الجنة وما فيها من أنواع النعيم، ومن ذلك، ما يأتي:

- الفوز بالجنة، قال الله عز وجل: (لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ).

- ميراث الجنة، قال عز وجل: (تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا)، وقال سبحانه: (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ).

- نيل ما تشتهيه الأنفس، قال تعالى: (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَآؤُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي الله الْمُتَّقِينَ).

- المتقون يحشرون وفداً، قال الله عز وجل: (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا)، ذكر الإمام الطبري رحمه الله بسنده عن عليٍّ رضي الله عنه: أنهم يحشرون على نُوقٍ من الإبل عليها رحائل الذهب، وأزمّتها الزبرجد، يركبون عليها حتى يضربوا أبواب الجنة.

- المتقون تقرّب لهم الجنة، قال الله عز وجل: (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ)، وقال سبحانه: (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ).

- المتقون لهم في الجنة غرف مبنية من فوقها غرف، يُرى ظاهِرها من باطنها وباطنها من ظاهرها، قال الله عز وجل: (لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَعْدَ الله لا يُخْلِفُ الله الْمِيعَادَ).

- المتقون لا يمسّهم العذاب بل ينجّيهم الله تعالى، قال الله عز وجل: (وَيُنَجِّي الله الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)، وقال الله عز وجل: (وَإِن مِّنكُمْ إِلا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا . ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا).

- صحبة المتقين ومحبتهم دائمة في الدنيا والآخرة، قال الله عز وجل: (الأَخِلاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلا الْمُتَّقِينَ).

- المتقون لهم المقام الأمين، قال الله سبحانه وتعالى: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ . فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ . يَلْبَسُونَ مِن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَقَابِلِينَ . كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ . يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ . لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلا الْمَوْتَةَ الأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ . فَضْلا مِّن رَّبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).

- التقوى تثمر ورود أنهار الجنة والشرب منها، قال الله عز وجل: (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ).

- المتقون في مقعد صدق عند الله عز وجل، قال سبحانه وتعالى: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ . فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ).

هذه الثمرات مستفادة من كتاب نور التقوى وظلمات المعاصي في ضوء الكتاب والسنة للدكتور سعيد بن وهف القحطاني رحمه الله.

من علامات قبول الحسنة: الحسنة بعدها

إن من نعم الله تعالى علينا أن بلغنا رمضان، وأعاننا على الصيام والقيام والطاعات، ووفقنا لإتمام الشهر المبارك، قال تعالى: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)، فلله تعالى تمام الحمد والمنة، وهذه النعم تستوجب الشكر، فلم يصم الصائمون بحولهم وقوتهم، ولم يتهجد المتهجدون بحولهم ولا بقوتهم، ولم يتصدق المتصدقون بحولهم ولا بقوتهم، ولم يتعبد المتعبدون ويتقرب المتقربون ويطع الطائعون إلا بتوفيق الله تعالى وحده وبحوله وقوته، فواجبنا شكره جل وعلا وتبارك، ومن شكره تعالى المداومة على الطاعات وفعلها، وترك المنكرات وهجرها.

وعَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ أَعْمَالِكُمُ الصَّلَاةُ وَلَا يُحَافِظُ عَلَى الْوُضُوءِ إِلَّا مُؤْمِنٌ». رَوَاهُ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وصححه الألباني. أي ابذلوا جهدكم في طاعة ربكم بقدر ما تستطيعون ولن توفوا الحقوق على وجه الكمال، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَنْ يُنْجِيَ أَحَدًا مِنْكُمْ عَمَلُهُ» قَالُوا: وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «وَلَا أَنَا إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ مِنْهُ بِرَحْمَتِهِ فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا واغْدُوا وروحوا وشيءٌ من الدُّلْجَةِ والقَصدَ القصدَ تبلغوا». متفق عليه، وعَنْ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ رضي الله عنه أنه قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَوْ أَنَّ رَجُلًا يَخِرُّ [أو يُجَرُّ] عَلَى وَجْهِهِ، مِنْ يَوْمِ وُلِدَ إِلَى يَوْمِ يَمُوتُ، هَرَمًا فِي مَرْضَاةِ اللهِ، لَحَقَّرَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». رواه أحمد وحسنه الألباني، فعلى العبد أن يداوم على الطاعة بعد رمضان، ويحافظ على اعتياد فعل الطاعات والأوراد الشرعية، إذ اعتاد الطاعة في رمضان، واستساغها، ولم يعد الأمر صعبًا كما كان قبل رمضان.

إن شهر رمضان ليس نهاية سعي الطائعين، بل إن لهم حالاً مع المواظبة والمداومة على الطاعة، وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى الله أدومها وَإِن قل». متفق عليه.

فلا تترك القيام بعد رمضان، ولو ركعات خفيفة من الليل تداوم عليها، وأيام قليلة من النهار تصومها، ودراهم معدودة تتصدق بها.

عباد الله! إن الصيام والعمل الصالح من التجارات الرابحة، ورمضان مثل سوق قام وانفض، والعبد الفطن عبد على كل حال، وفي كل زمان، فلا يتعبد تارة ويتنصل أخرى، بل يكون من أهل الطاعة دائمًا، قال تعالى: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ)، فليست العبادة مقصورة على أيام معينة بل إنها وظيفة العمر كله، فهذا أمر من الله تعالى بعبادته وحتى يأتي أجل العبد.

ولا يصح من العبد أن يَمُنَ ويغتر بعمله، قال تعالى: (وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ)، فلا تمن على الله بالعمل فإن العبد مهما بلغ عمله فلن يوفي حق الله تعالى، ولولا توفيق الله تعالى ما صلى من صلى، ولا زكى من زكى، ولا تزكى من تزكى، ولا صام من صام، ولا قام من قام، ولا أطاع من أطاع؛ ولكن الله تعالى يمن على من يشاء وينعم، قال تعالى: (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)؛ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلمَ متلبسًا بالعمل الصالح، ينقل التراب في حفر الخندق لقتال الكفار ويقول: "اللهم لولا أنت ما اهتدينا .. ولا تصدقنا ولا صلينا". متفق عليه.

والصالحون يعملون الطاعات، ويسألون الله تعالى قبول أعمالهم دون مَنٍّ أو غرور، فعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أنها قَالَتْ: سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: (وَالَّذِينَ يُؤْتونَ مَا آتوا وقُلوبُهم وَجِلَةٌ) أَهُمُ الَّذِينَ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَيَسْرِقُونَ؟ قَالَ: «لَا يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ وَلَكِنَّهُمُ الَّذِينَ يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَتَصَدَّقُونَ وَهُمْ يَخَافُونَ أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْن مَاجَه وصححه الألباني. فالعبرة بقبول العمل، فمن المقبول؟!

روي عن علي رضي الله عنه أنه إذا كانت آخر ليلة من رمضان صاح وبكى وقال: ألا ليت شعري من هو المقبول فنهنيه ومن هو المحروم فنعزيه، وعنه أيضًا أنه قال: كونوا لقبول العمل أشد اهتماماً منكم بالعمل، ألم تسمعوا إلى قول الله عز وجل: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ)، وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: من هذا المقبول منا فنهنيه؟ ومن هذا المحروم منا فنعزيه، وخرجَ عمرُ بنُ عبدِ العزيزِ -رحمهُ اللَّهُ- في يومِ عيدِ فطرٍ، فقالَ في خطبته: أيُّها الناسُ؛ إنَّكم صُمتم للَّهِ ثلاثين يومًا، وقُمتُم ثلاثين ليلةً، وخرجتُم اليومَ تطلبون من اللَّه أن يتقبَّل منكم، وكانَ بعضُ السَّلف يظهرُ عليه الحزنُ يومَ عيدِ الفطر، فيقالُ له: إنَه يومُ فرحٍ وسرورٍ، فيقولُ: صدقتُم، ولكنِّي عبدٌ أمرنِي مولاي أن أعملَ له عملاً، فلا أدري أيقبلُه منِّي أم لا؟

يقول العلماء: من علامات قبول العمل أن يتبع الحسنة بحسنة مثلها، كما قال بعض السلف: الحسنة تقول أختي أختي، والمعصية تقول أختي أختي؛ ومصداق هذا في قوله صلى اللهُ عليه وسلم: «عَليْكُم بِالصِّدقِ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ». متفق عليه.

فمن علامات قبول العمل: المداومة عليه، ومن العبادات المستحبة بعد رمضان: صيام ستة أيام من شهر شوال، فَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّال كَانَ كصيام الدَّهْر». رَوَاهُ مُسلم.

عباد الله! حذار من تضييع الحسنات بعد تحصيلها: قال تعالى: (وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثاً)، فهذا مثل لامرأة خرقاء تعبت واجتهدت في الغزل، فلما استوفته واكتمل تعبت مرة أخرى في نقضه.

ويصدق هذا على ينتكس بعد رمضان، فيترك الصلاة والطاعات، ويُقبل على المعاصي التي هجرها في رمضان عياذًا بالله.

عباد الله علينا بالتوبة والاستغفار والمداومة على العمل الصالح في رمضان وفي غيره من الشهور.

فإذا فرغت فانصب

إن شهر رمضان ليس نهاية سعي الطائعين، بل إن لهم حالاً مع المواظبة والمداومة على الطاعة بعده، وقد خلق الله تعالى الخلق وأمرهم بعبادته في كل الأوقات وليس في رمضان فقط، والله تعالى يحب المداومة على الطاعة ولو كانت قليلة، فعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى الله أدومها وَإِن قل». متفق عليه.

إن شهر رمضان كان اختبارا لكشف قدرة النفس على الاستقامة والطاعة، فقد علم العبد من نفسه أنها تطيق الصيام والقيام والاجتهاد، ولكن الموفق من وفقه الله تعالى.

وحري بالمؤمن الحريص على الطاعة أن ينطلق من رمضان إلى ما بعده، وأن يأخذ قرارا بالمحافظة على العبادات بعد رمضان، ومن الأعمال التي كثرت من الطائعين في رمضان، وهي مشروعة على مدار العام، وبإمكان الناس المدوامة عليها ما يلي:

1- الصلاة: وأول ذلك وأعظمه الفرائض، ثم يداوم على ورد من صلاة النوافل، كالسنن الرواتب، وصلاة الضحى، وقيام الليل، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمِ وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ». رَوَاهُ مُسلم، وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما أنه قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا عَبْدَ اللَّهِ لَا تَكُنْ مِثْلَ فُلَانٍ كَانَ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ فَتَرَكَ قيام اللَّيْل». متفق عليه.

2- قراءة القرآن واستماعه وتدبره: فيجعل المسلم لنفسه وردا من التلاوة ويستمع للقرآن ويتعلم من أحكامه، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: «اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ اقْرَءُوا الزَّهْرَاوَيْنِ الْبَقَرَةَ وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ أَو فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا اقْرَءُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ وَلَا تستطيعها البطلة». رَوَاهُ مُسلم، وعَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَيْرُكُمْ من تعلم الْقُرْآن وَعلمه». رَوَاهُ البُخَارِيّ، وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ وَهُوَ عَلَيْهِ شاق لَهُ أَجْرَانِ». متفق عليه، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ: اقْرَأْ وَارَتْقِ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا فَإِنَّ مَنْزِلَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَة تقرؤها". رَوَاهُ أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وحسنه الألباني، وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا لَا أَقُولُ: آلم حَرْفٌ. أَلْفٌ حَرْفٌ وَلَامٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وصححه الألباني.

3- الصيام: قد شرع الله لنا من الصيام غير رمضان، ومن ذلك صيام ستة أيام من شوال: فعَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ، ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ". رواه مسلم، وَعَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ صَامَ سِتَّةَ أَيَّامٍ بَعْدَ الْفِطْرِ كَانَ تَمَامَ السَّنَةِ، {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا}". رواه ابن ماجه وصححه الألباني، وعَنْه رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ فَشَهْرٌ بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ، وَصِيَامُ سِتَّةِ أَيَّامٍ بَعْدَ الْفِطْرِ، فَذَلِكَ تَمَامُ صِيَامِ السَّنَةِ". أخرجه أحمد وصححه الألباني، قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله: وفي معاودة الصيام بعد رمضان فوائد عديدة:

منها: أن صيام ستة أيام من شوال بعد رمضان يستكمل بها أجر صيام الدهر كله كما سبق.

ومنها: أن صيام شوال وشعبان كصلاة السنن الرواتب قبل الصلاة المفروضة وبعدها، فيكمل بذلك ما حصل في الفرض من خلل ونقص، فإن الفرائض تجبر أو تكمل بالنوافل يوم القيامة، كما ورد ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه متعددة، وأكثر الناس في صيامه للفرض نقص وخلل فيحتاج إلى ما يجبره ويكمله من الأعمال، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم: أن يقول الرجل صمت رمضان كله أو قمته كله، قال الصحابي: فلا أدري أكره التزكية أم لا بد من الغفلة، وكان عمر بن عبد العزيز رحمه الله يقول: من لم يجد ما يتصدق به فليصم، يعني من لم يجد ما يخرجه صدقة الفطر في آخر رمضان فليصم بعد الفطر، فإن الصيام يقوم مقام الإطعام في التكفير للسيئات كما يقوم مقامه في كفارات الإيمان وغيرها من الكفارات في مثل كفارات القتل والوطء في رمضان والظهار.

ومنها: أن معاودة الصيام بعد صيام رمضان علامة على قبول صوم رمضان، فإن الله إذا تقبل عمل عبد وفقه لعمل صالح بعده كما قال بعضهم: ثواب الحسنة الحسنة بعدها فمن عمل حسنة ثم اتبعها بعد بحسنة كان ذلك علامة على قبول الحسنة الأولى، كما أن من عمل حسنة ثم اتبعها بسيئة كان ذلك علامة رد الحسنة وعدم قبولها.

ومنها: أن صيام رمضان يوجب مغفرة ما تقدم من الذنوب، وأن الصائمين لرمضان يوفون أجورهم في يوم الفطر وهو يوم الجوائز فيكون معاودة الصيام بعد الفطر شكرا لهذه النعمة فلا نعمة أعظم من مغفرة الذنوب كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم حتى تتورم قدماه فيقال له: أتفعل هذا وقد غفر الله لك ماتقدم من ذنبك وما تأخر؟ فيقول: "أفلا أكون عبدا شكورا".

وقد أمر الله سبحانه وتعالى عباده بشكر نعمة صيام رمضان بإظهار ذكره وغير ذلك من أنواع شكره فقال: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} فمن جملة شكر العبد لربه على توقيفه لصيام رمضان وإعانته عليه ومغفرة ذنوبه أن يصوم له شكرا عقب ذلك، كان بعض السلف إذا وفق لقيام ليلة من الليالي أصبح في نهاره صائما ويجعل صيامه شكرا للتوفيق للقيام، وكان وهب بن الورد يسئل عن ثواب شيء من الأعمال كالطواف ونحوه؟ فيقول: لا تسألوا عن ثوابه ولكن اسألوا ما الذي على من وفق لهذا العمل من الشكر للتوفيق والإعانة عليه.

على كل نعمة على العبد من الله في دين أو دنيا يحتاج إلى شكر عليها، ثم للتوفيق للشكر عليها نعمة أخرى تحتاج إلى شكر ثان، ثم التوفيق للشكر الثاني نعمة أخرى يحتاج إلى شكر أخر، وهكذا أبدا فلا يقدر العبد على القيام بشكر النعم، وحقيقة الشكر الإعتراف بالعجز عن الشكر.

فأما مقابلة نعمة التوفيق كصيام شهر رمضان بارتكاب المعاصي بعده فهو من فعل من بدل نعمة الله كفرًا.

ومنها أن الأعمال التي كان العبد يتقرب بها إلى ربه في شهر رمضان لا تنقطع بانقضاء رمضان بل هي باقية بعد انقضائه ما دام العبد حيا. انتهى باختصار.

وكذا قضاء الصوم لمن عليه أيام من رمضان: قال تعالى: (فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلٰى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ).

وكذا المواظبة على الصيام على مدار العام، وذلك بعمل ورد للصيام أسبوعي كصوم يومي الإثنين والخميس، أو شهري كصوم ثلاثة أيام من كل شهر، أو سنوي كصوم يوم وإفطار يوم، وصوم التسع الأول من ذي الحجة أو يوم عرفة، وصوم أيام من شهر المحرم، أو صوم عاشوراء، وصوم أيام من شهر شعبان.

4- الصدقة والجود والإنفاق في سبل الخير: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أنه: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلَانِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أطع مُنْفِقًا خَلَفًا وَيَقُولُ الْآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تلفا". متفق عليه، وَعَنْ أَسْمَاءَ أنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَنَفِقِي وَلَا تُحْصِي فَيُحْصِيَ اللَّهُ عَلَيْكِ وَلَا تُوعِي فَيُوعِيَ اللَّهُ عَلَيْكِ ارْضَخِي مَا اسْتَطَعْتِ». متفق عليه، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَنْفِقْ يَا ابْن آدم أنْفق عَلَيْك". متفق عليه، وَعَنْ أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى بِلَالٍ وَعِنْدَهُ صُبْرَةٌ مِنْ تَمْرٍ، فَقَالَ: «مَا هَذَا يَا بِلَالُ؟» قَالَ: شَيْءٌ ادَّخَرْتُهُ لِغَدٍ. فَقَالَ: «أَمَا تَخْشَى أَنْ تَرَى لَهُ غَدًا بخارا فِي نَار جَهَنَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنْفِقْ بِلَالُ وَلَا تَخْشَ من ذِي الْعَرْش إقلالاً». رواه البزار وصححه الألباني، وَعَنه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا نقصت صَدَقَة من مَال شَيْئا وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ». رَوَاهُ مُسلم، وَعَنْهُ أيضًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا الطَّيِّبَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهَا كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَل». متفق عليه.

5- الدعاء: فيكثر العبد من سؤال الله تعالى في أمور دينه ودنياه، ويسأل الله تعالى الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد والغنيمة من كل بر والسلامة من كل إثم والفوز بالجنة والنجاة من النار، لاسيما في الأوقات والأحوال مظان الإجابة، كالسجود ووقت السحر.

6- الذكر: فيكثر العبد من ذكر الله لاسيما الأذكار الموظفة، كأدبار الصلوات، والصباح والمساء، وعند الأكل والشرب والنوم ونحوها.

7- التآلف والترابط والاجتماع الأسري: اغتنم ثمار رمضان في تقوية العلاقات بين أفراد الأسرة، وفي التربية والتوجيه الصحيح.

8- التكافل والتضامن والتعاطف والتراحم بين المسلمين: نريد أن تستمر هذه الحالة المحمودة من التفقد والبذل والإحسان.

واعلم يا عبدالله أنك مفتقر إلى توفيق الله تعالى وإعانته، فاحذر الاتكال على النفس أو التعلق بالأسباب فتخذل؛ واعلم أنك تحتاج إلى صحبة صالحة تعينك على الخير، وصحبة ناصحة ترشدك إلى الحق، فاحذر صحبة السوء فتنسى المعروف وتألف المنكر فتفتن؛ واعلم أنك تحتاج إلى بيئة صالحة للطاعة فتعاهد القرآن وحلق الذكر وطلب العلم، واهجر المنكرات وأمكانها وأهلها تسهل عليك الطاعة وتألفها إن شاء الله تعالى.

نسأل الله تعالى أن يتقبل منا ومنكم صالح العمل، وأن يجنبنا وإياكم المعاصي والزلل، وأن يوفقنا لكل خير، وأن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

مع تحيات

اللجنة العلمية لملتقى الخطيب المؤثر أسد المنابر

All reactions:

20