الأربعاء ، ٢ جمادى الآخر ، ١٤٤٦ هجري | 04 ديسمبر 2024 ميلادي
دعوة للتصالح
وصف الخطبة : -

الهدف من الخطبة الترغيب في العفو والصفح والصلح، والتحذير من التشاحن والهجر والخصومة


عنوان الخطبة ((دعوة للتصالح))

الهدف من الخطبة الترغيب في العفو والصفح والصلح، والتحذير من التشاحن والهجر والخصومة

عناصر الموضوع

1) اغتنم الفرصة.

2) الصلح خير.

3) بادر فأنت أحق بالمبادرة

عفا الله عما سلف

مقدمة الموضوع أما بعد:

فعن معاذ بن جبلٍ رضي الله عنه عن النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "يطَّلعُ الله إلى جَميعِ خَلْقهِ ليلةَ النصْفِ مِنْ شَعْبانَ، فيغْفِرُ لجميعِ خَلْقِه إلا لِمُشْرِكٍ أو مُشاحِنِ" رواه الطبراني وابن حبان والبيهقي، وحسنه الألباني.

اغتنم الفرصة

على العبد العاقل اللبيب أن يحرص على ما ينفعه فيأخذ بأسباب تحصيله، وأن ينتبه ويحذر مما يضره، فيأخذ بأسباب الوقاية منه، ومن ذلك اغتنام العبد للأوقات الفاضلة، بفعل الطاعات واجتناب المحرمات، والتوبة مما فات، من الذنوب والسيئات، وهذه فضيلة لشهر شعبان على العبد اغتنامها؛ فعن معاذ بن جبلٍ رضي الله عنه عن النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "يطَّلعُ الله إلى جَميعِ خَلْقهِ ليلةَ النصْفِ مِنْ شَعْبانَ، فيغْفِرُ لجميعِ خَلْقِه إلا لِمُشْرِكٍ أو مُشاحِنِ" رواه الطبراني وابن حبان والبيهقي وحسنه الألباني.

فهل نعلم عظيم هذا الأجر والفضل، في هذه الليلة الكريمة يطلع الله تعالى على جميع خلقه فيغفر لهم إلا لهذين النوعين من الناس، المشركين، والمتشاحنين؛ لذلك احرص على استقامة توحيدك لربك، وعلى سلامة علاقاتك مع الناس.

احرص على التوحيد وحذار من الشرك؛ فإن من أجْل توحيد الله تعالى خلق الله تعالى الخلق، وأنزل الله الكتب، وأرسل الرسل، وشرَّع الشرائع، وخلق الجنة والنار، فالتوحيد هو أعظم العبادات، وأجَّل القربات والطاعات، وأهله فائزون بالجنات.

قال تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ)، وقال سبحانه: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً)، وعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: كُنْتُ رِدْفَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حِمَارٍ، يُقَالُ لَهُ: عُفَيْرٌ، قَالَ: فَقَالَ: «يَا مُعَاذُ، تَدْرِي مَا حَقُّ اللهِ عَلَى الْعِبَادِ؟ وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللهِ؟» قَالَ: قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «فَإِنَّ حَقَّ اللهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوا اللهَ، وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَحَقَّ الْعِبَادِ عَلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ لَا يُعَذِّبَ مَنْ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا»، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَفَلَا أُبَشِّرُ النَّاسَ، قَالَ: «لَا تُبَشِّرْهُمْ فَيَتَّكِلُوا» رواه البخاري ومسلم.

وقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلمَ: "مَنْ مَاتَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخَلَ النَّارَ وَمَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئا دخل الْجنَّة" رَوَاهُ مُسلم.

إن الشرك أعظم الذنوب، وهو الذنب الوحيد الذي لايغفره الله تعالى لمن مات عليه، وهو الذنب المحبط للأعمال الصالحة، وهو الذنب الذي يخرج صاحبه من ملة الإسلام، وهو الذنب الذي يخلد صاحبه به في النار، وهو الذنب الذي أنزل الله ذمه وبغضه ومعاداة أهله في الكتب المنزلة، وهو الذنب الذي أرسل الله تعالى رسله لإنكاره وتغييره وبغض أهله وقتالهم، قال تعالى: قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاء)، وقال تعالى: (وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)، وقال سبحانه: (وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ)، وقال عز وجل: (وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا) أي: شركًا.

وهذا الشرك الذي لا يغفره الله تعالى هو الشرك الأكبر، وهو أن يعتقد العبد أن مع الله إلهًا أو آلهة أخرى –تعالى الله عما يشركون-، أو أن يعبد العبد مع الله غيره -عياذًا بالله-، ومن هذا عبادة المشركين للأصنام والأوثان مع اعتقادهم أن الخالق والرازق هو الله تعالى، ومن ذلك صرف أي عبادة لغير الله، أيًا كان المصروف له، ولو كان نبيًا رسولاً، أو ملكًا مقربًا، أو وليًا صالحًا؛ فإن الله تعالى هو وحده الإله المعبد المطاع الذي يتقرب إليه بالعبادات.

ومن أنواع الشرك ما هو دون ذلك، وهو الشرك الأصغر، وله نوعان: الأول نوع خفي باطن، وهو الرياء، والثاني: نوع ظاهر في الأقوال، والأفعال، فمن الأقوال: الحلف بغير الله، ومن الأفعال لبس التمائم اعتقادًا أنها سببًا لجلب النفع أو دفع الضر.

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ" وَفِي رِوَايَةٍ: "فَأَنَا مِنْهُ بَرِيءٌ هُوَ لِلَّذِي عَمِلَهُ" رَوَاهُ مُسلم، وعَن مَحْمُود بن لبيد أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ» قالوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ؟ قَالَ: «الرِّيَاءُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ. وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وصححه الألباني.

الصلح خير

نهى الشرع عن المشاحنة، والتباغض، والهجر والخصومة؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلمَ: "لا تباغضوا" رواه مسلم،

وجعل شرعنا هذه الأمور مانعة من المغفرة، كما في حديث ليلة النصف من شعبان، وكما في قوله صلى الله عليه وسلمَ: "تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا، إِلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ؛ فَيُقَالُ: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا". رواه مسلم.

وأمر الشرع بالصلح، وإصلاح ذات البين، قال تعالى: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}، وقال: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ}، وقال: {والصلح خير}، وقال: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُم}، وقال: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}، وقال: «دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الْأُمَمِ قَبْلَكُمُ الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ هِيَ الْحَالِقَةُ لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعْرَ ولكنْ تحلق الدّين» رَوَاهُ أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وحسنه الألباني لغيره.

فعلى العبد الحرص على تحصيل المغفرة، والتعرض لرحمات الله، بالحرص على سلامة التوحيد، وسلامة الصدر، والعفو عن الناس، وترك الشرك، والتشاحن والخصومة والهجر.

بادر فأنت أحق بالمبادرة

أيها المسلم الفطن اللبيب سابق وبادر إلى مد أكف الصفح والعفو والصلح والتجاوز عن الأخطاء والزلات وغض الطرف عن الخصومات؛ فأنت أولى أن تنال الخيرية من صاحبك؛ فعَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ يَلْتَقِيَانِ فَيعرض هَذَا ويعرض هذاوخيرهما الَّذِي يبْدَأ بِالسَّلَامِ». مُتَّفق عَلَيْهِ، وعَن سهلِ بن معاذٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ كَظَمَ غَيْظًا وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُنفِّذَه دعاهُ اللَّهُ على رؤوسِ الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ فِي أَيِّ الْحُورِ شَاءَ». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وحسنه الألباني.

عباد الله علينا أن نحذر الشيطان وسبله، قال تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ)، فهذا سبيل الشيطان وطريقه أن يوقع العدواة والبغضاء بين الناس، وهو يفرح بذلك، فعن جَابِرٍ رضي الله عنه أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى المَاء ثمَّ يبْعَث سراياه فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: فَعَلَتُ كَذَا وَكَذَا. فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا، قَالَ: ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: مَا تَرَكَتُهُ حَتَّى فَرَّقَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، قَالَ: فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ: نَعَمْ أَنْتَ. قَالَ الْأَعْمَشُ: أرَاهُ قَالَ: فيلتزمه». رَوَاهُ مُسلم.

فليعفو المسلم اللبيب، ولْيَسْعَ الناس في الإصلاح فيما بينهم والنصح بالصفح، فعَنْ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مَعِيطٍ قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَيْسَ الْكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ وَيَقُولُ خَيْرًا وَيَنْمِي خَيْرًا». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَزَادَ مُسْلِمٌ قَالَتْ: وَلَمْ أَسْمَعْهُ -تَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُرَخِّصُ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَقُولُ النَّاسُ كَذِبٌ إِلَّا فِي ثَلَاثٍ: الْحَرْبُ وَالْإِصْلَاحُ بَيْنَ النَّاسِ وَحَدِيثُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ وَحَدِيثُ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا، وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ من درجةِ الصِّيامِ والصدقةِ وَالصَّلَاة؟» قُلْنَا: بَلَى. قَالَ: «إِصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ وَفَسَادُ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وصححه الألباني..

مع تحيات

اللجنة العلمية لملتقى الخطيب المؤثر أسد المنابر