الأربعاء ، ٢ جمادى الآخر ، ١٤٤٦ هجري | 04 ديسمبر 2024 ميلادي
المخدرات .. السم القاتل
وصف الخطبة : -

الهدف من الخطبة التحذير من المخدرات، وبيان حكمها، وأضرارها، وأسباب تعاطيها، والوقاية منها والعلاج


عنوان الخطبة ((المخدرات .. السم القاتل))

الهدف من الخطبة التحذير من المخدرات، وبيان حكمها، وأضرارها، وأسباب تعاطيها، والوقاية منها والعلاج

عناصر الموضوع

1) حكم المسكرات والمخدرات.

2) خطورة المخدرات

3) الأسباب والوقاية والعلاج

المخدرات .. السم القاتل

مقدمة الموضوع: أما بعد، قال الله تعالى في صفة نبينا محمد صلى الله عليهِ وسلم في كتب الأولين: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}؛ فأخبر الله عز وعلا أن من صفة نبينا محمد صلى الله عليهِ وسلم أنه يحل لنا الطيبات، ويحرم علينا الخبائث.

إن الله تعالى ما أحل شيئًا إلا ومصلحته تامة أو راجحة، وما حرم شيئًا إلا ومفسدته تامة أو راجحة، فالتشريع يراعي منافع الخلق ويحث عليها ويأمر بها، وينهى عن كل ما فيه ضرر لهم، فالشارع حكيم، قال تعالى: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}، فكل ما أحله الله تعالى هو الحلال الطيب الهنيء، وكل ما حرمه هو الخبيث السيء الرديء.

حكم المسكرات والمخدرات

يقصد بالمخدرات ما يُغطي العقل والفكر، ويصيب متعاطيها بالكسل والثِّقَل والفتور، من الحشيش والأفيون والبانجو والكوكايين والشابو والهروين والبدرة، وجوزة الطيب والقات والعقاقير المسكرة وغير ذلك مما يغطي العقل ويؤثر عليه.

والمخدرات كلها حرام أيًا كانت مادتها -طبيعية أو مصنعة، أولية أو مركبة، جامدة أو مائعة-، وكيفما كانت طريقة تعاطيها – بالأكل، أو الشرب، أو الحقن، أو المضغ، أو الشم، أو اللمس، أو الاستنشاق، أو التدخين، أو غيرها -.

قال ابن القيم رحمه الله: فَأَمَّا تَحْرِيمُ بَيْعِ الْخَمْرِ، فَيَدْخُلُ فِيهِ تَحْرِيمُ بَيْعِ كُلِّ مُسْكِرٍ، مَائِعًا كَانَ أَوْ جَامِدًا، عَصِيرًا أَوْ مَطْبُوخًا، فَيَدْخُلُ فِيهِ عَصِيرُ الْعِنَبِ، وَخَمْرُ الزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ وَالذُّرَةِ وَالشَّعِيرِ وَالْعَسَلِ وَالْحِنْطَةِ، وَاللُّقْمَةِ الْمَلْعُونَةِ -أي الحشيش-، لُقْمَةِ الْفِسْقِ وَالْقَلْبِ الَّتِي تُحَرِّكُ الْقَلْبَ السَّاكِنَ إِلَى أَخْبَثِ الْأَمَاكِنِ، فَإِنَّ هَذَا كُلَّهُ خَمْرٌ بِنَصِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّحِيحِ الصَّرِيحِ الَّذِي لَا مَطْعَنَ فِي سَنَدِهِ، وَلَا إِجْمَالَ فِي مَتْنِهِ، إِذْ صَحَّ عَنْهُ قَوْلُهُ: «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ»، وَصَحَّ عَنْ أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمُ الَّذِينَ هُمْ أَعْلَمُ الْأُمَّةِ بِخِطَابِهِ وَمُرَادِهِ: أَنَّ الْخَمْرَ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ، .. فَلَا يَجُوزُ إِخْرَاجُ صِنْفٍ مِنْ أَصْنَافِ الْمُسْكِرِ عَنِ اسْمِ الْخَمْر. انتهى باختصار من زاد المعاد.

وذلك لما ورد من الأدلة الصريحة من القرآن والسنة والإجماع والقياس الجلي على تحريم كل مسكر.

قال الله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} [البقرة: 219]، وقال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأنْصَابُ وَالأزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ . إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [الْمَائِدَةِ: 90، 91]؛ ففي هذه الآيات النص الصريح على تحريم الخمر، والخمر اسم جامع لكل مسكر، فكل ما أسكر فهو خمر، فَعَنِ عبدِالله بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أنه قَالَ: خطَبَ عمرُ رَضِي الله عَنهُ عَلَى مِنْبَرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "إِنَّهُ قَدْ نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ وَهِيَ مِنْ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ: الْعِنَبِ وَالتَّمْرِ وَالْحِنْطَةِ والشعيرِ والعسلِ وَالْخمر مَا خامر الْعقل". رَوَاهُ البُخَارِيّ، فبين عمر رضي الله عنه أن تحريم الخمر يشمل كل ما خامر العقل -أي غطاه- مع أن تحريم الخمر لما نزل كانت الخمر من خمسة أشياء فقط، لكن النص والتحريم أعم من الأصناف الموجودة، فالحكم منوط بعلته، والحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا، والعلة هنا كون المادة مسكرة سواء سماها الناس خمرًا أو مخدرًا أو غير ذلك، فالعبرة بالحقيقة وإن تغيرت المسميات، فعَن أبي مَالك الْأَشْعَرِيّ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَيَشْرَبَنَّ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ وصححه الألباني.

ومن هذا يتبين أن المخدرات خمرًا لحصول السُّكر بها وإن سماها الناس بمسميات شتى، فعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أنها قَالَتْ: سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْبِتْعِ، فَقَالَ: «كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ». متفق عليه.

وعندما كان الناس يسألون رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن شراب لا يعرفه كان يسألهم عن العلة وهي وجود السُّكر من عدمه، فعَنِ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَجُلًا قَدِمَ مِنَ الْيَمَنِ فَسَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَرَابٍ يَشْرَبُونَهُ بِأَرْضِهِمْ مِنَ الذُّرَةِ يُقَالُ لَهُ الْمِزْرُ؛ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أوَ مُسْكِرٌ هُوَ؟» قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ». رَوَاهُ مُسلم، وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ». رَوَاهُ مُسلم.

فالعبرة هنا بوجود السُّكر في المادة فتحرم ابتداءً ولا يجوز تعاطيها، ولو بقدر قليل لا يصل لحد السُّكر، فكل من تعاطى خمرًا قليلاً أو كثيرًا سَكِرَ منه أم لم يسْكَر حرم عليه ذلك، فَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ». أخرجه أحمد وابن ماجه وصححه الألباني.

وقد وَحَكَى الْقَرَافِيُّ وَشَيْخُ الإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ الإْجْمَاعَ عَلَى تَحْرِيمِ الْحَشِيشِ، قَال شَيْخُ الإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رحمه الله: وَمَنِ اسْتَحَلَّهَا فَقَدْ كَفَرَ، وَإِنَّمَا لَمْ تَتَكَلَّمْ فِيهَا الأْئِمَّةُ الأْرْبَعَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ؛ لأِنَّهَا لَمْ تَكُنْ فِي زَمَنِهِمْ، وَإِنَّمَا ظَهَرَتْ فِي آخِرِ الْمِائَةِ السَّادِسَةِ وَأَوَّل الْمِائَةِ السَّابِعَةِ حِينَ ظَهَرَتْ دَوْلَةُ التَّتَارِ. وقال رحمه الله: السُّكْرُ مِنْهَا –أي الحشيش- حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَاسْتِحْلَالُ ذَلِكَ كُفْرٌ بِلَا نِزَاعٍ. انتهى. وقال رحمه الله: وَمَنْ ظَنَّ أَنَّ الْحَشِيشَةَ لَا تُسْكِرُ وَإِنَّمَا تُغَيِّبُ الْعَقْلَ بِلَا لَذَّةٍ فَلَمْ يَعْرِفْ حَقِيقَةَ أَمْرهَا؛ فَإِنَّهُ لَوْلَا مَا فِيهَا مِنْ اللَّذَّةِ لَمْ يَتَنَاوَلُوهَا وَلَا أَكَلُوهَا؛ بِخِلَافِ الْبَنْجِ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَا لَذَّةَ فِيهِ. انتهى من الفتاوى الكبرى.

وكذا لا يجوز العلاج والتداوي بالخمر والمسكرات والمخدرات، إلا عند تعينها دواء، وعدم وجود مباح سواها، وبقدر الضرورة، وتحت إشراف مختص متقن ثقة.

فيحرم ما يفعله بعض الناس في علاج حصوات الكلى من شرب ماء الشعير المخلوط بالكحول المعروف بالبيرة، فهذا يحرم من أجل اشتماله على المادة المسكرة وهي الكحول، فَعَنْ وَائِلٍ الْحَضْرَمِيِّ أَنَّ طَارِقَ بْنَ سُوَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْخَمْرِ فَنَهَاهُ؛ فَقَالَ: إِنَّمَا أَصْنَعُهَا لِلدَّوَاءِ. فَقَالَ: «إِنَّهُ لَيْسَ بِدَوَاءٍ وَلَكِنَّهُ دَاءٌ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أنه قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الدَّوَاءِ الْخَبِيثِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وصححه الألباني، وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أنه قَالَ: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ». أخرجه البخاري تعليقًا.

وكذا لا يجوز تعاطي المخدرات من أجل الاستعانة بها على الأعمال الشاقة ونحوها، فَعَنْ دَيْلَمٍ الْحِمْيَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قَالَ: قُلْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا بِأَرْضٍ بَارِدَةٍ، وَنُعَالِجُ فِيهَا عَمَلًا شَدِيدًا، وَإِنَّا نَتَّخِذُ شَرَابًا مِنْ هَذَا الْقَمْحِ نَتَقَوَّى بِهِ عَلَى أَعْمَالِنَا، وَعَلَى بَرْدِ بِلَادِنَا، قَالَ: «هَلْ يُسْكِرُ؟» قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: «فَاجْتَنِبُوهُ». قُلْتُ: إِنَّ النَّاسَ غَيْرُ تَارِكِيهِ. قَالَ: «إِنْ لَمْ يَتْرُكُوهُ فقاتلوهم». رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وصححه الألباني.

وكذا لا يجوز بيع المخدرات ولا شراؤها ولا التجارة فيها ولا زراعتها ولا تصنيعها ولا استيرادها ولا تداولها ولا ترويجها ولا الدلالة عليها، فَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عَامَ الْفَتْحِ وَهُوَ بِمَكَّةَ: «إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ». متفق عليه، وعَنِ عبدِ الله بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ إِذَا حَرَّمَ شَيْئًا حَرَّمَ ثَمَنَهُ». أخرجه أحمد وأبو داود وابن حبان وصححه الألباني، وقد أجمع الفقهاء على تحريم إنتاج المخدرات وزراعتها وتجارتها وترويجها وتعاطيها طبيعية أو مخلقة، وأجمعوا على تجريم من يقدم على ذلك.

وقد أقام النبي صلى الله عليه وسلم الحد والعقوبة على شارب الخمر، فعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرَبَ فِي الْخَمْرِ بِالْجَرِيدِ والنِّعالِ وجلَدَ أَبُو بكرٍ رَضِي الله عَنهُ أربعينَ. متفق عليه، وَفِي رِوَايَة عَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَضْرِبُ فِي الْخَمْرِ بِالنِّعَالِ وَالْجَرِيدِ أَرْبَعِينَ، وَعَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ رضي الله عنه أنه قَالَ: كَانَ يُؤْتَى بِالشَّارِبِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِمْرَةِ أَبِي بَكْرٍ وَصَدْرًا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ فَنَقُومُ عَلَيْهِ بِأَيْدِينَا وَنِعَالِنَا وَأَرْدِيَتِنَا حَتَّى كَانَ آخِرُ إِمْرَةِ عُمَرَ فَجَلَدَ أَرْبَعِينَ حَتَّى إِذَا عَتَوْا وَفَسَقُوا جَلَدَ ثَمَانِينَ. رَوَاهُ البُخَارِيّ.

ولا يجوز شهود الباطل والزور ولا القعود على مائدة عليها مسكر، فَعَنْ جَابِر بن عبد الله رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَجْلِسُ عَلَى مَائِدَةٍ تُدَارُ عَلَيْهَا الْخمر». رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وصححه الألباني.

خطورة المخدرات

إن الشرائع الإلهية وخاتمتها الشريعة الإسلامية تنشد في تشريعها لتنظيم حياة الناس وأحوالهم تحقيق المصالح والمنافع البشرية الحقيقية، ودفع أنواع المضار والمفاسد وألوان الأذى والشر، بدليل الاستقراء التام والتتبع الشامل لكل ما جاءت به شريعة القرآن الكريم من أحكام العبادات والمعاملات والجنايات والعلاقات الاجتماعية الخاصة والعامة، فلا نجد مطلوباً شرعاً -فرضاً أو مستحبًا- إلا وكان فيه الخير للفرد والجماعة والأمة، ولا نرى ممنوعاً -حراماً أو مكروهاً- إلا وفيه الشر أو الشبهة.

وقد جاءت الشريعة بتحصيل المصالح المحضة أو الدائمة الأثر، ودرء المفاسد المحضة أو الآنية التأثير، وهذا مما أجمعت عليه الشرائع، فحرّمت الدماء والأبضاع والأموال والأعراض، واتفقت الملل كلها على الحفاظ على المقاصد الخمسة الكلية الضرورية، وهي الدين، والعقل، والنفس والنسل، والنسب أو العرض، والمال، ووجهت الشريعة إلى تحصيل الأفضل فالأفضل من الأقوال والأعمال والآداب والأخلاق، ومن هذا المنطلق حاربت الشريعة الإسلامية وحرمت تناول المسكرات والمخدرات بأنواعها المختلفة، لما فيها من ضرر واضح على الإنسان وصحته وعقله وكرامته وسمعته.

إن المسكرات والمخدرات ليست من الطيبات، بل من الخبائث التي أتت بكل المفاسد والشرور، وجاءت على بنيان المصالح بالهدم وضياع الضروريات، ومما يوضح ذلك أن نعلم أن الضرر الناجم عن تعاطي المسكرات والمخدرات متعدد الجوانب ففيها أضرار دينية ودنيوية للفرد والأسرة والمجتمع والأمة، ومما يبين مضار المسكرات والمخدرات الدينية والدنيوية:

إن الذي يتعاطى المخدرات والمسكرات يعرض نفسه لغضب الله، فتعاطيها من كبائر المنكرات، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: 90].

كما أن تعاطي الخمر والمخدرات يصد على ذكر الله ويمنع من الصلاة ويوقع العداوة والبغضاء بين الناس: قال عز وجل: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ . وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} [المائدة: 91 - 92].

وينقص إيمان من يتعاطاها ولا يكمل ما لم يتب منها، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَا يشرب الْخمر حِين يشْربهَا وَهُوَ مُؤمن وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ».. الحديث متفق عليه.

وهو مستحق للعن والطرد أو الإبعاد من رحمة الله تعالى، وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِي الله عَنهُ أنه قَالَ: "لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الخَمْرِ عَشَرَةً: عَاصِرَهَا، وَمُعْتَصِرَهَا، وَشَارِبَهَا، وَحَامِلَهَا، وَالمَحْمُولَةُ إِلَيْهِ، وَسَاقِيَهَا، وَبَائِعَهَا، وَآكِلَ ثَمَنِهَا، وَالمُشْتَرِي لَهَا، وَالمُشْتَرَاةُ لَهُ". أخرجه الترمذي وابن ماجه وصححه الألباني.

ويُحْرَم من التنعم بخمر الجنة في الآخرة: فَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ وَمَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا فَمَاتَ وَهُوَ يُدْمِنُهَا لَمْ يَتُبْ لَمْ يَشْرَبْهَا فِي الْآخِرَةِ». رَوَاهُ مُسلم.

ويعرض نفسه لعذاب الله وعقابه وانتقامه: فَعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ عَلَى اللَّهِ عَهْدًا لِمَنْ يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ؟ قَالَ: «عَرَقُ أَهْلِ النَّارِ أَوْ عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ». رَوَاهُ مُسلم، وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ وَسَكِرَ، لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا، وَإِنْ مَاتَ دَخَلَ النَّارَ، فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ عَادَ فَشَرِبَ فَسَكِرَ، لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا، فَإِنْ مَاتَ دَخَلَ النَّارَ، فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ عَادَ فَشَرِبَ فَسَكِرَ، لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا، فَإِنْ مَاتَ دَخَلَ النَّارَ، فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ عَادَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ رَدَغَةِ الْخَبَالِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا رَدَغَةُ الْخَبَالِ؟ قَالَ: «عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ». أخرجه أحمد والنسائي وابن ماجه وصححه الألباني، وعنه رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنَّانٌ، وَلَا عَاقٌّ، وَلَا مُدْمِنُ خَمْرٍ». أخرجه أحمد والنسائي وصححه الألباني.

الخمر والمسكرات والمخدرات أم الخبائث ومفتاح كل شر، فعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِي الله عَنهُ أنه قَالَ: أَوْصَانِي خَلِيلِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ: «لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ شَيْئًا وَإِنْ قُطِّعْتَ وَحُرِّقْتَ، وَلَا تَتْرُكْ صَلَاةً مَكْتُوبَةً مُتَعَمِّدًا، فَمَنْ تَرَكَهَا مُتَعَمِّدًا فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ، وَلَا تَشْرَبِ الْخَمْرَ فَإِنَّهَا مِفْتَاحُ كُلِّ شَرٍّ». أخرجه ابن ماجه وحسنه الألباني، وعن عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قال: "اجْتَنِبُوا الْخَمْرَ فَإِنَّهَا أُمُّ الْخَبَائِثِ، إِنَّهُ كَانَ رَجُلٌ مِمَّنْ خَلَا قَبْلَكُمْ تَعَبَّدَ، فَعَلِقَتْهُ امْرَأَةٌ غَوِيَّةٌ، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ جَارِيَتَهَا، فَقَالَتْ لَهُ: إِنَّا نَدْعُوكَ لِلشَّهَادَةِ، فَانْطَلَقَ مَعَ جَارِيَتِهَا فَطَفِقَتْ كُلَّمَا دَخَلَ بَابًا أَغْلَقَتْهُ دُونَهُ، حَتَّى أَفْضَى إِلَى امْرَأَةٍ وَضِيئَةٍ عِنْدَهَا غُلَامٌ وَبَاطِيَةُ خَمْرٍ، فَقَالَتْ: إِنِّي وَاللَّهِ مَا دَعَوْتُكَ لِلشَّهَادَةِ، وَلَكِنْ دَعَوْتُكَ لِتَقَعَ عَلَيَّ، أَوْ تَشْرَبَ مِنْ هَذِهِ الْخَمْرَةِ كَأْسًا، أَوْ تَقْتُلَ هَذَا الْغُلَامَ، قَالَ: فَاسْقِينِي مِنْ هَذَا الْخَمْرِ كَأْسًا، فَسَقَتْهُ كَأْسًا، قَالَ: زِيدُونِي فَلَمْ يَرِمْ حَتَّى وَقَعَ عَلَيْهَا، وَقَتَلَ النَّفْسَ، فَاجْتَنِبُوا الْخَمْرَ، فَإِنَّهَا وَاللَّهِ لَا يَجْتَمِعُ الْإِيمَانُ، وَإِدْمَانُ الْخَمْرِ إِلَّا لَيُوشِكُ أَنْ يُخْرِجَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ". أخرجه النسائي وصححه الألباني موقوفًا.

ولا يخفى ما في الواقع من المشاهد الدالة على خبث الخمر والمخدرات، فكم من بيوت هدمت بسببها؟ وكم من أسر تفككت؟ وكم من نساء طلقت؟ وكم من جرائم وقعت؟ وكم من أنفس قُتلت؟ وكم أعراض انتهك؟ وكم من أموال أنفقت وأخرى اغتصبت وسرقت؟ وكم من أسرار أُفشيت؟ وكم من عقول جُنَّتْ؟ وكم من أخلاق فسدت؟ وكم من صداقات تفرقت؟ وكم من أحبة تباغضوا؟ وكم من عزيز ذل؟ وكم من غني افتقر؟ وكم من كريم هان؟ وكم من أمين خان؟ وكم من أحوال تبدلت؟ وكم من سعادة عادت شقاءً بسبب هذا الوباء؟! إنها وقائع لآلام وأحزان.

المخدرات تتعارض مع الضرورات الخمس التي جاءت الشريعة بالحفاظ عليها: فالمخدرات تضر بدين العبد في صلاته وعباداته وأخلاقه ومروءته وواجباته وحقوقه، وتضر بنفسه في صحته وبدنه، وتضر بعقله في نموه وتركيبه وعمله وتركيزه، وتضر بعرضه ووجاهته وسمعته، وتضر بماله وتصرفاته المادية.

المخدرات والمسكرات خبيثة تشتمل مواد سامة وضارة جدًا قد تهلك من يتعاطاها، وقد نهى الله تعالى عن قتل النفس أو إلقائها في التهلكة، قال تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا . وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا} [النساء: 29، 30]، وقال عز وجل: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195]، وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ». أخرجه أحمد وابن ماجه وصححه الألباني، ولا يخفى تأثير المخدرات على صحة الإنسان وكونها تدمر الخلايا وتسبب السرطانات وتفسد البدن.

فهي تضر الشخص نفسه بالتأثير الفادح في الجسد والعقل معاً، لما في المسكر والمخدر من تخريب وتدمير الصحة والأعصاب والعقل والفكر ومختلف أعضاء جهاز الهضم وغير ذلك من المضار والمفاسد التي تفتك بالبدن كله، بل وبالاعتبار الأدبي والكرامة الإنسانية، حيث تهتز شخصية الإنسان، ويصبح موضع الهزء والسخرية، وفريسة الأمراض المتعددة.

وتضر بالعائلة: وهو ما يلحق بالزوجة والأولاد من إساءات، فينقلب البيت جحيماً لا يطاق من جراء التوترات العصبية والغضب والسب والشتم وترداد عبارات الطلاق والحرام، والتكسير والإرباك، وإهمال الزوجة والتقصير في الإنفاق على المنزل، وقد تؤدي المسكرات والمخدرات إلى إنجاب أولاد معاقين متخلفين عقلياً.

وتضر بالمجتمع عمومًا: كما هو واضح في إتلاف الأموال الطائلة بلا مردود نفعي، وفي تعطيل المصالح والأعمال، والتقصير في أداء الواجبات، والإخلال بالأمانات العامة، سواء بمصالح الدولة أو المؤسسات أو الأفراد، هذا فضلاً عما يؤدي إليه السكر أو التخدير من ارتكاب الجرائم على الأشخاص والأموال والأعراض.

المخدرات أشد خطرًا من الخمر؛ لأن الخمر ضررها مؤقت، وأما هذه المخدرات فتهدم الجسم، ويكون مدمنها ميتاً وهو حي، بسبب إتلافها للجسم والأخلاق، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أَيْنَ هَؤُلَاءِ الضُّلَّالُ مِمَّا تُورِثُهُ هَذِهِ الْمَلْعُونَةُ –يعني الحشيش- مِنْ قِلَّةِ الْغَيْرَةِ؛ وَزَوَالِ الْحَمِيَّةِ حَتَّى يَصِيرَ آكِلُهَا إمَّا دَيُّوثًا، وَإِمَّا مَأْبُونًا؛ وَإِمَّا كِلَاهُمَا. وَتُفْسِدُ الْأَمْزِجَةَ حَتَّى جَعَلَتْ خَلْقًا كَثِيرًا مَجَانِينَ وَتَجْعَلُ الْكَبِدَ بِمَنْزِلَةِ السَّفِنْجِ، وَمَنْ لَمْ يَجُنَّ مِنْهُمْ فَقَدْ أَعْطَتْهُ نَقْصَ الْعَقْلِ، وَلَوْ صَحَا مِنْهَا فَإِنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِي عَقْلِهِ خَبَلٌ، ثُمَّ إنَّ كَثِيرَهَا يُسْكِرُ حَتَّى يَصُدَّ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلَاةِ، وَهِيَ وَإِنْ كَانَتْ لَا تُوجِبُ قُوَّةَ نَفْسِ صَاحِبِهَا حَتَّى يُضَارِبَ وَيُشَاتِمَ، فَكَفَى بِالرَّجُلِ شَرًّا أَنَّهَا تَصُدُّهُ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلَاةِ إذَا سَكِرَ مِنْهَا، وَقَلِيلُهَا وَإِنْ لَمْ يُسْكِرْ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ قَلِيلِ الْخَمْرِ، ثُمَّ إنَّهَا تُورِثُ مِنْ مُهَانَةِ آكِلِهَا، وَدَنَاءَةِ نَفْسِهِ، وَانْفِتَاحِ شَهْوَتِهِ مَا لَا يُورِثُهُ الْخَمْرُ؛ فَفِيهَا مِنْ الْمَفَاسِدِ مَا لَيْسَ فِي الْخَمْرِ؛.

الأسباب والوقاية والعلاج

لقد عمت البلوى بانتشار هذا الفساد المدمر من الإدمان والمخدرات، فمن سلمه الله وعافاه من هذا البلاء فليحمد الله ويشكره، فكل يوم تصبح وتمسي فيه وقد عافاك الله في بدنك وعقلك وأهلك، فقل: الحمد لله، اشكر الله كما ينبغي أن سلمك وأولادك من هذا الشر.

ولمعرفة كيفية علاج المجتمع من داء المخدرات، يلزم النظر في الأسباب التي أدت إلى انتشار المخدرات وتعاطيها ثم السعي لإزالتها، ويمكن تقسيم الأسباب الباعثة على الإدمان إلى: أسباب شخصية، وأسباب اجتماعية، وأسباب اقتصادية، وأسباب سياسية.

أما الأسباب الشخصية فتتمثل في:

ضعف الوازع الديني والمراقبة الذاتية: فلا تستقيم حياة الناس إلا بالدين وتعلم العقيدة الصحيحة ومعرفة الحلال من الحرام.

كثرة الفراغ: الذي يترك مجالاً للحاجة إلى سده ولو بطريق غير مباح، فيبحث أهل الفراغ عن وسائل يقضون بها أوقاتهم، والشباب خاصة عنده طاقة يحتاج أن يخرجها، فإن لم يغتنم هذا الفراغ وهذه الطاقات، كانت النتيجة سلبية، ومن تأمل الواقع ونظر في أحوال الناس وجد أن كثيرًا منهم تكتظ بهم الشوارع والمقاهي والنوادي ومواقع التواصل يبحثون عما يقتلون به الوقت، وفي هذه الأجواء تنشأ بيئة صالحة للانحراف والسلوكيات الخاطئة والإدمان.

الأفكار الكاذبة والاعتقادات الخاطئة، ومنها: اعتقاد بعض الناس أن المخدرات تقوي القدرة الجنسية، وقد أثبتت الأبحاث الطبية والدراسات العلمية العكس؛ فالمخدرات تؤدي إلى الضعف الجنسي، والعنة، وتسبب العقم.

ومنها تفريق بعض الناس بين حكم الخمر والمخدرات: فيزعمون أن المخدرات ليست كالخمر أو غير ضارة ونحو ذلك.

ومنها اعتقاد بعض الناس أن المخدرات تجلب المتعة والسرور: وسبب هذا الاعتقاد الدعايات المضللة التي ينخدع بها متعاطوا المخدرات، لا سيما المبتدئين.

التقليد والمجاملة: أما التقليد فهو سمة بارزة في حياة المراهقين الذين يستقبلون مرحلة الرجولة، ويريدون أن يظهروا أمام الآخرين مكتملي الرجولة، ويرتبط بالتقليد أمر آخر وهو المجاملة التي يفعلها بعض الناس مجاراة لمن حوله.

الفضول وحب الاستطلاع: فالإنسان مجبول على الرغبة في اكتشاف ما خفي عنه، فبعض الناس قد يدفعهم ذلك إلى تجربة تعاطي المخدرات، مما يجعله فريسة للإدمان.

وأما الأسباب الاجتماعية: فمنها الأسرة الذي إذا اختل نظامها كان نذير خطر عليها، ومن المؤشرات السلبية:

إهمال الوالدين في تربية الأولاد، وعدم مراقبة تصرفاتهم، واختيار رفقائهم.

قيام الأسرة على أسس تربوية خاطئة، وعدم العناية بالتربية الإسلامية.

القدوة السيئة بعدم استقامة الوالدين.

التفكك الأسري بسبب كثرة الخلافات بين الزوجين، أو حالات الطلاق.

غياب أحد الوالدين لفترة طويلة عن المنزل.

سوء معاملة الأولاد: إما بالإفراط في التدليل وتلبية الرغبات، و إما بالقسوة والحرمان.

ومنها: رفقة السوء: فالمرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل، والإنسان اجتماعي بطبعه، فهو يتأثر ببيئته، ويكتسب عاداته الحسنة أو السيئة من جلسائه.

ومنها: السفر للخارج: فقد أثبتت البحوث الميدانية أن عدداً من متعاطي المخدرات بدأوا في تعاطي المخدرات أثناء سفرهم إلى الخارج للسياحة أو التعليم، حيث سهولة الحصول على المخدر، وتوفره بأسعار زهيدة.

ومنها التأثير السلبي لوسائل الإعلام: يجب أن تكون الآلة الإعلامية ذات هدف إصلاحي، إلا أن الواقع خلاف ذلك، مما يقدمه الإعلام من برامج ومواد غير هادفة أو هادمة للأخلاق والمجتمعات، كما هو الحال في عرض صور عميقة من البلطجة والمجون والرذيلة،

وإذا أردنا اغتنام وسائل الإعلام اغتنامًا صحيحًا فيلزم الإعلام أن يقدم مواد توعوية وتحذيرية لوقاية المجتمع من المخدرات ومفاسدها، وأن يقلع عن تثقيف المتطلعين بتفاصيل التعاطي وكيفيته وبيئته مما يحدو ببعض الناس إلى حب الاستطلاع والتجربة.

وأما الأسباب الاقتصادية: فتتلخص في أمرين:

أولها الفقر وسوء الأحوال المادية: فإن الفقر والأزمات الاقتصادية كالغلاء والبطالة وتراكم الديون قد تدفع الإنسان إلى تعاطي المخدرات هروبًا من الواقع الذي يعيشه، وقد تجره إلى ترويج المخدرات طلبًا للحصول على المال.

والثاني: الغنى والترف: فإن توفر المال بلا مناعة دينية وخُلقية يؤدي إلى البطر والطيش والانغماس في الشهوات المحرمة، ومنها إنفاق الأموال في المخدرات.

وأما الاسباب السياسية: وذلك باستعمال بعض الدول المخدرات سلاحًا لغزو دول أخرى وللفتك بشبابها وتدمير طاقاتها، وهذا واقع، فعلى سبيل المثال قامت بريطانيا عام 1840م بشن حرب لمدة عامين ضد الصين عرفت "بحرب الأفيون" بسبب رفض الصين الاستمرار في تجارة الأفيون واستيراده، وبانتصار بريطانيا فرضت على الصين فتح مواني جديدة لاستقبال الأفيون، كما ألزمت الصينيين بدفع ثمن الأفيون الذي تمت مصادرته.

وفي البلاد العربية تقوم دول الأعداء بدور كبير في إغراق الدول العربية بالمخدرات؛ عن طريق زراعة الحشيش في الأراضي المحتلة، وتهريب صفقات من الحشيش والعقاقير المخدرة إلى الدول المجاورة بالتعاون مع عصابات التهريب.

إن من المهم العناية ببيان أمر المخدرات وكيفية الوقاية من ضررها والعلاج لمن ابتلي بها، وهذا الأمر يحتاج إلى مضاعفة الجهود وتكاتف الأفراد والمجتمعات وصانعوا القرار، فلكل دوره:

أما الدعاة والوعاظ: فعليهم أن يبينوا العقيدة الصحيحة والأحكام الشرعية ويأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر، ويبينوا حرمة المخدرات وعقوبتها الشرعية، وعناية الشريعة بصلاح الفرد والمجتمع، والتحذير من خطورة المخدرات وإفسادها للفرد والمجتمع، والأخذ بأيدي الناس إلى التوبة، والترغيب في التغيير من الفساد إلى الصلاح، والترهيب من ارتكاب المنكرات.

وأما دور الفرد: فعليه أن يتعلم العقيدة الصحيحة ويعرف الحلال من الحرام، وما يضر وما ينفع، وأن يراقب الله تعالى في أقواله وأفعاله ويخاف من الله وعقابه، وأن يحافظ على الطاعة وينتهي عن المعصية، وأن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ولا يجالس أهل الباطل، ولا يصحب أهل السوء، وأن يتجنب أسباب الإدمان، بالابتعاد عن التدخين والمواد المخدرة.

وأما دور الأسرة: فهي رعاية الأبناء وتربيتهم تربية سليمة أساسها الخوف من الله ومراقبته، ومعرفة الحلال من الحرام، والصواب والخطأ، وغرس القيم السليمة والأخلاق النبيلة فيهم، وإبراز القداوت الصالحة في حياتهم، ومعالجة الأفكار والميول الخاطئة.

وأما دور المجتمع: فهو التعاون على البر والتقوى وعدم التعاون على الإثم والعدوان.

وأما دور الدولة: فهو نشر الوعي بين الناس، ودعم الدعاة والمصلحين، وعلاج المبتلين، والأخذ على أيدي المفسدين.

وأما دور المؤسسات التربوية: فعليها تربية النشء والشباب والفتيات على الخوف من الله تعالى، والعمل بمرضاته، وأن تراعي المؤسسة المراحل العمرية والتغييرات السلوكية، وتوجد بعض المؤشرات المقلقة التي ينبغي التوقف معها عند ظهورها على أحد أبنائنا، ومنها: تغير سلبي في الانتظام المدرسي والأعمال المنوطة به، تأخر دراسي وإهمال في الواجبات الأداء الوظيفي، العزلة والانطواء على النفس، إهمال الفروض والواجبات الدينية، فقدان الشهية، كثرة النوم، العصبية وسرعة الانفعال، تقلب المزاج، التأخر في العودة إلى المنزل، شحوب الوجه واصفراره، بحة في الصوت غير معتادة ومستمرة، رعشة في الأطراف، انخفاض سريع في الوزن، احمرار العينين واحتقانها بشكل دائم، ثقل اللسان أو عدم التركيز في الكلام والأفكار، عدم الاتزان في المشي، عدم الاهتمام بملابسه ومظهره، ظهور الحكة غير الطبيعية في الجسم وخاصة منطقة الأنف، كثرة التعرق، وجود آثار حروق على جسمه وملابسه، تكرار اصطدامه بسيارته، أو احتكاكها السطحي بالسيارات الأخرى من عدة جوانب نظرًا لقلة التركيز واختلال تقدير الزمن والمسافات، اختفاء بعض النقود أو الأشياء القيمة من المنزل، الإلحاح في طلب المزيد من المال، كثرة الاستدانة، السرقة، العثور بحوزته أو في سيارته على أدوات غريبة، مثل: ورق لف سجائر، علبة كبريت، ولاعة، ملعقة محروقة، إبرة، مطاط ضاغط، قصديرة، وجود علامات الحقن في جسمه، أو آثار الحقن على ملابسه.

إن الوقاية من المخدرات حصن حصين من الله عز وجل، يتحصن به من اعتصم بالله وامتثل شرعه، فعمل بأمره وانتهى عن نهيه.

مع تحيات

اللجنة العلمية لملتقى الخطيب المؤثر أسد المنابر