الأربعاء ، ٢ جمادى الآخر ، ١٤٤٦ هجري | 04 ديسمبر 2024 ميلادي
فضل العلم
وصف الخطبة : -

قال تعالى : { شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }


عنوان الخطبة ((فضل العلم))

الهدف من الخطبة

قال تعالى : { شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }

عناصر الموضوع

1) فضل العلم

2) فوائد العلم

3) أهمية تعلم العلم الدنيوي

4) نماذج من العلماء المسلمين

فضل العلم

فضل العلم

لقد دلت الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة على فضل العلم والتفقه في الدين ، وما يترتب على ذلك من الخير العظيم والأجر الجزيل ، والذكر الجميل ، والعاقبة الحميدة لمن أصلح الله نيته ، ومن عليه بالتوفيق.

والنصوص في هذا كثيرة معلومة ، ويكفي في شرف العلم وأهله أن الله عز وجل استشهدهم على وحدانيته ، وأخبر أنهم هم الذين يخشونه على الحقيقة والكمال. قال تعالى : { شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } فاستشهد الملائكة وأولي العلم على وحدانيته سبحانه ، وهم العلماء بالله ، العلماء بدينه ، الذين يخشونه سبحانه ويراقبونه ، ويقفون عند حدوده ، كما قال الله عز وجل : { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ } .

ومعلوم أن كل مسلم يخشى الله ، وكل مؤمن يخشى الله ، ولكن الخشية الكاملة إنما هي لأهل العلم ، وعلى رأسهم الرسل عليهم الصلاة والسلام ، ثم من يليهم من العلماء على طبقاتهم.

فالعلماء هم ورثة الأنبياء ، فالخشية لله حق ، والخشية الكاملة إنما هي من أهل العلم بالله والبصيرة به ، وبأسمائه ، وصفاته ، وعظيم حقه سبحانه وتعالى ، وأرفع الناس في ذلك هم الرسل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، ثم يليهم أهل العلم على اختلاف طبقاتهم في علمهم بالله ودينه. والجدير بالعالم أينما كان ، وبطالب العلم ، أن يعنى بهذا الأمر ، وأن يخشى الله ، وأن يراقبه في كل أموره ، في طلبه للعلم ، وفي عمله بالعلم ، وفي نشره للعلم ، وفي كل ما يلزمه من حق الله ، وحق عباده.

وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الصحيحين في حديث معاوية رضي الله عنه ، أنه صلى الله عليه وسلم قال : ((من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين)) وهذا الحديث العظيم له شواهد أخرى ، عن عدة من الصحابة رضي الله عنهم ، وهو يدل على أن من علامات الخير ودلائل السعادة ، أن يفقه العبد في دين الله ، وكل طالب مخلص في أي جامعة أو معهد علمي أو غيرهما ، إنما يريد هذا الفقه ويطلبه ، وينشده ، فنسأل الله لهم في ذلك التوفيق والهداية وبلوغ الغاية.

فوائد العلم

1 ) العلم مخزنه العقل

فكما نعلم فالعلم مكانه العقل فلا يحتاج لمخازن نخزن بها فمكانه في القلب فهو نعمة ورزقة من عند الله تحرسك من المشاكل التي قد تهددك في حياتك على العكس من المال الذي يحتاج منك حراسة، وقد يضيع في أي وقت أمّا العلم لا يضيع أبداً، بل ويحقق لك العديد من المكاسب في الدنيا والأخرة وإذا كنت تبتغي به رضى الله ستحصل من خلاله على أعلى المراتب في الأخرة وأفضل العلوم هي العلوم الشرعية فيجب الاهتمام والعناية بها بأعلى قدر ممكن لعلها تكون لنا شفيع عند الله يوم القيامة.

2 ) الانتصار على العدو

فمن خلال العلم نستطيع مقاومة العدو مثل مقاومة الجهاد فمن خلال التطور والتغلب على العدو نستطيع كسر جبهته ومن خلال العلم نستطيع اختراع الأدوات التي تساعدنا في مواجهة العدو بقوة وقدرة تساعدنا على التغلب عليه، فالأمة المتعلمة لا يستطيع أن يهزمها أحد.

3 ) ارتقاء الأمم

العلم يعمل على تقدم وازدهار الأمم فالأمة التي تشتهر في حرصها على العلم واكتساب العلوم المختلفة تكون مميزة بين العديد من الدول وترتقي في جميع مجالات الحياة، ففي المجال الأخلاقي يكون للعلم دور كبير؛ لأنّ الذي يرتقي في علمه يرتقي في أخلاقه؛ وذلك لأنّ الجهل هو الذي يبني سوء الأخلاق والفساد على العكس من العلم الذي يبني الفضيلة، وكذلك يكون الأمر في المجال الاقتصادي والمجال السياسي والاجتماعي فمن خلال العلم تستطيع التنظيم والتخطيط الجيد للارتقاء بهذه المجال وتنعم بحياة أفضل وتصبح متميز بين الدول على العكس من الدول المتخلفة التي تتدنى مستويات مجال الاقتصاد وغيرها من المجال ويعود السبب لسوء الإدارة التي تحتاج لعلم ودراية.

أهمية تعلم العلوم الدنيوية

العلوم الدنيوية شديدة الأهمية للمسلمين وهي من سبل تحقيق عمارة الأرض وطلب الرزق، وأصول الشريعة تدل على أن هذه العلوم داخلة في فروض الكفايات، ومن الأدلة على ذلك:

1. قوله تعالى : " هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ..." ( هود: 61 )، ومن مقتضيات عمارة الأرض السعي لكل ما يصلح الحياة ومقاومة ما يفسدها .

2. قوله سبحانه : " فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله ..." ( الجمعة: 10 )، وقوله جل وعلا : " هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه ..." ( الملك: 15 ) ودراسة العلوم الدنيوية من أعظم وسائل طلب الرزق.

3. أن العبد مأمور أن يبحث عن كل ما يكون سببا في زوال مرضه من طبيب ماهر وعلاج ناجع، فقد صح في الحديث:" عباد الله تداووا ولا تداووا بحرام"، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء"[1].

وفي حديث آخر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء إلا الهرم" رواه البخاري .

وفي حديث آخر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إن الله لم ينزل داء إلا أنزل شفاء علمه من علمه وجهله من جهله" رواه الحاكم في المستدرك وقال الأرنؤوط حديث صحيح.

وصح عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: " لكل داء دواء فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله تعالى" رواه مسلم . وتحصيل الدواء لا يكون إلا بوجود عدد كاف من الأطباء، وقد كان الشافعي يقول: لا أعلم علما بعد الحلال والحرام أنبل من الطب، إلا أن أهل الكتاب قد غلبونا عليه . وكان رحمه الله يتلهف على ما ضيع المسلمون من الطب، ويقول: ضيعوا ثلث العلم، ووكلوه إلى اليهود والنصارى.

ولما نطق لسان طبيب يهودي بما يكنه إخوانه أثر ذلك على المازري فتعلم الطب، فإن أبا عبدالله المازري مرض مرضة ً، فلم يجد من يعالجه إلا يهودي، فلما عوفي على يديه قال: لولا التزامي بحفظ صناعتي لأعدمتك المسلمين . فأثر هذا عند المازري، فأقبل على تعلم الطب حتى فاق فيه، وكان ممن يفتي فيه كما يفتي في الفقه.

4. أن الله تعالى أمرنا بالإعداد للجهاد فقال تعالى: { " وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ...} ( الأنفال: 60)، وقوله: من قوة، نص في العموم فتدل على أن كل ما يقوي المسلمين على أعدائهم فتحصيله داخل في الأمر، ونحن في هذه الأزمنة نرى تسلط الأقوياء من أهل الكتاب واستضعاف المسلمين لبعدهم عن السعي لتنفيذ هذا الأمر، والله غالب على أمره .

5. أنه قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم خص بعض الصحابة بالأمر بتعلم بعض العلوم الدنيوية لتحقق نفعها للمسلمين، فعن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال قال أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم فتعلمت له كتاب يهود – وفي رواية: بالسريانية – وقال: إني والله ما آمن يهود على كتابي، فما مرَّ بي نصف شهر حتى تعلمته وحذقته، فكنت أكتب له إليهم وأقرأ له كتبهم" .

ففي هذا الحديث دلالة صريحة على أن تعلم العلوم الدنيوية التي فيها نفع عام للمسلمين مقصودة للشارع، مأجور عليها إن صلحت النية. وانظر إلى الإمام محمد بن عبدالباقي الأنصاري (ت 535هـ) لما أسر في أيدي الروم لم يترك وقته يضيع سدى بل تعلم منهم اللغة الرومية والخط الرومي لعله قد يحتاج إليها يوما.

وروى الحاكم في المستدرك وأبو نعيم في الحلية عن عمر بن قيس قال: كان لابن الزبير رضي الله عنه مائة غلام، يتكلم كل غلام بلغة غير الآخر".

وقد ذكر الصفدي – تلميذ شيخ الإسلام – عن شيخه أبي العباس ابن تيمية أنه كان ملما بالحساب والهندسة وذكر قصة عجيبة في هذا .

6. وقد روى البخاري ومسلم عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «الْإِيمَانُ بِاللهِ وَالْجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ» قَالَ: قُلْتُ: أَيُّ الرِّقَابِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «أَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا وَأَكْثَرُهَا ثَمَنًا» قَالَ: قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ؟ قَالَ: «تُعِينُ صَانِعًا أَوْ تَصْنَعُ لِأَخْرَقَ» ، وهذا مقتضٍ لتعلم الصناعات ليمكن تعليمها للجاهل بها، والصناعة علم بذاتها، ولكن لما كان هذا من العلم النافع، اعتُبر قربة وناسب وروده في سياق الحث والترغيب.

7. وقال تعالى عن داود - في معرض المنة والتفضل – { وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ } ، قال القرطبي رحمه الله: هذه الآية أصل في اتخاذ الصنائع والأسباب , وهو قول أهل العقول والألباب , لا قول الجهلة الأغبياء القائلين بأن ذلك إنما شرع للضعفاء , فالسبب سنة الله في خلقه فمن طعن في ذلك فقد طعن في الكتاب والسنة , ونسب من ذكرنا إلى الضعف وعدم المنة . وقد أخبر الله تعالى عن نبيه داود عليه السلام أنه كان يصنع الدروع , وكان أيضا يصنع الخوص , وكان يأكل من عمل يده، وكان آدم حراثا , ونوح نجارا , ولقمان خياطا , وطالوت دباغا . وقيل: سقاء ; فالصنعة يكف بها الإنسان نفسه عن الناس , ويدفع بها عن نفسه الضرر والبأس. أ.هـ.

8. وفي قوله تعالى : { عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ } ، وهذا في معرض الامتنان أيضاً، مما يدل على أنه من الخير الذي أنعم الله به على الإنسان يقول الطبري: وقوله: { عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ } يقول تعالى ذكره: علم الإنسان الخط بالقلم، ولم يكن يعلمه , مع أشياء غير ذلك , مما علمه ولم يكن يعلمه). أ.هـ.

بعض العلماء المُسلمين

أبو بكر الرّازي : ولِد أبو بكر الرازي في مدينة ري عام 250هـ، وقد كان عالماً وطبيباً، وبرع كذلك في الفلك والكيمياء والمنطِق والأدب، وقد أسهم بشكلٍ كبيرٍ في تطوير الطِّب في العالَم أجمع؛ حيث إنّه أول من ابتكر خيوط الجِراحة، وهو أول من استطاع التعرّف على الحساسيّة واستخدام المراهم لها، كما أنّه أول من وجد عِلاجاً للحمى، وترك خلفه الكثير من الرسائِل في علوم الطّب وبعضها تمّت ترجمتها إلى اللغة اللاتينيّة، بقي الرازي يُعتبر مرجعاً رئيسياً في الطّب حتى القرن السابع عشر؛ فرسالته عن الجدري والحصبة حقّقت صدىً واسعاً في العالَم، ومن أبرز مؤلفاته (الحاوي في الطِّب) الذي استمّر مرجعاً للطِّب في أوروبا والهند لمدة 400عام.

محمد بن موسى الخوارزمي: برع الخوارزمي في الفلك والجغرافيا والرياضيات؛ فهو مؤسّس علم الجبر واللوغاريتمات التي ما زالت تحتفظ باسمه إلى الآن، وقد وصلت إبداعاته في الرِّياضات إلى أوروبا؛ حيث يعود الفضل إليه في التطورات التي حصلت فيها فيما بعد اعتماداً على المعلومات التي أخذوها منه، وهو أوّل من وضع الصفر في الأعداد العربيّة وعمِل على نشر هذه الأعداد على مدار العالم.

الفارابي وهو من أشهر الفلاسفة في العالَم؛ حيث إنّه وضع منهاجاً لدائرة المعارف الإنسانيّة، كما أنّه أرسى قواعد الفلسفة في الإسلام، كما برع في علوم الحِساب والفيزياء والطِّب، فقد ذكر الفارابي نظرية العقد الاجتماعي قبل المفكّر الفرنسي جان جاك روسو، كما أنّه تحدّث عن الجاذبية الأرضية قبل نيوتن.

ابن سيناء: اشتهر ابن سيناء ببراعته في العديد من العلوم مثل الطب والفلك والفلسفة والمنطق والرياضيات والطبيعيّات، وقد كان من اكتشف السرطان ووضحّه على أنّه عبارة عن ورم ينتقل من عضوٍ لآخر، وله من المؤلفات كتاب (القانون في الطِّب) الذي تفوّق على مؤلفات جالينوس وأبقراط.

جابر بن حيّان : برع جابر بن حيّان في الكيمياء؛ حيث توصّل إلى طرقٍ متعددة لتنقية المعادن، وطرق دبغ الجلود، كما اخترع ورقاً غير قابلٍ للاحتراق، واستطاع إيجاد طِلاء يمنع الحديد من الصدأ وغيرها الكثير من الاكتشافات والاختراعات التي جعلت من الغرب يعترفون بفضله، وبالتالي لقّبوه بالأستاذ الكبير.

مع تحيات

اللجنة العلمية لملتقى الخطيب المؤثر أسد المنابر

All reactions:

1515