الأربعاء ، ٢ جمادى الآخر ، ١٤٤٦ هجري | 04 ديسمبر 2024 ميلادي
اسم الله الرقيب
وصف الخطبة : -

الهدف من الخطبة: بيان معنى اسم الله الرقيب، ومعنى المراقبة، والحث على مراقبة العبد لله تعالى.


عنوان الخطبة (( اسم الله الرقيب ))

الهدف من الخطبة: بيان معنى اسم الله الرقيب، ومعنى المراقبة، والحث على مراقبة العبد لله تعالى.

عناصر الخطبة:

1- اسم الله الرقيب.

2- المراقبة.

3- نماذج عملية.

المقدمة: أما بعد، قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1].

بين يدي الخطبة:

اسم الله الرقيب

من أسماء الله تعالى الثابتة بالكتاب اسمه الرقيب، قال تعالى: {إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء: 1]، وقال عن المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام: {وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ} [المائدة: 117]، وقال سبحانه: {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا} [الأحزاب: 52].

قال ابن منظور: الرقيب: فعيل بمعنى فاعل، وهو الحافظ الذي لا يغيب عنه شيء.

وقال الشيخ السعدي رحمه الله: الرقيب والشهيد من أسمائه الحسنى وهما مترادفان، وكلاهما يدل على إحاطة سمع الله بالمسموعات وبصره بالمبصرات، وعلمه بجميع المعلومات الجليّة والخفية، وهو الرقيب على ما دار في الخواطر، وما تحركت به اللواحظ، ومن باب أولى الأفعال الظاهرة بالأركان.

والرقيب المطلع على ما أكنته الصدور، القائم على كل نفس بما كسبت، الذي حفظ المخلوقات وأجراها على أحسن نظام وأكمل تدبير، قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}، {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}، ولهذا كانت المراقبة التي هي من أعلى أعمال القلوب هي التعبد لله باسمه الرقيب الشهيد، فمتى علم العبد أن حركاته الظاهرة، والباطنة قد أحاط الله بعلمها، واستحضر هذا العلم في كل أحواله، أوجب له ذلك حراسة باطنة عن كل فكر، وهاجس يبغضه الله، وحفظ ظاهره عن كل قول أو فعل يسخط الله وتعبد بمقام الإحسان فعبد الله كأنه يراه، فإن لم يكن يراه فإنه يراه". انتهى من تفسير أسماء الله الحسنى للسعدي.

قال القرطبي: ورقيب بمعنى راقب، فهو من صفات ذاته، راجعة إلى العلم والسمع والبصر، فإن الله تعالى رقيب على الأشياء بعلمه المقدس عن مباشرة النسيان، ورقيب للمبصرات ببصره الذي لا تأخذه سنه ولا نوم، ورقيب للمسموعات بسمعه المدرك لكل حركة وكلام؛ فهو سبحانه رقيب عليها بهذه الصفات، تحت رقبته الكليات والجزئيات، وجميع الخفيات في الأرضين والسماوات، ولا خفي عنده بل جميع الموجودات كلها على نمط واحد في أنها تحت رقبته التي هي من صفته. انتهى.

إن الله تبارك وتعالى هو الرقيب المطلع على ما أكنته الصدور، القائم على كل نفس بما كسبت، الحافظ الذي لا يغفل ولا يغيب عما يحفظه، الذي حفظ جميع المخلوقات وأجراها على أحسن نظام، وأكمل تدبير.

وهو سبحانه الرقيب الذي يراعي أحوال المرقوب، الحافظ له جملة وتفصيلاً، المحصي لجميع أحواله، العليم به الحافظ له، الذي لا يغفل عما خلق فيلحقه نقص أو يدخله خلل من قبل غفلته عنه.

والله عزَّ وجلَّ هو الرقيب على عباده، الذي يراقب أقوالهم وأفعالهم، وحركاتهم وسكناتهم، وما يجول في قلوبهم وخواطرهم كما قال سبحانه: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [البقرة: 235].

وهو سبحانه وحده الرقيب على كل المخلوقات، في العالم العلوي، وفي العالم السفلي، الرقيب على الأشياء كلها، لا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض، الرقيب على المبصرات كلها ببصره، الذي لا تأخذه سنة ولا نوم، الرقيب على المسموعات كلها بسمعه، المدرك لكل حركة وصوت وكلام في كل آن، وفي كل مكان.

وهو سبحانه الرقيب على كل ما في هذا الكون العظيم، يستوي عنده الصغير والكبير، والظاهر والباطن، والقريب والبعيد، والكليات والجزئيات، والأسرار والخفيات، في الأرض والسماوات.

اذا عرف المكلف أن الله سبحانه وتعالى رقيب عليه وعلى كل مخلوق, وأنه المطلع على الضمائر, الشاهد على السرائر، الذي يعلم ويرى, ولا يخفى عليه السر والنجوى, وأنه على كل شيء شهيد، وبكل شيء عليم, وجب عليه ان يؤمن به, قال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ}؛ فمن اللوازم القطعية للإيمان باسم الله الرقيب الشهيد: الاستقامة, فمن صح علمه بأن الله عليه رقيب شهيد لم يُفْنِ عمره في البطالة, ولم ينفق أوقاته في الغفلات, بل يَصِل أوقاته في طاعة الله ليله ونهاره, وجهده بكده في إحساسه, واختلاف أنفاسه, فمن راقب الله في سره وجهره واتقاه في أمره ونهيه, أوصله ذلك إلى الصراط المستقيم, فهو يحب الاّ يراه الله إلا فيما يحب سبحانه، وفي ذلك صلاح العبد في دنياه وآخرته، وبلوغه أعلى درجات الإيمان وهو الإحسان، وهو أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.

المراقبة

المراقبة هي التعبد لله تعالى باسمه الرقيب، الحفيظ، العليم، السميع، البصير؛ فمن عقل هذه الأسماء الحسنى، وتعبد بمقتضاها، حصلت له المراقبة.

والمراقبة: دوام علم العبد وتيقنه باطلاع الحق على ظاهره وباطنه، وحضور القلب بين يدي الله تعالى، وعدم الانشغال عنه، سواء في العبادة أو خارجها، وامتلاء القلب بعظمة الله جل جلاله ومحبته: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [الحديد: 4].

وهذا القرب وهذا الدنو من الله تعالى يبث في القلب سروراً عظيماً، وأنساً وفرحاً، وهذا الأنس والسرور يبعث العبد على دوام السير إلى الله عزَّ وجلَّ، وبذل الجهد في طلبه، وابتغاء مرضاته، والتلذذ بعبادته وطاعته.

والمراقبة من أجلِّ أعمال القلوب، فمتى علم العبد أنه لا يخفى على الله، وأن حركاته الظاهرة والباطنة قد أحاط الله بها علمًا، واستحضر هذا العلم في كل أحواله، أوجب له ذلك حراسة باطنه عن الخواطر والأفكار التي يبغضها الله، وحفظ ظاهره عن كل فعل أو قول يسخطه الله، وعبد الله بمقام الإحسان.

ومن راقب الله في سره وجهره، واتقاه في أمره ونهيه، أوصله ذلك بإذن الله إلى مرضاة ربه، والفوز بالجنة.

وصاحب المراقبة يدع المعاصي استحياءً من ربه وهيبةً له أكثر مما يدعها خوفاً من عقوبته.

إن الإنسان ليرجف ويضطرب فؤاده حين يشعر أن سلطان الأرض يراقبه بجواسيسه وعيونه، مع أن سلطان الأرض مهما تكن عيونه لا يراقب إلا حركة الإنسان الظاهرة، وهو يحتمي منه إذا آوى إلى داره، أو إذا أغلق فمه.

ولله المثل الأعلى إن قبضة الجبار مسلطة على العباد ترقبهم أينما حلوا وأينما ساروا في كل وقت، وأي مكان.

إن رقابة الله تعالى مسلطة على الأقوال والأعمال، والضمائر والأسرار، وخالق الإنسان أدرى بتركيبه وسره، فالعبد جلي الكنه والوصف والسر لخالقه العظيم، العليم بمنشئه وحاله ومصيره، وهو سبحانه أقرب إلى أحدنا من حبل الوريد الذي يجري فيه الدم كما قال سبحانه: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق: 16].

فسبحان الله! ما أعظم هذه القبضة المالكة، والرقابة الشديدة المباشرة لجميع ما في هذا الكون من خالقه.

الله عز وجل رقيب على كل شيء، يرقب الكون وما بث فيه من مخلوقات، يرقب السماوات السبع وما فيهن، والأرضين السبع وما فيهن، وهو عز وجل يرقب الأمواج في بحارها، والقلوب في نبضاتها، والدماء في عروقها، والأرواح في أجسادها، والأنفاس وعددها، وهو عز وجل يرقب خطرات الأفكار وخلجات الأنفس وهجسات الضمائر، لا يغيب عن رقابته شيء جل وعلا.

إذا علم الإنسان ذلك فهو كاف له أن يعيش في حذر دائم، وخشية دائمة، ويقظة لا تغفل عن المحاسبة، تدفعه إلى حسن العمل ودوامه؛ فقد أحكم الله عزَّ وجلَّ الرقابة على خلقه، فالإنسان يعيش ويأكل ويشرب ويتحرك ويتحدث ويصمت وينام، ويقطع الرحلة كلها بين يدي ملكين موكلين به عن اليمين والشمال يتلقيان منه كل حركة، وكل كلمة، ويسجلانها لتكون في صحيفته، قال تعالى: {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ . مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 17، 18]، وقال جل وعلا: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ . كِرَامًا كَاتِبِينَ . يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ } [الانفطار: 10 - 12].

وَقَدْ ذُكِرَ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ كَانَ يُنْشِدُ هَذَيْنَ الْبَيْتَيْنِ:

وَلا تَحسَبَنَّ اللَهَ يَغفَلُ ساعَةً ... وَلا أَنَّ ما يَخفى عَلَيكَ يَغيبُ

إِذا ما خَلَوتَ الدَهرَ يَوماً فَلا تَقُل ... خَلَوتُ وَلَكِن قُل عَلَيَّ رَقيبُ

قال أبو الدرداء رضي الله عنه: إن العبد ليخلو بمعصية الله تعالى فيلقي الله بغضه في قلوب المؤمنين من حيث لا يشعر، فتلمحوا ما سطرته، واعرفوا ما ذكرته، ولا تهملوا خلواتكم ولا سرائركم، فإن الأعمال بالنية، والجزاء على مقدار الإخلاص.

قال الأندلسي القحطاني رحمه الله في نونيته:

إِذا ما خَلَوتَ بريبةٍ في ظُلمةٍ ... والنفسُ داعيةٌ إلى الطغيانِ

فاسْتَحِي من نظرِ الإلَهِ وقُلْ لَهَا ... إن الذي خَلَقَ الظَلامَ يَرَانِي

قال محمد بن عدي الترمذي رحمه الله: اجعل مراقبتك لمن لا تغيب عن نظره إليك، واجعل شكرك لمن لا تنقطع نعمه عنك، واجعل طاعتك لمن لا تستغني عنه، واجعل خضوعك لمن لا تخرج عن ملكه وسلطانه.

نماذج عملية

النموذج الأول: أصحاب الغار الثلاثة: فعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "انْطَلَقَ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَتَّى أَوَوْا المَبِيتَ إِلَى غَارٍ، فَدَخَلُوهُ فَانْحَدَرَتْ صَخْرَةٌ مِنَ الجَبَلِ، فَسَدَّتْ عَلَيْهِمُ الغَارَ، فَقَالُوا: إِنَّهُ لاَ يُنْجِيكُمْ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ إِلَّا أَنْ تَدْعُوا اللَّهَ بِصَالِحِ أَعْمَالِكُمْ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: اللَّهُمَّ كَانَ لِي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ، وَكُنْتُ لاَ أَغْبِقُ قَبْلَهُمَا أَهْلًا وَلاَ مَالًا، فَنَأَى بِي فِي طَلَبِ شَيْءٍ يَوْمًا، فَلَمْ أُرِحْ عَلَيْهِمَا حَتَّى نَامَا، فَحَلَبْتُ لَهُمَا غَبُوقَهُمَا، فَوَجَدْتُهُمَا نَائِمَيْنِ، وَكَرِهْتُ أَنْ أَغْبِقَ قَبْلَهُمَا أَهْلًا أَوْ مَالًا، فَلَبِثْتُ وَالقَدَحُ عَلَى يَدَيَّ، أَنْتَظِرُ اسْتِيقَاظَهُمَا حَتَّى بَرَقَ الفَجْرُ، فَاسْتَيْقَظَا، فَشَرِبَا غَبُوقَهُمَا، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَفَرِّجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ، فَانْفَرَجَتْ شَيْئًا لاَ يَسْتَطِيعُونَ الخُرُوجَ. وَقَالَ الآخَرُ: اللَّهُمَّ كَانَتْ لِي بِنْتُ عَمٍّ، كَانَتْ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَيَّ، فَأَرَدْتُهَا عَنْ نَفْسِهَا، فَامْتَنَعَتْ مِنِّي حَتَّى أَلَمَّتْ بِهَا سَنَةٌ مِنَ السِّنِينَ، فَجَاءَتْنِي فَأَعْطَيْتُهَا عِشْرِينَ وَمِائَةَ دِينَارٍ عَلَى أَنْ تُخَلِّيَ بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِهَا، فَفَعَلَتْ حَتَّى إِذَا قَدَرْتُ عَلَيْهَا، قَالَتْ: لاَ أُحِلُّ لَكَ أَنْ تَفُضَّ الخَاتَمَ إِلَّا بِحَقِّهِ، فَتَحَرَّجْتُ مِنَ الوُقُوعِ عَلَيْهَا، فَانْصَرَفْتُ عَنْهَا وَهِيَ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ، وَتَرَكْتُ الذَّهَبَ الَّذِي أَعْطَيْتُهَا، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ، فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ غَيْرَ أَنَّهُمْ لاَ يَسْتَطِيعُونَ الخُرُوجَ مِنْهَا. وَقَالَ الثَّالِثُ: اللَّهُمَّ إِنِّي اسْتَأْجَرْتُ أُجَرَاءَ، فَأَعْطَيْتُهُمْ أَجْرَهُمْ غَيْرَ رَجُلٍ وَاحِدٍ تَرَكَ الَّذِي لَهُ وَذَهَبَ، فَثَمَّرْتُ أَجْرَهُ حَتَّى كَثُرَتْ مِنْهُ الأَمْوَالُ، فَجَاءَنِي بَعْدَ حِينٍ فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ أَدِّ إِلَيَّ أَجْرِي، فَقُلْتُ لَهُ: كُلُّ مَا تَرَى مِنْ أَجْرِكَ مِنَ الإِبِلِ وَالبَقَرِ وَالغَنَمِ وَالرَّقِيقِ، فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ لاَ تَسْتَهْزِئُ بِي، فَقُلْتُ: إِنِّي لاَ أَسْتَهْزِئُ بِكَ، فَأَخَذَهُ كُلَّهُ، فَاسْتَاقَهُ، فَلَمْ يَتْرُكْ مِنْهُ شَيْئًا، اللَّهُمَّ فَإِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ، فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ، فَخَرَجُوا يَمْشُونَ". أخرجه البخاري ومسلم.

النموذج الثاني: عَنْ أَسْلَمَ مولى عمر بن الخطاب أنه قَالَ: بَيْنَا أَنَا مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَهُوَ يَعُسُّ الْمَدِينَةَ إِذْ أُعْيِيَ فَاتَّكَأَ عَلَى جَانِبِ جِدَارٍ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ , فَإِذَا امْرَأَةٌ تَقُولُ لِابْنَتِهَا: قُومِي إِلَى ذَلِكَ اللَّبَنِ فَامْزِقِيهِ بِالْمَاءِ، فَقَالَتْ: يَا أُمَّتَاهُ: أَوَمَا عَلِمْتِ مَا كَانَ مِنْ عَزْمَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ الْيَوْمَ؟ قَالَتْ: وَمَا كَانَ مِنْ عَزْمَتِهِ؟ قَالَتْ: إِنَّهُ أَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى: أَلَّا يُشَابَ اللَّبَنُ بِالْمَاءِ فَقَالَتْ لَهَا: يَا ابْنَتَاهُ قُومِي إِلَى اللَّبَنِ فَامْزِقِيهِ بِالْمَاءِ، فَإِنَّكَ بِمَوْضِعٍ لَا يَرَاكِ عُمَرُ وَلَا مُنَادِي عُمَرَ، فَقَالَتِ الصَّبِيَّةُ: وَاللَّهِ مَا كُنْتُ لِأُطِيعَهُ فِي الْمَلَأِ وَأَعْصِيَهُ فِي الْخَلاءِ، وَعُمَرُ يَسْمَعُ كُلَّ ذَلِكَ، فَقَالَ: يَا أَسْلَمُ، عَلِّمِ الْبَابَ وَاعْرِفِ الْمَوْضِعَ، ثُمَّ مَضَى فِي عَسَسِهِ فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ: يَا أَسْلَمُ، امْضِ إِلَى الْمَوْضِعِ فَانْظُرْ مَنِ الْقَائِلَةُ وَمَنِ الْمَقُولُ لَهَا، وَهَلْ لَهُمْ مِنْ بَعْلٍ، فَأَتَيْتُ الْمَوْضِعَ فَإِذَا الْجَارِيَةُ أَيِّمٌ لَا بَعْلَ لَهَا وَإِذَا تِيكَ أُمُّهَا، وَإِذَا لَيْسَ لَهُمْ رَجُلٌ، فَأَتَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَأَخْبَرْتُهُ، فَدَعَا عُمَرُ وَلَدَهُ فَجَمَعَهُمْ فَقَالَ: هَلْ فِيكُمْ مَنْ يَحْتَاجُ إِلَى امْرَأَةٍ أُزَوِّجُهُ؟ وَلَوْ كَانَ بِأَبِيكُمْ حَرَكَةٌ إِلَى النِّسَاءِ مَا سَبَقَهُ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَى هَذِهِ الْجَارِيَةِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لِي زَوْجَةٌ، وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: لِي زَوْجَةٌ، وَقَالَ عَاصِمٌ: يَا أَبَتَاهُ، لَا زَوْجَةَ لِي فَزَوِّجْنِي، فَبَعَثَ إِلَى الْجَارِيَةِ فَزَوَّجَهَا مِنْ عَاصِمٍ، فَوَلَدَتْ لِعَاصِمٍ بِنْتًا، وَوَلَدَتِ الِابْنَةُ بِنْتًا، وَوَلَدَتِ الِابْنَةُ عُمَرَ بْنَ عَبْدَالْعَزِيزِ رَحِمَهُ اللَّهُ. انتهى من سير السلف الصالحين للأصبهاني.

النموذج الثالث: عَنْ نَافِعٍ أنه قَالَ: خَرَجَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما فِي بَعْضِ نَوَاحِي الْمَدِينَةِ وَمَعَهُ أَصْحَابُ لَهُ، وَوَضَعُوا سَفْرَةً لَهُ، فَمَرَّ بِهِمْ رَاعِي غَنَمٍ، قَالَ: فَسَلَّمَ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: هَلُمَّ يَا رَاعِي، هَلُمَّ، فَأَصِبْ مِنْ هَذِهِ السُّفْرَةِ، فَقَالَ لَهُ: إِنِّي صَائِمٌ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَتَصُومُ فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ الْحَارِّ شَدِيدٍ سُمُومُهُ وَأَنْتَ فِي هَذِهِ الْجِبَالِ تَرْعَى هَذَا الْغَنَمَ؟ فَقَالَ لَهُ: أَيْ وَاللهِ أُبَادِرُ أَيَّامِي الْخَالِيَةَ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ وَهُوَ يُرِيدُ يَخْتَبِرُ وَرَعَهُ: فَهَلْ لَكَ أَنْ تَبِيعَنَا شَاةً مِنْ غَنَمِكَ هَذِهِ فَنُعْطِيكَ ثَمَنَهَا وَنُعْطِيكَ مِنْ لَحْمِهَا فَتُفْطِرَ عَلَيْهِ؟ فَقَالَ: إِنَّهَا لَيْسَتْ لِي بِغَنَمٍ، إِنَّهَا غَنَمُ سَيِّدِي، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ: فَمَا عَسَى سَيِّدُكَ فَاعِلًا إِذَا فَقْدَهَا، فَقُلْتَ: أَكْلَهَا الذِّئْبُ؛ فَوَلَّى الرَّاعِي عَنْهُ وَهُوَ رَافِعٌ أُصْبُعَهُ إِلَى السَّمَاءِ وَهُوَ يَقُولُ: أَيْنَ اللهُ، قَالَ: فَجَعَلَ ابْنُ عُمَرَ يُرَدِّدُ قَوْلَ الرَّاعِي وَهُوَ يَقُولُ: قَالَ الرَّاعِي: فَأَيْنَ اللهُ؟ قَالَ: فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ بَعَثَ إِلَى مَوْلَاهُ فَاشْتَرَى مِنْهُ الْغَنَمَ وَالرَّاعِي فَأَعْتَقَ الرَّاعِيَ، وَوَهَبَ لَهُ الْغَنَمَ. أخرجه البيهقي في شعب الإيمان.

النموذج الرابع: قال الغزالي رحمه الله: وحكي أنه كان لبعض المشايخ تلميذ شاب، وكان يكرمه ويقدمه؛ فقال له بعض أصحابه: كيف تكرم هذا وهو شاب ونحن شيوخ؟ فدعا بعدة طيور وناول كل واحد منهم طائرًا وسكينًا، وقال: ليذبح كل واحد منكم طائره في موضع لا يراه أحد، ودفع إلى الشاب مثل ذلك، وقال له كما قال لهم، فرجع كل واحد بطائره مذبوحًا، ورجع الشاب والطائر حي في يده، فقال: ما لك لم تذبح كما ذبح أصحابك؟ فقال: لم أجد موضعًا لا يراني فيه أحد، إذ الله مطلع علي فى كل مكان. فاستحسنوا منه هذه المراقبة وقالوا: حق لك أن تكرم. انتهى من إحياء علوم الدين.

مع تحيات

اللجنة العلمية لملتقى الخطيب المؤثر أسد المنابر