الأربعاء ، ٢ جمادى الآخر ، ١٤٤٦ هجري | 04 ديسمبر 2024 ميلادي
كنتم خير أمة أخرجت للناس
وصف الخطبة : -

الهدف من الخطبة بيان مشروعية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والترغيب في الاحتساب بضوابطه، والترهيب من تركه


عنوان الخطبة ((كنتم خير أمة أخرجت للناس))

الهدف من الخطبة بيان مشروعية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والترغيب في الاحتساب بضوابطه، والترهيب من تركه

عناصر الموضوع

1) مشروعية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

2) فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وخطورة تركه.

3) حقيقة المعروف الذي يأمر به والمنكر الذي عنه.

4) ضوابط التغيير

كنتم خير أمة أخرجت للناس

المقدمة: أما بعد، قال الله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} [آل عمران: 110].

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى: فَمَنِ اتَّصَفَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ دَخَلَ مَعَهُمْ فِي هَذَا الثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ وَالْمَدْحِ لَهُمْ، كَمَا قَالَ قَتَادَةُ: بَلَغَنَا أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي حَجَّةٍ حَجَّهَا رَأَى مِنَ النَّاسِ سُرْعة فَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} ثُمَّ قَالَ: مَنْ سَرَّه أَنْ يَكُونَ مِنْ تِلْكَ الْأُمَّةِ فَلْيؤدّ شَرْط اللَّهِ فِيهَا. رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ.

وَمَنْ لَمْ يَتَّصِفْ بِذَلِكَ أَشْبَهَ أَهْلَ الْكِتَابِ الَّذِينَ ذَمَّهُمُ اللَّهُ بِقَوْلِهِ: {كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [الْمَائِدَةِ:79]، وَلِهَذَا لَمَّا مَدح اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْأُمَّةَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَاتِ شَرَعَ فِي ذَمِّ أَهْلِ الْكِتَابِ وَتَأْنِيبِهِمْ، فَقَالَ: {وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ} أَيْ: بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} أَيْ: قَلِيلٌ مِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ، وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى الضَّلَالَةِ وَالْكُفْرِ وَالْفِسْقِ وَالْعِصْيَانِ. انتهى من تفسير ابن كثير.

بين يدي الخطبة:

مشروعية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

إن القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شعيرة عظيمة من شعائر الإسلام، فرضها الله تعالى وأمر بها نبيه صلى الله عليه وسلم وأمته، فقد أُمرنا بقول الحق والأمر بالمعروف والإعراض عن الجاهلين، قالَ تبارك وتَعَالَى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف: 199]، وَقالَ تَعَالَى: {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف:29]، وَقالَ عز وعلا: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَر} [الحجر:94].

وقال تَعَالَى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104].

فأخبر سبحانه وأوجب أن يكون من المؤمنين جماعة يدعون إلى كل خير يحبه الله، فيأمرون بالمعروف الذي دل عليه الشرع، وينهون عن المنكر الذي نهى عنه الشرع.

وحكم القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إجمالاً أنه فرض على الكفاية يتعين أحيانًا.

ومعنى فرض على الكفاية: أي إذا قام به من يكفي حتى وجد المعروف الواجب وزال المنكر المحرم سقط الإثم عن الباقين، وإلا أثم كل قادر بحسب قدرته من القيام به بنفسه، أو المعاونة على القيام به، أو أمر القادرين بذلك.

ويتعين هذا الوجوب أحيانًا على الأفراد مثل من لم يشهد المنكر غيره، أو لم يعلم بكونه منكرًا غيره، أو لم يقدر على إنكاره غيره، وكذا يتعين على من تعينه الدولة الإسلامية لذلك.

فعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا مِنْ نَبيٍّ بَعَثَهُ اللهُ في أمَّة قَبْلِي إلاَّ كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأصْحَابٌ يَأخُذُونَ بِسنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ، ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ، وَيَفْعَلُونَ مَا لاَ يُؤْمَرونَ، فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلبِهِ فَهُوَ مُؤمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلسَانِهِ فَهُوَ مُؤمِنٌ، وَلَيسَ وَرَاءَ ذلِكَ مِنَ الإيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَل». رواه مسلم، وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أضْعَفُ الإيمَانِ». رواه مسلم.

وهذا أمر إيجاب بإجماع الأمة، بمعنى أن الأمر بالمعروف الواجب واجب، وأن النهي عن المنكر المحرم واجب, وأن الأمر بالمعروف المستحب مستحب، والنهي عن المنكر المكروه مستحب.

ومثال ذلك: الأمر بالمعروف الواجب واجب: كالأمر بإقامة الصلاة المفروضة لمن وجبت عليه.

النهي عن المنكر المحرم واجب: كالنهي عن القتل والزنا والسرقة.

الأمر بالمعروف المستحب مستحب: كالأمر بقيام الليل، وصيام يوم عاشوراء وعرفة وست من شوال.

النهي عن المنكر المكروه مستحب: كالنهي عن صلاة النوافل بعد الفجر والعصر، والنوم قبل العشاء، والمبالغة في المضمضة والاستنشاق للصائم.

ومشروعية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا تختص بشخص دون شخص أو قوم أو دون قوم أو مكان دون مكان، بل هي عامة في الناس والأماكن، طالما كان القيام بها مشروعًا ومنضبطًا بضوابط الشرع الحكيم؛ فعَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ» قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: «لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ». رواه مسلم، وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَفْضَلُ الْجِهَادِ كَلِمَةُ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ، أَوْ أَمِيرٍ جَائِرٍ». أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه وصححه الألباني، وعَنْه رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ خَطِيبًا، فَكَانَ فِيمَا قَالَ: «أَلَا لَا يَمْنَعَنَّ رَجُلًا هَيْبَةُ النَّاسِ أَنْ يَقُولَ بِحَقٍّ إِذَا عَلِمَهُ». أخرجه أحمد وابن ماجه وصححه الألباني، وعنه أيضًا رضي الله عنه عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إيَّاكُمْ وَالجُلُوسَ في الطُّرُقَاتِ!» فقالوا: يَا رَسُول الله، مَا لنا مِنْ مجالِسِنا بُدٌّ، نتحدث فِيهَا. فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «فَإذَا أبَيْتُمْ إلاَّ المَجْلِسَ، فَأَعْطُوا الطَّريقَ حَقَّهُ». قالوا: وما حَقُّ الطَّريقِ يَا رسولَ الله؟ قَالَ: «غَضُّ البَصَرِ، وَكَفُّ الأَذَى، وَرَدُّ السَّلامِ، وَالأمْرُ بِالمَعْرُوفِ، والنَّهيُ عن المُنْكَرِ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.

فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وخطورة تركه

إن القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شعيرة عظيمة من شعائر الإسلام، رغَّب الإسلام فيها ورتب عليها فضائل كثيرة منها:

- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبب للفلاح: قال تَعَالَى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104].

- الإيمان بالله والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر سبب خيرية هذه الأمة، قالَ سبحانه: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَر وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ} [آل عمران: 110]، وهذا يدل على أنه لا تفلح الأمة ولا تنجح إذا ضيعت هذا الواجب.

- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من صفات المؤمنين والمؤمنات: قال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [التوبة:71]، وتدل الآية الكريمة على أن واجب الحسبة والدعوة ليس خاصاً بل هو عام للرجال والنساء كل حسب قدرته وعلمه.

- والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أجود الأعمال الصالحة وهو صدقة من الصدقات: فعَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلَامَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنِ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنَ الضُّحَى». أخرجه مسلم، وعَنْه رضي الله عنه أَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللهِ، ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالْأُجُورِ، يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَيَتَصَدَّقُونَ بِفُضُولِ أَمْوَالِهِمْ، قَالَ: " أَوَلَيْسَ قَدْ جَعَلَ اللهُ لَكُمْ مَا تَصَّدَّقُونَ؟ إِنَّ بِكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةً، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ صَدَقَةٌ، وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيَأتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟ قَالَ: «أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ». أخرجه مسلم.

- كما أن الاحتساب والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أسباب النجاة، قالَ الله جل جلاله: {فأَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} [الأعراف: 165]، وقد جعل الله النجاة لمن نهى عن الفساد وفي الأرض قال تعالى: (فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ) [هود: 116].

وكما رغَّب الإسلام في القيام بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر رهَّب أيضًا من تركها وحذَّر من التقصير فيها.

فبيَّن الله سبحانه وتعالى أن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر موجب لسخطه ولعنته، وأخبر أن من أسباب لعن الأمم المتقدمة من بني إسرائيل خاصة تركهم هذه الفريضة، تحذيرًا لنا من الاتصاف بصفتهم أو أن نفعل مثل فعلهم فنستحق مثل جزائهم، فقالَ عز وجل: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ . تَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ} [المائدة: 78 - 79].

وقصَّ علينا ما كان من خبر أصحاب السبت، قال تعالى: {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ القَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ البَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَاتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَاتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ . وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ . فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ . فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ}. [الأعراف: 163 - 166].

وقصة اعتدائهم في السبت: أنهم حُرِّم عليهم الصيد في يوم السبت، فاحتالوا على ارتكاب المحرم بأن جعلوا الشباك يوم السبت، وجمعوا السمك يوم الأحد، وظنوا أنهم يسلمون من الإِثم.

وترك شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا تنذر العصاة فقط بل تحذر أهل الصلاح كذلك، فقد يعمهم العذاب إذا سكتوا ولم يغيروا، فعن أم المؤمنين زينب بنتِ جحش رَضِي الله عنها أن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم دخل عَلَيْهَا فَزِعًا، يقول: «لا إلهَ إلاّ الله، وَيلٌ للْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ، فُتِحَ اليَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأجُوجَ وَمَأجُوجَ مِثلَ هذِهِ»، وحلّق بأُصبُعيهِ الإبهامِ والتي تليها، فقلتُ: يَا رَسُول الله، أنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: «نَعَمْ، إِذَا كَثُرَ الخَبَثُ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ، وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما، عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قَالَ: «مَثَلُ القَائِمِ في حُدُودِ اللهِ وَالوَاقعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَومٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ فَصَارَ بَعْضُهُمْ أعْلاهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، وَكَانَ الَّذِينَ في أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أنَّا خَرَقْنَا في نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤذِ مَنْ فَوقَنَا، فَإِنْ تَرَكُوهُمْ وَمَا أرَادُوا هَلَكُوا جَميعًا، وَإنْ أخَذُوا عَلَى أَيدِيهِمْ نَجَوا وَنَجَوْا جَميعًا». رواه البخاري.

وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قام فحمد الله وأثنى عليه، ثم قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنكم تقرؤونَ هذهِ الْآيَة وَتَضَعُونَهَا عَلَى غَيْرِ مَوَاضعهَا: (يَا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ)؛ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا مُنْكَرًا فَلَمْ يُغَيِّرُوهُ يُوشِكُ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابِهِ»، وَفِي رِوَايَةِ: «إِذا رَأَوْا الظَّالِم فَلم يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابٍ»، وَفِي أُخْرَى: «مَا مِنْ قَوْمٍ يُعْمَلُ فِيهِمْ بِالْمَعَاصِي ثُمَّ يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يُغَيِّرُوا ثُمَّ لَا يُغَيِّرُونَ إِلَّا يُوشِكُ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابٍ». رَوَاهُ أبو داود وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وابن حبان وصححه الألباني.

وعَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ اليَمَانِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ المُنْكَرِ أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ». أخرجه أحمد الترمذي وحسنه الألباني.

وهذا الواقع يشهد؛ فلما صار المنكر بين المسلمين لا يتناكر ولا يستغرب بل أصبح هو المعروف، وصار المعروف منكرًا مستغربًا عندهم، ووالوا أعداء الله الذين كفروا -خاصة اليهود والنصارى- حَلَّ بهم من سخط الله ونقمته ما لا يخفى على متأمل، من تسلط أعدائهم، وإنتهاك حرماتهم، وإذلال أممهم وشعوبهم، وإصابة الأمة فى مقدساتها كالمسجد الأقصى وغيره.

وعودة المسلمين إلى عزهم و كرامتهم لا يحدث إلا بسلوك السبيل الشرعي الذى سلكه أنبياء الله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وهو السبيل الذى بدأ به النبي صلى الله عليه وسلم بالدعوة إلى الله سبحانه وتعالى بالأمر بأعظم معروف وهو التوحيد، والنهي عن أعظم منكر وهو الشرك بالله.

حقيقة المعروف الذي يأمر به والمنكر الذي عنه

إن الاحتساب والقيام بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يفتقر معرفة ضوابط القيام بالحسبة، فيعرف بمَ يأمر وينهى؟ وكيف يأمر وينهى؟

فيلزم المحتسب أن يكون على دراية ومعرفة بالأحكام الشرعية فيما يأمر به أو ينهى عنه، ويعرف الأسلوب الأفضل الذي يبين به، والطريقة المناسبة لذلك.

فالمعروف: هو اسم جامع لكل ما عُرِفَ من طاعة الله والتقرب إليه والإحسان إلى الناس، وكل ما ندب إليه الشرع من المحسنات.

ومن صوره ما ذكر شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله حيث قال: وَيجب على أولى الامر وهم عُلَمَاءُ كل طَائِفَةٍ وأمراؤها ومشايخها أن يقومُوا على عامتهم ويأمروهم بِالْمَعْرُوفِ وينهوهم عَن الْمُنكر، فيأمرونهم بِمَا أمْر اللهُ بِهِ وَرَسُوله، مثل شرائع الإسلام، وَهِي الصَّلَوَات الْخمس فِي مواقيتها، وَكَذَلِكَ الصَّدقَات الْمَشْرُوعَة، وَالصَّوْم الْمَشْرُوع، وَحج الْبَيْت الْحَرَام، وَمثل الإيمان بِاللَّه وَمَلَائِكَته وَكتبه وَرُسُله وَالْيَوْم الآخر والإيمان بِالْقدرِ خَيره وشره، وَمثل الإحسان وَهُوَ أن تبعد الله كَأَنَّك ترَاهُ فَإِن لم تكن ترَاهُ فإنه يراك، وَمثل مَا أمْر الله بِهِ وَرَسُوله من الأمور الْبَاطِنَة وَالظَّاهِرَة، وَمثل إخلاص الدّين لله والتوكل على الله، وأن يكون الله وَرَسُوله أحب إليه مِمَّا سواهُمَا، والرجاء لرحمة الله، والخشية من عَذَابه، وَالصَّبْر لحكم الله، وَالتَّسْلِيم لأمر الله، وَمثل صدق الحَدِيث وَالْوَفَاء بالعهود وأداء الأمانات إلى أهلها وبر الْوَالِدين وصلَة الأرحام والتعاون على الْبر وَالتَّقوى، والإحسان إلى الْجَار واليتيم والمسكين وَابْن السَّبِيل والصاحب وَالزَّوْجَة والمملوك، وَالْعدْل فِي الْمقَال والفعال، ثمَّ النّدب إلى مَكَارِم الأخلاق، مثل أن تصل من قَطعك وتعطى من حَرمك وَتَعْفُو عَن ظلمك، وَمن الامر بِالْمَعْرُوفِ كَذَلِك: الأمر بالائتلاف والاجتماع، وَالنَّهْي عَن الِاخْتِلَاف والفرقة وَغير ذَلِك. انتهى من الاستقامة.

والمنكر معناه: هو ضد المعروف، وهو كل ما قبحه الشرع وحرمه وكرهه.

ومن صوره ما ذكر شيخ الإسلام بن تيمية حيث قال: المنكر الذي نهى الله عنه ورسوله، أعظمه الشرك بالله وهو أن يدعو مع الله إلهاً آخر، كالشمس والقمر والكواكب، أو كمَلَك من الملائكة أو نبياً من الأنبياء أو رجل من الصالحين أو أحد من الجن أو تماثيل هؤلاء أو قبورهم أو غير ذلك مما يدعى من دون الله، أو يستغاث به أو يسجد له؛ فكل هذا وأشباهه من الشرك الذي حرمه الله على لسان جميع رسله، ومن المنكر كل ما حرمه الله، كقتل النفس بغير حق، وأكل أموال الناس بالباطل بالغصب أو الربا أو الميسر والبيوع والمعاملات التي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم.؛ كذلك قطيعة الرحم وعقوق الوالدين وتطفيف الكيل والميزان والإثم والبغي بغير الحق؛ وكذلك العبادات المبتدعة التي لم يشرعها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. انتهى من الاستقامة.

فيتضح من هذا الكلام النفيس أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يشمل الدعوة إلى الإيمان والإسلام ومحاربة الكفر والشرك والبدع والمعاصي كما يشمل الجهاد في سبيل الله وهو من أعظم المعروف الذي أمرنا به ويشمل إصلاح الأمة وتربيتها وتبليغ الشرع وتأليف الكتب الشرعية ونصيحة الناس، وأن يبذل كل جهد مستطاع لنشر الدين و نصره وتمكينه، وليست الحسبة محصورة في صورة معينة كتكسير أماكن الفساد أو تحريقها ومن لم يفعل ذلك فهو مضيع هذه الفريضة كما يظنه البعض بل هذه الأمور، عند توافر شروطها هي بعض صور هذه الفريضة ولا ينفي عداها فضلاً عن تحقيره والاستهانة به، ورأس المعروف توحيد الله، ورأس المنكر الشرك بالله.

وإنما يعرف المعروف والمنكر بأدلة الشرع سواء جرت به عادة الناس أم لا لأن إعطاء هذا الوصف هو حكم شرعي والحكم لله وحده ولا عبرة بعرف الناس إذا خالف الشرع وإنما العرف المعتبر هو ما لا يخالف النصوص ـ وقد تغير عرف الناس حتى أنكروا المعروف وأقروا المنكر وعرفوه فكيف يكون ميزاناً لمعرفة الحق.

ضوابط التغيير

أولاً: يبدأ بالتعريف: وهذا في حق الجاهل، كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم.

ثم: الوعظ والنصح والتخويف بالله تعالى: وهذا في حق من يعلم ويصر ويكون برفق من غير عنف وشدة.

ثم: التعنيف والتغليظ بالقول الخشن: عند العجز عن المنع بالرفق.

ثم: تغيير المنكر باليد: كإراقة الخمر وإتلاف المسكرات وكسر آلات اللهو والباطل كالموسيقى وغير ذلك ويدخل في ذلك إتلاف كتب البدع والضلال من غير تعرض لمرتكبه.

ثم: التهديد والتخويف بالعقوبة لمرتكبه ثم مباشرة العقوبة كالضرب باليد والرجل وغير ذلك مما يشرع في حق آحاد الناس حيث لا تترتب عليه فتنة أو مفسدة أعظم.

فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أضْعَفُ الإيمَانِ». رواه مسلم.

وينبغى أن يعلم أن الحسبة مع الوالدين لا تتعدى التعريف والوعظ والنصح لقوله تعالى: {فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ}, وقوله: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} ، وكذا الزوجة مع زوجها لقوامته وأما الأب مع الولد غير البالغ والزوج والزوجة فله تعزيرهم في حدود ما أذن به الشرع بغرض الإصلاح بل للأب تعزير ولده البالغ كما في حديث التيمم ففيه تعزير أبي بكر لعائشة رضي الله عنها .

ومثال التغيير باليد: عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم رأى خاتَمًا مِنْ ذهبٍ في يدِ رجلٍ فنَزعه فطرحه، وَقالَ: «يَعْمدُ أحَدُكُمْ إِلَى جَمْرَةٍ مِنْ نَارٍ فَيَجْعَلُهَا في يَدِهِ!».‍‍‍‍‍‍ فقِيلَ لِلرَّجُلِ بَعْدَمَا ذهب رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم: خُذْ خَاتَمَكَ انْتَفِعْ بِهِ. قَالَ: لاَ واللهِ لا آخُذُهُ أبَدًا وَقَدْ طَرَحَهُ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم. رواه مسلم.

ومن أمثلة التعليم والتعريف والبيان عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يأتي:

1- ما فعله من تعليم الغلام آداب الطعام: فعَن عمر بن أبي سَلمَة رضي الله عنه أنه قَالَ: كُنْتُ غُلاَمًا فِي حَجْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا غُلاَمُ، سَمِّ اللَّهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ» فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِي بَعْدُ. متفق عليه.

2- وما فعله مع الشاب الذي استأذنه في الزنا: فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه أنه قَالَ: إِنَّ فَتًى شَابًّا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا، فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ وَقَالُوا: مَهْ مَهْ. فَقَالَ: «ادْنُهْ، فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا». قَالَ: فَجَلَسَ قَالَ: «أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ؟» قَالَ: لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: «وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ». قَالَ: «أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ؟» قَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: «وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ». قَالَ: «أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ؟» قَالَ: لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: «وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ». قَالَ: «أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ؟» قَالَ: لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: «وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ». قَالَ: «أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ؟» قَالَ: لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: «وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالَاتِهِمْ». قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ وَطَهِّرْ قَلْبَهُ وَحَصِّنْ فَرْجَهُ» فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ. أخرجه أحمد وصححه الألباني.

3- ومنه تعليم الأعرابى الذي بال بالمسجد، فعن أنسِ بنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أنه قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَقَامَ يَبُولُ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَهْ مَهْ، فقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُزْرِمُوهُ دَعُوهُ»، فَتَرَكُوهُ حَتَّى بَالَ، ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ: «إِنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لَا تَصْلُحُ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا الْبَوْلِ، وَلَا الْقَذَرِ إِنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالصَّلَاةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ» أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فَأَمَرَ رَجُلًا مِنَ الْقَوْمِ فَجَاءَ بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ فَشَنَّهُ عَلَيْهِ. رواه مسلم، وعن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ أَعْرَابِيًّا بَالَ فِي المَسْجِدِ، فَثَارَ إِلَيْهِ النَّاسُ ليَقَعُوا بِهِ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دَعُوهُ، وَأَهْرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ، أَوْ سَجْلًا مِنْ مَاءٍ، فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ». رواه البخاري، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةِ أَنَّ أَعْرَابِيًّا دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَلَمَّا فَرَغَ، قَالَ: اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وَمُحَمَّدًا، وَلَا تَرْحَمْ مَعَنَا أَحَدًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ تَحَجَّرْتَ وَاسِعًا». ثُمَّ لَمْ يَلْبَثْ أَنْ بَالَ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ فَأَسْرَعَ النَّاسُ إِلَيْهِ، فَنَهَاهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: «إِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ، وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ، صُبُّوا عَلَيْهِ سَجْلًا مِنْ مَاءٍ» أَوْ قَالَ: «ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ». رواه أبو داود والترمذي والنسائي وصححه الألباني.

ومنه ما فعله مع معاوية بن الحكم السلمي لما تكلم في الصلاة: فعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ، قَالَ: بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ، فَقُلْتُ: يَرْحَمُكَ اللهُ فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ، فَقُلْتُ: وَاثُكْلَ أُمِّيَاهْ، مَا شَأْنُكُمْ؟ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ، فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي لَكِنِّي سَكَتُّ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي، مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ، فَوَاللهِ، مَا كَهَرَنِي وَلَا ضَرَبَنِي وَلَا شَتَمَنِي، قَالَ: «إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ» أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ، وَقَدْ جَاءَ اللهُ بِالْإِسْلَامِ، وَإِنَّ مِنَّا رِجَالًا يَأْتُونَ الْكُهَّانَ، قَالَ: «فَلَا تَأْتِهِمْ» قَالَ: وَمِنَّا رِجَالٌ يَتَطَيَّرُونَ، قَالَ: " ذَاكَ شَيْءٌ يَجِدُونَهُ فِي صُدُورِهِمْ، فَلَا يَصُدَّنَّهُمْ - قَالَ ابْنُ الصَّبَّاحِ: فَلَا يَصُدَّنَّكُمْ - " قَالَ قُلْتُ: وَمِنَّا رِجَالٌ يَخُطُّونَ، قَالَ: «كَانَ نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ يَخُطُّ، فَمَنْ وَافَقَ خَطَّهُ فَذَاكَ» قَالَ: وَكَانَتْ لِي جَارِيَةٌ تَرْعَى غَنَمًا لِي قِبَلَ أُحُدٍ وَالْجَوَّانِيَّةِ، فَاطَّلَعْتُ ذَاتَ يَوْمٍ فَإِذَا الذِّيبُ قَدْ ذَهَبَ بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِهَا، وَأَنَا رَجُلٌ مِنْ بَنِي آدَمَ، آسَفُ كَمَا يَأْسَفُونَ، لَكِنِّي صَكَكْتُهَا صَكَّةً، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَظَّمَ ذَلِكَ عَلَيَّ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَفَلَا أُعْتِقُهَا؟ قَالَ: «ائْتِنِي بِهَا» فَأَتَيْتُهُ بِهَا، فَقَالَ لَهَا: «أَيْنَ اللهُ؟» قَالَتْ: فِي السَّمَاءِ، قَالَ: «مَنْ أَنَا؟» قَالَتْ: أَنْتَ رَسُولُ اللهِ، قَالَ: «أَعْتِقْهَا، فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ». رواه مسلم.

مع تحيات

اللجنة العلمية لملتقى الخطيب المؤثر أسد المنابر