الأربعاء ، ٢ جمادى الآخر ، ١٤٤٦ هجري | 04 ديسمبر 2024 ميلادي
اوقف الشمس
وصف الخطبة : -

الغرض من الخطبة: بيان أهمية الأوقات، والحث على اغتنامها فيما ينفع، والتحذير من إهدار الأوقات بلا فائدة.


عنوان الخطب (( اوقف الشمس ))

الغرض من الخطبة: بيان أهمية الأوقات، والحث على اغتنامها فيما ينفع، والتحذير من إهدار الأوقات بلا فائدة.

عناصر الخطبة:

1- أهمية الوقت في حياة المسلم.

2- سوف نسأل عن أعمارنا.

3- الحذر من ضياع الأوقات.

4- فيم تقضى الأوقات؟

اوقف الشمس

المقدمة: أما بعد، قال الله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97].

بين يدي الخطبة:

أهمية الوقت في حياة المسلم

إن للوقت أهمية عظيمة في الإسلام، ومكانة خاصة في حياة المسلم، فالوقت هو الحياة، وتضييعه فيما لا يعود على المسلم بمنفعة دينية أو دنيوية خسارة للحياة، ولهذا نبه الله عز وجل في القرآن الكريم على أهمية الوقت، فأقسم سبحانه وتعالى بأجزاء الوقت في محكم كتابه في غير ما آية، فأقسم بالليل والنهار والفجر والعصر، وذلك تنبيهًا على أهميته، والله أعلم.

قال تعالى: {وَالعَصْرِ . إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ . إِلاَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر: 1-3].

قال ابن عباس رضي الله عنهما: العصر هو الزمن، وقال ابن القيم: إن تسمية الدهر عصرًا أمر معروف في لغة العرب.

وأقسم الله سبحانه وتعالى بالزمن لأنه مستودع أعمال العباد خيرها وشرها، ولشرفه وعظمته، ففي هذا القسم ينبه الله الخلق إلى قيمة الوقت وما ينبغي عليهم من الاعتناء به والحرص عليه، وقد أقسم الله بأجزاء الوقت في مواضع أخرى فقال سبحانه: {وَالفَجْرِ . وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [الفجر: 1-2]، وقال تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى . وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} [الليل: 1-2]، وقال جل وعلا: {وَالضُّحَى . وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى} [الضحى: 1-2].

إن الزمن أغلى من الذهب والفضة، فإنهما يعوضان، وأما الزمن فإنه إذا فات لا يعوض، لذا نبَّه النبي صلَّى الله عليْه وسلَّم على الحذر من الغبن في الصحة والفراغ،

فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «نِعْمَتَانِ مَغْبُوْنٌ فِيْهِمَا كَثِيْرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ». أخرجه البخاري، والغبن أن يشتري الإِنسان السلعة بأضعاف ثمنها، فمن صلح بدنه وتفرغ من الأشغال العالقة به، ولم يسع لإِصلاح آخرته، يقال عنه: إنه رجل مغبون، وفي الحديث إشارة إلى أن الزمن نعمة كبرى لا يستفيد منها إلا الموفقون الأفذاذ، وأن المستفيد قليل والكثير مفرط ومغبون.

وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم باغتنام الأعمال فيما ينفع عند الله تعالى، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ: «اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هِرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاءَكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ». أخرجه الحاكم وصححه الألباني.

سوف نسأل عن أعمارنا

إن العبد العاقل يجب عليه أن يستحضر نهايته، ويفكر في مستقبله، ويتذكر عاقبة أمره، فيستغل زمانه في كل شيء يعود عليه بالمصلحة في دينه ودنياه، ولا يفرط في لحظة من لحظات عمره بإضاعتها فيما لا فائدة فيه، متذكرًا قول الله تعالى مخاطبًا لأهل النار: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ}. فقد ذكرهم ربهم تعالى بأنه عَمَّرَهم أي: مد لهم في الأعمار، بحيث يتمكنون من التذكر والتفكر في عاقبة أمرهم ونهايتهم، فيعملون ما فيه نجاتهم من العذاب والنكال، ويشغلون أوقاتهم بما يعود عليهم بالفائدة والخير في دنياهم وأخراهم؛ لكنهم لما لم يغتنموا أعمارهم لم يجدوا جوابا للسؤال، فقد قطع الله الأعذار.

وكل عبد سيُسأل يوم القيامة عن عمره، فعَنْ أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ رضي الله عنه أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ». أخرجه الترمذي وصححه الألباني، وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ: «لَا تَزُولُ قَدَمُ ابْنِ آدَمَ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ، عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ، وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ، وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ». أخرجه الترمذي وحسنه الألباني.

فيُسأَلُ عن عمره على وجه العموم، وعن شبابه على وجه الخصوص؛ لأن الشباب هو محور القوة والنشاط، وعليه الاعتماد في العمل أكثر من غيره في مراحل العمر الأخرى.

الحذر من ضياع الأوقات

إن الوقت له مكانة في حياة المسلم فهو عمره ومحاسب عليه، فينبغي أن يحرص على استغلاله فيما يرضي الله تعالى، ويبتعد عن إضاعته في المعاصي أو اللغو ونحو ذلك من كل ما لا يفيد، ويقتدي بالسلف الصالح في استغلال أوقاتهم في الطاعات والقربات، فمن فعل ذلك جعل الله البركة في وقته وعمره وعمله، ومن نظر إلى سير السلف وقرأ عما أنجزوا في أعمارهم التي هي مثل أعمار غيرهم في الغالب أدرك هذه الحقيقة.

أما تضييع الوقت في غير ذلك فإنه يذهب بركته كما قد يرجع ذلك لكثرة الذنوب والمعاصي أو لاقتراب قيام الساعة.

قال ابن القيم: إضاعة الوقت أشد من الموت، لأن إضاعة الوقت تقطع عليك أمر دنياك وآخرتك.

وقال أيضًا: أعظم الإضاعات إضاعتان هما أصل كل إضاعة: إضاعة القلب وإضاعة الوقت، فإضاعة القلب من إيثار الدنيا على الآخرة، وإضاعة الوقت من طول الأمل، فاجتمع الفساد كله في اتباع الهوى وطول الأمل، والصلاح كله في اتباع الهدى والاستعداد للقاء.

قال الشاعر: وَالوَقْتُ أنْفَسُ مَا عُنِيتَ بِحِفْظِهِ ... وَأَرَاهُ أَسْهَلَ مَا عَلَيْكَ يَضِيعُ

وقال آخر: إنّا لَنفْرحُ بِالأَيامِ نَقْطَعُهَا ... وكُلُّ يَوْمٍ مَضَى يُدْنِي مِنَ الأَجَل

فَاعْمَلْ بِنفَسِكَ قَبْلَ المَوْتِ مُجْتَهِدًا ... فَإِنَّمَا الرِّبْحُ والخُسْرَانُ فِي العَمَل

وقد انشغل كثير من الناس لاسيما الشباب في اللهو ومتابعة اللعب، وها هي أنظار الملايين تتوجه في شتى دول العالم إلى كأس العالم لكرة القدم، والتي أصبحت تشكل اهتماماً عالمياً عند أكثر شعوب العالم، ومنها الشعوب الإسلامية والعربية، وهذا واقع لا مفر منه، ولا جدال فيه، والأصل: أنَّ الإسلامَ يُقِرُّ ويَحُضُّ على الرِّياضةِ الهادفةِ النَّظيفةِ، التي تُتَّخَذُ وسيلةً لا غايةً، وتُلْتَمَسُ طريقاً إِلىَ إيجَادِ الإنْسانِ الفاضِلِ المتميِّزِ بجِسْمِهِ القوِيِّ، وخُلُقِهِ النَّقِيِّ، وعَقْلِهِ الذَّكِيِّ، فمن حقِّنا أن نتمتَّعَ بالرياضةِ، إذا كانت وسيلةً لا غايةً، واسْتِمْتاعاً لا تَعَصُّباً، وإنما المحظور الواقع في بعض أنواع الرياضات اليوم ما يشوبها من المحظورات الشرعية، فظهر في زماننا هذا ظاهرة الهوس الرياضي، والأمراض الرياضية بألوانها المختلفة، وبصورة ألهت كثيرًا من المسلمين شيبًا وشبابًا عن التمسك بالأصالة الإسلامية، وبالخلق الإسلامي القويم، فالرياضة الكروية بالذات، وعلى أنواعها هي حديث المستيقظ والنائم في أحلامه، فنجد الدور التي شيدت لها والأجهزة المختلفة التي ترعاها، وجمعت لها الأموال، وكرم الرياضيون الذين بذلوا الجهد في النهوض بالرياضة، والناس في تشجيعهم فرق وطوائف، فهذا يشجع فريق كذا، وهذا يشجع فريق كذا، حتى في أفراد الأسرة الواحدة، وفي التشجيع والانتماء إلى الفرق حساسيات وكراهية وتفرقة، وقلوب مليئة بالحقد، وآراء لا تلتقي حول نقطة واحدة، فاشتمل الأمر على محاذير يجب التنبه لها والتنبيه عليها، ومن هذه المحاذير والتنبيهات:

أولاً: أن ننتبه إلى سياسة الإلهاء بالرياضة إلى أن تصبح هدفاً أسمى, ومقصداً أعلى لا حديث للناس إلا عنها وفي الوقت الذي يعرف الناس دقائق الأمور والتفصيلات عن الرياضة والرياضيين لا يكادون يعرفون شيئاً من دينهم, وفي الوقت الذي يحفظ فيه بعض شبابنا أسماء الرياضيين وأرقام ملابسهم ولا يحفظ قصار السور من القرآن الكريم.

وسياسة إلهاء الأمة بالرياضة مخطط يهودي صهيوني، ففي البروتوكول الثالث عشر من بروتوكولات حُكَمَاء صهيون قالوا: إنما نوافق الجماهير على التخلي والكف عما تظنه نشاطاً سياسياً إذا أعطيناها ملاهي جديدة...، ولكي نبعدها عن أن تكشف بأنفسها أي خط عمل جديد سنلهيها أيضاً بأنواع شتى من الملاهي, والألعاب ومزجيات للفراغ والمجامع العامة وهلم جرا، وسرعان ما سنبدأ الإعلان في الصحف داعين الناس إلى الدخول في مباريات شتى في كل أنواع المشروعات: كالفن والرياضة وما إليهما هذه المتع الجديدة ستلهي ذهن الشعب حتماً عن المسائل التي سنختلف فيها معه، وحالما يفقد الشعب تدريجاً نعمة التفكير المستقل بنفسه سيهتف جميعاً معنا لسبب واحد: هو أننا سنكون أعضاء المجتمع الوحيدين الذين يكونون أهلاً لتقديم خطوط تفكير جديدة. انتهى.

وبالفعل انشغل شبابنا وكبارنا وصغارنا ـإلا من رحم الله- بهذه الكرة, بل ومن النساء وياللعجب تتخاصم النساء والفتيات من سيفوز الفريق الفلاني أم الفريق الفلاني.

وفي الوقت الذي يموج فيه العالم بالقلاقل والفتن، ويضطرب بالدواهي والمحن، وفي الوقت الذي يلقى فيه إخواننا على أرض فلسطين وسوريا أبشع ألوان الجوع والحصار، وتسلط الأعداء الفجار، وبينما يئن العراق واليمن، في هذا الوقت الساخن نرى المسلمين قد شغلوا بالرياضة والكرة وهذا مايهدف إليه اليهود.

وقد تترك الصلاة من أجلها، أو تؤخر الصلاة من أجلها، وبعضهم يجمع الصلوات من أجل ألا تفوته المباراة، وبعضهم يركع سريعاً ويسجد سريعاً حتى يدرك المشاهدة، وغير ذلك.

ثانيًا: الحذر من التعصب المقيت والجاهلية العمياء:

فالرياضة السليمة لا تؤدي إلى هذا، بل تضبط السلوك وتهذبه، لكن مع التعصب لكرة القدم ترى الشجار والخصام والسباب والهجر، حتى يتقاطع الأرحام وتطلق النساء ويتعادى الأصحاب والأحباب؛ فبدلا من أن يكون الولاء والبراء من أجل الدين والعقيدة، أصبح الآن على كرة القدم التي أصبح لها دولة وسلطان وأشياع وأحلاف، عليها توالي وتعادي الشعوب.

والواقع أن مشاهدة مباراة كرة القدم ينتج عنه حرق الأعصاب، وتضييع الأوقات، والتعصب الممقوت.

ثالثًا: ضياع مفهوم الولاء والبراء بسبب الرياضة:

أدى حب كرة القدم عند بعض الناس إلى اختلاط المفاهيم في الولاء والبراء فأصبح يعادي الشخص لكونه يلعب في الفريق الفلاني ويحبه لذلك، ولو كان على غير ملة الإسلام؛ ففي كثير من الأندية يكون الولاء والبراء للنادي ولاعبيه ولو كانوا كفارًا، وترى في قلبه مكانة لهم ليس إلا لأنه لاعب يلعب الكرة وماهر في التصرف معها، بل ووصل الحال إلى تقليدهم في مشطتهم وملبسهم ومشيتهم ونحو ذلك، وكل هذا من الإعجاب والانبهار بهم.

رابعًا: الإسراف والتبذير وإنفاق الأموال الطائلة من أجل الرياضة:

إن المسلم مسئول ولا شك عن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه, والشريعة الغراء تنهى عن إضاعة المال، وكم هي مظاهر السرف والبذخ في سبيل الرياضة، فترى الرياضة تعطى من الاهتمام مالا تعطاه المدارس أو الجامعات، ومن ذلك شراء اللاعبين المحترفين بالأموال الباهضة, وتجهيز الأندية، والقنوات الرياضية وغير ذلك.

رابعًا: ما يحصل من الإصابات وكشف العوارت والرقص والاختلاط والتصفيق والتصفير وسد الطرقات وإزعاج الناس، وما يكون من السب والشتم وبذاءة الألسن وكثرة الصخب والتخاطب بالفحش ورديء الكلام بل والاقتتال أحيانًا، وغير ذلك مما يقع نتيجة هذه المباريات.

فيم تقضى الأوقات؟

إن الله تعالى لم يخلقنا هملاً ولم يتركنا سدى، بل خلقنا لغاية جليلة وهي عبادته وحده سبحانه وتعالى، قال عز وجل: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون:115] وقال الله جل وعلا: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56].

وعَن أبي بكرةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ خيرٌ؟ قَالَ: «مَن طالَ عمُرُه وحسُنَ عَمَلُهُ». قَالَ: فَأَيُّ النَّاسِ شَرٌّ؟ قَالَ: «مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَسَاءَ عَمَلُهُ». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وصححه الألباني.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَعْمَارُ أُمَّتِي مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى السَّبْعِينَ، وَأَقَلُّهُمْ مَنْ يَجُوزُ ذَلِكَ». أخرجه الترمذي وابن ماجه وحسنه الألباني.

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَعْذَرَ اللَّهُ إِلَى امْرِئٍ أَخَّرَ أَجَلَهُ، حَتَّى بَلَّغَهُ سِتِّينَ سَنَةً». أخرجه البخاري.

ومن الأسباب التي تقوي الإيمان: ملء الوقت بطاعة الله، وهذا أمرٌ عظيمٌ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ صَائِمًا؟» قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَا، قَالَ: «فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ جَنَازَةً؟» قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَا، قَالَ: «فَمَنْ أَطْعَمَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مِسْكِينًا؟» قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَا، قَالَ: «فَمَنْ عَادَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ مَرِيضًا؟» قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ، إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ». أخرجه مسلم.

إن بعض الناس في هذه الدنيا يبحثون عن الفراغ ولا يجدونه لكثرة أعمالهم، وبعض الناس يجدون الفراغ بين يديهم ولكنهم لا يعرفون كيف يقضون أوقاتهم، فكيف يستغلُّ الإنسانُ وقتَه وينظِّمه؟

لا شك أن كل يوم يمر بالإنسان فإنه يقربه إلى الآخرة، ويدنيه من أجله، وأن كل ليل أو نهار يطوى على ما فيه من خير أو شر: قال تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ . وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ}، ولقد أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بالعمل في وقت فراغه بقوله تعالى: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ}، أي: فاعمل في ساعة تتفرغ فيها ما تستفيد منه لآخرتك، وبهذا يعرف أن ليس هناك وقت يسمى فراغا، بل كل ساعة أو جزء منها لا يكون عند الإنسان فيه عمل فسوف يجد ما يعمله فيه، ولو بالذكر والتلاوة والعلم والعمل، فالعاقل يبخل بعمره أن يضيع منه شيء سبهللا، دون أن يستفيد من كل ساعة تمر به، حتى لا يخسر جزءا من حياته.

وإن أفضل ما يعمر به المؤمن وقته ويومه هو الانشغال بالقيام بالفرائض كالصلوات الخمس والصيام الواجب، وبر الوالدين، وصلة الأرحام وغير ذلك من الواجبات، وكذلك القيام بالسنن والمستحبات كالصلوات الراتبة وقيام الليل والصدقة المستحبة، وقراءة القرآن والتسبيح والذكر ونحو ذلك.

إن الوقت هو الظرف الزمنى الذى يؤدى فيه الإِنسان نشاطه الذى يفيد منه فى حياته الدنيوية والأخروية، فضياع أى جزء منه خسارة كبيرة، ويندم يوم القيامة على التفريط فيه، كما قال تعالى فى أهل النار {ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذى كنا نعمل أوَلم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير} [فاطر: 37]، والزمن إذا مضى لا يعود، كما يقول الحسن البصرى: ما من يوم ينبثق فجره إلا نادى مناد: يا ابن آدم أنا خلق جديد، وعلى عملك شهيد: فتزود منى بعمل صالح فإنى لا أعود إلى يوم القيامة.

والعمر وهو رأس مال العبد الذى ينفق منه مهما كثر فهو قليل، ومهما طال فهو قصير، والآمال تخترمها الآجال، ومن هنا حث الإِسلام على المبادرة بالعمل الصالح وعدم ضياع أية لحظة من لحظات العمر فى غير ما يفيد.

وَقَدْ كَانَ كَثِيرٌ مِنْ السَّلَفِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ يَسْتَوْفِي عَلَى النَّفْسِ الْأَعْمَالَ وَيُكْرِهُهَا، عَلَيْهَا اغْتِنَامًا لِلْعُمْرِ.

قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: إنَّ الصَّالِحِينَ كَانَتْ أَنْفُسُهُمْ تُوَاتِيهِمْ عَلَى الْخَيْرِ عَفْوًا، وَإِنَّ أَنْفُسَنَا لَا تَكَادُ تُوَاتِينَا إلَّا عَلَى كُرْهٍ، فَيَنْبَغِي لَنَا أَنْ نُكْرِهَهَا. وَكَانَ عَامِرٌ بْنُ عَبْدِ قَيْسٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يُصَلِّي كُلَّ يَوْمٍ أَلْفَ رَكْعَةٍ، وَقَالَ لَهُ رَجُلٌ قِفْ أُكَلِّمْكَ، قَالَ أَمْسِكْ الشَّمْسَ.

مع تحيات

اللجنة العلمية لملتقى الخطيب المؤثر أسد المنابر