الهدف من الخطبة الحث على اتباع النبي صلى الله عليه وسلمَ، والتحذير من الابتداع والمخالفة.
عنوان الخطب (( اتبعوا ولا تبدعوا))
الهدف من الخطبة الحث على اتباع النبي صلى الله عليه وسلمَ، والتحذير من الابتداع والمخالفة.
عناصر الموضوع:
1- مفهوم البدعة وخطرها.
2- صور من إنكار السلف للبدع.
3- أنواع البدع.
المقدمة: أما بعد، قال الله تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)، قال ابن كثير رحمه الله: هذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادعى محبة الله، وليس هو على الطريقة المحمدية فإنه كاذب في دعواه في نفس الأمر، حتى يتبع الشرع المحمدي والدين النبوي في جميع أقواله وأحواله، كما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد" ولهذا قال: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله} أي: يحصل لكم فوق ما طلبتم من محبتكم إياه، وهو محبته إياكم، وهو أعظم من الأول، كما قال بعض الحكماء العلماء: ليس الشأن أن تُحِبَّ، إنما الشأن أن تُحَبَّ؛ وقال الحسن البصري وغيره من السلف: زعم قوم أنهم يحبون الله فابتلاهم الله بهذه الآية، فقال: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله}. انتهى.
بين يدي الخطبة:
مفهوم البدعة وخطرها
البدعة: عبارة عن طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشريعة، يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه.
قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله: المراد بالبدعة ما أحدث مما لا أصل له في الشريعة يدل عليه، وإن كان بدعة لغة.
وعليه فالبدع كلها مذمومة، وليس منها شيء حسناً أو مستحباً، ويشهد لهذا قوله صلى الله عليه وسلمَ: «وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ . قال شيخ الإسلام: هذا نصُ رسول الله صَلى الله عليه وسلم، فلا يحل لأحد أن يدفع دلالته على ذم البدع... انتهى.
وننبه هنا إلى أن البدع الدنيوية التي لا تخالف الشريعة لا تدخل في الكلام عن البدع، وإنما الكلام عن البدع الدينية، بل إن الشريعة لا تمانع من الاكتشافات والاختراعات النافعة، كالسيارات، والقطارات، والطائرات.. ونحو ذلك.
هذا ولا يجوز ولا يصح تقسيم البدع الدينية إلى بدعة حسنة وبدعة سيئة، ثم يبني على ذلك أحكامًا يتعبد لله تعالى بمقتضاها.
ومن خطر البدع:
1- أن صاحبها قد ضل طريق الجنة، فليس لجنة إلا طريقًا واحدًا هو اتباع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ خَطَّ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطًّا ثُمَّ قَالَ: «هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ ثُمَّ خَطَّ خُطُوطًا عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ وَقَالَ هَذِهِ سُبُلٌ عَلَى كُلِّ سَبِيلٍ مِنْهَا شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ» ثمَّ قَرَأَ (إِن هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبعُوهُ) الْآيَة. رَوَاهُ أَحْمد وَالنَّسَائِيّ وحسنه الألباني.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا يسمع بِي أحدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَّا كَانَ من أَصْحَاب النَّار». رَوَاهُ مُسلم.
2- أن صاحبها على شفا الفتن والعذاب بمخالفته لأمر النبي صلى الله عليه وسلمَ: قال الله تعالى: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)، قال ابن كثير رحمه الله: قوله: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره}، أي: عن أمر رسول الله صَلى الله عليه وسلم، سبيله هو ومنهاجه وطريقته وسنته وشريعته، فتوزن الأقوال والأعمال بأقواله وأعماله، فما وافق ذلك قُبِلَ، وما خالفه فهو مردود على قائله وفاعله، كائنًا ما كان، كما ثبت في الصحيحين وغيرهما، عن رسول الله صَلى الله عليه وسلم أنه قال: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد".
أي: فليحذر وليخش من خالف شريعة الرسول باطنًا أو ظاهرًا {أن تصيبهم فتنة} أي: في قلوبهم، من كفر أو نفاق أو بدعة، {أو يصيبهم عذاب أليم} أي: في الدنيا، بقتل، أو حد، أو حبس، أو نحو ذلك. انتهى.
3- الهلاك في مخالفة الرسول صلى الله عليه وسلمَ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَنْ يَأْبَى؟ قَالَ: «مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى». رَوَاهُ البُخَارِيّ.
4- عصيان أمر الرسول من أسباب حبوط العمل، فعمل المبتدع مردود: قال سبحانه: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ)، وقال: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا)، وقال تعالى: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا . الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا)، قال ابن كثير رحمه الله: هي عامة في كل من عبد الله على غير طريقة مرضية يحسب أنه مصيب فيها، وأن عمله مقبول، وهو مخطئ، وعمله مردود. انتهى.
قال جل ثناؤه: (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ . وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ . عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ . تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً)، قال ابن كثير: قال ابن عباس: تخشع ولا ينفعها عملها. وقوله: {عاملة ناصبة} أي: قد عملت عملا كثيرا، ونصبت فيه، وصليت يوم القيامة نارا حامية. انتهى.
وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رد». متفق عليه.
5- أن أصحاب البدع يطعنون في الدين بلسان حالهم: فإن النبي صلى الله عليه وسلّم ما ترك شيئاً مما يحتاجه الناس في عبادتهم ومعاملتهم وعيشهم إلا بينه، قال الله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نعمتي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِينًا)؛ فكل من ابتدع بدعة في دين الله ولو بقصد حسن، فإن بدعته هذه مع كونها ضلالة تعتبر طعناً في دين الله عز وجل، لأن هذا المبتدع لسان حاله إن الدين لم يكمل، لذلك اخترع فيه وابتدع وزاد ونقص ما ليس من الوحي؛ فيلزم من ذلك وقوع المبتدع في محاذير فاسدة منها:
أولًا: تستلزم تكذيب قول الله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ)؛ لأنه إذا جاء ببدعة جديدة يعتبوها دينًا؛ فمقتضاه أن الدين لم يكمل.
ثانيَّا: تستلزم القدح في الشريعة، وأنها ناقصة، فأكملها هذا المبتدع.
ثالثًا: تستلزم القدح في المسلمين الذين لم يأتوا بها؛ فكل من سبق هذه البدع من الناس دينهم ناقص! وهذا خطير!
6- الابتداع سيئات جارية: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئا». رَوَاهُ مُسلم، وعن أنسِ بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنّ الله حَجَبَ التوبةَ عن كلِّ صاحبِ بدعة حتى يَدعَ بِدعَتَهُ". رواه الطبراني وصححه الألباني.
7- أهل البدع محرمون من السقيا من حوض النبي صلى الله عليه وسلمَ يوم القيامة: فعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنِّي فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ مَنْ مَرَّ عَلَيَّ شَرِبَ وَمَنْ شَرِبَ لَمْ يَظْمَأْ أَبَدًا لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ أَقْوَامٌ أَعْرِفُهُمْ وَيَعْرِفُونَنِي ثُمَّ يُحَالُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَأَقُولُ: إِنَّهُمْ مِنِّي. فَيُقَالُ: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ؟ فَأَقُولُ: سُحْقًا سحقاً لمن غير بعدِي". مُتَّفق عَلَيْهِ، هذا من الخسران العظيم، أن يكون خصم العبد هو النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
8- ما أحدث قوم بدعة؛ إلا هدموا مثلها من السنة: فَعَنْ حَسَّانَ قَالَ: مَا ابْتَدَعَ قَوْمٌ بِدْعَةً فِي دِينِهِمْ إِلَّا نَزَعَ اللَّهُ مِنْ سُنَّتِهِمْ مِثْلَهَا ثُمَّ لَا يُعِيدُهَا إِلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَة. رَوَاهُ الدَّارمِيّ وصححه الألباني.
9- أن هذه البدع توجب تفرق الأمة؛ لأن هؤلاء المبتدعة يعتقدون أنهم أصحاب الحق، وأن غيرهم على ضلال، وأهل الحق يقولون: بل أنتم الذين على ضلال! فتتفرق قلوبهم.
10- البدع أشد خطرًا وضررًا من المعصية: قال ابن القيم رحمه الله: ومعلوم أنّ المذنب إنما ضرره على نفسه، وأما المبتدع فضرره على النوع؛ وفتنة المبتدع في أصل الدين، وفتنة المذنب في الشهوة؛ والمبتدع قد قعد للناس على صراط الله المستقيم يصدَّهم عنه، والمذنب ليس كذلك؛ والمبتدع قادح في أوصاف الربّ وكماله، والمذنب ليس كذلك؛ والمبتدع مناقض لما جاء به الرسول، والعاصي ليس كذلك؛ والمبتدع يقطع على الناس طريقَ الآخرة، والعاصي بطيء السير بسبب ذنوبه. انتهى.
لهذا كانت البدعة أحب إلى إبليس من المعصية، والمعصية قد يتوب صاحبها، والمبتدع يعتقد أنه على الحق والصواب فكيف يتوب؟ إلا أن يهديه الله تعالى ويوفقه.
صور من إنكار السلف للبدع
إن شريعتنا الإسلامية تنكر البدع ولا تقبلها، بل تنبذها وتذمها، وتنصح صاحبها، وتبين له ضلال البدع، ومن أمثلة ذلك:
1- عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قال: جَاءَ ثَلَاثَة رَهْط إِلَى بيُوت أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَمَّا أخبروا كَأَنَّهُمْ تقالوها فَقَالُوا: وَأَيْنَ نَحْنُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟! قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ ، قَالَ أحدهم: أما أَنا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْل أبدًا، وَقَالَ آخر: أَنا أَصوم الدَّهْر وَلَا أفطر، وَقَالَ آخر: أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلَا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: «أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مني». متفق عليه.
2- وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا فَرَخَّصَ فِيهِ فَتَنَزَّهَ عَنْهُ قَوْمٌ فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَطَبَ فَحَمِدَ اللَّهَ ثُمَّ قَالَ: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَتَنَزَّهُونَ عَنِ الشَّيْءِ أَصْنَعُهُ فَوَاللَّهِ إِنِّي لأعلمهم بِاللَّه وأشدهم لَهُ خشيَة». متفق عليه.
3- وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى شَيْخًا يُهَادَى بَيْنَ ابْنَيْهِ فَقَالَ: «مَا بَالُ هَذَا؟» قَالُوا: نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ إِلَى بَيت الله قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَنْ تَعْذِيبِ هَذَا نَفسه لَغَنِيّ» وَأمره أَن يركب. متفق عليه، وفي رواية قال: رَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يُهادَى بَيْنَ اثْنَيْنِ فَقَالَ: "مَا لَهُ؟" قَالُوا: نَذَرَ أَنْ يحجَّ مَاشِيًا؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّ اللَّهَ غنيٌّ عَنْ مَشْيِ هَذَا فَلْيَرْكَبْ". رواه ابن حبان وصححه الألباني.
4- وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: بَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ إِذا هُوَ بِرَجُل قَائِم فَسَأَلَهُ عَنْهُ فَقَالُوا: أَبُو إِسْرَائِيلَ نَذَرَ أَنْ يَقُومَ وَلَا يَقْعُدَ وَلَا يَسْتَظِلَّ وَلَا يَتَكَلَّمَ وَيَصُومَ؛ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مُرُوهُ فَلْيَتَكَلَّمْ وَلْيَسْتَظِلَّ وَلْيَقْعُدْ وَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
5- عَنْ عمرو بن سلمة بن الخرب، ويقال: الحارث الهمداني، ويقال: الكندي الكوفي قَالَ: كُنَّا نَجْلِسُ عَلَى بَابِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَبْلَ صَلَاةِ الْغَدَاةِ، فَإِذَا خَرَجَ، مَشَيْنَا مَعَهُ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَجَاءَنَا أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ: أَخَرَجَ إِلَيْكُمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ قُلْنَا: لَا، بَعْدُ. فَجَلَسَ مَعَنَا حَتَّى خَرَجَ، فَلَمَّا خَرَجَ، قُمْنَا إِلَيْهِ جَمِيعًا، فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، إِنِّي رَأَيْتُ فِي الْمَسْجِدِ آنِفًا أَمْرًا أَنْكَرْتُهُ وَلَمْ أَرَ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ - إِلَّا خَيْرًا. قَالَ: فَمَا هُوَ؟ فَقَالَ: إِنْ عِشْتَ فَسَتَرَاهُ. قَالَ: رَأَيْتُ فِي الْمَسْجِدِ قَوْمًا حِلَقًا جُلُوسًا يَنْتَظِرُونَ الصَّلَاةَ فِي كُلِّ حَلْقَةٍ رَجُلٌ، وَفِي أَيْدِيهِمْ حصًا، فَيَقُولُ: كَبِّرُوا مِائَةً، فَيُكَبِّرُونَ مِائَةً، فَيَقُولُ: هَلِّلُوا مِائَةً، فَيُهَلِّلُونَ مِائَةً، وَيَقُولُ: سَبِّحُوا مِائَةً، فَيُسَبِّحُونَ مِائَةً، قَالَ: فَمَاذَا قُلْتَ لَهُمْ؟ قَالَ: مَا قُلْتُ لَهُمْ شَيْئًا انْتِظَارَ رَأْيِكَ أَوِ انْتظارَ أَمْرِكَ. قَالَ: «أَفَلَا أَمَرْتَهُمْ أَنْ يَعُدُّوا سَيِّئَاتِهِمْ، وَضَمِنْتَ لَهُمْ أَنْ لَا يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِهِمْ»، ثُمَّ مَضَى وَمَضَيْنَا مَعَهُ حَتَّى أَتَى حَلْقَةً مِنْ تِلْكَ الْحِلَقِ، فَوَقَفَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: «مَا هَذَا الَّذِي أَرَاكُمْ تَصْنَعُونَ؟» قَالُوا: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ حصًا نَعُدُّ بِهِ التَّكْبِيرَ وَالتَّهْلِيلَ وَالتَّسْبِيحَ. قَالَ: «فَعُدُّوا سَيِّئَاتِكُمْ، فَأَنَا ضَامِنٌ أَنْ لَا يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِكُمْ شَيْءٌ وَيْحَكُمْ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ، مَا أَسْرَعَ هَلَكَتَكُمْ هَؤُلَاءِ صَحَابَةُ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَافِرُونَ، وَهَذِهِ ثِيَابُهُ لَمْ تَبْلَ، وَآنِيَتُهُ لَمْ تُكْسَرْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّكُمْ لَعَلَى مِلَّةٍ هِيَ أَهْدَى مِنْ مِلَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أوْ مُفْتَتِحُو بَابِ ضَلَالَةٍ» قَالُوا: وَاللَّهِ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، مَا أَرَدْنَا إِلَّا الْخَيْرَ قَالَ: «وَكَمْ مِنْ مُرِيدٍ لِلْخَيْرِ لَنْ يُصِيبَهُ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَنَا أَنَّ قَوْمًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ»، وَايْمُ اللَّهِ مَا أَدْرِي لَعَلَّ أَكْثَرَهُمْ مِنْكُمْ، ثُمَّ تَوَلَّى عَنْهُمْ. فَقَالَ عَمْرُو بْنُ سَلَمَةَ: رَأَيْنَا عَامَّةَ أُولَئِكَ الْحِلَقِ يُطَاعِنُونَا يَوْمَ النَّهْرَوَانِ مَعَ الْخَوَارِجِ. رواه الدارمي وصححه الألباني.
6- عَن عمَارَة بن رويبة: أَنَّهُ رَأَى بِشْرَ بْنَ مَرْوَانَ عَلَى الْمِنْبَرِ رَافِعًا يَدَيْهِ فَقَالَ: قَبَّحَ اللَّهُ هَاتَيْنِ الْيَدَيْنِ لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَزِيدُ عَلَى أَنْ يَقُولَ بِيَدِهِ هَكَذَا وَأَشَارَ بِأُصْبُعِهِ المسبحة. رَوَاهُ مُسلم.
7- وَعَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ: أَنَّهُ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أُمِّ الْحَكَمِ يَخْطُبُ قَاعِدًا فَقَالَ: انْظُرُوا إِلَى هَذَا الْخَبِيثِ يَخْطُبُ قَاعِدًا وَقد قَالَ الله تَعَالَى: (وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوك قَائِما). رَوَاهُ مُسلم.
8- وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْرُجُ يَوْمَ الْأَضْحَى ويم الْفِطْرِ فَيَبْدَأُ بِالصَّلَاةِ فَإِذَا صَلَّى صَلَاتَهُ قَامَ فَأقبل عل النَّاسِ وَهُمْ جُلُوسٌ فِي مُصَلَّاهُمْ فَإِنْ كَانَتْ لَهُ حَاجَة ببعث ذِكْرَهُ لِلنَّاسِ أَوْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ بِغَيْرِ ذَلِكَ أَمَرَهُمْ بِهَا وَكَانَ يَقُولُ: «تَصَدَّقُوا تَصَدَّقُوا تَصَدَّقُوا» . وَكَانَ أَكْثَرَ مَنْ يَتَصَدَّقُ النِّسَاءُ ثُمَّ ينْصَرف فَلم يزل كَذَلِك حَتَّى كَانَ مَرْوَان ابْن الْحَكَمِ فَخَرَجْتُ مُخَاصِرًا مَرْوَانَ حَتَّى أَتَيْنَا الْمُصَلَّى فَإِذَا كَثِيرُ بْنُ الصَّلْتِ قَدْ بَنَى مِنْبَرًا مِنْ طِينٍ وَلَبِنٍ فَإِذَا مَرْوَانُ يُنَازِعُنِي يَدَهُ كَأَنَّهُ يَجُرُّنِي نَحْوَ الْمِنْبَرِ وَأَنَا أَجُرُّهُ نَحْوَ الصَّلَاة فَلَمَّا رَأَيْت ذَلِكَ مِنْهُ قُلْتُ: أَيْنَ الِابْتِدَاءُ بِالصَّلَاةِ؟ فَقَالَ: لَا يَا أَبَا سَعِيدٍ قَدْ تُرِكَ مَا تَعْلَمُ قُلْتُ: كَلَّا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تأتون بِخَير مِمَّا أعلم ثَلَاث مَرَّات ثمَّ انْصَرف. رَوَاهُ مُسلم.
9- قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: الاقتصاد في السنة خير من الاجتهاد في البدعة. رواه الدارمي وصححه الألباني.
وقال أيضاً: اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم وكل بدعة ضلالة.
10- رأى سعيد بن المسيب رحمه الله رجلاً يصلي بعد طلوع الفجر أكثر من ركعتين، يكثر فيهما الركوع والسجود، فنهاه، فقال: يا أبا محمد، يعذبني الله على الصلاة؟! قال: لا؛ ولكن يعذبك على خلاف السنة.
11- قال رجل للإمام مالك بن أنس رحمه الله تعالى: يا أبا عبد الله، من أين أُحْرِم؟ فقال الإمام مالك: من ذي الحليفة، من حيث أحرم رسول الله صَلى الله عليه وسلم، فقال: إني أريد أن أحرم من المسجد من عند القبر. قال: لا تفعل، فإني أخشى عليك الفتنة. فقال: وأي فتنة في هذه؟ إنما هي أميال أزيدها! قال: وأي فتنة أعظم من أن ترى أنك سبقتَ إلى فضيلة قصّر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! إني سمعت الله يقول: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).
12- قال الأوزاعي: اصبر نفسك على السنة، وقِفْ حيث وَقَفَ القوم، وقل بما قالوا، وكُفْ عما كفوا عنه، واسلك سبيل سلفك الصالح فإنه يسعك ما وسعهم.
أنواع البدع
تختلف أنواع البدع بحسب مخالفتها للشرع، من جهة كونها تتعلق بالعقائد، أو بالأحكام، أو بحسب ارتباطها بأزمنة معينة، أو بحسب ما يندرج تحتها من مخالفات للشرع، ومن أنواع تقاسيم أنواع البدع، تقسيمها إلى:
1- بدع فعلية وبدع تَرْكِية: فقد تكون البدع بفعل ما لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلمَ، والتقرب إلى الله تعالى بما لم يتقرب به النبي صلى الله عليه وسلمَ، كتخصيص يومًا ما بصيام، أو بصلاة، ولم يخصصه النبي صلى الله عليه وسلمَ.
وقد تكون البدع بترك ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلمَ بزعم التقرب إلى الله تعالى، كترك بعضهم تناول الطيبات من الرزق الذي أحله الله، وتعذيب النفس وحرمانها من الحلال تعبدًا لله –زعموا-، كترك أكل اللحم مثلاً.
2- بدع اعتقادية وبدع عملية: فالاعتقادية: باعتقاد خلاف ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلمَ، لا على وجه المعاندة للشرع، بل بنوع من شبهة كغلو الرافضة في آل البيت؛ والعملية كالذكر أمام الجنائز،وبدع زيارة القبور.
3- بدع حقيقية وبدع إضافية: فالحقيقية هي التي ليس لها أصل في الشرع تبنى عليه، فالابتداع فيها من جميع الوجوه، مثل: الطواف بغير الكعبة، والوقوف بغير عرفة، ووضع الشموع والهياكل على الأضرحة.
والبدع الإضافية هي ما لها تعلق نسبي بالشرع ولكن يلحق به ما يخرجه عن حد المشروعية، ومن ذلك: صلاة ليلة النصف من شعبان، وصلاة الرغائب في أول جمعة من رجب، وصلاة مؤنس القبر، فالصلاة في الأصل مشروعة، لكن هنا أضيف لها من الهيئات أو الأوقات ما أخرجها عن حد المشروع.
4- بدع الأزمنة والأمكنة: وذلك باعتبار الأزمنة والأمكنة التي تقع فيها، كبدع المولد والأعياد والمواسم، وكبدع المساجد والقبور.
5- بدع كلية وبدع جزئية: فالكلية ما ينشأ عنها خلل كلي في الشريعة، يندرج تحته فروع عديدة، مثل بدعة إنكار السنة النبوية، أو إنكار حجية خبر الآحاد، فإن هذا يندرج تحتها ما لا يحصى من الأحكام والمسائل.
والبدع الجزئية: هي التي لها ضرر على فرع من فروع الشريعة، ولا يتعداها، كبدعة الزيادة في الأذان، ونذر الوقوف في الشمس
مع تحيات
اللجنة العلمية لملتقى الخطيب المؤثر أسد المنابر