الأربعاء ، ٢ جمادى الآخر ، ١٤٤٦ هجري | 04 ديسمبر 2024 ميلادي
أولياء الله تعالى
وصف الخطبة : -

الهدف من الخطبة بيان معنى الولاية، ومن هم أولياء الرحمن وصفتهم وفضلهم، ومن هم أولياء الشيطان


عنوان الخطبة ((أولياء الله تعالى))

الهدف من الخطبة بيان معنى الولاية، ومن هم أولياء الرحمن وصفتهم وفضلهم، ومن هم أولياء الشيطان

عناصر الموضوع

1. من هم أولياء الله؟

2. سبيل الولاية.

3. البشرى لأولياء الله تعالى

4. احذروا أولياء الشيطان

الشتاء ربيع المؤمن

المقدمة: أما بعد، قال الله تعالى: (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ . الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ . لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّ أَوْلِيَاءَهُ هُمُ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ، كَمَا فَسَرَّهُمْ رَبُّهُمْ، فَكُلُّ مَنْ كَانَ تَقِيًّا كَانَ لِلَّهِ وَلِيًّا: أَنَّهُ (لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) فِيمَا يَسْتَقْبِلُونَ مِنْ أَهْوَالِ الْقِيَامَةِ، (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) عَلَى مَا وَرَاءَهُمْ فِي الدُّنْيَا. انتهى.

بين يدي الخطبة:

من هم أولياء الله تعالى؟

إن أولياء الله تعالى هم من وصفهم الله تعالى في قوله: (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ . الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ).

هؤلاء هم أولياء الله حقًا، المتصفون بالإيمان والتقوى، وَالتَّقْوَى: هِيَ فِعْلُ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَتَرْكُ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ.

والْوَلِيُّ: خِلَافُ الْعَدُوِّ، فَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ الْوَلَاءِ وَهُوَ الدُّنُوُّ وَالتَّقَرُّبُ، فَوَلِيُّ اللَّهِ: هُوَ مَنْ وَالَى اللَّهَ بِمُوَافَقَتِهِ مَحْبُوبَاتِهِ، وَالتَّقَرُّبِ إِلَيْهِ بِمَرْضَاتِهِ.

إن للولاية حقيقة؛ فليست الولاية بالزعم ولا التمني، وقد زعم اليهود أنهم أولياء الله، فكذبهم عز وجل، فقال: (قُلْ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ . وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ)، وقال تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ).

إن ولي الله هو المؤمن التقي، المتصف بوصفين: الأول: الإيمان، والثاني: التقوى، فمن كان مؤمناً تقياً فهو ولي الله، وولي الله هو المؤمن التقي، ولي الله هو الذي يوافق الله في محابه ومساخطه، فيفعل ما يحبه الله، ويترك ما يسخطه الله، هذا هو ولي الله.

وتفاضل الناس عند الله إنما هو بالتقوى، لا بالحسب ولا بالنسب ولا بأصل الآباء والأجداد، ولا بالأموال ولا بالمناصب، إنما تفاضلهم عند الله تعالى بالإيمان والأعمال الصالحة، فالله تعالى يقول: (يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).

والولاية لها قسمان: ولاية من الله للعبد، ومنها قوله تعالى: (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ).

وولاية من العبد لله، ومنها قوله تعالى: (وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ).

والولاية التي من الله للعبد منها ولاية عامة لجميع الخلق: بالتدبير والتصريف، وهذه تشمل المؤمن والكافر، فالله هو الذي يتولى عباده بالتدبير والتصريف والسلطان وغير ذلك.

ومنها ولاية خاصة: فالله تعالى يتولى العبد بعنايته وتوفيقه وهدايته، وهذه خاصة بالمؤمنين، قال تعالى: (الله ولي الذين آمنوا).

وهذه الولاية الخاصة لا تنال إلا بالعبودية.

قال ابن القيم رحمه الله: من أراد السعادة الأبدية فليلازم عتبة العبودية، ولا تنال الولاية إلا بطاعة الله.

سبيل الولاية

قَدْ أَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ عَنْ حَالِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ وَمَا صَارُوا بِهِ أَوْلِيَاءَ، فَفِي صَحِيحِ البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ المُؤْمِنِ، يَكْرَهُ المَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ».

فَقَدْ ذَكَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ التَّقَرُّبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى عَلَى دَرَجَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا: التَّقَرُّبُ إلَيْهِ بِالْفَرَائِضِ.

وَالثَّانِيَةُ: هِيَ التَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ بِالنَّوَافِلِ بَعْدَ أَدَاءِ الْفَرَائِضِ.

فالْأُولَى دَرَجَةُ الْمُقْتَصِدِينَ الْأَبْرَارِ أَصْحَابِ الْيَمِينِ.

وَالثَّانِيَةُ دَرَجَةُ السَّابِقِينَ الْمُؤْمِنِينَ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ . عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ . تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ . يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ . خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ).

قَالَ ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: يُمْزَجُ لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ مَزْجًا وَيَشْرَبُهُ الْمُقَرَّبُونَ صِرْفًا.

وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ هَذَا الْمَعْنَى فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ، فَكُلُّ مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقَى اللَّهَ فَهُوَ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ.

قوله: (من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب) هذا وعيد شديد لمن آذى المؤمنين المتقين، وأنه على خطر عظيم؛ لأنه محارب لله، ومن حارب الله فهو هالك.

وهي بشارة للمؤمن التقي، وهي أن الله يدفع عنه، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا)، لأن من عادى ولي الله فهو مبارز لله بالحرب، ثم يقول الرب سبحانه: (وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضته عليه)، يعني: أن أفضل ما يتقرب به العبد إلى الله هو أن يؤدي الفرائض، والفرائض هي: الصلوات الخمس والزكاة وصوم رمضان وحج بيت الله الحرام وبر الوالدين وصلة الرحم وهكذا.

ثم قال الرب سبحانه: (ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه)، يعني: فيه أن العبد إذا تقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض صار من أحباب الله، مثلاً: يتقرب إلى الله بأداء الصلوات الخمس ثم يتقرب إلى الله بأداء السنن الرواتب، وهي: أربع ركعات قبل الظهر، وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل الفجر، ويتقرب إلى الله بصلاة الضحى، ويتقرب إلى الله بصلاة الليل، وسنة الوضوء، وتحية المسجد، كل هذه من النوافل.

كذلك يتقرب إلى الله بالصدقة بعد أداء الزكاة.

كذلك تتقرب إلى الله بعد صيام رمضان بصيام التطوع صيام الإثنين والخميس صيام أيام البيض صيام ست من شوال صيام تسع من ذي الحجة صيام التاسع والعاشر من شهر محرم.

كذلك الحج تؤدي الفريضة ثم تحج نافلة.

إذاً: إذا تقرب العبد إلى الله بالنوافل بعد الفرائض صار من أحباب الله، وإذا صار من أحباب الله يحصل له ما قال الرب سبحانه: (فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، فَبِي يَسْمَعُ وَبِي يُبْصِرُ وَبِي يَبْطِشُ وَبِي يَمْشِي، وَلَئِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَني لَأُعِيذَنَّهُ) هذه كلها آثار ناتجة عن كون العبد محبوباً لله، وقوله: (كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، فَبِي يَسْمَعُ وَبِي يُبْصِرُ وَبِي يَبْطِشُ وَبِي يَمْشِي) المعنى: أن الله يسدده في جوارحه: في سمعه وبصره ويده ورجله، فلا ينظر بعينيه إلى ما حرم الله؛ لأن الله سدده، ولا يسمع بأذنه ما حرم الله، ولا يتناول بيده ويبطش بيده ما حرم الله، ولا يمشي برجله إلى ما حرم الله؛ لأن الله سدده ووفقه، وليس كما يظن بعض الاتحادية الملاحدة، حيث استدلوا بهذا، قالوا: إن الله حل في العبد (فبي يسمع وبي يبصر) (كنت سمعه الذي يسمع به) قالوا: إن الله حل في العبد فصار سمعه، هذا قول الملاحدة الاتحادية، وهذا من أبطل الباطل، تقول: المعنى: أن الله يسدده في جوارحه، فلا يعمل بجوارحه ما يغضب الله، وإنما يستعملها في طاعة الله، وأيضاً مع ذلك: (ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه) المعنى: أن الله يجيب سؤاله، ويعيذه مما استعاذ، ثم قال الرب سبحانه: (وَمَا تَرَدَّدْت عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ قَبْضِ نَفْسِ عَبْدِي الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَكْرَهُ مُسَاءَتَهُ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ) هذا التردد ليس كتردد المخلوق، المخلوق يتردد في الشيء؛ لضعفه وجهله وعدم علمه بالنتائج، أما هذا التردد فهو وصف يليق بالله وجلاله وعظمته، ليس فيه نقص، وإنما هو شيء يليق بجلال الله وعظمته، لا يشابه فيه أحداً من خلقه، وصف يليق بالله ليس كتردد المخلوق الذي يدل على ضعفه وجهله وعدم علمه بالنتائج أو بالعاقبة.

وذلك أن العبد يكره الموت والله تعالى يكره ما يكره عبده المؤمن، ولكن هذا التردد لا يمنع من تغليب إحدى الإرادتين، فتتغلب الإرادة التي قدرها الله، ولهذا قال: (ولا بد له منه) فالعبد يكره الموت والله تعالى يكره ما يسيء للعبد، ولكن لا بد من تغليب إحدى الإرادتين، فالله تعالى يريد للعبد الموت؛ لأنه قدره له، ويريد ما يريده عبده وهو كراهة الموت؛ لأن العبد يكره الموت، لكن لا بد من تغليب إحدى الإرادتين، وهو الموت؛ لأنه مقدر ولا بد له منه.

البشرى لأولياء الله تعالى

قال الله تعالى: (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ . الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ . لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).

في الآية البشرى العظيمة لأولياء الله: (لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ)، فما هي هذه البشرى؟

أولاً: (لا خوف عليهم ولا هم يحزنون)، قال الحافظ ابن كثير رحمه (لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) فِيمَا يَسْتَقْبِلُونَ مِنْ أَهْوَالِ الْقِيَامَةِ، (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) عَلَى مَا وَرَاءَهُمْ فِي الدُّنْيَا. انتهى.

ثانيًا: كل فضل ثبت للمؤمنين أو للمتقين فهو لهم، لأن ولي الله هو المؤمن التقي.

ثالثًا: تبشير الملائكة له عند النزع الأخير وخروج الروح، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمْ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ).

رابعًا: معية الله الخاصة لأوليائه بالنصر والتأييد، والتوفيق والتسديد، كما قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ)، وقال تعالى: (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ).

خامسًا: حسن الجزاء في الآخرة، كما قال تعالى: (وَبَشِّرْ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ).

سادسًا: رعاية الله عز وجل لوليه بتوفيقه وحفظ جوارحه عن المعاصي، كما جاء في الحديث: "كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به".أخرجه البخاري.

سابعًا: الفرج والرزق، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ). قَالَ أَبُو ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَمَّا نَزَلَتِ الْآيَةُ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَبَا ذَرٍّ، لَوْ عَمِلَ النَّاسُ بِهَذِهِ الْآيَةِ لَكَفَتْهُمْ»، فَالْمُتَّقُونَ يَجْعَلُ اللَّهُ لَهُمْ مَخْرَجًا مِمَّا ضَاقَ عَلَى النَّاسِ، وَيَرْزُقُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُونَ، فَيَدْفَعُ اللَّهُ عَنْهُمُ الْمَضَارَّ، وَيَجْلِبُ لَهُمُ الْمَنَافِعَ.

ثامنًا: محبة الله تعالى لأوليائه، وأمره المخلوقات بحبهم: فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا نَادَى جِبْرِيلَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّ فُلاَنًا فَأَحِبَّهُ، فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِي جِبْرِيلُ فِي السَّمَاءِ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّ فُلاَنًا فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، وَيُوضَعُ لَهُ القَبُولُ فِي أَهْلِ الأَرْضِ". رواه البخاري ومسلم، وعَنْ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا حَمَاهُ الدُّنْيَا كَمَا يَظَلُّ أَحَدُكُمْ، يَحْمِي سَقِيمَهُ الْمَاءَ». أخرجه الترمذي وصححه الألباني، وعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «لَا وَاللَّهِ لَا يُلْقِي اللَّهُ حَبِيبَهُ فِي النَّارِ». أخرجه أحمد والحاكم وصححه ووافقه الذهبي وقال على شرط البخاري ومسلم.

تاسعًا: مما أعد الله للولي في الدنيا: استجابة الدعوة، وهذا الذي تضمنه الحديث الذي سبق شرحه: (ولئن سألني لأعطينه).

عاشرًا: ما يجريه الله عز وجل للولي من الكرامات، وأعظمها الاستقامة والثبات على أمر الله، فلا يلزم حصول العجائب وخوارق العادات، بل إن الاستقامة أعظم كرامة، وقد يجري الله على يدي أوليائه من خوارق العادات، كما وقع لمريم عليها السلام، وأصحاب الكهف، والغلام مع الساحر، والصبي الذي خاطب أمه في قصة الأخدود إلى غير ذلك.

احذروا أولياء الشيطان

إن ولي الله هو المؤمن التقي، فله وصفان، الوصف الأول: الإيمان، والوصف الثاني: التقوى، فمن كان مؤمناً تقياً فهو ولي الله، وولي الله هو المؤمن التقي، ولي الله هو الذي يوافق الله في محابه ومساخطه، فيفعل ما يحبه الله، ويترك ما يسخطه الله، هذا هو ولي الله.

وليس ولي الله كما يزعم بعض الناس هو الذي يتصرف في الكون، فهذا الاعتقاد من الكفر؛ فمن ادعى أن أحداً يتصرف في الكون فقد كفر، ومن يسمونهم أولياء يشرعون لهم تشريعات ما أنزل الله بها من سلطان، ويرون أن بعض هؤلاء تسقط عنهم التكاليف، وأنه لا يسأل عن شيء، وأنك تكون بين يدي شيخك وإمامك كالميت بين يدي المغسل، فيفعلون المنكرات وينتهكون الحرمات باسم الولاية، وهذا من ليس من أولياء الله قطعًا، بل هو من أولياء الشيطان، بعضهم يزعم أن الولي هو الذي يتصرف في الكون، وأن له تدبيراً مع الله، وهذا شرك أكبر أعظم من شرك كفار قريش، يقول بعضهم: هناك أوتاد وأقطاب، قد يكون الولي غير معروف؛ وقد يتصرف في الكون وأنت تراه وعليه ثياب مخرقة ومرمي على زبالة وشعوره وأظافيره طويلة، ولا يؤبه له، هذا حسب زعمهم، فكل هذا من الكفر والضلال نعوذ بالله، إن ولي الله هو المؤمن التقي، بدليل قول الله تعالى: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عليهمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ . الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ).

إذاً فولي الله هو المؤمن التقي، وليس الولي كما يزعم هؤلاء أنه من رفعت عنه التكاليف ويفعل الكبائر والكفر ولا يُسأل عما يفعل، أو يزعمون أنه يتصرف في الكون، فهذا كفر وضلال.

وزعم هؤلاء أن أولئك الأولياء قد ارتقوا رتبة ارتفعوا بها عن رتبة الأنبياء ورتبة الرسل، وأصبحوا مقربين عند الله، وأصبحوا يأخذون من المعدن الذي يأخذ منه الملك الذي ينزل على الأنبياء، ويقول قائلهم: مقام النبوة في برزخ فويق الرسول ودون الولي فجعلوا الولي هو الأعلى، وجعلوا دونه النبي، وجعلوا الرسول أنزل الرتب، فهذا غلو منهم، حيث جعلوا الولي أرفع من النبي وأرفع من الرسول، ولا شك أن الولي هو الذي يتولى الله تعالى، يقول تعالى: (وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمْ الْغَالِبُونَ)، فمن كان الله تعالى وليه، ومن تولى الله تعالى ونصر دين الله فهو من حزب الله وهو من الغالبين، ومن كان مؤمناً فهو من أولياء الله: (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمْ الطَّاغُوتُ).

فمن سلك مسلكَ المبتدعين الضالّين لم يكن من أولياء الله المتقين وحزبِه المفلحين وعبادِه الصالحين، مثل الذين يُظهِرون الإشارات الشيطانية، كأمور السحر والشعوذة، وملابسة النيران، واللعب بالحيات والسكاكين والسيوف وأسياخ الحديد، وارتكاب المنكرات التي يفعلونها، مثل الرقص على الغناء والمزامير، ورفع الأصوات بالخُوار كما يخور الثور، وقد قال تعالى: (واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير). وهؤلاء الضُّلاَّل الغُواة حزبُ الشيطان لا يقصدون في مشيهم، ولا يغضّون من أصواتهم، بل يرفعون الأصوات المنكرات، ويرقصون كرقص الدِّباب ونحوها من الحيوانات، ويُعرِضون عن كتاب الله وسنة رسوله، فلا يرغبون في سماع كلامِ الله وكلامِ رسوله وكلامِ الصحابة كما يرغبون في سماع مزامير الشيطان، بل سماع مزامير الشيطان أحبُّ إليهم من سماع كلام الملك الرحمن.

إن اتخاذ التصفيق والغناء والمزامير قربةً وطاعةً وطريقًا إلى الله هو من جنس دين المشركين الذين قال الله فيهم: (وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية)، والمكاء: هو التصويتُ بالفم، كالصفير والغناء، والتصدية: التصفيق باليد.

فذمَّ الله هؤلاء المشركين الذين يجعلون هذا قائمًا مقامَ الصلاة.

وأهل البدع والضلالة أتباعُ الشيطان يُحِبُّون السماع بالدّف والكفّ أكثرَ مما يحبون سماعَ القرآن، ويرون ذلك طريقًا لهم يقدّمونه على استماع القرآن، ويختارون سماعَ أبيات الشيطان على سماع آيات الرحمن. وقد قال عبد الله بن مسعود: الغناء يُنبت النفاقَ في القلب كما يُنبِت الماءُ البقلَ، والذكرُ ينبِتُ الإيمان في القلبَ كما ينبِت الماءُ البقلَ.

وقد يكون عندهم من الشركيات، فيستغيثون بالمخلوق الميت والغائب، يرجونَه ويخافونَه ويدعونه، وهو لا يَسمع كلامهم ولا يرى مكانهم، ولكن الشياطين قد تخاطبهم وقد تتمثل في صورته، فيظنونه أنَ ذلك هو المستغاث به، وإنما هو شيطان تمثل لهؤلاء، كما تتمثل الشياطين للنصارى في صورة من يستغيثون به، ومثل ما تَدخل الشياطينُ في الأصنام وتكلِّم عابديها أحيانًا، كما كان يجري للمشركين من العرب.

فإذا حضر أولياء الله المتقون وحزبُه المفلحون وجندُه الغالبون، فذكروا الرحمن وقرأوا آية الكرسي ونحوها من آيات القرآن نزلت الملائكةُ، فطَردتِ الشياطين، وبطلت أحوالهم. كما قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ما اجتمع قوم في بيتٍ من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه إلا غشيتهم الرحمة، وتنزلتْ عليهم السكينةُ، وحَفتْهم الملائكةُ، وذكرهم الله فيمن عنده". رواه مسلم، ومن قرأ آية الكرسي إذا أوى إلى فراشه لم يزل عليه من اللهِ حافظ، لا يقربه شيطان حتى يُصبِح. كما أخرجه البخاري.

فليس كل من زعم ولاية الله استحقها بل منهم من ليسوا لله بأولياء كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ آلَ أَبِي فُلَانٍ لَيْسُوا لِي بِأَوْلِيَاءَ، إِنَّمَا وَلِيِّيَ اللَّهُ، وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ». أخرجه البخاري ومسلم، وقال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا أَوْلِيَائِي الْمُتَّقُونَ». أخرجه أبو داود وصححه الألباني، وقال الحسن رحمه الله تعالى: ادعى قوم محبة الله، فامتحنهم الله بهذه الآية: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ) الآية، وقال الشافعي رحمه الله تعالى: إذا رأيتم الرجل يمشي على الماء أو يطير في الهواء فلا تصدقوه ولا تغتروا به حتى تعلموا متابعته للرسول صلى الله عليه وسلم.

وَمَا أحْسَنَ قولَ القائلِ:

تعْصي الإِله وأنتَ تُظْهِرُ حُبَّهُ ... هَذَا لَعَمْرِي في القِياسِ بَديعُ

لو كانَ حُبُّكَ صادقا لأطعْتَهُ ... إِنَّ المُحِبَّ لِمَنْ يُحِبُّ مُطيعُ

مع تحيات

اللجنة العلمية لملتقى الخطيب المؤثر أسد المنابر