الأربعاء ، ٢ جمادى الآخر ، ١٤٤٦ هجري | 04 ديسمبر 2024 ميلادي
أول سفير في الإسلام
وصف الخطبة : -

الهدف من الخطبة بيان مناقب مصعب بن عمير رضي الله عنه، والاستفادة من سيرته


عنوان الخطبة ((أول سفير في الإسلام))

الهدف من الخطبة بيان مناقب مصعب بن عمير رضي الله عنه، والاستفادة من سيرته

عناصر الموضوع

1. نشأة مصعب وإسلامه

2. سفير الإسلام إلى المدينة

3. جهاد واستشهاد.

4. الدروس والعبر المستفادة من قصة هذا الصحابى الجليل مصعب .

أول سفير في الإسلام

مقدمة الخطبة: أما بعد، قال الله تعالى: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا).

نشأة مصعب وإسلامه

قال أبو عبد الله مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الزبيري المدني: مُصْعَبٌ الْحَبْرُ هُوَ ابْنُ عُمَيْرِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ، هُوَ الْمُقْرِئُ الَّذِي بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْأَنْصَارِ يُقْرِئُهُمُ الْقُرْآنَ بِالْمَدِينَةِ قَبْلَ قَدُومِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمَ مَعَهُ خَلْقٌ كَثِيرٌ وَشَهِدَ بَدْرًا. أخرجه الحاكم.

وقال أبو نعيم الأصبهاني: مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ الدَّارِيُّ، الْمُحِبُّ الْقَارِيُّ، الْمُسْتَشْهِدُ بِأُحُدٍ. كَانَ أَوَّلَ الدُّعَاةِ، وَسَيِّدَ التُّقَاةِ، سَبَقَ الرَّكْبَ، وَقَضَى النَّحْبَ، وَرَغِبَ عَنِ التَّزْيِيفِ وَالتَّسْوِيفِ، وَغَلَبَ عَلَيْهِ الْحَنِينُ وَالتَّخْوِيفُ. انتهى من حلية الأولياء.

كَانَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ فَتَى مَكَّةَ شَبَابًا وَجَمَالًا وَسَبِيبًا, وَكَانَ أَبَوَاهُ يُحِبَّانِهِ، وَكَانَتْ أُمُّهُ مَلِيئَةً كَثِيرَةَ الْمَالِ، تَكْسُوهُ أَحْسَنَ مَا يَكُونُ مِنَ الثِّيَابِ وَأَرَقَّهُ, وَكَانَ أَعْطَرَ أَهْلِ مَكَّةَ يَلْبَسُ الْحَضْرَمِيَّ مِنَ النِّعَالِ, فَبَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم يَدْعُو إِلَى الْإِسْلَامِ فِي دَارِ أَرْقَمَ بْنِ أَبِي الْأَرْقَمِ, فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ وَصَدَّقَ بِهِ وَخَرَجَ فَكَتَمَ إِسْلَامَهُ خَوْفًا مِنْ أُمِّهِ وَقَوْمِهِ, فَكَانَ يَخْتَلِفُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم سِرًّا فَبَصُرَ بِهِ عُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ يُصَلِّي, فَأَخْبَرَ أُمَّهُ وَقَوْمَهُ فَأَخَذُوهُ فَحَبَسُوهُ فَلَمْ يَزَلْ مَحْبُوسًا حَتَّى خَرَجَ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ فِي الْهِجْرَةِ الْأُولَى, ثُمَّ رَجَعَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ حِينَ رَجَعُوا فَرَجَعَ مُتَغَيِّرَ الْحَالِ قَدْ حَرَجَ, يَعْنِي غَلُظَ, فَكَفَّتْ أُمُّهُ عَنْهُ مِنَ الْعَذْلِ. انتهى من طبقات ابن سعد بتصرف. العذل: اللَّوْم.

سفير الإسلام إلى المدينة

بعد أن بايع الأنصارُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم في مكة بيعة العقبة الأولى، وانتهى موسم الحج سأل الأنصارُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أن يبعث إليهم من يعلمهم القرآن وشرائع الإسلام، ويقوم بنشر الإسلام في المدينة بين الذين لم يزالوا على الشرك، فاختار النبيُّ صلى الله عليه وسلم لهذه السفارة شابًا من شباب الإسلام من السابقين الأولين، وهو مصعب بن عمير العبدري رضي الله عنه.

لقد اتصف مصعب بصفات كثيرة، جعلته يستطيع القيام بهذه المهمة الكبيرة، ومنها:

أولاً: كان مصعب بن عمير من السابقين الأولين للإسلام، فهو يعرف الصبر على المعاناة والألم.

ثانيًا: كان مصعب ممن هاجر إلى الحبشة، فهو يعرف معنى الهجرة والغربة عن الديار والأوطان.

ثالثًا: كان مصعب على علم بالشرع ومعرفة بالقرآن، فهو يحمل المنهج الذي يريد تبليغه.

رابعًا: كان عمر مصعب آنذاك بضعًا وثلاثين سنة، فهو في عنفوان شبابه، مع حكمة وعلم، وذكاء وحلم، ولباقة وتواضع.

خامسًا: كان مصعب بن عمير رضي الله عنه من أشراف أهل مكة، من بني عبد الدار من قريش، فقد يكون هذا مُعَزِزًا لدعوته؛ فإن فيه قدوة للأغنياء الذين يريدون الإسلام ويترددون بسبب مُلكهم أو أموالهم؛ لأن مصعباً يقدم لهم مثالاً حقيقيًا لرجل استطاع أن يترك المال من أجل الدعوة، وكذلك قدوة للفقراء لأنهم سيتأكدون أن الإسلام لا يفرق بين الغني والفقير.

بعث النبي صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير إلى المدينة فانطلق مصعب مهاجرًا إليها، ولما بلغ المدينة نزل على أسعد بن زرارة رضي الله عنه، وأخذا يبثان الإسلام في أهلها بجد وحماس، وكان مصعب يُعرف بينهم بالمُقرئ.

عن البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أنه قَالَ: أَوَّلُ مَنْ قَدِمَ عَلَيْنَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فَجَعَلاَ يُقْرِئَانِنَا القُرْآنَ. أخرجه البخاري، ولابن حبان: قَالَ الْبَرَاءُ: وَكَانَ أَوَّلُ مَنْ قَدِمَ عَلَيْنَا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ أَخُو بَنِي عَبْدِ الدَّارِ بْنِ قُصَيٍّ، فَقُلْنَا لَهُ: مَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: هُوَ مَكَانَهُ وَأَصْحَابُهُ عَلَى أَثَرِي.

بدأ الإسلام ينتشر في ربوع المدينة حتى دخل أكثر بيوتها، ومن أروع ما يروى من نجاحه في الدعوة أن أسعد بن زرارة خرج به يومًا يريد دار بني عبد الأشهل ودار بني ظفر، فدخلا في حائط من حوائط بني ظفر، وجلسا على بئر يقال لها بئر مرق، واجتمع إليهما رجال من المسلمين، وسعد بن معاذ وأسيد بن حضير سيدا قومهما من بني عبد الأشهل يومئذ على الشرك، فلما سمعا بذلك قال سعد بن معاذ لأسيد بن حضير: اذهب إلى هذين اللذين قد أتيا ليُسَفِهَا ضعفاءنا فازجرهما، وانْهَهُمَا عن أن يأتيا دارينا، فإن أسعد بن زرارة ابن خالتي، ولولا ذلك لكفيتك هذا، فأخذ أسيدٌ حربته وأقبل إليهما، فلما رآه أسعدُ قال لمصعب: هذا سيدُ قومه قد جاءك فاصدقِ الله فيه، قال مصعب: إن يجلسْ أكلمْه. وجاء أسيد فوقف عليهما متشتما، وقال: ما جاء بكما إلينا؟ تسفهان ضعفاءنا؟ اعتزلانا إن كانت لكما بأنفسكما حاجة. فقال له مصعب: أَوَتَجْلِسْ فتسمع؟ فإن رضيت أمرا قبلته، وإن كرهته كُفَّ عنك ما تكره، فقال: أنصفتْ، ثم ركز حربته وجلس، فكلمه مصعب بالإسلام، وتلا عليه القرآن. قال: فو الله لعرفنا في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم، وفي إشراقه وتهلله، ثم قال: ما أحسن هذا وأجمله؟ كيف تصنعون إذا أردتم أن تدخلوا في هذا الدين؟ قالا له: تغتسل، وتطهر ثوبك، ثم تشهد شهادة الحق، ثم تصلي ركعتين. فقام واغتسل، وطهر ثوبه، وتشهد وصلى ركعتين، ثم قال: إن ورائي رجلا إن تبعكما لم يتخلف عنه أحد من قومه، وسأرشده إليكما الآن -سعد بن معاذ- ثم أخذ حربته وانصرف إلى سعد في قومه، وهم جلوس في ناديهم، فقال سعد: أحلف بالله لقد جاءكم بغير الوجه الذي ذهب به من عندكم.

فلما وقف أسيد على النادي قال له سعد: ما فعلت؟ فقال: كلمت الرجلين فو الله ما رأيت بهما بأسا، وقد نهيتهما فقالا: نفعل ما أحببت.

وقد حُدثت أن بني حارثة خرجوا إلى أسعد بن زرارة ليقتلوه -وذلك أنهم قد عرفوا أنه ابن خالتك- ليخفروك، فقام سعد مغضبا للذي ذكر له، فأخذ حربته، وخرج إليهما، فلما رآهما مطمئنين عرف أن أسيدا إنما أراد منه أن يسمع منهما، فوقف عليهما متشتما، ثم قال لأسعد بن زرارة: والله يا أبا أمامة لولا ما بيني وبينك من القرابة ما رُمت هذا مني، تغشانا في دارنا بما نكره؟

وقد كان أسعد قال لمصعب: جاءك والله سيد من ورائه قومه، إن يتبعك لم يتخلف عنك منهم أحد، فقال مصعب لسعد بن معاذ: أوتقعد فتسمع؟ فإن رضيت أمرا قبلته، وإن كرهته عزلنا عنك ما تكره، قال: قد أنصفت، ثم ركز حربته فجلس، فعرض عليه الإسلام، وقرأ عليه القرآن، قال: فعرفنا والله في وجهه الإسلام قبل أن يتكلم، في إشراقه وتهلله، ثم قال: كيف تصنعون إذا أسلمتم؟ قالا: تغتسل وتطهر ثوبك، ثم تشهد شهادة الحق، ثم تصلي ركعتين. ففعل ذلك.

ثم أخذ حربته، فأقبل إلى نادي قومه، فلما رأوه قالوا: نحلف بالله لقد رجع بغير الوجه الذي ذهب به.

فلما وقف عليهم قال: يا بني عبد الأشهل، كيف تعلمون أمري فيكم؟ قالوا: سيدنا وأفضلنا رأيا، وأيمننا نقيبة، قال: فإن كلام رجالكم ونسائكم علي حرام حتى تؤمنوا بالله ورسوله. فما أمسى فيهم رجل ولا امرأة إلا مسلما ومسلمة إلا رجل واحد -وهو الأصيرم- تأخر إسلامه إلى يوم أحد، فأسلم ذلك اليوم وقاتل وقتل.

وأقام مصعب في بيت أسعد بن زرارة يدعو الناس إلى الإسلام، حتى لم تبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رجال ونساء مسلمون، حتى ظهر الإسلام وبدأ المسلمون في إقامة الشعائر الظاهرة كصلاة الجمعة، فعَنِ الزُّهْرِيِّ أنه قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمٍ إِلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ لِيُقْرِئَهُمُ الْقُرْآنَ، فَاسْتَأْذَنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُجَمِّعَ بِهِمْ، فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَيْسَ يَوْمَئِذٍ بِأَمِيرٍ، وَلَكِنَّهُ انْطَلَقَ يُعَلِّمُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ. أخرجه عبدالرزاق الصنعاني في مصنفه.

وقبل حلول موسم الحج التالي عاد مصعب بن عمير إلى مكة، يحمل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بشائر الفوز، ويقص عليه خبر قبائل يثرب، وما فيها من مواهب الخير، وما لها من قوة ومنعة.

جهاد واستشهاد

شهد مصعب رضي الله عنه غزوة بدر الكبرى مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو حامل لواء المسلمين فيها.

عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَعَلَّ اللهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ، فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ». متفق عليه، وللبخاري: «اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ، فَقَدْ أَوْجَبْتُ لَكُمُ الجَنَّةَ».

وبعد إنتهاء غزوة بدر مَرَّ مصعبُ بنُ عميرٍ العبدريُّ بأخيه أبي عزيز بن عمير، الذي خاض المعركة ضد المسلمين، مر به وأحد الأنصار يشد يده وثاقًا، فقال: مصعب للأنصاري: شد يديك به، فإن أمه ذات متاع، لعلها تفديه منك، فقال أبو عزيز لأخيه مصعب: أهذه وصاتك بي؟ فقال مصعب: إنه-أي الأنصاري- أخي دونك؛ فَسَأَلْت أُمّهُ عَنْ أَغْلَى مَا فُدِيَ بِهِ قُرَشِيّ، فَقِيلَ لَهَا: أَرْبَعَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ فَبِعْت بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ فَفَدَتْهُ بِهَا.

وغزا مصعب رضي الله عنه مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غزوة أحد، وحمل لواء المهاجرين فيها، فلما نزل بالمسلمين ما نزل في هذه المعركة، واجتمع المشركون حول رسولِ الله صلى الله عليه وسلم يريدون قتله، التف جماعة من الصحابة رضي الله عنهم حول النبي صلى الله عليه وسلم يدافعون عنه ويفدونه بأنفسهم، وكان منهم مصعب بن عمير رضي الله عنه، فقاتل بضراوة بالغة، يدفع عن النبيّ صلى الله عليه وسلم هجوم ابن قميئة وأصحابه، وكان اللواء بيده فضربوه على يده اليمنى حتى قطعت، فأخذ اللواء بيده اليسرى وصمد في وجوه الكفار حتى قطعت يده اليسرى، ثم برك عليه بصدره وعنقه حتى قتل رضي الله عنه، وكان الذي قتله هو ابن قميئة، وهو يظنه رسول الله -لشبهه به- لذلك انصرف ابن قميئة إلى المشركين، يقول: إن محمدا قد قتل وما قتل صلى الله عليه وسلم.

عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ أُتِيَ بِطَعَامٍ وَكَانَ صَائِمًا، فَقَالَ: "قُتِلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَهُوَ خَيْرٌ مِنِّي، كُفِّنَ فِي بُرْدَةٍ، إِنْ غُطِّيَ رَأْسُهُ، بَدَتْ رِجْلاَهُ، وَإِنْ غُطِّيَ رِجْلاَهُ بَدَا رَأْسُهُ". أخرجه البخاري.

وعَنْ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ رضي الله عنه قَالَ: هَاجَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَبِيلِ اللهِ، نَبْتَغِي وَجْهَ اللهِ، فَوَجَبَ أَجْرُنَا عَلَى اللهِ، فَمِنَّا مَنْ مَضَى لَمْ يَأْكُلْ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا، مِنْهُمْ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ، فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ شَيْءٌ يُكَفَّنُ فِيهِ إِلَّا نَمِرَةٌ، فَكُنَّا إِذَا وَضَعْنَاهَا عَلَى رَأْسِهِ، خَرَجَتْ رِجْلَاهُ، وَإِذَا وَضَعْنَاهَا عَلَى رِجْلَيْهِ، خَرَجَ رَأْسُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ضَعُوهَا مِمَّا يَلِي رَأْسَهُ، وَاجْعَلُوا عَلَى رِجْلَيْهِ الْإِذْخِرَ»، وَمِنَّا مَنْ أَيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ، فَهْوَ يَهْدِبُهَا. أخرجه البخاري ومسلم.

الدروس والعبر المستفادة من قصة هذا الصحابى الجليل مصعب

1) اذا رسخت محبة الله عز وجل في قلب العبد المؤمن وعمقت جذورها كانت مرضاه الله هي الغاية من كل شيء وآثره على كل شيء وضحى من اجله بكل شيء ، فانظر الى ذلك الشاب الريان المنعم مصعب بن عمير الذى غُذيَّ بالنعمة وشب تحت خمائلها كيف دفعته محبة الله عز وجل ومحبة رسوله الى الخروج من تلك النعمة الوافرة الى حياة الشظف والفاقة فاصبح لا يرى الا مرتدياً أخشن الثياب يأكل يوماً ويجوع يوماً .

2) ان العبد اذا انشرح صدره للإيمان فإنَّ اعتي قوى المعارضة التي تعترضه هي المعارضة الداخلية التي تنشأ من داخل البيت ، ولست القوى الخارجية ، فلو أن مكة بكل أصنامها وأشرافها وصحرائها استحالاً هولاً يصارع مصعب لاستخف بها ولكنه كان يهاب أمه التي تتمتع بقوة شخصتها الى حد الرهبة.

3) من أسباب العز والنصر والتمكين وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، فقد اختار المصطفى r مصعباً ليكون سفيره الى المدينة يفقهُ الأنصار الذين بايعوا المصطفى بيعة العقبة الأولى، ويدعوا غيرهم الى دين الله ويُعدُ المدينة ليوم الهجرة العظيم، ولقد دخل مصعب المدينة ولم يكن بها سوى اثني عشر مسلماَ، وهم الذين بايعوا الرسول بيعة العقبة الأولى، ولم يكد يقيم بينهم حتى استجاب معظم أهل المدينة لله ورسوله .

4) الفطنة وفقه الدعوة واللين والقدرة على الإقناع هي من أهم الأسلحة التي يتسلح بها الدعاة فما دخل اللين في شيء الا وازنه وما نُزع منه الا وشانه،…فانظر الى أسيد بن حضير كيف كان شاهراً حربته متوهجاً غضباً وحنقاً على هذا الفتى الى جاء يُفتنُ قوم أسيد عن دينهم، واذا به يقابله مصعب مثل هدوء البحر وقوته ،وفي مثل ضوء الفجر ووداعته، ينساب منه الكلم الطيب على لسانه " أولا تجلس فتستمع.؟ ‍ فإذا رضيت أمرنا قبلته ، وإن كرهته كففنا عنك ما تكره ، دعاه الى الاحتكام الى الضمير فما كان من أسيد إلا أن قال : أنصفت وجلس يصغى.

5) إنَّ إسلام رؤوس القوم قد يكون رحمة بالعناصر ، وإن إسلام الزعماء والرؤساء والتزامهم بدين الله تعالى يكون رحمة بالشعوب، فمجرد ما أسلم أسيد بن حضير، وسعد بن معاذ ، وسعد بن عبادة لم يكن أمام الباقين الا الدخول مهرولين أفواجاً في دين الله تعالى.

6) إن واجب حماية هذا الدين ، والدفاع عنه ، قد يكلف الإنسان حياته في سبيل دينه ، فها هو مصعب يحمل اللواء يوم أحد فتقطع يده اليمنى ثم اليسرى ، ثم يطعن بالرمح فيخرُ شهيداً بعد أن خاض في استبسال عظيم معركة الفداء والإيمان .

مع تحيات

اللجنة العلمية لملتقى الخطيب المؤثر أسد المنابر