السبت ، ٢١ جمادى الأول ، ١٤٤٦ هجري | 23 نوفمبر 2024 ميلادي
حـق شـعبـان
وصف الخطبة : - أيها القاريء الكريم : شعبان هو شهر المنحة الربانية التي يهبها الله لأمة محمد ؛ فإن لله في أيام دهره لنفحات يتفضَّل بها على عباده بالطاعات والقربات، ويتكرَّم بها عليهم بما يعدُّه لهم من أثر تلك العبادات، ومن تلك الأشهر شهر شعبان، وهو هديةٌ من هدايا رب العالمين إلى عباده الصالحين، فمن قَبِلها غنم، ومن ردَّها ندم. فشهر شعبان شهر عظيم، عظمَّه رسول الله فحري بنا أن نعظمه، وأن يكثر من العبادة والاستغفار فيه تماماً كما جاء وصح عن النبي في ذلك .

المقال الاسبوعي فى جريدة الفتح 
لفضيلة الشيخ الدكتور محمود الحفناوي الأنصاري

حـق شـعبـان
كتبه د . محمود الحفناوي الأنصاري
الحمد لله على إحسانه والشكر له سبحانه على توفيقه وامتنانه ، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه ..
أيها القارئ الكريم : موعدنا مع ( حق شهر شعبان ).
أيها القاريء الكريم : شعبان هو شهر المنحة الربانية التي يهبها الله لأمة محمد ؛ فإن لله في أيام دهره لنفحات يتفضَّل بها على عباده بالطاعات والقربات، ويتكرَّم بها عليهم بما يعدُّه لهم من أثر تلك العبادات، ومن تلك الأشهر شهر شعبان، وهو هديةٌ من هدايا رب العالمين إلى عباده الصالحين، فمن قَبِلها غنم، ومن ردَّها ندم.
فشهر شعبان شهر عظيم، عظمَّه رسول الله فحري بنا أن نعظمه، وأن يكثر من العبادة والاستغفار فيه تماماً كما جاء وصح عن النبي في ذلك .
فضل شعبان
ففي الصحيحين عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: "ما رأيت النبي استكمل صيام شهر قط إلا رمضان، وما رأيته في شهر أكثر صياماً منه في شعبان" البخاري ومسلم.
وفي البخاري في رواية: " كان يصوم شعبان كله." وفي مسلم في رواية: " كان يصوم شعبان إلا قليلاً".
عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أنه سأل النبي فقال: يا رسول الله لم أرك تصوم شهر من الشهور ما تصوم في شعبان ، فقال : " ذلك شهر يغفل عنه الناس بين رجب ورمضان ، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى الله تعالى فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم " ..
حكمة إكثار النبي من الصيام في شعبان
لم يختلف الصحابة الكرام في حالِ النبي في شهر شعبان، وكيف كان يُكثر الصيام فيه، فما الحكمة من ذلك؟!
وقد ذكر الحافظ ابن رجب الحنبلي -رحمه الله تعالى- في بيان حكمة إكثار النبي من الصيام في شعبان: أن شهر شعبان يغفُل عنه الناس بين رجب ورمضان؛ حيث يكتنفه شهران عظيمان، الشهر الحرام رجب وشهر الصيام رمضان، فقد اشتغل الناس بهما عنه فصار مغفولاً عنه، وكثير من الناس يظن أن صيام رجب أفضل من صيامه؛ لأن رجب شهر حرام، وليس الأمر كذلك.
وفي قوله: " يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان".. دليل على استحباب عمارة الأوقات التي يغفل عنها الناس ولا يفطنون لها، كما كان في بعض السلف، يستحبون إحياء ما بين العشاءين (المغرب والعشاء)، ويقولون: هي ساعة غفلة. 
فضل ليلة النصف من شعبان
في هذا الشهر ليلة عظيمة أيضاً هي ليلة النصف من شعبان عظَّم النبي عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، عن النبي قال: " يطلع الله إلى جميع خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن" رواه الطبراني وابن حبان وهو حديث صحيح.
فمن دعا غير الله تعالى فقد أشرك ، ومن سأل غير الله فقد أشرك ، ومن زار قبر النبي وسأله قضاء الحاجات فقد أشرك ، ومن ذبح لغير الله فقد أشرك، ومن أقرَّ المولد عند قبر الحسين أو المرغني أو سيدتهم زينب، أو الدسوقي، أو البدوي، أو أبو العباس ، أو القناوي، أو والشاذلي، أو الشعراني أو ابن العربي أو إلى غير ذلك من الأضرحة فمن فعل ذلك وسألهم الحاجات فقد كفرو وأشرك ، ومن حكَّم غير شرع الله وارتضى ذلك فقد أشرك .. .. والمشرك لا يطّلع الله عليه ولا يغفر له الذنوب.. 
وكذلك من كانت بينهما شحناء وعداوة لا يغفر الله لهما حتى يصطلحا ..
سبحان الله يستصغر الناس مثل هذه الأمور .. لذلك ترى اليوم في مجتمعنا ظهور هذه الصفات الذميمة بين أفراده.. وخصوصاً الذي يعمرون المساجد يبغض بعضهم لمجرد أمر حقير لا يستحق أن يذكر ، وإني لأذكرهم بحديث النبي هذا .. والمطلوب منهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا ..
وليكن الذين هم على شحناء وعداوه على علم ودراية بخطورة هذا الأمر، وأنَّ الشحناء والبغضاء بين أخوة الإيمان سبب في عدم قبول صلاتهم، وعدم قبول أعمالهم، وعدم تطلع ربّ العزة والجلال إليهم في ليلة النصف من شعبان ..{ يَومَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ ، إلاَّ مَن أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلَيمٍ }.. قلب لا يحمل حقداً ولا حسداً ولا غشاً على أحد من المسلمين ..
من حق شهر شعبان علينا
أ - التهيئة الإيمانية التعبدية: التوبة الصادقة أولاً، والإقلاع عن الذنوب والمعاصي وترك المنكرات، والإقبال على الله، وفتح صفحة جديدة بيضاء نقية. الإكثار من الدعاء (اللهم بلغنا رمضان)؛ فهو من أقوى صور الإعانة على التهيئة الإيمانية والروحية.
- الإكثار من الصوم في شعبان؛ تربيةً للنفس واستعدادًا للقدوم المبارك، ويفضَّل أن يكون الصوم على إحدى صورتين: إما صوم النصف الأول من شعبان كاملاً، وإما صوم الاثنين والخميس من كل أسبوع مع صوم الأيام البيض.
- العيش في رحاب القرآن الكريم، والتهيئة لتحقيق المعايشة الكاملة في رمضان؛ وذلك من خلال تجاوز حد التلاوة في شعبان لأكثر من جزء في اليوم والليلة، مع وجود جلسات تدبُّر ومعايشة القرآن.
- تذوَّق حلاوة قيام الليل من الآن بقيام ركعتين كل ليلة بعد صلاة العشاء، وتذوَّق حلاوة التهجد والمناجاة في وقت السحَر بصلاة ركعتين قبل الفجر مرةً واحدةً في الأسبوع على الأقل.
- تذوَّق حلاوة الذكر، وارتع في "رياض الجنة" على الأرض، ولا تنسَ المأثورات صباحًا ومساءً، وأذكار اليوم والليلة، وذكر الله على كل حال.
ب- التهيئة العلمية: قراءة أحكام وفقه الصيام كاملاً ( الحد الأدنى من كتاب فقه السنة للشيخ سيد سابق )، ومعرفة تفاصيل كل ما يتعلق بالصوم، ومعرفة وظائف شهر رمضان، وأسرار الصيام (من كتاب إحياء علوم الدين)،. مراجعة ما تم حِفْظُه من القرآن الكريم؛ استعدادًا للصلاة في رمضان، سواءٌ كنت إمامًا أو منفردًا .
ج- التهيئة الدعوية: إعداد وتجهيز بعض الخواطر والدروس والمحاضرات والخطب الرمضانية والمواعظ والرقائق الإيمانية والتربوية للقيام بواجب الدعوة إلى الله خلال الشهر الكريم.
- العمل على تهيئة الآخرين من خلال مكان الوجود -سواءٌ في العمل أو في الدراسة- بكلمات قصيرة ترغِّبهم بها في طاعة الله. الإعداد والتجهيز لعمل مسابقة حفظ القرآن في مكان الوجود.
د- التهيئة الأسرية: تهيئة مَن في البيت من زوجة وأولاد لهذا الشهر الكريم، وكيفية الاستعداد لهذا الضيف الكريم، ووضع برنامج لذلك.
- ممارسة بعضٍ من التهيئة الإيمانية السابقة مع الأسرة ، من صوم وقيام وتلاوة قرآن وذكر وغيرها .
هـ- تجهيز النيات : العمل الصالح في رمضان، واستحضار أكثر من نية من الآن، ومن تلك النيات: ( نية التوبة إلى الله، نية فتح صفحة جديدة مع الله، نية تصحيح السلوك وتقويم الأخلاق، نية الصوم الخالص لله، نية ختم القرآن أكثر من مرة، نية قيام الليل والتهجد، نية الإكثار من النوافل، نية طلب العلم، نية نشر الدعوة بين الناس، نية السعي إلى قضاء حوائج الناس، نية العمل لدين الله ونصرته، نية العمرة، نية الجهاد بالمال... إلخ ) .
د - التهيئة الجهادية : وهي تحقيق معنى "مجاهدًا لنفسه"؛ وذلك من خلال:
- منع النفس من بعض ما ترغب فيه من ترف العيش، والزهد في الدنيا وما عند الناس، وعدم التورط في الكماليات من مأكل ومشرب وملبس، كما يفعل العامة عند قدوم رمضان.
- التدريب على جهاد اللسان فلا يرفث، وجهاد البطن فلا يستذل، وجهاد الشهوة فلا تتحكم، وجهاد النفس فلا تطغى، وجهاد الشيطان فلا يمرح، ويُرجع في ذلك إلى كتيب، ورد محاسبة يومي على بنود التهيئة الرمضانية.
البدع في شعبان 
- قال الحافظ العراقي رحمه الله: (حديث صلاة ليلة النصف موضوع على رسول الله وكذب عليه ).
- وقال الإمام النووي -رحمه الله- في كتابه "المجموع": ( الصلاة المعروفة بصلاة الرغائب...، وصلاة ليلة النصف من شعبان مائة ركعة، هاتان الصلاتان بدعتان منكرتان، ولا يغترّ بذكرهما في كتاب قوت القلوب وإحياء علوم الدين، ولا بالحديث المذكور فيهما؛ فإن كل ذلك باطل. ولا يغتر ببعض من اشتبه عليه حكمهما من الأئمة فصنَّف ورقات في استحبابهما، فإنه غالط في ذلك ) .
- وقال العلامة ابن باز -رحمه الله- بعد أن ساق الأدلة على بدعية ذلك: (ومما تقدم من الآيات والأحاديث وكلام أهل العلم، يتضح لطالب الحق أن الاحتفال بليلة النصف من شعبان بالصلاة أو غيرها، وتخصيص يومها بالصيام بدعة منكرة عند أكثر أهل العلم، وليس له أصل في الشرع المطهر، بل هو مما حدث في الإسلام بعد عصر الصحابة رضي الله عنهم ) .
- وقال الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله: ( إن الله تعالى لم يشرع للمؤمنين في كتابه ولا على لسان رسوله ولا في سنته عملاً خاصًّا بهذه الليلة ) .
وأخيرا 
إن هذا الاهتمام بشهر شعبان ، وهذه العبادة فيه، ما هي إلا استعدادا لشهر رمضان ، من نفذها وفعلها كان من أسعد الناس برمضان ، وكان من أعبد الناس في رمضان بتوفيق الحنان المنان .
اللهم بلغنا رمضان في صحة وعافية وأمن ... أمين ..