السبت ، ٢١ جمادى الأول ، ١٤٤٦ هجري | 23 نوفمبر 2024 ميلادي
الشباب وهموم الأمة
وصف الخطبة : - بيان الشباب وتحميلهم المسئولية.

عنوان الخطبة ((الشباب وهموم الأمة))
الهدف من الخطبة  بيان الشباب وتحميلهم المسئولية.
عناصر الموضوع
1) شاب نشأ في طاعة الله.   
2)  الشباب وتحمل المسئولية.     
3) نماذج عملية من تحمل الشباب للمسئولية.
الشباب وهموم الأمة 
مقدمة الموضوع : أما بعد، قال الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}، هذه هي الغاية النبيلة التي خلق الله تعالى لها الخلق، وهذه الغاية العظيمة مخاطب بها الجن والإنس، والرجال والنساء، والشباب والكبار.
شاب نشأ في طاعة الله
إن التكاليف الشرعية لديننا العظيم ليست قاصرة على فئة معينة من الناس بل كل بالغ عاقل له حظ منها، مخاطب بها، مسئول عنها.
والشبابُ جزء من أمتنا الإسلامية، ولأن مرحلة الشباب تتميز بالطاقة والحركة والقوة فقد يكون على الشباب من تحمل المسئولية، والقيام بأباء الدعوة وتبليغ الرسالة أكثر مما على غيرهم.
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلمَ فضيلة الشباب الذين صدق إيمانهم وخلصت أعمالهم وطهرت نفوسهم وامتثلوا مبكرًا، التزموا شبابًا ولم يؤجلوا حتى المشيب، شباب نشأوا في طاعة الله، أولئك لهم فضل وشرف وأجر عظيم، أولئك يأمنون حينما يخاف الناس، ويستظلون حينما تدنو الشمس من الرؤوس ويبلغ العرق من الناس مبلغه.
روى الإمامان البخاري ومسلم رحمهم الله تعالى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ: «سَبْعَة يظلهم الله تَعَالَى فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ إِمَامٌ عَادِلٌ وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ وَرجل قلبه مُعَلّق بِالْمَسْجِدِ وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ وَرجل دَعَتْهُ امْرَأَة ذَات منصب وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ».
لما كان الشباب أصغر سنًا من الشيوخ، وأقل خبرة ودراية وممارسة منهم، وأكثر تعرضًا للفتن، وأشد ميولاً للشهوات والشبهات، كان هذا الأجر العظيم والفضل الكبير لشباب نشأوا في طاعة الله.
شبابٌ أحبوا الله تعالى وامتثلوا أوامرَه، واجتنبوا ما نهى عنه.
شبابٌ أحبوا الرسول صلى الله عليه وسلمَ وتمسكوا بهديه وتركوا ما حذر منه.
شبابٌ لم تهلكهم الشبهات، ولم يخضعوا لها أو ينشغلوا بها أو يستمعوا لأهلها.
شبابٌ لم يقعوا فريسة للشهوات، فلم يناموا على المنكرات ولم يستيقظوا على الملذات. 
شبابٌ لم يتعاطوا المسكرات والمخدرات، ولم يتعرضوا للبنات والمحرمات.
شبابٌ لم يركنوا إلى الدنيا ولم يبيعوا دينهم بعرض من الدنيا قليل. 
شبابٌ لم ينخدعوا بصحبة السوء، ولا أعمالِ السوء، ولا سماعِ السوء، ولا رؤيةِ السوء.
شبابٌ لم يتأثروا بالتقليد الأعمى، والسير خلف أهل اللهو والهوى. 
شبابٌ عرضوا أنفسهم في سوق العبودية وباعوا أنفسم لله تعالى برضاه وسلعته الغالية.
أيها الشباب! الموت لا يفرق بين كبير وصغير ولا رجل ولا امرأة ولا شاب ولا شيخ، فاستعدوا، واعلموا أن من جرى عليه القلم مبعوث وموقوف بين يدي ربه عز وجل.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالفَرَاغُ". أخرجه البخاري.
قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: ما شبهت الشباب إلا بشيء كان فِي كُمِّي فسقط. انتهى من طبقات الحنابلة.
وكَانَ الْحَسَنُ البصري كَثِيرًا مَا يَقُولُ: يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، عَلَيْكُمْ بِالْآخِرَةِ فَاطْلُبُوهَا؛ فَكَثِيرًا رَأَيْنَا مَنْ طَلَبَ الْآخِرَةَ فَأَدْرَكَهَا مَعَ الدُّنْيَا، وَمَا رَأَيْنَا أَحَدًا طَلَبَ الدُّنْيَا فَأَدْرَكَ الْآخِرَةَ مَعَ الدُّنْيَا. انتهى من الزهد الكبير للبيهقي.
قال محمد بن يوسف الفريابي: كان سفيان الثوري يقيمنا بالليل يقول: قوموا يا شباب صلوا ما دمتم شبابا. انتهى من الجرح والتعديل لابن أبي حاتم.
وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجلٍ وهو يَعِظُه: "اغْتَنِمْ خَمْساً قبلَ خَمْسٍ: شبابَكَ قبلَ هَرمِكَ، وصِحَّتَك قبل سَقْمِكَ، وغِناكَ قبْلَ فقْرِكَ، وفَراغَك قَبْلَ شُغْلِكَ، وحياتَك قَبْلَ مَوْتِكَ". رواه الحاكم وصححه ووافقه الألباني.
وعن معاذ بن جبلٍ رضي الله عنه أنه قال: قال رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَنْ تزولَ قدما عبدٍ يومَ القيامَةِ حتى يُسْأَلَ عن أربِع خِصالٍ: عَنْ عمُرهِ فيمَ أَفْنَاهُ؟ وعَنْ شَبابِه فيمَ أَبْلاهُ؟ وعنْ مَالِه مِنْ أيْنَ اكْتَسَبَهُ وفيمَ أَنفَقَهُ؟ وعَنْ علْمِهِ ماذا عَمِلَ فيهِ". رواه البزار والطبراني وصححه لغيره الألباني، وفي رواية: {وعن جِسمِه فِيمَ أبلاه}. رواه الترمذي وصححه الألباني.
أيها الشباب! ما الحياة التي تريدون أن تعيشوها؟ ما الأهداف التي تتمنون تحقيقها؟ ما الغايات التي ترجون الوصول إليها؟
إنهما طريقان لا ثالث لهما: {فَأَمَّا مَنْ طَغَى . وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا . فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى . وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى . فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى}.
الشباب وتحمل المسئولية
إن الإنسان يمر في حياته بمراحل عمرية مختلفة، ولكل مرحلة منها ما يميزها، ومرحلة الشباب تتميز بالطاقة والحركة والقوة، كما قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ}، وقال سبحانه: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا}.
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ: «مَنْ فَعَلَ كَذَا وَكَذَا، فَلَهُ مِنَ النَّفَلِ كَذَا وَكَذَا». قَالَ: فَتَقَدَّمَ الْفِتْيَانُ وَلَزِمَ الْمَشْيَخَةُ الرَّايَاتِ فَلَمْ يَبْرَحُوهَا، فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَالَ الْمَشْيَخَةُ: كُنَّا رِدْءًا لَكُمْ لَوِ انْهَزَمْتُمْ لَفِئْتُمْ إِلَيْنَا، فَلَا تَذْهَبُوا بِالْمَغْنَمِ وَنَبْقَى، فَأَبَى الْفِتْيَانُ وَقَالُوا: جَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَنَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} إِلَى قَوْلِهِ: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ، وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ}. أخرجه أبو داود وصححه الألباني.
وكان العلماء في تعليمهم وتدريسهم يعتنون بالشباب، ويحرصون عليهم؛ لكونهم أقدر من غيرهم على حمل العلم وتبليغه، حيث يتوفر فيهم القوة والنشاط، وحدة الذهن، وصفاء النفس، وصدق الرغبة، وقوة الحافظة، وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ إِذَا رَأَى الشَّبَابَ قَالَ: مَرْحَبًا بِوَصِيَّةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْصَانَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُوَسِّعَ لَكُمْ فِي الْمَجْلِسِ، وَأَنْ نُفَهِّمَكُمُ الْحَدِيثَ فَإِنَّكُمْ خُلُوفُنَا، وَأَهْلُ الْحَدِيثِ بَعْدَنَا، وَكَانَ يُقْبِلُ عَلَى الشَّابِّ فيَقُولُ لَهُ: يَا ابْنَ أَخِي، إِذَا شَكَكْتَ فِي شَيْءٍ فَسَلْنِي حَتَّى تَسْتَيْقِنَ، فَإِنَّكَ إِنْ تَنْصَرِفْ عَلَى الْيَقِينِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ تَنْصَرِفَ عَلَى الشَّكِّ. أخرجه البيهقي في شعب الإيمان.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: ما بعث الله نبيًّا إلا وهو شاب، ولا أوتي عالم علمًا إلا وهو شاب. أخرجه الطبراني في الأوسط. 
وكان الحسن البصري رحمه الله يقول: قَدِّموا إلينا أحداثكم، فإنهم أفرغ قلوبًا، وأحفظ لما سمعوا، فمن أراد الله أن يتمه له أتمه. 
وقال مالك بن دينار رحمه الله: إنما الخير في الشباب. 
وعن سعيد بن رحمة الأصبحي أنه قال: كنت أسبق إلى مجلس عبد الله بن المبارك بليل، معي أقراني، لا يسبقني أحد، ويجيء هو مع الأشياخ، فقيل له: قد غلبنا عليك هؤلاء الصبيان. فقال: هؤلاء أرجى عندي منكم، أنتم كم تعيشون؟ وهؤلاء عسى الله أن يَبْلُغ بهم. قال سعيد: فما بقي أحد غيري. 
ولما كلف أبو بكر، رضي الله عنه، زيد بن ثابت، رضي الله عنه، بجمع القرآن، قال له: إِنَّكَ رَجُلٌ شَابٌّ عَاقِلٌ وَلَا نَتَّهِمُكَ، كُنْتَ تَكْتُبُ الْوَحْيَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- فَتَتَبَّعْ الْقُرْآنَ فَاجْمَعْهُ.. أخرجه البخاري. قال الحافظ ابن حجر: ذكر له أربع صفات مقتضية خصوصيته بذلك: كونه شابًّا فيكون أنشط لما يطلب منه، وكونه عاقلاً فيكون أوعى له، وكونه لا يتهم فتركن النفس إليه، وكونه كان يكتب الوحي فيكون أكثر ممارسة له، وهذه الصفات التي اجتمعت له قد توجد في غيره لكن مفرقة. انتهى من فتح الباري.
والشاب إذا وفق للاستقامة والثبات على الدين، وسلوك مسلك الاعتدال والوسط، والبعد عن الغلو والإفراط؛ فهو على خير عظيم، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظله إلا ظله: شابًّا نَشَأ في طَاعَةِ اللهِ. 
والشباب بما أعطاهم الله من القوة والنشاط والحماس بحاجة إلى الاستفادة من حكمة الشيوخ، وتجاربهم في الحياة، وحسن نظرهم في العواقب ومآلات الأمور، وهذا ظاهر في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أَنَّ أُنَاسًا مِنَ الْأنْصَارِ قَالُوا يَوْمَ حُنَيْنٍ حِينَ أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَمْوَالِ هَوَازِنَ مَا أَفَاءَ فَطَفِقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْطِي رِجَالًا مِنْ قُرَيْشٍ الْمِائَةَ مِنَ الْإِبِلِ، فَقَالُوا: يَغْفِرُ اللهُ لِرَسُولِ اللهِ يُعْطِي قُرَيْشًا وَيَتْرُكُنَا وَسُيُوفُنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ. قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: فَحُدِّثَ ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِمْ، فَأَرْسَلَ إِلَى الْأَنْصَارِ، فَجَمَعَهُمْ فِي قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا جَاءَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «مَا حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكُمْ؟» فَقَالَ لَهُ فُقَهَاءُ الْأَنْصَارِ: أَمَّا ذَوُو رَأْيِنَا يَا رَسُولَ اللهِ فَلَمْ يَقُولُوا شَيْئًا، وَأَمَّا أُنَاسٌ مِنَّا حَدِيثَةٌ أَسْنَانُهُمْ قَالُوا: يَغْفِرُ اللهُ لِرَسُولِهِ يُعْطِي قُرَيْشًا وَيَتْرُكُنَا وَسُيُوفُنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِنِّي أُعْطِي رِجَالًا حَدِيثِي عَهْدٍ بِكُفْرٍ، أَتَأَلَّفُهُمْ، أَفَلَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالْأَمْوَالِ، وَتَرْجِعُونَ إِلَى رِحَالِكُمْ بِرَسُولِ اللهِ؟ فَوَاللهِ لَمَا تَنْقَلِبُونَ بِهِ خَيْرٌ مِمَّا يَنْقَلِبُونَ بِهِ»، فَقَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ قَدْ رَضِينَا. قَالَ: «فَإِنَّكُمْ سَتَجِدُونَ أَثَرَةً شَدِيدَةً، فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوُا اللهَ وَرَسُولَهُ، فَإِنِّي عَلَى الْحَوْضِ». قَالُوا: سَنَصْبِرُ. أخرجه البخاري ومسلم.
ولما ذكر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الخوارج وصفهم بحداثة الأسنان، وسفاهة الأحلام، ففي حديث علي رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "سَيَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ أَحْدَاثُ الْأَسْنَانِ، سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ، يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ، فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا لِمَنْ قَتَلَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". أخرجه البخاري ومسلم. ويؤخذ من هذا أن حداثة السن مظنة للوقوع في الخطأ والزلل والغلو في الدين إذا لم تقترن بالعقل والعلم والفقه في الدين، والبعد عن التسرع، والأخذ عن العلماء الربانيين الراسخين في العلم وملازمتهم، والتأسي بهم، والوقوف عند كلامهم.
ولما كانت مرحلة الشباب تتميز بهذه الصفات كان عليها من المسئولية ما يوافق هذه الصفات ويلائمها من التكاليف الشرعية اعتقادًا وعملاً وسلوكًا، علمًا وعملاً ودعوةً.
فأين شباب الأمة من تحمل المسئولية؟ 
أين شباب الأمة من معالجة مشاكل الأمة؟ 
أين شباب الأمة من التمسك بهوية الأمة؟ 
أين شباب الأمة من مكافحة أعداء الأمة؟
إن للشباب دورًا عظيمًا في تحمل مسئولية هذا الدين العظيم، لا يتوقف على صحة اعتقاده فقط، أو إقامة عباداته فقط، أو ضبط سلوكياته فقط، أو التمسك ببعض أمور الدين دون غيرها؛ بل ينبغي على الشباب أن يلتزموا بمنهج أهل السنة والجماعة كاملاً.
ينبغي على الشباب أن يكونوا على عقيدة راسخة صحيحة نقية سالمة من الشركيات والخرافات والانحرافات، وأن يقوموا بما خوطبوا به من العبادات، كالصلاة والزكاة والصيام والحج، وأن تكون عبادتهم موافقة للسنة سالمة من البدع والمنكرات، وأن يكونوا أمثلة حية ونماذج طيبة في حسن المعاملة وانضباط السلوك وجميل العادات والأخلاق، من صدق الحديث، والوفاء بالعهد والوعد، وأداء الأمانة، وبر الوالدين وصلة الأرحام وحسن الجوار وغيرها من المعاملات الطيبة.
وينبغي على الشباب أن يقوموا بأعباء الدعوة إلى الله تعالى وإبلاغ هذا الدين العظيم إلى العالمين، بدءًا من النصيحة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحتى المناظرة عليه، ورد الشبهات عنه، والدفاع في سبيله. 
أيها الشباب! إن لكم دورًا عظيمًا فلا تتخلوا عنه، وحذار أن تحقروا من أنفسكم، كان الزهري رحمه الله يقول للشباب: لَا تَحْقِرُوا أَنْفُسَكُمْ لِحَدَاثَةِ أَسْنَانِكُمْ؛ فَإِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ إِذَا نَزَلَ بِهِ الْأَمْرُ الْمُعْضِلُ دَعَا الْفِتْيَانَ فَاسْتَشَارَهُمْ يَبْتَغِي حِدَّةَ عُقُولِهِمْ. انتهى من جامع بيان العلم وفضله.
أيها الشباب! إن أمتنا الإسلامية اليوم تحتاج إلى من يداوي جراحها ويحمل همومها ويرفع رايتها ويبني حصون مجدها، وأنتم لها أيها الشباب إن أخلصتم القصد لله واستقمتم على أوامر الله وانتهيتم عما نهى الله عنه.
نماذج عملية من تحمل الشباب للمسئولية
إن التاريخ قديمًا وحديثًا حافل بنماذج عظيمة من الشباب الذين ضربوا أروع الأمثلة في القيام بحق أممهم، وقد اعتنى الإسلام بالشباب عناية بالغة حتى أفرز لنا شبابًا من العجب بمكان، ومن ذلك:
1- الخليل إبراهيم عليه السلام كان شابًا لما دعا قومه إلى عبادة الله تعالى وترك الشرك والمنكرات، قال تعالى عن قول قومه: {قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ}، وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا شَابًّا، وَلَا أُوتِيَ الْعَلَمَ عَالِمٌ إِلَّا وَهُوَ شَابٌّ، وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: {قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ}. 
2- يوسف عليه السلام كان شابًا حينما دعته امرأة العزيز فأنكر دعوتها: {قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ}. 
3- أصحاب الكهف الذين تركوا شرك قومهم وجهلهم بربهم كانوا أيضًا شبابًا، قال تعالى: {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى}.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: فَذَكَرَ تَعَالَى أَنَّهُمْ فِتْيَةٌ وَهُمُ الشَّبَابُ، وَهُمْ أَقْبَلُ لِلْحَقِّ وَأَهْدَى لِلسَّبِيلِ مِنَ الشيوخ الذين قد عتوا وانغمسوا فِي دِينِ الْبَاطِلِ، وَلِهَذَا كَانَ أَكْثَرُ الْمُسْتَجِيبِينَ لله تعالى وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَبَابًا، وَأَمَّا الْمَشَايِخُ مِنْ قُرَيْشٍ، فَعَامَّتُهُمْ بَقُوا عَلَى دِينِهِمْ وَلَمْ يُسْلِمْ مِنْهُمْ إِلَّا الْقَلِيلُ. وَهَكَذَا أَخْبَرَ تَعَالَى عَنْ أَصْحَابِ الْكَهْفِ أَنَّهُمْ كَانُوا فِتْيَةً شبابا. انتهى.
4- علي بن أبي طالب رضي الله عنه: لما جاء الإسلام لم يقم فقط على أكتاف الكهول بل كان للشباب دور ملموس مشهود؛ فهذا علي رضي الله عنه أول من أسلم من الصبيان، واختاره النبي صلى الله عليه وسلمَ لينام في فراشه عند الهجرة، وليرد الأمانات لأهلها.
5- مصعب بن عمير رضي الله عنه: كان فتى مكة شبابًا وجمالاً، وكان أبواه يحبانه، وكانت أمه كثيرة المال، تكسوه أحسن الثياب وأرقه، وكان أعطر أهل مكة، ويلبس أفضل النعال، ثم أسلم وترك حياة اللهو والترف، ودخل دار الأرقم، وأرسله النبي صلى الله عليه وسلمَ إلى المدينة ليبلغ رسالة الإسلام، فهاجر وكلم الناس بالقرآن والإسلام فأسلم كثير من الناس، حتى تهيئت المدينة لاستقبال النبي صلى الله عليه وسلمَ، وقد شهد بدرًا وحمل لواء جيش المسلمين فيها، وشهد أحدًا وحمل لواء المهاجرين فيها واستشهد فيها فلم يجدوا ما يكفي لكفنه رضي الله عنه.
6- سعد بن معاذ رضي الله عنه: أسلم على يد مصعب بن عمير، وأسلم على يده قبيلة بني عبد الأشهل، شهد بدرًا وحمل راية الأنصار فيها، وشهد أحدًا والخندق وجُرح فيها، ثم حكّمَه النبي صلى الله عليه وسلمَ في بني قريظة فقضى فيهم بحكم الله تعالى، واستُشهد على إثر ذلك، واهتز عرش الرحمن لموته رضي الله عنه.
7- أسامة بن زيد: حِبُّ النبي صلى الله عليه وسلم، ولاَّه النبي  صلى الله عليه وسلم على جيش المسلمين المتجه لقتال الروم وعمره ثماني عشرة سنة، فَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَعْثًا، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ فَطَعَنَ بَعْضُ النَّاسِ فِي إِمَارَتِهِ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ: «إِنْ تَطْعَنُوا فِي إِمَارَتِهِ - يُرِيدُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ - فَقَدْ طَعَنْتُمْ فِي إِمَارَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلِهِ، وَايْمُ اللهِ إِنْ كَانَ لَخَلِيقًا لَهَا، وَايْمُ اللهِ إِنْ كَانَ لَأَحَبَّ النَّاسِ إِلَيَّ، وَايْمُ اللهِ إِنَّ هَذَا لَهَا لَخَلِيقٌ - يُرِيدُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ - وَايْمُ اللهِ إِنْ كَانَ لَأَحَبَّهُمْ إِلَيَّ مِنْ بَعْدِهِ، فَأُوصِيكُمْ بِهِ فَإِنَّهُ مِنْ صَالِحِيكُمْ». أخرجه مسلم، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم مات وما زال الجيش في المدينة، فتولى أبو بكر الصديق رضي الله عنه الخلافة وكلمه الناس أن يرد جيش أسامة فأبى، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: وَالَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَوْلَا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ اسْتُخْلِفَ مَا عُبِدَ اللَّهُ ثُمَّ قَالَ الثَّانِيَةَ ثُمَّ الثَّالِثَةَ ثُمَّ قِيلَ لَهُ: مَهْ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَّهَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ فِي سَبْعِ مِائَةٍ إِلَى الشَّامِ فَلَمَّا نَزَلَ بِذِي خَشَبٍ قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَارْتَدَّتِ الْعَرَبُ حَوْلَ الْمَدِينَةِ وَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: يَا أَبَا بَكْرٍ، رُدَّ هَؤُلَاءِ، تُوَجِّهُ هَؤُلَاءِ إِلَى الرُّومِ وَقَدِ ارْتَدَّتِ الْعَرَبُ حَوْلَ الْمَدِينَةِ ‍‍‍ فَقَالَ: وَالَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَوْ جَرَتِ الْكلَابَ بأَرْجُلِ أَزوَاجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا رَدَدْتُ جَيْشًا وَجَّهَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا حَلَلْتُ لِوَاءً عَقَدَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَجَّهُ أُسَامَةَ فَجَعَلَ لَا يَمُرُّ بِقَبِيلٍ يُرِيدونَ الِارْتِدَادَ إِلَّا قَالُوا: لَوْلَا أَنَّ لِهَؤُلَاءِ قُوَّةً مَا خَرَجَ مِثْلُ هَؤُلَاءِ مِنْ عِنْدِهِمْ وَلَكِنْ نَدَعُهُمْ حَتَّى يَلْقَوُا الرُّومَ فَلَقَوُا الرُّومَ فَهَزَمُوهُمْ وَقَتَلُوهُمْ وَرَجَعُوا سَالْمِينَ فَثَبَتُوا عَلَى الْإِسْلَامِ. أخرجه البيهقي في الاعتقاد. 
8- عمرو بن سلمة الجَرمي رضي الله عنه إمام قومه في الصلاة: عَنْ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ قَالَ: كُنَّا بِمَاءٍ مَمَرَّ النَّاسِ، وَكَانَ يَمُرُّ بِنَا الرُّكْبَانُ فَنَسْأَلُهُمْ: مَا لِلنَّاسِ، مَا لِلنَّاسِ؟ مَا هَذَا الرَّجُلُ؟ فَيَقُولُونَ: يَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَهُ، أَوْحَى إِلَيْهِ، أَوْ: أَوْحَى اللَّهُ بِكَذَا، فَكُنْتُ أَحْفَظُ ذَلِكَ الكَلاَمَ، وَكَأَنَّمَا يُقَرُّ فِي صَدْرِي، وَكَانَتِ العَرَبُ تَلَوَّمُ بِإِسْلاَمِهِمُ الفَتْحَ، فَيَقُولُونَ: اتْرُكُوهُ وَقَوْمَهُ، فَإِنَّهُ إِنْ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ فَهُوَ نَبِيٌّ صَادِقٌ، فَلَمَّا كَانَتْ وَقْعَةُ أَهْلِ الفَتْحِ، بَادَرَ كُلُّ قَوْمٍ بِإِسْلاَمِهِمْ، وَبَدَرَ أَبِي قَوْمِي بِإِسْلاَمِهِمْ، فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ: جِئْتُكُمْ وَاللَّهِ مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقًّا، فَقَالَ: «صَلُّوا صَلاَةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا، وَصَلُّوا صَلاَةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ فَلْيُؤَذِّنْ أَحَدُكُمْ، وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْثَرُكُمْ قُرْآنًا». فَنَظَرُوا فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَكْثَرَ قُرْآنًا مِنِّي، لِمَا كُنْتُ أَتَلَقَّى مِنَ الرُّكْبَانِ، فَقَدَّمُونِي بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، وَأَنَا ابْنُ سِتٍّ أَوْ سَبْعِ سِنِينَ، وَكَانَتْ عَلَيَّ بُرْدَةٌ، كُنْتُ إِذَا سَجَدْتُ تَقَلَّصَتْ عَنِّي، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الحَيِّ: أَلاَ تُغَطُّوا عَنَّا اسْتَ قَارِئِكُمْ؟ فَاشْتَرَوْا فَقَطَعُوا لِي قَمِيصًا، فَمَا فَرِحْتُ بِشَيْءٍ فَرَحِي بِذَلِكَ القَمِيصِ.أخرجه البخاري. 
9- مُعَاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ، وَمُعَاذُ بْنُ عَفْرَاءَ رضي الله عنهما: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، أَنَّهُ قَالَ: بَيْنَا أَنَا وَاقِفٌ فِي الصَّفِّ يَوْمَ بَدْرٍ، نَظَرْتُ عَنْ يَمِينِي وَشِمَالِي، فَإِذَا أَنَا بَيْنَ غُلَامَيْنِ مِنَ الْأَنْصَارِ حَدِيثَةٍ أَسْنَانُهُمَا، تَمَنَّيْتُ لَوْ كُنْتُ بَيْنَ أَضْلَعَ مِنْهُمَا، فَغَمَزَنِي أَحَدُهُمَا، فَقَالَ: يَا عَمِّ، هَلْ تَعْرِفُ أَبَا جَهْلٍ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ، وَمَا حَاجَتُكَ إِلَيْهِ يَا ابْنَ أَخِي؟ قَالَ: أُخْبِرْتُ أَنَّهُ يَسُبُّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَئِنْ رَأَيْتُهُ لَا يُفَارِقُ سَوَادِي سَوَادَهُ حَتَّى يَمُوتَ الْأَعْجَلُ مِنَّا، قَالَ: فَتَعَجَّبْتُ لِذَلِكَ، فَغَمَزَنِي الْآخَرُ، فَقَالَ: مِثْلَهَا، قَالَ: فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ نَظَرْتُ إِلَى أَبِي جَهْلٍ يَزُولُ فِي النَّاسِ، فَقُلْتُ: أَلَا تَرَيَانِ؟ هَذَا صَاحِبُكُمَا الَّذِي تَسْأَلَانِ عَنْهُ، قَالَ: فَابْتَدَرَاهُ فَضَرَبَاهُ بِسَيْفَيْهِمَا حَتَّى قَتَلَاهُ، ثُمَّ انْصَرَفَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَخْبَرَاهُ، فَقَالَ: «أَيُّكُمَا قَتَلَهُ؟» فَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: أَنَا قَتَلْتُ، فَقَالَ: «هَلْ مَسَحْتُمَا سَيْفَيْكُمَا؟» قَالَا: لَا، فَنَظَرَ فِي السَّيْفَيْنِ، فَقَالَ: «كِلَاكُمَا قَتَلَهُ». أخرجه البخاري ومسلم.
10- زيد بن ثابت رضي الله عنه: كلفه النبي صلى الله عليه وسلم بتعلم لغة اليهود، قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَعَلَّمْتُ لَهُ كِتَابَ يَهُودَ، وَقَالَ: «إِنِّي وَاللَّهِ مَا آمَنُ يَهُودَ عَلَى كِتَابِي» فَتَعَلَّمْتُهُ، فَلَمْ يَمُرَّ بِي إِلَّا نِصْفُ شَهْرٍ حَتَّى حَذَقْتُهُ، فَكُنْتُ أَكْتُبُ لَهُ إِذَا كَتَبَ وَأَقْرَأُ لَهُ، إِذَا كُتِبَ إِلَيْهِ. أخرجه أبو داود وقال الألباني: حسن صحيح.
ثم هو هو يكلفه أبو بكر الصديق رضي الله عنه بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم بمهمة مهمة وهامة وصعبة جدًا وهي جمع القرآن الكريم، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لزيد: إِنَّكَ رَجُلٌ شَابٌّ عَاقِلٌ، وَلاَ نَتَّهِمُكَ، كُنْتَ تَكْتُبُ الوَحْيَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَتَبَّعِ القُرْآنَ فَاجْمَعْهُ. قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: فَوَاللَّهِ لَوْ كَلَّفَنِي نَقْلَ جَبَلٍ مِنَ الجِبَالِ مَا كَانَ أَثْقَلَ عَلَيَّ مِمَّا أَمَرَنِي بِهِ مِنْ جَمْعِ القُرْآنِ. أخرجه البخاري.
11- جابر بن عبدالله الأنصاري رضي الله عنهما: لم يكن أمر تحمل المسئولية عند الصحابة قاصرًا على الأمور الدينية من الدعوة إلى الله تعالى وتبليغ دينه والجهاد في سبيله ونحو ذلك فقط بل كانت تتطرق إلى تحمل المهام الاجتماعية في الأسرة والمجتمع، فهذا جابر بن عبدالله رضي الله عنهما يموت أبوه قبل أن يتزوج ويترك له ديونًا لليهود وست بنات صغار يحتاجن إلى الرعاية، وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أنه قَالَ: تُوُفِّيَ أَبِي وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، فَعَرَضْتُ عَلَى غُرَمَائِهِ أَنْ يَأْخُذُوا التَّمْرَ بِمَا عَلَيْهِ، فَأَبَوْا وَلَمْ يَرَوْا أَنَّ فِيهِ وَفَاءً، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: «إِذَا جَدَدْتَهُ فَوَضَعْتَهُ فِي المِرْبَدِ آذَنْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»، فَجَاءَ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، فَجَلَسَ عَلَيْهِ، وَدَعَا بِالْبَرَكَةِ، ثُمَّ قَالَ: «ادْعُ غُرَمَاءَكَ فَأَوْفِهِمْ»، فَمَا تَرَكْتُ أَحَدًا لَهُ عَلَى أَبِي دَيْنٌ إِلَّا قَضَيْتُهُ، وَفَضَلَ ثَلاَثَةَ عَشَرَ وَسْقًا -سَبْعَةٌ عَجْوَةٌ وَسِتَّةٌ لَوْنٌ، أَوْ سِتَّةٌ عَجْوَةٌ وَسَبْعَةٌ لَوْنٌ- فَوَافَيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المَغْرِبَ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَضَحِكَ، فَقَالَ: «ائْتِ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ فَأَخْبِرْهُمَا»، فَقَالاَ: لَقَدْ عَلِمْنَا إِذْ صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا صَنَعَ أَنْ سَيَكُونُ ذَلِكَ. أخرجه البخاري، وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أنه قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَتَلاَحَقَ بِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا عَلَى نَاضِحٍ لَنَا قَدْ أَعْيَا فَلاَ يَكَادُ يَسِيرُ، فَقَالَ لِي: «مَا لِبَعِيرِكَ؟» قَالَ: قُلْتُ: عَيِيَ، قَالَ: فَتَخَلَّفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَزَجَرَهُ وَدَعَا لَهُ، فَمَا زَالَ بَيْنَ يَدَيِ الإِبِلِ قُدَّامَهَا يَسِيرُ، فَقَالَ لِي: «كَيْفَ تَرَى بَعِيرَكَ؟»، قَالَ: قُلْتُ: بِخَيْرٍ قَدْ أَصَابَتْهُ بَرَكَتُكَ، قَالَ: «أَفَتَبِيعُنِيهِ؟» قَالَ: فَاسْتَحْيَيْتُ وَلَمْ يَكُنْ لَنَا نَاضِحٌ غَيْرُهُ، قَالَ: فَقُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَبِعْنِيهِ، فَبِعْتُهُ إِيَّاهُ عَلَى أَنَّ لِي فَقَارَ ظَهْرهِ حَتَّى أَبْلُغَ المَدِينَةَ. قَالَ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي عَرُوسٌ، فَاسْتَأْذَنْتُهُ، فَأَذِنَ لِي، فَتَقَدَّمْتُ النَّاسَ إِلَى المَدِينَةِ حَتَّى أَتَيْتُ المَدِينَةَ، فَلَقِيَنِي خَالِي، فَسَأَلَنِي عَنِ البَعِيرِ، فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا صَنَعْتُ فِيهِ فَلاَمَنِي، قَالَ: وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِي حِينَ اسْتَأْذَنْتُهُ: «هَلْ تَزَوَّجْتَ بِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا؟» فَقُلْتُ: تَزَوَّجْتُ ثَيِّبًا، فَقَالَ: «هَلَّا تَزَوَّجْتَ بِكْرًا تُلاَعِبُهَا وَتُلاَعِبُكَ»، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تُوُفِّيَ وَالِدِي أَوِ اسْتُشْهِدَ وَلِي أَخَوَاتٌ صِغَارٌ فَكَرِهْتُ أَنْ أَتَزَوَّجَ مِثْلَهُنَّ، فَلاَ تُؤَدِّبُهُنَّ وَلاَ تَقُومُ عَلَيْهِنَّ، فَتَزَوَّجْتُ ثَيِّبًا لِتَقُومَ عَلَيْهِنَّ وَتُؤَدِّبَهُنَّ، قَالَ: فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المَدِينَةَ غَدَوْتُ عَلَيْهِ بِالْبَعِيرِ، فَأَعْطَانِي ثَمَنَهُ وَرَدَّهُ عَلَيَّ. أخرجه البخاري ومسلم.
هذه نماذج من شباب الإسلام، وصور مشرقة من تاريخنا الصادق، وغيرهم كثير، من أمثال عبد الله بن عباس وعبدالله بن عمر وعبدالله بن عمرو بن العاص وأبو هريرة رضي الله عنهم، ومن غير الصحابة كذلك، من أمثال عمر بن عبدالعزيز، ومحمد الفاتح. 
والفرق بين شبابنا وبين شباب الصحابة رضي الله عنهم هو في كيفية اغتنام مرحلة الشباب، فشباب الصحابة أحسنوا اغتنام شبابهم فجعلوه في طاعة الله والعمل لدينه والدعوة إليه، بخلاف أكثر شبابنا فقد ملوا من كثرة الترف واللهو واللعب والإضرار بالصحة والبدن وإتلاف الأموال وإضاعة الأوقات وإهدار الطاقات والانشغال بالتفاهات.
ومع هذا فإنه لا يزال الخير في الأمة، شباب صالحون، وأخرون يتوبون ويعودون ويصلحون، وأخرون يحبون طريق الهدى والصلاح لكنهم عاجزون، وغير ذلك.
فنسأل الله تعالى أن يرد المسلمين إلى دينه مردًا جميلاً، وأن يحفظ المسلمين وشبابَهم وفتياتِهم، وأن يبارك فيهم وينفع بهم، وأن يجنبنا الفتن وأهلها.
مع تحيات
اللجنة العلمية لملتقى الخطيب المؤثر أسد المنابر