السبت ، ٢١ جمادى الأول ، ١٤٤٦ هجري | 23 نوفمبر 2024 ميلادي
وقفات مع حرارة الصيف
وصف الخطبة : - دروس مستفادة من حر الصيف

عنوان الخطبة (( وقفات مع حرارة الصيف))
الهدف من الموضوع دروس مستفادة من حر الصيف
عناصر الموضوع 
1) شدة الحر تذكرنا بعبادة التأمل.   
2) شدة الحر تذكرنا بالنعم.  
3) شدة الحر تذكرنا باليوم الآخر.  
4) شدة الحر تذكرنا باتباع النبي صلى الله عليه وسلمَ
5)  شدة الحر تذكرنا بالعمل الصالح. 
وقفات مع حرارة الصيف
مقدمة الموضوع : أما بعد، قال الله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ}.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: وَمَعْنَى الْآيَةِ أَنَّهُ يَقُولُ تَعَالَى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ} أَيْ: هَذِهِ فِي ارْتِفَاعِهَا وَاتِّسَاعِهَا، وَهَذِهِ فِي انْخِفَاضِهَا وَكَثَافَتِهَا وَاتِّضَاعِهَا وَمَا فِيهِمَا مِنَ الْآيَاتِ الْمُشَاهَدَةِ الْعَظِيمَةِ مِنْ كَوَاكِبَ سَيَّارَاتٍ، وثوابتَ وَبِحَارٍ، وَجِبَالٍ وَقِفَارٍ وَأَشْجَارٍ وَنَبَاتٍ وَزُرُوعٍ وَثِمَارٍ، وَحَيَوَانٍ وَمَعَادِنَ وَمَنَافِعَ، مُخْتَلِفَةِ الْأَلْوَانِ وَالطَّعُومِ وَالرَّوَائِحِ وَالْخَوَاصِّ {وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} أَيْ: تَعَاقُبُهُمَا وتَقَارضهما الطُّولَ وَالْقِصَرَ، فَتَارَةً يطُول هَذَا وَيَقْصُرُ هَذَا، ثُمَّ يَعْتَدِلَانِ، ثُمَّ يَأْخُذُ هَذَا مِنْ هَذَا فَيَطُولُ الَّذِي كَانَ قَصِيرًا، وَيَقْصُرُ الَّذِي كَانَ طَوِيلًا وَكُلُّ ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {لأولِي الألْبَابِ} أَيِ: الْعُقُولِ التَّامَّةِ الذَّكِيَّةِ الَّتِي تُدْرِكُ الْأَشْيَاءَ بِحَقَائِقِهَا عَلَى جَلِيَّاتِهَا، وَلَيْسُوا كَالصُّمِّ البُكْم الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ: {وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ. وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ}. انتهى.
شدة الحر تذكرنا بعبادة التأمل
إن التأملَ في خلق الله تعالى عبادةٌ تحرك قلب المؤمن بأنواع عظيمة من أعمالِ وعباداتِ القلوب، كتعظيم الله تعالى وتقديسه، وتحرك اللسان بأنواع من الذكر كالتسبيح، وتحرك الجوارح بأنواع من التسليم والانقياد، كالخضوع والانكسار، وتقود العبد إلى التسليم والتوحيد والطاعة؛ فهي عبادة يزداد معها الإيمان ويقوى، وتتلاشى معها شبهات الشك والإلحاد؛ فحري بالمؤمن أن يتأمل فيما يمر عليه من آيات الله الكونية؛ فكم من آية تمر علينا؟ وكم من آية نراها ونشاهدها؟ ومن ذلك: الشمس والقمر والليل والنهار.
قال الله تعالى: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ}.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى: يرشدُ تَعَالَى عِبَادَهُ إِلَى التَّفَكُّرِ فِي آلَائِهِ وما خلق في السموات وَالْأَرْضِ مِنَ الْآيَاتِ الْبَاهِرَةِ لِذَوِي الْأَلْبَابِ، مِمَّا في السموات مِنْ كَوَاكِبٍ نَيِّرَاتٍ، ثَوَابِتٍ وَسَيَّارَاتٍ، وَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، وَاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَاخْتِلَافِهِمَا، وَإِيلَاجِ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ، حَتَّى يَطُولَ هَذَا وَيَقْصُرَ هَذَا، ثُمَّ يَقْصُرَ هَذَا وَيَطُولَ هَذَا، وَارْتِفَاعِ السَّمَاءِ وَاتِّسَاعِهَا، وَحُسْنِهَا وَزِينَتِهَا، وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْهَا مِنْ مَطَرٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا، وَأَخْرَجَ فِيهَا مِنْ أَفَانِينِ الثِّمَارِ وَالزُّرُوعِ وَالْأَزَاهِيرِ، وَصُنُوفِ النَّبَاتِ، وَمَا ذَرَأَ فِيهَا مِنْ دَوَابٍّ مُخْتَلِفَةِ الْأَشْكَالِ وَالْأَلْوَانِ وَالْمَنَافِعِ، وَمَا فِيهَا مِنْ جِبَالٍ وَسُهُولٍ وَقِفَارٍ وَعِمْرَانٍ وَخَرَابٍ. وَمَا فِي الْبَحْرِ مِنَ الْعَجَائِبِ وَالْأَمْوَاجِ، وَهُوَ مَعَ هَذَا مُسَخَّرٌ مُذَلَّلٌ لِلسَّالِكِينَ، يَحْمِلُ سُفُنَهُمْ، وَيَجْرِي بِهَا بِرِفْقٍ بِتَسْخِيرِ الْقَدِيرِ لَهُ، لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، وَلَا رَبَّ سِوَاهُ.
وَقَوْلُهُ: {وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ} أَيْ: وَأَيُّ شَيْءٍ تُجدي الْآيَاتُ السَّمَاوِيَّةُ وَالْأَرْضِيَّةُ، وَالرُّسُلُ بِآيَاتِهَا وَحُجَجِهَا وَبَرَاهِينِهَا الدَّالَّةِ عَلَى صِدْقِهَا، عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ، كَمَا قَالَ: {إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الألِيمَ}. انتهى.
قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ . إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ}.
خلق الله تعالى المخلوقات وجعلها آيات متواترة تنطق بوحدانيته وتدل عليه، ومن ذلك الشمس والقمر والليل والنهار، وغيرها من آيات الله تعالى الكونية، {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ}. 
شدة الحر تذكرنا بالنعم
قال الله تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ . وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ . فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ . يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ}.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى: يَذْكُرُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى تَمَامَ نِعَمِهِ عَلَى عَبِيدِهِ، بِمَا جَعَلَ لَهُمْ مِنَ الْبُيُوتِ الَّتِي هِيَ سَكَنٌ لَهُمْ، يَأْوُونَ إِلَيْهَا، وَيَسْتَتِرُونَ بِهَا، وَيَنْتَفِعُونَ بِهَا سَائِرَ وُجُوهِ الِانْتِفَاعِ، وَجَعَلَ لَهُمْ أَيْضًا {مِنْ جُلُودِ الأنْعَامِ بُيُوتًا} أَيْ: مِنَ الْأَدَمِ، يَسْتَخِفُّونَ حَمْلَهَا فِي أَسْفَارِهِمْ، لِيَضْرِبُوهَا لَهُمْ فِي إِقَامَتِهِمْ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ وَلِهَذَا قَالَ: {تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا} أَيِ: الْغَنَمِ، {وَأَوْبَارِهَا} أَيِ: الْإِبِلِ، {وَأَشْعَارِهَا} أَيِ: الْمَعْزِ -وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى الْأَنْعَامِ- {أَثَاثًا} أَيْ: تَتَّخِذُونَ مِنْهُ أَثَاثًا، وَهُوَ الْمَالُ. وَقِيلَ: الْمَتَاعُ. وَقِيلَ: الثِّيَابُ وَالصَّحِيحُ أَعَمُّ مِنْ هَذَا كُلِّهِ، فَإِنَّهُ يُتَّخَذُ مِنَ الْأَثَاثِ الْبُسُطُ وَالثِّيَابُ وَغَيْرُ ذَلِكَ، وَيُتَّخَذُ مَالًا وَتِجَارَةً.
وَقَوْلُهُ: {إِلَى حِينٍ} أَيْ: إِلَى أَجَلٍ مُسَمَّى وَوَقْتٍ مَعْلُومٍ. وَقَوْلُهُ: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلالا} قَالَ قَتَادَةُ: يَعْنِي: الشَّجَرَ.
{وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا}، أَيْ: حُصُونًا وَمَعَاقِلَ، كَمَا {جَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} وَهِيَ الثِّيَابُ مِنَ الْقُطْنِ وَالْكَتَّانِ وَالصُّوفِ، {وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ} كَالدُّرُوعِ مِنَ الْحَدِيدِ المصفَّح والزَّرد وَغَيْرِ ذَلِكَ، {كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ} أَيْ: هَكَذَا يَجْعَلُ لَكُمْ مَا تَسْتَعِينُونَ بِهِ عَلَى أَمْرِكُمْ، وَمَا تَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ، لِيَكُونَ -عَوْنًا لَكُمْ عَلَى طَاعَتِهِ وَعِبَادَتِهِ، {لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ}، هَكَذَا فَسَّرَهُ الجمهور، وقرؤوه بِكَسْرِ اللَّامِ مِنْ "تُسْلِمُونَ"، أَيْ: مِنَ الْإِسْلَامِ.
وَقَوْلُهُ {فَإِنْ تَوَلَّوْا} أَيْ: بَعْدَ هَذَا الْبَيَانِ وَهَذَا الِامْتِنَانِ، فَلَا عَلَيْكَ مِنْهُمْ، {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ} وَقَدْ أَدَّيْتَهُ إِلَيْهِمْ.
{يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا} أَيْ: يَعْرِفُونَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ الْمُسْدِي إِلَيْهِمْ ذَلِكَ، وَهُوَ الْمُتَفَضِّلُ بِهِ عَلَيْهِمْ، وَمَعَ هَذَا يُنْكِرُونَ ذَلِكَ، وَيَعْبُدُونَ مَعَهُ غَيْرَهُ، وَيُسْنِدُونَ النَّصْرَ وَالرِّزْقَ إِلَى غَيْرِهِ، {وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ}، كَمَا قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَة، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ؛ أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ، فَقَرَأَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا} قَالَ الْأَعْرَابِيُّ: نَعَمْ. قَالَ: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الأنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ} قَالَ الْأَعْرَابِيُّ: نَعَمْ. ثُمَّ قَرَأَ عَلَيْهِ، كُلَّ ذَلِكَ يَقُولُ الْأَعْرَابِيُّ: نَعَمْ، حَتَّى بَلَغَ: {كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ} فَوَلَّى الْأَعْرَابِيُّ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ}. انتهى باختصار.
وقد أنعم الله تعالى علينا بنعم كثيرة جدًا تحتاج إلى تأمل وإقرار وشكر لله تعالى؛ فمع شدة الحر ومناخ الصيف تتوفر وسائل للراحة وخفض الحرارة لم تكن معهودة قبل هذا الزمان، في إنشاء البيوت وفي مرافقها وتجهيزاتها؛ فترى البيوت والمساجد والمؤسسات محكمة البناء والسقف، متصلة بخطوط وصنابير المياه، ومجهزة بالمراوح وأجهزة التبريد والمكيفات، ووسائل ترطيب الماء والهواء، ونجد وسائل الراحة في البيوت والمساجد والسيارت وأماكن العمل، هواء نظيف ومناخ رطب وماء بارد، وأنواع من المشروبات والعصائر والمرطبات، وأشكال من الملابس المناسبة، ووسائل للنظافة والاستحمام وإزالة العرق والروائح الكريهة، ونحو ذلك وغيره كثير، وكلها نعم تستوجب شكر المنعم المتفضل جل جلاله.
شدة الحر تذكرنا باليوم الآخر
عن سُلَيْمِ بْنِ عَامِرٍ قال: حَدَّثَنِي الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «تُدْنَى الشَّمْسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْخَلْقِ، حَتَّى تَكُونَ مِنْهُمْ كَمِقْدَارِ مِيلٍ» - قَالَ سُلَيْمُ بْنُ عَامِرٍ: فَوَاللهِ مَا أَدْرِي مَا يَعْنِي بِالْمِيلِ؟ أَمَسَافَةَ الْأَرْضِ، أَمِ الْمِيلَ الَّذِي تُكْتَحَلُ بِهِ الْعَيْنُ - قَالَ: «فَيَكُونُ النَّاسُ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ فِي الْعَرَقِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى كَعْبَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى حَقْوَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ الْعَرَقُ إِلْجَامًا» قَالَ: وَأَشَارَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ إِلَى فِيهِ. رواه مسلم.
أخبر النبي صلى الله عليه وسلمَ أن الشمس تقترب جدًا من رؤوس الخلائق يوم القيامة، وأن العرق يبلغ منهم على قدر أعمالهم؛ فإذا رأينا شدة الحر وشعرنا بارتفاع في الحرارة تذكرنا يوم القيامة وما فيه من شدة الحر والأهوال، نسأل الله السلامة والعافية.
وكذا شدة الحر تذكرنا بجهنم وما أُذن لها فعله في الدنيا، وما يكون من شأنها في الآخرة؛ أما في الدنيا فقد أذن الله تعالى لها في نفسين تنفس بها عن نفسها إذ أكل بعضها بعضًا من شدة الحر والنار؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ: "قَالَتِ النَّارُ: رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فَأْذَنْ لِي أَتَنَفَّسْ، فَأْذِنْ لَهَا بِنَفَسَيْنِ، نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ، وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ، فَمَا وَجَدْتُمْ مِنْ بَرْدٍ، أَوْ زَمْهَرِيرٍ فَمِنْ نَفَسِ جَهَنَّمَ، وَمَا وَجَدْتُمْ مِنْ حَرٍّ، أَوْ حَرُورٍ فَمِنْ نَفَسِ جَهَنَّمَ". رواه البخاري ومسلم واللفظ له.
ونار الدنيا تذكر بنيران الآخرة وهي جزء قليل منها؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «نَارُكُمْ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ» قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً قَالَ: «فُضِّلَتْ عَلَيْهِنَّ بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا كُلُّهُنَّ مِثْلُ حَرِّهَا». رواه البخاري ومسلم، نسأل الله تعالى السلامة والعافية.
إننا إذا اشتد الحر علينا بحثنا عن الهواء الرطب والماء البارد والظل الساتر، أما أهل النار عياذًا بالله فيستغيثون من شدة حرها وعذابها فيغاثوا بزيادة العذاب، قال تعالى: {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا}، وقال عز وجل: {وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ . فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ . وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ . لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ}، هواؤهم السموم وهي رياح شديدة الحرارة تحرق الوجوه وتشوي الأجسام، وماؤهم الحميم وهو ماء شديد الحرارة والغليان لا يروي ولا يبرد يقطع الأمعاء، قال تعالى: {وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ}، وظلهم دخان أسود حار خانق، لا طيّب الهبوب، ولا حسن المنظر. نعوذ بالله من النار ومن حال أهل النار.
أما حال من أكرمهم الله تعالى ورضي عنهم وأدخلهم الجنة فإن أحوالهم تختلف تمامًا عن حال أهل النار، قال الله تعالى: {مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا . وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا . وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا . قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا . وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا . عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا . وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا . وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا . عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا . إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا}، وقال تعالى: {وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا}، وقال سبحانه: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا}، وقال جل وعلا: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا}، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ فِي الجَنَّةِ لَشَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ سَنَةٍ، وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ}". رواه البخاري بلفظه ومسلم، وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ فِي الجَنَّةِ لَشَجَرَةً، يَسِيرُ الرَّاكِبُ الجَوَادَ المُضَمَّرَ السَّرِيعَ مِائَةَ عَامٍ مَا يَقْطَعُهَا». متفق عليه.
شدة الحر تذكرنا باتباع النبي صلى الله عليه وسلمَ
كانت غزوة تبوك آخر غزوة غزاها النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وجاءت في ظروف ابتلائية يعلم بها صدق الاتباع من عدمه؛ استنفر رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الناس استنفارًا عامًا وأمرهم بالتهيؤ للخروج لملاقاة الروم حين أوشكت الثمار على النضج، وتهيء الناس لقطفها، وكان الجو حارًا شديد الحرارة؛ فخرج مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المؤمنون الصادقون إلا أهل الأعذار في البدن كالأعمى والأعرج والمريض، وفي المال ممن لا يجدون نفقة الجهاد، والنساء والصبيان إذ لا يجب الجهاد عليهم، وثلاثة لم يكن لهم عذر تخلفوا ثم تاب الله عليهم، وقعد المنافقون إلا قليلاً منهم خلف رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فحسن الابتلاء وتمحص الناس.
عَن كَعْب بن مالكٍ قَالَ: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ غَزْوَةً إِلَّا وَرَّى بِغَيْرِهَا حَتَّى كَانَتْ تِلْكَ الْغَزْوَةُ -يَعْنِي غَزْوَةَ تَبُوكَ- غَزَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَرٍّ شَدِيدٍ وَاسْتَقْبَلَ سَفَرًا بَعِيدًا وَمَفَازًا وَعَدُوًّا كَثِيرًا فَجَلَّى لِلْمُسْلِمِينَ أَمْرَهُمْ لِيَتَأَهَّبُوا أُهْبَةَ غَزْوِهِمْ فَأَخْبَرَهُمْ بِوَجْهِهِ الَّذِي يُرِيدُ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
قال الله تعالى: {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ . فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى: يَقُولُ تَعَالَى ذَامّا لِلْمُنَافِقِينَ الْمُتَخَلِّفِينَ عَنْ صَحَابَةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم في غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَفَرِحُوا بِمَقْعَدِهِمْ بَعْدَ خُرُوجِهِ، {وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا} مَعَهُ {بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا} أَيْ: بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: {لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ}، وَذَلِكَ أَنَّ الْخُرُوجَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ كَانَ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ، عِنْدَ طِيبِ الظِّلَالِ وَالثِّمَارِ، فَلِهَذَا قَالُوا: {لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ} قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِرَسُولِهِ: {قُلْ} لَهُمْ: {نَارُ جَهَنَّمَ} الَّتِي تَصِيرُونَ إِلَيْهَا بِسَبَبِ مُخَالَفَتِكُمْ {أَشَدُّ حَرًّا} مِمَّا فَرَرْتُمْ مِنْهُ مِنَ الْحَرِّ، بَلْ أَشَدُّ حَرًّا مِنَ النَّارِ، وَقَالَ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ الْأُخْرَى: {قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ}، أَيْ: لَوْ أَنَّهُمْ يَفْقَهُونَ وَيَفْهَمُونَ لَنَفَرُوا مَعَ الرَّسُولِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فِي الْحَرِّ، لِيَتَّقُوا بِهِ حَرَّ جَهَنَّمَ، الَّذِي هُوَ أَضْعَافُ أَضْعَافِ هَذَا. انتهى باختصار.
إن اتباع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يكون بالتمني وإنما هو صدق في الاعتقاد والأقوال والأفعال؛ فمن كان محبًا له متبعًا لسنته لم يسعه إلا السير على طريقته ووفق منهجه، ولما أخذ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيعة العقبة الثانية على الأنصار اشترط عليهم: السمع والطاعة في النشاط والكسل، وهذا هو المعنى الحقيقي للاتباع.
شدة الحر تذكرنا بالعمل الصالح
إن شدة الحر تذكرنا بلزوم العمل الصالح من عدة أوجه منها:
الأول: أن العمل الصالح من أسباب الفوز بالجنة ونعيمها وظلها، والنجاة من النار وعذابها وحرها.
الثاني: أن العمل الصالح هو مقتضى اتباع رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
الثالث: ما جاء في الكتاب والسنة من العمل الصالح المتعلق بشدة الحر، وما جاء مما يحتج به من سير السابقين في ذلك.
1- ومن أعظم الأعمال الصالحة الدعاء: قال الله تعالى عن عباد الرحمن: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا}؛ فهذه صفة من صفاتهم، وعَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ رَبَّ جِبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ، وَرَبَّ إِسْرَافِيلَ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ حَرِّ النَّارِ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ». رواه النسائي وصححه الألباني؛ فكان هذا من دعاء النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
2- وهناك أعمال صالحة كثيرة يستظل بها العبد يوم القيامة: فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: إِمَامٌ عَدْلٌ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي المَسَاجِدِ، وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ، اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا، فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ". رواه البخاري بلفظه ومسلم، وعن عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "كُلُّ امرىء فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ حَتَّى يُقضى بَيْنَ النَّاسِ". أخرجه أحمد والحاكم وابن حبان وصححه الألباني.
3- المعاونة على الخير؛ فَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّفَرِ فَمِنَّا الصَّائِمُ وَمِنَّا الْمُفْطِرُ فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا فِي وم حَارٍّ فَسَقَطَ الصَّوَّامُونَ وَقَامَ الْمُفْطِرُونَ فَضَرَبُوا الْأَبْنِيَةَ وَسَقَوُا الرِّكَابَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ذَهَبَ الْمُفْطِرُونَ الْيَوْمَ بِالْأَجْرِ». متفق عليه. 
4- يجوز الصوم في السفر ما لم يشق على العبد، وكان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصوم في السفر أحيانًا ويفطر أحيانًا؛ فعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فِي حَرٍّ شَدِيدٍ، حَتَّى إِنْ كَانَ أَحَدُنَا لَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ، وَمَا فِينَا صَائِمٌ، إِلَّا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ». رواه مسلم.
5- سقيا الماء لا سيما في شدة الحر: فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَّ امْرَأَةً بَغِيًّا رَأَتْ كَلْبًا فِي يَوْمٍ حَارٍّ يُطِيفُ بِبِئْرٍ، قَدْ أَدْلَعَ لِسَانَهُ مِنَ الْعَطَشِ، فَنَزَعَتْ لَهُ بِمُوقِهَا [فَسَقَتْهُ] فَغُفِرَ لَهَا [بِهِ]». رواه البخاري ومسلم.
6- الرخص المشروعة من العمل الصالح، ومما رُخص لنا فيه بسبب شدة الحر: 
- الإبراد بصلاة الظهر في شدة الحر، أي تأخيرها عن أول وقتها بسبب شدة الحر؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ». متفق عليه، وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَبْرِدُوا بِالظُّهْرِ، فَإِنَّ شِدَّةَ الحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ».
- جواز السجود على الملابس ونحوها من شدة الحر: فَعَنْ أَنَسٍ أنه قَالَ: كُنَّا إِذَا صَلَّيْنَا خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالظَّهَائِرِ سَجَدْنَا على ثيابنا اتقاء الْحر. متفق عليه.
- الاستحمام وصب الماء من شدة الحر ولو كان صائمًا: فَعَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعَرْجِ يَصُبُّ عَلَى رَأْسِهِ الْمَاءَ وَهُوَ صَائِمٌ مِنَ الْعَطَشِ أَوْ مِنَ الْحَرِّ. رَوَاهُ مَالك وصححه الألباني.
7- شكر الله تعالى على نعمه، والصبر على مشاق الدنيا وأحوالها، والرضا بقضاء الله تعالى، وعدم التسخط أو التضجر أو التطير أو التأفف وسب الدهر والأيام والأحوال ونحو ذلك؛ فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: يُؤْذِينِى ابْنُ آدَمَ؛ يَسُبُّ الدَّهْرَ، وَأَنَا الدَّهْرُ، بِيَدِى الأَمْرُ، أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ». متفق عليه.
مع تحيات
اللجنة العلمية لملتقى الخطيب المؤثر أسد المنابر