الأربعاء ، ٢٥ جمادى الأول ، ١٤٤٦ هجري | 27 نوفمبر 2024 ميلادي
حجوا قبل ألا تحجوا
وصف الخطبة : - الحث على الحج، وبيان فرضيته وفضائله، والترهيب من الترك والتأجيل

عنوان الخطبة ((حجوا قبل ألا تحجوا))
الهدف من الخطبة  الحث على الحج، وبيان فرضيته وفضائله، والترهيب من الترك والتأجيل
عناصر الموضوع
1) الحج فضائل ومنافع .   
2) حجوا قبل ألا تحجوا.
حجوا قبل ألا تحجوا 
مقدمة الموضوع : أما بعد، قال الله تعالى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ  لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ}.
الحج فضائل ومنافع
الحج ركن من أركان الإسلام، وهو فرض واجب بالكتاب والسنة والإجماع.
قال تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}.
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهما أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «بُنِيَ الإسْلامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أنْ لا إلَهَ إلا اللهُ وَأنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ، وَإقَامِ الصَّلاةِ، وَإيتَاءِ الزَّكَاةِ، والحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ». متفق عليه، وَعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنه قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «أيُّهَا النَّاسُ! قَدْ فَرَضَ اللهُ عَلَيْكُمُ الحَجَّ فَحُجُّوا». فَقَالَ رَجُلٌ: أكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَسَكَتَ، حَتَّى قَالَهَا ثَلاثاً، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَوْ قُلْتُ: نَعَمْ، لَوَجَبَتْ، وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ». ثُمَّ قال: «ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلافِهِمْ عَلَى أنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا أمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ». أخرجه مسلم، وفي رواية: "الْحَجُّ مَرَّةً فَمَنْ زَادَ فَهو تَطَوُّعٌ". رَوَاهُ أَحْمَد وأبو داود وصححه الألباني. 
وقد أجمعت الأمة على وجوب الحج مرة في العمر على المسلم المستطيع. قال ابن المنذر: وأجمعوا على أن: على المرء في عمره حجة واحدة، حجة الإِسلام.
وللحج فضائل كثيرة منها: 
1- الحج تزكية وتربية وإصلاح وتقويم للنفوس على مراد الله تعالى حيث قال سبحانه: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ}، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ حَجَّ للهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ..» الحديث، فالحج يربي النفوس ويصلحها، ويهذب الأخلاق والسلوك ويحسنها، وتأمل في المناسك المشروعة والمحظورات الممنوعة، وكيف ألزم الشرع بتلك المناسك، ومنع من بعض المباحات.
2- الحج من أفضل الأعمال: فعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضيَ اللهُ عَنْهُ أنه قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: أيُّ الأعْمَالِ أفْضَلُ؟ قال: «إِيمَانٌ بِاللهِ وَرَسُولِهِ». قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قال: «جِهَادٌ فِي سَبِيلِ اللهِ». قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قال: «حَجٌّ مَبْرُورٌ». متفق عليه. 
3- الحج تنقية وتخلية من الذنوب: فعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنه قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ حَجَّ للهِ، فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ». متفق عليه. قال الحافظ: {الرفث} يطلق ويراد به الجماع، ويطلق ويراد به الفحش، ويطلق ويراد به خطابُ الرجلِ المرأةَ في ما يتعلق بالجماع، وعَنِ ابْنِ شِمَاسَةَ الْمَهْرِيِّ أنه قَالَ: حَضَرْنَا عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ، وَهُوَ فِي سِيَاقَةِ الْمَوْتِ، يَبَكِي طَوِيلًا، وَحَوَّلَ وَجْهَهُ إِلَى الْجِدَارِ، فَجَعَلَ ابْنُهُ يَقُولُ: يَا أَبَتَاهُ، أَمَا بَشَّرَكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَذَا؟ أَمَا بَشَّرَكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَذَا؟ قَالَ: فَأَقْبَلَ بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: إِنَّ أَفْضَلَ مَا نُعِدُّ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، إِنِّي قَدْ كُنْتُ عَلَى أَطْبَاقٍ ثَلَاثٍ، لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَمَا أَحَدٌ أَشَدَّ بُغْضًا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنِّي، وَلَا أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَكُونَ قَدِ اسْتَمْكَنْتُ مِنْهُ، فَقَتَلْتُهُ، فَلَوْ مُتُّ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ لَكُنْتُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَلَمَّا جَعَلَ اللهُ الْإِسْلَامَ فِي قَلْبِي أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: ابْسُطْ يَمِينَكَ فَلْأُبَايِعْكَ، فَبَسَطَ يَمِينَهُ، قَالَ: فَقَبَضْتُ يَدِي، قَالَ: «مَا لَكَ يَا عَمْرُو؟» قَالَ: قُلْتُ: أَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِطَ، قَالَ: «تَشْتَرِطُ بِمَاذَا؟» قُلْتُ: أَنْ يُغْفَرَ لِي، قَالَ: «أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ؟ وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهَا؟ وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ؟». الحديث رواه مسلم.
4- الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة: فعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «العُمْرَةُ إِلَى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالحَجُّ المَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلا الجَنَّةُ». متفق عليه، وعنه مرفوعًا: "ما أهل مهل قط إلا بُشر، ولا كبر مكبر قط إلا بُشر" قيل: بالجنة؟ قال: "نعم". رواه الطبراني وحسنه الألباني، وعن جابر رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "الحجُّ المبرورُ ليس له جزاءٌ إلا الجنة". قيل: وما بِرُّه؟ قال: "إطعامُ الطعامِ، وطيبُ الكلامِ". رواه أحمد وصححه الألباني لغيره، قال النووي: المبرور هُوَ: الَّذِي لا يرتكِبُ صاحِبُهُ فِيهِ معصيةً.
5- في الحج عتق من النار: فعن عائشة رَضِيَ اللهُ عنها أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَا مِنْ يَوْمٍ أكْثَرَ مِنْ أَن يَعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ». رواه مسلم.
6- الحج ينفي الفقر: فعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلَيْسَ لِلْحَجَّةِ الْمَبْرُورَةِ ثَوَابٌ إِلَّا الْجَنَّةَ». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِي وصححه الألباني.
7- في الحج الدعاء يستجاب: فعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "الغازي في سبيلِ اللهِ، والحاجُّ، والمعتمرُ؛ وفدُ اللهِ، دعاهم فأَجابوه، وسأَلوه فأَعطاهم". رواه ابن ماجه وحسنه الألباني.
8- الحج جهاد لا شوكة فيه: فعن الحسين بن علي رضي الله عنهما أنه قال: جاء رجلٌ إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: إني جَبانٌ، وإني ضعيف. فقال: "هلُمَّ إلي جهادٍ لا شَوْكَةَ فيه؛ الحج". رواه الطبراني وصححه الألباني.
وعَنْ عَائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَرَى الجِهَادَ أَفْضَلَ العَمَلِ، أَفَلاَ نُجَاهِدُ؟ قَالَ: «لاَ، لَكِنَّ أَفْضَلَ الجِهَادِ حَجٌّ مَبْرُورٌ». رواه البخاري.
9- فضل مناسك الحج: فعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: كنت جالساً مع النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مسجد مِنى، فأَتاه رجلٌ من الأنصارِ ورجل من ثَقيف، فسلما، ثم قالا: يا رسول الله! جئنا نسألك. فقال: "إنْ شئتُما أخبرتُكما بما جئتما تسأَلاني عنه فَعَلْتُ، وإِن شئتما أن أمسِكَ وتسأَلاني فَعلتُ". فقالا: أخبِرْنا يا رسول الله! فقال الثقفي للأنصاري: سلْ. فقال: أخبِرني يا رسول الله فقال: "جئتنَي تسألُني عن مخرجِك من بيتكَ تَؤُمُّ البيتَ الحرامَ وما لكَ فيه، وعن ركعتيك بعد الطوافِ وما لك فيهما، وعن طوافِك بين الصفا والمروة وما لك فيه، وعن وقوفِك عَشِيَّةَ عرفةَ وما لك فيه، وعن رميك الجمار وما لك فيه، وعن نحرك وما لك فيه مع الإفاضة". فقال: والذي بعثك بالحق لَعَنْ هذا جئتُ أَسألك! قال: "فإنك إذا خرجتَ من بيتك تَؤُمُّ البيتَ الحرامَ؛ لا تضعُ ناقتُك خُفّاً، ولا ترفعه؛ إلا كتبَ الله لك به حسنةً، ومحا عنك خطيئةً. وأما ركعتاك بعد الطواف؛ كعتق رقبة من بني إسماعيل. وأما طوافُكَ بالصفا والمروة؛ كعتق سبعين رقبة. وأما وقوفُك عشيةَ عرفة؛ فإن اللهَ يهبط إلى سماء الدنيا فيباهي بكم الملائكة يقول: عبادي جاءوني شُعثًا من كل فَجٍّ عميقٍ يَرجون رحمتي، فلو كانت ذنوبُكم كعدد الرمل أَو كقَطْرِ المطرِ أو كزبدِ البحرِ؛ لغفرتها، أفيضوا عبادي مغفورًا لكم، ولمن شفعتم له. وأما رميُكَ الجِمارَ؛ فلكَ بكلِّ حصاةٍ رَمَيْتَها تكفيرُ كبيرةٍ من الموبقات. وأما نحرُك؛ فمدخورٌ لك عند ربك. وأما حِلاقُكَ رأَسَكَ؛ فلك بكل شعرةٍ حلقتَها حسنةٌ، وتمحى عنك بها خطيئةٌ. وأما طوافك بالبيت بعد ذلك؛ فإنك تطوفُ ولا ذنبَ لك يأتي مَلَكٌ حتى يضعَ يديه بين كتفيك فيقول: اعملْ فيما تَستقبلُ؛ فقد غُفِرَ لك ما مضى". رواه الطبراني والبزار واللفظ له وقال الألباني: حسن لغيره.
10- جريان الأجر على مات حاجًا أو معتمرًا، وأنه يبعث يوم القيامة ملبيًا: فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من خرجَ حاجاً فمات؛ كُتب له أجر الحاج إلى يوم القيامة، ومن خرج معتمراً فمات؛ كتب له أجر المعتمر إلى يوم القيامة، ومن خرج غازياً فمات؛ كتب له أجر الغازي إلى يوم القيامة". رواه أبو يعلى وقال الألباني: صحيح لغيره، وَعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أنه قَالَ: إِنَّ رَجُلًا كَانَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَقَصَتْهُ نَاقَتُهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَمَاتَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ وَلَا تَمَسُّوهُ بِطِيبٍ وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْم الْقِيَامَة ملبيا». متفق عليه. {وَقَصَتْه ناقته}، أي: رمته عنها فكسرت عنقه.
11- الحج منافع في الدنيا والآخرة: قال الله تعالى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ . لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ}.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ} قَالَ: مَنَافِعُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ أَمَّا مَنَافِعُ الْآخِرَةِ فَرِضْوَانُ اللَّهِ، وَأَمَّا مَنَافِعُ الدُّنْيَا فَمَا يُصِيبُونَ مِنْ مَنَافِعِ البُدْن وَالرِّبْحِ وَالتِّجَارَاتِ. انتهى من تفسير ابن كثير.
وقال الله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ . لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ}.
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أنه قَالَ: كَانَتْ عُكَاظُ وَمَجَنَّةُ وَذُو المَجَازِ أَسْوَاقًا فِي الجَاهِلِيَّةِ، فَتَأَثَّمُوا أَنْ يَتَّجِرُوا فِي المَوَاسِمِ، فَنَزَلَتْ: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} فِي مَوَاسِمِ الحَجِّ". رواه البخاري، وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ التَّيْمِيِّ أنه قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عُمَرَ: أِنَّا نُكْرِي، فَهَلْ لَنَا مِنْ حَجٍّ؟ قَالَ: أَلَيْسَ تَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ، وَتَأْتُونَ الْمُعَرَّفَ، وَتَرْمُونَ الْجِمَارَ، وَتَحْلِقُونَ رُءُوسَكُمْ؟ قَالَ: قُلْنَا: بَلَى، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَنِ الَّذِي سَأَلْتَنِي، فَلَمْ يُجِبْهُ حَتَّى نَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِهَذِهِ الْآيَةِ: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ}، فَدَعَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «أَنْتُمْ حُجَّاجٌ». أخرجه أحمد، وصححه الشيخ أحمد شاكر وشعيب الأرناؤوط.
حجوا قبل ألا تحجوا
ينبغي للمسلم أن يكون محافظًا على الطاعات، مسارعًا للخيرات، وقد فرض الله تعالى علينا الحج مرة واحدة في العمر كله، فلله الحمد على توفيقه وتيسيره، فمن تيسير له الحج فلا يؤخر ولا يؤجل، فإن العبد لا يدري ما يعرض له في المستقبل، فربما يحصل له ما يمنعه من الحج، من أمور تعيقه كالمرض والفقر، أو شواغل تصرفه، فعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَعَجَّلُوا إِلَى الْحَجِّ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي مَا يَعْرِضُ لَهُ». رواه أحمد وصححه الألباني، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَرَادَ أَنْ يَحُجَّ فَلْيَتَعَجَّلْ، فَإِنَّهُ قَدْ تَضِلُّ الضَّالَّةُ، وَيَمْرَضُ الْمَرِيضُ، وَتَكُونُ الْحَاجَةُ». رواه أحمد وابن ماجه وحسنه الألباني، فحجوا قبل ألا تحجوا؛ فإن العبد قد يتمكن اليوم مما يعجز عنه غدًا، فقد يملك اليوم الصحة والمال والقدرة والاستطاعة، ولا يدري ما يحصل له غدًا، فربما حيل بينه وبين ما يرجوه، وكم من أناس تهيئت لهم فرصة الحج أو العمرة وربما تهيئت لهم مرارًا فتأجلوا ولم يتعجلوا فعرضت لهم العوارض والشواغل فلم يتمكنوا من الحج إلى يومهم هذا والله المستعان.
إن المحروم من تمكن من الحج ولم يحج، نسأل الله تعالى ألا يحرمنا فضله، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «قَالَ اللَّهُ: إِنَّ عَبْدًا صَحَّحْتُ لَهُ جِسْمَهُ، وَوَسَّعْتُ عَلَيْهِ فِي الْمَعِيشَةِ يَمْضِي عَلَيْهِ خَمْسَةُ أَعْوَامٍ لَا يَفِدُ إِلَيَّ لَمَحْرُومٌ». رواه أبو يعلى وابن حبان وصححه الألباني.  فحذار من الحرمان!
وعلى العبد أن يسعى للأخذ بالأسباب للتمكن من الحج، ومن الأمور المعينة على ذلك:
1- النية الصادقة الخالصة، وعقد العزم من الآن على إرادة الحج؛ فمن ابتغى هدفًا نبيلاً ينبغي أن ينشغل به قلبه، ويعمل فيه عزمه وفكره، ولا يهدأ باله إلا ببلوغ مراده، وتحقيق أماله، ولا يكون الأمر مجرد أماني، بل كن ذا نية صادقة وعزم أكيد.
2- الدعاء: سل الله دائمًا التوفيق للطاعة، ولزومها، ودوام العبادة والاستقامة، وأن يبلغك بيته الحرام حاجًا ومعتمرًا، فهو الإله الرب الخالق الذي لا يكون أمرًا إلا بأمره، ولا يصير شيئًا إلا بإذنه، فادعه يستجب لك الدعاء، وييسر لك الأسباب.
3- الأخذ بالأسباب الممكنة والمتاحة، فمن رام أمرًا أخذ بأسباب تحقيقه.
4- المواظبة على العمل الصالح: فإن الله تعالى يفتح لعبده الطائع ما لا يفتح لغيره، ويهيئ له ما لا يهيئ لغيره، فمن دوام على العمل الصالح يوشك أن يتوج عمله بحج مبرور وذنب مغفور وجنة عند الرب الشكور.
5- طيب المعاش في المأكل والمشرب والملبس والمسكن وغير ذلك: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا وَأَنَّ اللَّهَ أَمَرَ المؤْمنينَ بِمَا أمرَ بِهِ المرسَلينَ فَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ واعْمَلوا صَالحا}، وَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ يَا رَبِّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِّيَ بِالْحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
نسأل الله تعالى أن يرزقنا الحلال وأن يبارك لنا فيه، وأن يبلغنا وإياكم حج بيته الحرام وأن يثبتنا ويتقبل منا..
مع تحيات
اللجنة العلمية لملتقى الخطيب المؤثر أسد المنابر