وصف الخطبة : - بيان بعض صور الربا المعاصرة، والتحذير من التعامل بها.
بعنوان : ((من صور الربا المعاصر))....
الهدف من الخطبة بيان بعض صور الربا المعاصرة، والتحذير من التعامل بها.
عناصر الموضوع
1) فوائد وتنبيهات بين يدي الموضوع.
2) أنواع الربا.
3) من الصور الربوية المعاصرة.
من صور الربا المعاصر
مقدمة الموضوع : أما بعد، قال الله عز وجل: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ . فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ).
فوائد وتنبيهات بين يدي الموضوع
أولاً: الربا محرم بالقرآن والسنة والإجماع، وآكله ملعون، وماله ممحوق البركة، وصاحبه متوعَد بحرب من الله تعالى، ومستحق للعقاب والعذاب.
ثانيًا: لا يجوز العمل في الوظائف التي تخدم التعامل بالربا، قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)، وعَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا، وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ، وَقَالَ: «هُمْ سَوَاءٌ». رَوَاهُ مُسلم
ثالثًا: رضا الناس بالمحرم، وتعاملهم بالربا، لا يغير حكمه، ولا يؤثر فيه، فالحلال ما أحل الله تعالى، والحرام ماحرمه عز وجل.
رابعًا: التحايل على المحرم لا يغير حكمه، بل يبوء صاحبه بإثم المحرم وإثم التحايل على فعله.
خامسًا: تغيير الأشياء بغير اسمها لا يغير حكمها، فالعبرة بأصل الشيء لا باسمه، فالربا محرم، حتى لو غيروا اسمه، مثل تسميته فوائد، أو أرباح، أو مصاريف إدارية.
سادسًا: يجب على المسلم إذا لم يكن يعلم جوازه، أو أُشْكِلَ عليه شيء، أن يسأل عن حكمه، ليعلم قبل أن يعمل.
سابعًا: التعامل بالربا بحجة الاضطرار والضرورة، يحرم ولا يصح إلا مع ضبط تلك الضرورة، والقاعدة تقول: (الضرورات تبيح المحظورات، والضرورات تقدر بقدرها)، فليس كل ما يزعم أنه ضرورة يكون ضرورة، ولكن لابد ضبط الأمر، فالضرورة كالميتة، فكما لا يجوز تناول الميتة إلا لضرورة فكذا الربا.
ثامنًا: الربا من الكبائر، ويجب التوبة منه، وذلك بالندم والاستغفار عن التعامل به، وتركه والإقلاع عنه أبدًا لله، والتخلص مما زاد على رأس المال من التعامل الربا، ويجوز أخذ أصل رأس المال فقط.
تاسعًا: أموال الربا خبيثة، لا تمتلك، ولا تزكى، ولا تُهدى، ولا يتصدق منها، ولكن تهدر ويتخلص منها إن عجز عن ردِّها على من أخذها منه، فتنفق في المصالح العامة.
عاشرًا: الربا يجري في العملات النقدية أيًا كانت مادة الصنع، إذ العلة فيها الثمنية، وأنها مما يتعامل به ويباع به ويشترى، وعَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تَبِيعُوا الدِّينَارَ بِالدِّينَارَيْنِ، وَلَا الدِّرْهَمَ بِالدِّرْهَمَيْنِ» رواه مسلم.
هذا الحديث أصل في ضبط مسائل الربا، فاشتمل على ستة أصناف مما يجري فيها الربا، وهي: الذهب والفضة والقمح والشعير والتمر والملح، ويندرج تحت هذه الأصناف كل ما يقاس عليها مما اتفقت فيه علة الربا، واشتمل الحديث على علتين: الأولى: علة الأثمان، وهي علة الربا في الذهب والفضة، فعلتهما الثمنية.
الأخرى: علة غير الأثمان، وهي علة الربا في القمح والشعير والتمر والملح، وهي الكيل أو الوزن مع كونه مطعومًا.
فإذا تعاملنا بهذه الأصناف، أو بما اتفقت فيه إحدى العلتين لزم ضبط الأمر على النحو التالي:
أولاً: إذا اتفق الصنفان في الجنس والعلة لزم التماثل (مثلاً بمثل) والتقابض (يدًا بيد).
مثاله: إذا باع ذهبًا بذهبٍ، لزم أن يتساويا في الوزن، ويتم التبادل والتقابض في نفس المجلس قبل التفرق.
وكذلك إذا باع تمرًا بتمرٍ أو قمحًا بقمحٍ أو أرزًا بأرزٍ أو ذرةً بذرةٍ ونحو ذلك مما اتفقا في الجنس والعلة، لزم أن يتساويا في الكيل ويتم التقابض في نفس المجلس.
أما إذا لم يحصل التماثل والتساوي بين البَدَلَين المتفقين في الجنس والعلة بأن كان أحدهما أكثر من الآخر، وكان التقابض في نفس المجلس، فهذا هو ربا الفضل والزيادة، فيعطيه -على سبيل المثال- مائة صاع تمرًا مقابل مائتي صاع من التمر.
فإن حصل التفاضل بين البدلين ولم يتم التقابض في نفس المجلس، فهذا هو ربا النسيئة والتأخير.
ثانيًا: إذا اتفق الصنفان في العلة واختلفا في الجنس، لزم التقابض (يدًا بيد)، ولم يلزم التماثل.
مثاله: إذا باع ذهبًا بفضةٍ، أو تمرًا بقمحٍ، أو أرزًا بذرةٍ، لزم التبادل في نفس المجلس، ولا يشترط التماثل، فيعطيه –على سبيل المثال- مائة جرام من الذهب مقابل خمسمائة جرام من الفضة، أو مائة صاع من التمر مقابل ثلاثمائة من القمح.
ثالثًا: إذا اختلف الصنفان في الجنس والعلة، لم يلزم التماثل ولا التقابض، وذلك بأن يكونا من غير الأصناف الستة ومن غير المقيس عليهم، أو يكون أحدهما من هذه الأصناف والآخر ليس منها.
مثاله: إذا باع إبلاً بسيارة، أو شاة بحطب، أو حديدًا بنحاسٍ، وهكذا، أو باع شاة بشعير، أو تمرًا بخشب، وهكذا.
من الصور الربوية المعاصرة
(1) بيع العِينة: وهو أن يشتري السلعة من البائع بثمن معلوم إلى أجل، ثم يبيعها له بثمن عاجل، فيقبض ما باع به عاجلاً، ويسدد ما اشترى به آجلاً. عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمُ الْجِهَادَ، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ». رواه أحمد وأبو داود وصححه الألباني.
(2) مبادلة الذهب القديم بذهب جديد أقل منه وزنًا، فيستبدل مثلاً خمسين جرامًا قديمًا بخمسة وأربعين جرامًا جديدًا، أو يأخذ خمسين جرامًا جديدًا ويدفع فرقًا من النقود.
(3) مبادلة المطعوم الموزون أو المكيل كالحبوب بجنسه مع التفاضل والزيادة، أو بدونها مع نسيئة وتأخير، مثل أن يتبادل شخصان طنًا من الذرة البيضاء مقابل طنًا ونصف من الذرة الصفراء، ومثل أن يتبادلا طنًا من الأرز القديم مقابل طنًا ونصف من الأرز الجديد، ومثل أن يتبادلا طنًا من قمح ما على أن يردَّه أكثر منه أو أجود منه، أو يردَّه مثله بعد سنة على سبيل المعاوضة لا على سبيل القرض، فإن كان على سبيل القرض في الأصل فلا بأس.
(4) وضع الأموال وديعة في البنك أو البريد، في حساب أو دفتر توفير، ثم يأخذه بفائدة ربوية بعد مدة زمنية، فيضع –على سبيل المثال- ثمانية آلاف، ويأخذها عشرة آلاف بعد سنة.
(5) أن يأخذ قرضًا ماليًا من البنك أو البريد أو جمعية ما أو مؤسسة ما أو شخص ما، ويسدده أكثر مما أخذه مقابل التأجيل وتأخير السداد أو مقابل التقسيط، فيأخذ –مثلاً- قرضًا بخمسة آلاف تسدد أقساطًا على سنة أو تسدد نقدًا بعد سنة، سبعة آلاف، وسواء كانت الزيادة والفائدة قليلة أو كثيرة فهي ربا، وبعض هذه المؤسسات يجعل الفائدة أقل من المتعارف عليه عندهم، فإذا كانت الفائدة 15% يجعلونها 7 % أو 5 %، ويسمونها تسهيلات، أو بدون فائدة أو قرض حسن، أو مصاريف إدارية، وهي في الحقيقة ربا صريح.
(6) ومن الصور أيضًا: أن يطلب المقترضُ قيمةً ما فتكتب عليه ويعطى أقل منها، مثل أن يطلب قرضًا بقيمة مائة ألف فيكتب عليه مائة ألف يوقع على استلامها كاملة، ويعطى منها ثمانين ألفًا فقط على يسددها مائة كاملة.
(7) ومن ذلك ما يقوم به بعض التجار وغيرهم، من أخذ أموال من الناس على أن يعطونهم قيمة ثابتة كل شهر ونحوه بحسب رأس ماله المدفوع، بغض النظر عن المكسب والخسارة، فإذا دفع مثلاً لهذا الشخص عشرة آلاف جنيه يعطيه كله شهر خمسمائة جنيه مثلاً تحت مسمى أرباح التجارة، ولا دخل له في المكسب أو الخسارة.
( ومن ذلك القرض المشروط بمنفعة: فيعطيه قرضًا ما على أن يرده مثله بدون زيادة، ولكن بشرط تحصيل منفعة ما، فمثلاً: يقرضه خمسة آلاف، على أن يردها خمسة آلاف ويسكنه داره مجانًا مدة ما، أو يجمع في ذلك بين ربا المنفعة والزيادة، فيشترط عليه أن يشتري بالقرض شيئًا ما ليتاجر فيه ويشترط عليه نسبة من الأرباح المتوقعة، وسواء ربح أو لا فعليه أن يسدد القرض بأرباحه الربوية، فعلى سبيل المثال: يعطيه ألف جنيه ويشترط عليه أن يشتري بها دجاجًا بزعم الإعانة والتنمية والعناية بأصحاب المشروعات الصغيرة، ويلزمه أن يردَّ الألف مع زيادة مائتي جنيه مثلاً.
(9) بيع الديون: وفيه يَقبل الدائن أو المقرض ببيع الدَّين الذي له عند المديون لطرف ثالث بقيمة عاجلة أقل مما له، على أن يستوفي من قام بالسداد الدين كاملاً من المديون، فمثلاً: إذا كان للدائن على المَديون عشرة آلاف، يأتي آخر فيسدد للدائن ثمانية آلاف فقط بدلاً من العشرة، على أن يستوفي من المديون عشرة كاملة.
(10) ومن ذلك ما تقوم به بعض البنوك من بيع الأسهم، فلا يجوز ذلك لكونه بيع نقود بنقود بغير اشتراط التساوي والتقابض، وكذلك شهادات الاستثمار فإنها لا تخرج عن عقد القرض، ولا تزيد عن كونها صورة من صور ودائع البنوك بحيث تستخدم النقود في الاستثمارات الخاصة بعد التملك وضمان رد المثل وزيادة.
هذا ولا حرج من المتاجرة في أسهم الشركات التي تقدم منتجات وخدمات مشروعة تنفع المسلمين، إذا سلمت من المحرمات والمحاذير الشرعية، بأن يكون نشاطها مباح شرعًا، ولا يكون كل رأس مال الشركة ربوي أو محرم.