حقوق ضائعة
الحمد لله الذي هدانا للتي هي أقوم، وفضلنا بهذا الدين على سائر الأمم، وأشهد أن لا إله إلا الله الأعز الأكرم، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم. أما بعد:
عن أَبِي جُحَيْفَةَ قَوْلُ سَلْمَانَ لِأَبِي الدَّرْدَاءِ : "إِنَّ لرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقّاً، ولأهلِك عَلَيْكَ حَقًّ فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ " رواه البخاري .
فقد أجمع العلماء قاطبة على أن المقصد الكلي للشريعة الإسلامية هو تحقيق مصالح العباد في المعاش والمعاد، فما من حكم شرعه الله أمراً كان أو نهياً إلا وهو جالب لمصلحة، أو دارئ لمفسدة، أو جالب ودارئ في آن واحد. وهذه المصالح هي جماع حقوق الإنسان، التي تنحصر على اختلاف مسمياتها، وتنوع مقتضياتها في حفظ المصالح الخمس الكبرى، وهي حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال، وحفظ ما يخدمها ويكملها من الحاجيات والتحسينيات، وهذه الضروريات الخمس وما يخدمها ويكملها هي المصالح المقصودة للشارع من تشريع الأحكام، ولا يخرج عنها أي حكم من أحكام الشريعة الإسلامية أمراً كان أو نهياً.
إن بناء الحياة الإنسانية في عمومه قائم على مراعاة الناس حقوق بعضهم البعض، فبدون الرعاية والمودة والاهتمام وغيرها من المشاعر الأخرى لا تستقر الحياة البشرية، ولا تقوم لها قائمة.
إن دين الإسلام دين تكافُل وتراحُم، دين تعاطف وشفقة، دين معاملة وإحسان، عمل على ذلك أولو العزائم؛ سلفكم الكرام، أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدانت لهم الدنيا، وتحطمت تحت أقدامهم تيجان الجبابرة من أقاصرة وأكاسرة؛ وملكوا أَزِمَّة الأمور، ووصفهم رب العزَّة في كتابه بقوله: { مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29]، فكانت الشدة منهم على الكافرين، وكانت الرحمة والشفقة بينهم، مثلاً للعادلين والمتأسِّين.
والدين الإسلامي في مَجموعه وحدة متماسكة الأطراف، محكمة العُرَى، تؤلِّف بين جملة من الحقوق، الأخذ بها في مجموعها أمرٌ لا مندوحة عنه.
الحقوق .. تفردت الحضارة الإسلامية بتشريعات خاصة أحاطت بكل شيء، ولم تترك شيئًا (إنسانا أو حيوانا أو جمادا) إلا أنصفته وجعلت له حقوقا لا ينبغي لأحد أن يتعداها .
لقد أصبحت (لائحة الحقوق) محط اهتمام المؤسسات الدولية ، والمنظمات الإنسانية ، وأضحى الاهتمام والتسابق على أشدّهما لحشد التأييد (لمنابرهم) الفكرية والثقافية .
وكان الإسلام سبّاقاً في تشريعاته وفي مبادئه وتعاليمه إلى تقرير تلك الحقوق وإيلائها الاهتمام الخاص كما في نصوص القرآن الكريم ، والسُنّة المطهرة . وكانت سيرة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وسيرة أهل بيته الطاهرين رضي الله عنهم تطبيقاً حيّاً لما شرّعه الإسلام في هذا المجال ، سواء فيما يتعلّق بحقوق الإنسان فرداً ، أو ضمن المجتمع .
أراد الإسلام للإنسان أن ينعم بالحياة الوادعة ، ويعرف ما له وما عليه ؛ ليكون في حالة انسجام وتوادّ مع أفراد جنسه ، كما أراد له أن يعيش موفورَ الكرامة ، محفوظ النفس والعرض والمال لا يتعرض إليه أحد بسوء أو بظلم.
ومن هنا تأتي أهمية إظهار حقائق الإسلام وكشف أباطيل خصومه .
لذلك سوف نكتب في كل أسبوع من هذه الجريدة المباركة عن حق من هذه الحقوق الضائعة ، التي تكفل الإسلام بحفظها.
ونسأل الله القبول والإخلاص والسداد والتوفيق والرشاد .