الخطبة الثالثة من شوال لعام 1443 هـ
عنوان الخطبة ((وآتوا حقه يوم حصاده))
الهدف من الخطبة بيان وجوب الزكاة، وحكم مانعها، والترغيب في أدائها والترهيب من منعها، والتذكير بإخراج زكاة الزرع
عناصر الموضوع
1- حكم الزكاة.
2- حكم منع الزكاة والترهيب منه.
3- فضل الزكاة والترغيب فيها.
4- وآتوا حقه يوم حصاده
وآتوا حقه يوم حصاده
مقدمة الموضوع : أما بعد، قال الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ}، أي: وما أمروا في سائر الشرائع إلا ليعبدوا الله وحده قاصدين بعبادتهم وجهه، مائلين عن الشرك إلى الإيمان، ويقيموا الصلاة وَهِيَ أَشْرَفُ عِبَادَاتِ الْبَدَنِ، ويُؤَدُّوا الزكاة وَهِيَ الْإِحْسَانُ إِلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَحَاوِيجِ، وذلك هو دين الاستقامة، وهو الإسلام.
حكم الزكاة
إن الزكاة فريضة عظيمة من فرائض الإسلام فرضت في السنة الثانية من الهجرة النبوية، وهي ركن من أركان الإسلام الخمسة، وهي أهم أركانه بعد الشهادتين والصلاة؛ وقد جاء وجوبها في الكتاب والسنة والإجماع، قال تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ}، وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ". متفق عليه، وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ فَقَالَ: «إِنَّك تَأتي قومًا من أهل الْكتاب، فَادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَإِنْ هُمْ أطاعوا لذَلِك، فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، فَإِنْ هم أطاعوا لذَلِك فأعلمهم أَن الله قد فرض عَلَيْهِم صَدَقَة تُؤْخَذ من أغنيائهم فَترد فِي فُقَرَائِهِمْ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ، فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَين الله حجاب». متفق عليه.
وقد أجمع المسلمون على وجوبها، واتفق الصحابة على قتال مانعيها.
حكم منع الزكاة والترهيب منه
إن حكم منع المسلم للزكاة يختلف بحسب سبب المنع، وحال المانع لها، فإنه يمتنع عن أداء الزكاة إما جهلاً، أو جحودًا، أو بخلاً، وبيانه هذا كالتالي:
1- أما من منعها جهلاً بحكمها وفرضيتها، وكان ممن يجهل مثله، لحداثة عهده بالإسلام، أو لكونه نشأ ببادية بعيدة عن الأمصار، فإنه يُعَرَّف وجوبها، ويؤمر بأدائها، ولا يحكم بكفره، لأنه معذور بجهله الناشيء عن عدم البلاغ.
2- وأما من منعها جحودًا مع علمه بوجوبها أو نشأته في بلاد المسلمين وبين علمائهم بحيث لا يجهل فرضيتها مثله، فهذا يكفر لإنكاره معلومًا من الدين بالضرورة، وتجري عليه أحكام الردة، لأن أدلة وجوب الزكاة ظاهرة في الكتاب والسنة وإجماع الأمة، فلا تكاد تخفى على من هذا حاله، فإذا جحدها لا يكون إلا لتكذيبه الكتاب والسنة، وكفره بهما.
3- وأما من منعها بخلاً مع اعتقاده بوجوبها، فهو آثم بامتناعه ولا يُخرجه ذلك عن الإسلام؛ لأن الزكاة فرع من فروع الدين، فلم يكفر تاركه بمجرد تركه، لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن مانع الزكاة: «ثم يُرَى سَبِيلُهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ». رَوَاهُ مُسلم، ولو كان كافراً لما كان له سبيل إلى الجنة.
ولإمام المسلمين أن يأخذ الزكاة قهرًا ممن منعها بخلاً مع التعزير، وإن قاتل دونها قوتل حتى يخضع لأمر الله تعالى ويؤدي الزكاة، لأن الصحابة أجمعوا الصحابة على قتال مانعي الزكاة، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنَ الْعَرَبِ قَالَ عُمَرُ: يَا أَبَا بَكْرٍ كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَمَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلَّا بِحَقِّهِ وَحِسَابُهُ على الله". قَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَاللَّهِ لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا. قَالَ عُمَرُ: فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلَّا أَن رَأَيْت أَن قد شرح الله صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ لِلْقِتَالِ فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَقُّ. متفق عليه.
وقد جاء الترهيب الشديد والوعيد الأكيد لمن كنز ماله ومنع حق الله تعالى فيه، ومن ذلك:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ مُثِّلَ لَهُ مَالُهُ شُجَاعًا أَقْرَعَ لَهُ زَبِيبَتَانِ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَأْخُذ بِلِهْزِمَتَيْهِ -يَعْنِي بشدقيه- يَقُولُ: أَنَا مَالُكَ أَنَا كَنْزُكَ". ثُمَّ تَلَا هَذِه الْآيَة: {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}. رَوَاهُ البُخَارِيّ.
وَعَنْه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا إِلَّا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وجبينه وظهره، كلما بردت أُعِيدَتْ لَهُ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ فَيُرَى سَبِيلُهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ». رَوَاهُ مُسلم.
وعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ: «مَا مِنْ رَجُلٍ يَكُونُ لَهُ إِبِلٌ أَوْ بَقَرٌ أَوْ غَنَمٌ لَا يُؤَدِّي حَقَّهَا إِلَّا أَتَى بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أعظم مَا يكون وَأَسْمَنَهُ تَطَؤُهُ بِأَخْفَافِهَا وَتَنْطِحُهُ بِقُرُونِهَا كُلَّمَا جَازَتْ أُخْرَاهَا رُدَّتْ عَلَيْهِ أُولَاهَا حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ النَّاس». متفق عليه.
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أنه قَالَ: أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ: لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ، حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا، إِلَّا فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا، وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ، إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ، إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ، وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا، وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ، إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ، فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ، وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ، إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ". أخرجه ابن ماجه وحسنه الألباني.
فضل الزكاة والترغيب فيها
شرعت الزكاة لحكم عظيمة، ولها فضائل جليلة، ومن ذلك:
1- الزكاة طهرة للعبد، وتزكية لنفسه، قال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}.
2- أداء الزكاة من أسباب الفلاح: قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ . الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ . وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ . وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ}.
3- مضاعفة الأجر عند الله تعالى: قال سبحانه: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ الله كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَالله يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَالله وَاسِعٌ عَلِيمٌ}.
4- من أعظم أسباب رحمة الله تعالى للعبد في الدنيا والآخرة، قال الله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}، وقال الله عز وجل: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ}.
5- من أسباب دخول الجنة: فعن أبي أيوب رضي الله عنه أنّ رجلاً قال للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أخبرْني بعمل يُدخلُني الجنة. قال: "تعبدُ اللهَ لا تشركُ به شيئاً، وتقيمُ الصلاةَ، وتؤتي الزكاةَ، وتَصِلُ الرَّحِمَ". رواه البخاري ومسلم، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ أعرابياً أتى النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسولَ الله! دُلَّني على عمل إذا عمِلْتُه دخلتُ الجنة. قال: "تعبدُ اللهَ لا تشرك به شيئاً، وتقيمُ الصلاةَ المكتوبةَ، وتؤتي الزكاةَ المفروضةَ، وتصومُ رمَضانَ"، قال: والذي نفسي بيده لا أزيد على هذا ولا أنقُص منه. فلما ولَّى، قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَن سَرَّهُ أنْ يَنظرَ إلى رجلٍ من أهل الجنةِ، فلينْظر إلى هذا". رواه البخاري ومسلم، وعن أبي الدرداءِ رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "خمسٌ مَن جاء بهنَّ مع إيمانٍ دخلَ الجنةَ: مَن حافظَ على الصلواتِ الخمسِ، على وضوئِهنَّ وركوعِهنَّ وسجودهنَّ ومواقيتِهنَّ، وصامَ رمضانَ، وحجَّ البيتَ إنِ استطاعَ إليه سبيلاً، وأعطى الزكاةَ طيِّبةً بها نفسُهُ". رواه الطبراني وحسنه الألباني، وعن عمرو بن مُرَّةَ الجهني رضي الله عنه أنه قال: جاء رجلٌ من قُضاعَةَ إلى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: إني شَهِدتُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ، وأنك رسولُ اللَهِ، وصليتُ الصلواتِ الخمسَ، وصمتُ رمضانَ وقمتُه، وآتيت الزكاة. فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَن ماتَ على هذا كان من الصدّيقين والشهداء". رواه البزّار وابن خزيمة وابن حبان وصححه الألباني.
6- النجاة من حر يوم القيامة، ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «سَبْعَة يظلهم الله تَعَالَى فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ..»، وذكر منها: «وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ»، وعن عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "كُلُّ امْرِئٍ فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ حَتَّى يُفْصَلَ بَيْنَ النَّاسِ". أخرجه أحمد وصححه الألباني.
7- الزكاة من أسباب استجلاب البركة والزيادة والخلف من الله تعالى، قال عز وجل: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}، وفي الحديث القدسي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "قال الله: أنفق يا ابن آدم أنفق عليك". متفق عليه، وعنه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبداً بعفوٍ إلا عزًّا، وما تواضع أحدٌ لله إلا رفعه الله". رواه مسلم، وعنه أيضًا رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً" رواه مسلم.
8- الزكاة سبب من أسباب إشاعة الألفة، والمحبة، والتكافل بين أفراد المجتمع المسلم، والنفوس مجبولة على حب من أحسن إليها.
9- الزكاة دليل على صدق إيمان المزكي، وذلك أن المال محبوب للنفوس، والمحبوب لا يبذل إلا ابتغاء محبوب مثله أو أكثر، بل ابتغاء محبوب أكثر منه، ولهذا سميت صدقة؛ لأنها تدل على صدق طلب صاحبها لرضا الله عزّ وجل.
10- الزكاة تزكي أخلاق المزكي، فتنتشله من زمرة البخلاء، وتدخله في زمرة الكرماء؛ لأنه إذا عود نفسه على البذل، سواء بذل علم، أو بذل مال، أو بذل جاه، صار ذلك البذل سجية له وطبيعة حتى إنه يتكدر إذا لم يكن ذلك اليوم قد بذل ما اعتاده.
11- الزكاة من أسباب انشراح الصدر، فالإنسان إذا بذل الشيء، ولاسيما المال، يجد في نفسه انشراحاً، وهذا شيء مجرب، ولكن بشرط أن يكون بذله بسخاء وطيب نفس، لا أن يكون بذله وقلبه تابع له، وقد ذكر ابن القيم رحمه الله: أن البذل والكرم من أسباب انشراح الصدر، لكن لا يستفيد منه إلا الذي يعطي بسخاء وطيب نفس، ويخرج المال من قلبه قبل أن يخرجه من يده، أما من أخرج المال من يده، لكنه في قرارة قلبه، فلن ينتفع بهذا البذل.
12- الزكاة تجعل المجتمع الإسلامي كأنه أسرة واحدة، فيعطف فيه القادر على العاجز، والغني على المعسر، فيصبح الإنسان يشعر بأن له إخواناً يجب عليه أن يحسن إليهم كما أحسن الله إليه، قال تعالى: {وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ}، فتصبح الأمة الإسلامية وكأنها بيت واحد، وهذا ما يعرف عند المتأخرين بالتكافل الاجتماعي، والزكاة هي خير ما يكون لذلك؛ لأن الإنسان يؤدي بها فريضة، وينفع إخوانه.
13- الزكاة تطفئ حرارة ثورة الفقراء؛ لأن الفقير قد يغيظه أن يجد هذا الرجل يركب ما شاء من المراكب، ويسكن ما يشاء من القصور، ويأكل ما يشتهي من الطعام؛ فإذا جاد الأغنياء على الفقراء كسروا ثورتهم وهدؤوا غضبهم، وقالوا: لنا إخوان يعرفوننا في الشدة، فيألفون الأغنياء ويحبونهم.
14- الزكاة تمنع الجرائم المالية مثل السرقات والنهب والسطو، وما أشبه ذلك؛ لأن الفقراء يأتيهم ما يسد شيئاً من حاجتهم، ويعذرون الأغنياء بكونهم يعطونهم من مالهم، فيرون أنهم محسنون إليهم فلا يعتدون عليهم.
15- الزكاة من أسباب تكفير الخطايا، فعن كعب بن عجرة رضي الله عنه أنه قال: رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "الصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ المَاءُ النَّارَ". أخرجه الترمذي وصححه الألباني.
وآتوا حقه يوم حصاده
إن الله تعالى شرع الزكاة وجعلها في أصناف معينة من الأموال والعروض: ومن ذلك أداء زكاة الخارج من الأرض من زروع وثمار ونحوه، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ}، وتجب الزكاة في الحبوب إذا اشتد الحَبُّ، وصار يفرك، وتجب في الثمار عند بدو صلاحها، بحيث تصبح ثمراً طيباً يؤكل، ولا يشترط له الحول؛ لقوله تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ}؛ فتجب الزكاة في كل مكيل مدخر من الحبوب والثمار، كالقمح، والأرز، والشعير والذرة، والتمر، ونحوها.
ويشترط لوجوب الزكاة في الحبوب والثمار شرطان:
أولاً: بلوغ النصاب، وهو خمسة أوسق؛ لقوله النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنَ التَّمْرِ صَدَقَةٌ». متفق عليه، والوسق حمل البعير، وهو ستون صاعاً بصاع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وخمسة الأوسق تساوي ثلاثمائة صاع، فإذا كان صاع القمح يعادل اثنان كيلو وسبع مائة جرام {2.7 كجم} فإن نصاب القمح يساوي {2.7 × 300} أي 810 كيلو جراماً، وهكذا.
ثانيًا: ملك النصاب وقت وجوب الزكاة.
والمقدار الواجب إخراجه من الحبوب والثمار هو العشر عما سقي بلا كلفة، كما لو كانت الأرض تسقى بالمطر أو ماء العيون أو نحو ذلك، أو يجب فيها نصف العشر عما سقي بمؤنة وكلفة، بأن كانت تسقى بالآلات ونحوها، لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ وَالعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا العُشْرُ، وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ العُشْرِ». أخرجه البخاري.
فعلى المسلم الذي وجبت عليه زكاة الزروع أن يخرجها يوم الحصاد من عموم المحصول، لا من أفضله ولا أردئه، وأن يطيب بها نفسه ليكمل أجره، وأن يصرفها في مصارفها ويعطيها لمستحقيها، وألا يمن عليهم أو يؤذيهم، بل يطيب خاطرهم، قال تعالى: {قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ . يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى}، وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمُعْتَدِي فِي الصَّدَقَةِ كَمَانِعِهَا». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وحسنه الألباني.
ويجوز للمسلم أن يوكل من يوزع زكاته على المستحقين، بشرط أن يكون الوكيل جائز التصرف -أي بالغًا عاقلاً حرًا رشيدًا مختارًا-، وأن يكون ثقة أمينًا يعطي الزكاة لمستحقيها، ولا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة، فيجوز أن تدفع أموال الزكاة لامرأة موثوقة تتحرى إعطاءها للمستحق.
نسأل الله تعالى أن يرفع عنا الغلاء والبلاء، وأن يبارك لنا في أرزاقنا وأقواتنا، وأن يتقبل منا صالح العمل.
مع تحيات
اللجنة العلمية لملتقى الخطيب المؤثر أسد المنابر