السبت ، ٢١ جمادى الأول ، ١٤٤٦ هجري | 23 نوفمبر 2024 ميلادي
واعبد ربك حتى يأتيك اليقين
وصف الخطبة : - الحث على المواظبة على الطاعة بعد رمضان، وسؤال الله تعالى أن يتقبل العمل، وصيام ست من شوال.

عنوان الخطبة ((واعبد ربك حتى يأتيك اليقين))
الهدف من الخطبة  الحث على المواظبة على الطاعة بعد رمضان، وسؤال الله تعالى أن يتقبل العمل، وصيام ست من شوال.
عناصر الموضوع
1-  وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ.   
2- علمتَ أنك تستطيع؟      
3- خذ القرار 
واعبد ربك حتى يأتيك اليقين
مقدمة الموضوع: أما بعد، قال الله تعالى: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.
واعبد ربك حتى يأتيك اليقين
مقدمة الموضوع: أما بعد، قال الله تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}، فليفرح المسلمون بما جاءهم من الله تعالى من الهدى ودين الحق وهو الإسلام; فإن الإسلام الذي دعاهم الله إليه، والقرآن الذي أنزله على محمد صَلى الله عليه وسلم، خير مما يجمعون من حطام الدنيا وما فيها من الزهرة الفانية الذاهبة.
واعبد ربك حتى يأتيك اليقين
إن من نعم الله تعالى علينا أن بلغنا رمضان، وأعاننا على الصيام والقيام، والطاعات، ووفقنا لإتمام الشهر المبارك، فلله تمام الحمد والمنة، وهذه النعم تستوجب الشكر، فإنه لم يتعبد المتعبدون ويتقرب المتقربون ويطع الطائعون إلا بتوفيق الله تعالى وحده وبحوله وقوته وحده، فواجبنا شكره جل وعلا وتبارك، ومن شكره تعالى المداومة على الطاعات وفعلها، وترك المنكرات وهجرها.
فيا طائعًا في رمضان! لولا توفيق الله تعالى ما صلى من صلى، ولا زكى من زكى، ولا تزكى من تزكى، ولا صام من صام، ولا قام من قام، ولا أطاع من أطاع؛ ولكن الله تعالى يمن على من يشاء وينعم، قال تعالى: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}؛ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلمَ وهو متلبس بطاعة الله، ينقل التراب في حفر الخندق ويرتجز مع أصحابه ويقول: "اللهم لولا أنت ما اهتدينا .. ولا تصدقنا ولا صلينا". متفق عليه. 
فليس من هدي الأنبياء وهم المعصومون ولا من سمات الصالحين: الامتنان والاغترار بالأعمال، فعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أنها قَالَتْ: سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: {وَالَّذِينَ يُؤْتونَ مَا آتوا وقُلوبُهم وَجِلَةٌ}، أَهُمُ الَّذِينَ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَيَسْرِقُونَ؟ قَالَ: «لَا يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ وَلَكِنَّهُمُ الَّذِينَ يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَتَصَدَّقُونَ وَهُمْ يَخَافُونَ أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْن مَاجَه وصححه الألباني. فهذا حالهم، فكيف بحالنا؟ 
يا طائعًا في رمضان! لا يحسن الامتنان ولا الاغترار بالعمل، قال تعالى: {وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ} لا تمن على الله بالعمل فإن العبد مهما بلغ عمله فلن يوفي حق الله تعالى، فعَنْ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَوْ أَنَّ رَجُلًا يَخِرُّ [أو يُجَرُّ] عَلَى وَجْهِهِ، مِنْ يَوْمِ وُلِدَ إِلَى يَوْمِ يَمُوتُ، هَرَمًا فِي مَرْضَاةِ اللهِ، لَحَقَّرَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». رواه أحمد وحسنه الألباني.
يا طائعًا في رمضان! إن الصيام والعمل الصالح من التجارات الرابحة، ورمضان مثل سوق قام وانفض، ربح فيه الطائعون، وخسر فيه المبطلون؛ فهل يحسن بالرابح بعد الكد والتعب والربح أن يضيع ربحه؟!
فعلى أهل الطاعة أن يكونوا من أهلها دائمًا، قال تعالى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ}، فليست العبادة مقصورة على أيام معينة بل إنها وظيفة العمر كله، فهذا أمر من الله تعالى بعبادته وحتى يأتي أجل العبد.
إن عمل المؤمن لا ينقضي حتى يأتيه أجله، قال الحسن البصري: إن الله لم يجعل لعمل المؤمن أجلا دون الموت ثم قرأ: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ}. 
إن هذه الشهور والأعوام والليالي والأيام كلها مقادير الآجال ومواقيت الأعمال ثم تنقضي سريعا وتمضي جميعا، والذي أوجدها وخصها بالفضائل باق لا يزول ودائم لا يحول، هو في جميع الأوقات إله واحد، ولأعمال عباده رقيب مشاهد، فسبحان من قلب عباده في اختلاف الأوقات بين وظائف الخدم يسبغ عليهم فيها فواضل النعم ويعاملهم بنهاية الجود والكرم، فما يمضي من عمر المؤمن ساعة من الساعات إلا ولله فيها عليه وظيفة من وظائف الطاعات، فالمؤمن يتقلب بين هذه الوظائف ويتقرب بها إلى مولاه وهو راج خائف.
قيل لأحد السلف: إن قوما يتعبدون ويجتهدون في رمضان، فقال: بئس القوم لا يعرفون لله حقا إلا في شهر رمضان، إن الصالح الذي يتعبد ويجتهد السنة كلها، وسئل أحدهم: أيما أفضل رجب أم شعبان؟ فقال: كن ربانيا ولا تكن شعبانيا كان النبي صلى الله عليه وسلم عمله ديمة.
يا طائعًا في رمضان! العبرة بقبول العمل: فأين نحن من القبول؟ 
عن علي رضي الله عنه أنه قال: كونوا لقبول العمل أشد اهتماماً منكم بالعمل، ألم تسمعوا إلى قول الله عز وجل: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ}.
وقال العلماء: من علامات قبول العمل أن يتبع الحسنة بحسنة مثلها، كما قال بعض السلف: الحسنة تقول أختي أختي، والمعصية تقول أختي أختي؛ ومصداق هذا في قوله صلى اللهُ عليه وسلم: «عَليْكُم بِالصِّدقِ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ». متفق عليه.
يا طائعًا في رمضان! حذار من ضياع الحسنات: قال تعالى: {وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثاً}، فهذا مثل لامرأة خرقاء تعبت واجتهدت في الغزل، فلما استوفته واكتمل تعبت مرة أخرى في نقضه.
فحذار من الذنوب والظلم وكل ما يذهب بالحسنات، قال تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا}.
يا طائعًا في رمضان! العبرة بما يختم للعبد به: قال تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ}، وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: «يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ» فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ آمَنَّا بِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا؟ قَالَ: «نَعَمْ إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ». رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه وصححه الألباني وفي رواية للترمذي: «كان أكثر دعائه: يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ»، وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتعوذ بالله من الحور بعد الكون {وفي رواية: الحور بعد الكور} رواه الترمذي وابن ماجه وصححه الألباني، وهو الرجوع من الإيمان إلى الكفر أو من الطاعة إلى المعصية.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ» رَوَاهُ مُسلم، وقال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِخَوَاتِيمِهَا». رواه البخاري.
يا طائعًا في رمضان ! لن يدخل أحد الجنة بعمله ! قال رسولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "سدِّدوا وقارِبوا وأبْشِروا، فإنَّه لَنْ يُدخِلَ أحداً الجنةَ عَملُه". قالوا: ولا أنْتَ يا رسولَ الله؟ قال: "ولا أنا؛ إلا أَنْ يَتَغمَّدني الله برَحْمَتِه". رواه البخاري ومسلم.
علمتَ أنك تستطيع؟
ربما كنا نسمع عن بعض سير السلف والصالحين وما كانوا عليه من الجد والاجتهاد في الطاعات، وربما ذهبت أذهاننا كل مذهب  لتبحث عن مبررات عدم الاقتداء بهؤلاء، كزعم تغير الزمان واختلاف الأحوال وقوتهم وعجزنا ونحو ذلك، ولكن في رمضان ظهرت الحقيقة وتبين الأمر، فثبت أن هذه النفوس وهذه الأبدان من حيث الطاقة والاستطاعة يمكنها الاستقامة في النفس، ويمكنها القيام بحق البيت والأسرة، ويمكنها المساعدة في صلاح المجتمع.
فمن حيث استقامة النفس: ثبت في رمضان أنها تستطيع أن تواظب على الصلوات الخمس وفي جماعة، وثبت أنها تستطيع قيام الليل بل والتهجد في آخره مع إطالة الصلاة، وثبت أنها تستطيع أن تقرأ القرآن بل وتختمه وربما عدة مرات، وثبت أنها تستطيع أن الصيام شهرًا كاملاً متواصلاً، وثبت أنها تستطيع الجود والنفقة بل وتفقد المحتاجين والسؤال عنهم وعن الأفضل لهم، وثبت أنها تستطيع أن تكثر من ذكر الله تعالى ودعائه، وثبت أنها تستطيع أن تجمع بين الطاعة وطلب الرزق، وغير ذلك مما ثبت عن النفس في رمضان.
ومن حيث البيت والأسرة: ثبت أن هذه النفوس تستطيع أن تجالس الأهل والأبناء، وتتقارب منهم، وتأكل معهم، وتتناقش معهم، وتتود إليهم، وتنصح لهم، وتحرص عليهم، وثبت أن مواقع التواصل الاجتماعي والعالم الافتراضي ليسوا كل حياتنا ولا منتهى آمالنا ولا محراب أعمالنا.
ومن حيث المجتمع: فقد ثبت أن هذه النفوس تستطيع أن تتفقد المحتاجين وتسأل عنهم وتبذل لهم ولو اليسير، وثبت أنها تستطيع أن تحسن إلى الناس، وأنها تتواد وتتآلف وتتعاطف وتتراحم مع المسلمين، وأنها تتسامح وتعفو وتصفح عن الناس.
فحري بمن هذا حاله في شهر رمضان أن يغتنم ذلك ويداوم عليه بعد رمضان.
خذ القرار
إن شهر رمضان ليس نهاية سعي الطائعين، بل إن لهم حالاً مع المواظبة والمداومة على الطاعة بعده، وقد خلق الله تعالى الخلق وأمرهم بعبادته في كل الأوقات وليس في رمضان فقط، والله تعالى يحب المداومة على الطاعة ولو كانت قليلة، فعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى الله أدومها وَإِن قل». متفق عليه.
إن شهر رمضان كان اختبارا لكشف قدرة النفس على الاستقامة والطاعة، فقد علم العبد من نفسه أنها تطيق الصيام والقيام والاجتهاد، ولكن الموفق من وفقه الله تعالى.
وحري بالمؤمن الحريص على الطاعة أن ينطلق من رمضان إلى  ما بعده، وأن يأخذ قرارا بالمحافظة على العبادات بعد رمضان، ومن الأعمال التي كثرت من الطائعين في رمضان، وهي مشروعة على مدار العام، وبإمكان الناس المدوامة عليها ما يلي:
1- الصلاة: وأول ذلك وأعظمه الفرائض، ثم يداوم على ورد من صلاة النوافل، كالسنن الرواتب، وصلاة الضحى، وقيام الليل.
2- قراءة القرآن واستماعه وتدبره: فيجعل المسلم لنفسه وردا من التلاوة ويستمع للقرآن ويتعلم من أحكامه، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: «اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ اقْرَءُوا الزَّهْرَاوَيْنِ الْبَقَرَةَ وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ أَو فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا اقْرَءُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ وَلَا تستطيعها البطلة». رَوَاهُ مُسلم، وعَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَيْرُكُمْ من تعلم الْقُرْآن وَعلمه». رَوَاهُ البُخَارِيّ، وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ وَهُوَ عَلَيْهِ شاق لَهُ أَجْرَانِ». متفق عليه، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ: اقْرَأْ وَارَتْقِ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا فَإِنَّ مَنْزِلَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَة تقرؤها". رَوَاهُ أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وحسنه الألباني، وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا لَا أَقُولُ: آلم حَرْفٌ. أَلْفٌ حَرْفٌ وَلَامٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وصححه الألباني.
3- الصيام: قد شرع الله لنا من الصيام غير رمضان، ومن ذلك صيام ستة أيام من شوال: فعَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ، ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ". رواه مسلم، وَعَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ صَامَ سِتَّةَ أَيَّامٍ بَعْدَ الْفِطْرِ كَانَ تَمَامَ السَّنَةِ، {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} ". رواه ابن ماجه وصححه الألباني، وعَنْه رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ : "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ فَشَهْرٌ بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ، وَصِيَامُ سِتَّةِ أَيَّامٍ بَعْدَ الْفِطْرِ، فَذَلِكَ تَمَامُ صِيَامِ السَّنَةِ". أخرجه أحمد وصححه الألباني.
قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله: وفي معاودة الصيام بعد رمضان فوائد عديدة:
منها: أن صيام ستة أيام من شوال بعد رمضان يستكمل بها أجر صيام الدهر كله كما سبق.
ومنها: أن صيام شوال وشعبان كصلاة السنن الرواتب قبل الصلاة المفروضة وبعدها، فيكمل بذلك ما حصل في الفرض من خلل ونقص، فإن الفرائض تجبر أو تكمل بالنوافل يوم القيامة، كما ورد ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه متعددة، وأكثر الناس في صيامه للفرض نقص وخلل فيحتاج إلى ما يجبره ويكمله من الأعمال، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم: أن يقول الرجل صمت رمضان كله أو قمته كله، قال الصحابي: فلا أدري أكره التزكية أم لا بد من الغفلة، وكان عمر بن عبد العزيز رحمه الله يقول: من لم يجد ما يتصدق به فليصم، يعني من لم يجد ما يخرجه صدقة الفطر في آخر رمضان فليصم بعد الفطر، فإن الصيام يقوم مقام الإطعام في التكفير للسيئات كما يقوم مقامه في كفارات الإيمان وغيرها من الكفارات في مثل كفارات القتل والوطء في رمضان والظهار.
ومنها: أن معاودة الصيام بعد صيام رمضان علامة على قبول صوم رمضان، فإن الله إذا تقبل عمل عبد وفقه لعمل صالح بعده كما قال بعضهم: ثواب الحسنة الحسنة بعدها فمن عمل حسنة ثم اتبعها بعد بحسنة كان ذلك علامة على قبول الحسنة الأولى، كما أن من عمل حسنة ثم اتبعها بسيئة كان ذلك علامة رد الحسنة وعدم قبولها.
ومنها: أن صيام رمضان يوجب مغفرة ما تقدم من الذنوب، وأن الصائمين لرمضان يوفون أجورهم في يوم الفطر وهو يوم الجوائز فيكون معاودة الصيام بعد الفطر شكرا لهذه النعمة فلا نعمة أعظم من مغفرة الذنوب كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم حتى تتورم قدماه فيقال له: أتفعل هذا وقد غفر الله لك ماتقدم من ذنبك وما تأخر؟ فيقول: "أفلا أكون عبدا شكورا".
وقد أمر الله سبحانه وتعالى عباده بشكر نعمة صيام رمضان بإظهار ذكره وغير ذلك من أنواع شكره فقال: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} فمن جملة شكر العبد لربه على توقيفه لصيام رمضان وإعانته عليه ومغفرة ذنوبه أن يصوم له شكرا عقب ذلك، كان بعض السلف إذا وفق لقيام ليلة من الليالي أصبح في نهاره صائما ويجعل صيامه شكرا للتوفيق للقيام، وكان وهب بن الورد يسئل عن ثواب شيء من الأعمال كالطواف ونحوه؟ فيقول: لا تسألوا عن ثوابه ولكن اسألوا ما الذي على من وفق لهذا العمل من الشكر للتوفيق والإعانة عليه.
على كل نعمة على العبد من الله في دين أو دنيا يحتاج إلى شكر عليها، ثم للتوفيق للشكر عليها نعمة أخرى تحتاج إلى شكر ثان، ثم التوفيق للشكر الثاني نعمة أخرى يحتاج إلى شكر أخر، وهكذا أبدا فلا يقدر العبد على القيام بشكر النعم، وحقيقة الشكر الإعتراف بالعجز عن الشكر. 
فأما مقابلة نعمة التوفيق كصيام شهر رمضان بارتكاب المعاصي بعده فهو من فعل من بدل نعمة الله كفرا.
ومنها أن الأعمال التي كان العبد يتقرب بها إلى ربه في شهر رمضان لا تنقطع بانقضاء رمضان بل هي باقية بعد انقضائه ما دام العبد حيا. انتهى باختصار.
وكذا قضاء الصوم لمن عليه أيام من رمضان: قال تعالى: {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلٰى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}.
وكذا المواظبة على الصيام على مدار العام، وذلك بعمل ورد للصيام أسبوعي كصوم يومي الإثنين والخميس، أو شهري كصوم ثلاثة أيام من كل شهر، أو سنوي كصوم يوم وإفطار يوم، وصوم التسع الأول من ذي الحجة أو يوم عرفة، وصوم أيام من شهر المحرم، أو صوم عاشوراء، وصوم أيام من شهر شعبان.
4- الصدقة والجود والإنفاق في سبل الخير: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أنه: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلَانِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أطع مُنْفِقًا خَلَفًا وَيَقُولُ الْآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تلفا". متفق عليه، وَعَنْ أَسْمَاءَ أنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَنَفِقِي وَلَا تُحْصِي فَيُحْصِيَ اللَّهُ عَلَيْكِ وَلَا تُوعِي فَيُوعِيَ اللَّهُ عَلَيْكِ ارْضَخِي مَا اسْتَطَعْتِ». متفق عليه، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَنْفِقْ يَا ابْن آدم أنْفق عَلَيْك". متفق عليه، وَعَنْ أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى بِلَالٍ وَعِنْدَهُ صُبْرَةٌ مِنْ تَمْرٍ، فَقَالَ: «مَا هَذَا يَا بِلَالُ؟» قَالَ: شَيْءٌ ادَّخَرْتُهُ لِغَدٍ. فَقَالَ: «أَمَا تَخْشَى أَنْ تَرَى لَهُ غَدًا بخارا فِي نَار جَهَنَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنْفِقْ بِلَالُ وَلَا تَخْشَ من ذِي الْعَرْش إقلالاً». رواه البزار وصححه الألباني، وَعَنه رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا نقصت صَدَقَة من مَال شَيْئا وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ». رَوَاهُ مُسلم، وَعَنْهُ أيضًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا الطَّيِّبَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهَا كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَل». متفق عليه.
5- الدعاء: فيكثر العبد من سؤال الله تعالى في أمور دينه ودنياه، ويسأل الله تعالى الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد والغنيمة من كل بر والسلامة من كل إثم والفوز بالجنة والنجاة من النار، لاسيما في الأوقات والأحوال مظان الإجابة، كالسجود ووقت السحر.
6- الذكر: فيكثر العبد من ذكر الله تعالى لاسيما الأذكار الموظفة، كأدبار الصلوات، والصباح والمساء، وعند الطعام والشراب والنوم ونحو ذلك.
7- التآلف والترابط والاجتماع الأسري: اغتنم ثمار رمضان في تقوية العلاقات بين أفراد الأسرة، وفي التربية والتوجيه الصحيح.
8- التكافل والتضامن والتعاطف والتراحم بين المسلمين: نريد أن تستمر هذه الحالة المحمودة من التفقد والبذل والإحسان.
واعلم يا عبدالله أنك مفتقر إلى توفيق الله تعالى وإعانته، فاحذر الاتكال على النفس أو التعلق بالأسباب فتخذل؛ واعلم أنك تحتاج إلى صحبة صالحة تعينك على الخير، وصحبة ناصحة ترشدك إلى الحق، فاحذر صحبة السوء فتنسى المعروف وتألف المنكر فتفتن؛ واعلم أنك تحتاج إلى بيئة صالحة للطاعة فتعاهد القرآن وحلق الذكر وطلب العلم، واهجر المنكرات وأمكانها وأهلها تسهل عليك الطاعة وتألفها إن شاء الله تعالى.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ ؛ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ، وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ ؛ صَلَاةُ اللَّيْلِ ". رواه مسلم، وعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أنه قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَا عَبْدَ اللَّهِ، لَا تَكُنْ مِثْلَ فُلَانٍ، كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ ". متفق عليه.
نسأل الله تعالى أن يتقبل منا ومنكم صالح العمل، وأن يجنبنا وإياكم المعاصي والزلل، وأن يوفقنا لكل خير، وأن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه. 
مع تحيات
اللجنة العلمية لملتقى الخطيب المؤثر أسد المنابر