عنوان الخطبة ((نهاية المطاف))
الهدف من الخطبة بيان بعض أحكام زكاة الفطر من رمضان، وآداب العيد، والحث على حسن اختتام رمضان بالأعمال الصالحة
عناصر الموضوع
1- خير الأعمال خواتيمها
2- زكاة الفطر.
3- آداب العيد
نهاية المطاف
مقدمة الموضوع: أما بعد، قال الله تعالى: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.
خير الأعمال خواتيمها
قال تعالى عن شهر رمضان: {أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ}.
ها هي شمس رمضان قد أوشكت على الغروب، فما أجمل ختام هذا الشهر المبارك بالتوبة والاستغفار وسؤال الله تعالى القبول وشكره سبحانه على تيسيره وإعانته وتوفيقه، فإن العبد لا حول له ولا قوة إلا بالله، كما أنه ينفك عن نقص وتقصير، وإننا وَاللَّهِ لَوْلَا اللَّهُ مَا اهْتَدَيْنَا وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صلَّينا، وقَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا، فَإِنَّهُ لا يُدْخِلُ أَحَدًا الجَنَّةَ عَمَلُهُ». قَالُوا: وَلاَ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «وَلا أَنَا، إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِمَغْفِرَةٍ وَرَحْمَةٍ». متفق عليه.
وعَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَرْوِي عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: «يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعمالكُم أحصها عَلَيْكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَمِنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومن إِلَّا نَفسه». رَوَاهُ مُسلم.
وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالْخَوَاتِيمِ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
زكاة الفطر
قد شرع الله تعالى لنا في رمضان كثيرا من العبادات من الصلاة والصيام والصدقة والعمرة وقراءة القرآن والدعاء والذكر والاعتكاف وقيام الليل وغير ذلك من أبواب البر، ومما شرع الله سبحانه وتعالى فعله في آخر هذا الشهر: صدقة الفطر، فرضها الله تعالى طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين، فشرع الله جل وعلا لنا ما يَطهر به صومنا مما قد يشوبه من اللغو أو الرفث؛ وما ينجبر به النقص أو التقصير؛ ليوفي لنا الأجر، وهي طعمة للمساكين، إنعامًا من الله تعالى عليهم، فيفرحون ولا يبأسون، ويأكلون ولا يسألون حال فرح الناس يوم العيد فيفرح كل المسلمين معًا، ولله الحمد والفضل والمنة.
عَن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَ الصِّيَامِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وصححه الألباني.
وتجب زكاة الفطر على كل مسلم من ذكر أو أنثى، صغير أو كبير، حر أو عبد؛ ويجب أن يُخرجها المسلم عن نفسه، وعمن تلزمه نفقته، من زوجة أو قريب، كما يستحب إخراجها عن الجنين، ولا تجب على من لا يملك قوت من تلزمه نفقته يوم العيد وليلته أو قيمته.
ومقدار الواجب في زكاة الفطر هو صاع من غالب قوت أهل البلد من قمح، أو شعير، أو تمر، أو أرز أو نحو ذلك؛ فعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أنه قَالَ: فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاس إِلَى الصَّلَاة. متفق عليه.
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أنه قَالَ: «كُنَّا نُخْرِجُ إِذْ كَانَ فِينَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ، عَنْ كُلِّ صَغِيرٍ، وَكَبِيرٍ، حُرٍّ أَوْ مَمْلُوكٍ، صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ» فَلَمْ نَزَلْ نُخْرِجُهُ حَتَّى قَدِمَ عَلَيْنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ حَاجًّا، أَوْ مُعْتَمِرًا فَكَلَّمَ النَّاسَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَكَانَ فِيمَا كَلَّمَ بِهِ النَّاسَ أَنْ قَالَ: «إِنِّي أَرَى أَنَّ مُدَّيْنِ مِنْ سَمْرَاءِ الشَّامِ، تَعْدِلُ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ»، فَأَخَذَ النَّاسُ بِذَلِكَ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: «فَأَمَّا أَنَا فَلَا أَزَالُ أُخْرِجُهُ كَمَا كُنْتُ أُخْرِجُهُ، أَبَدًا مَا عِشْتُ». رواه مسلم.
والصاع هو مكيال يعادل أربع حفنات بكفي رجل معتدل الخلقة، والصاع المقصود هو صاع النبي صلى الله عليه وسلم.
ويجوز أن تعطي الجماعة زكاة فطرها لشخص واحد، وأن يعطي الواحد زكاته لجماعة.
وصدقة الفطر من الأمور التي تدخلها النيابة والوكالة، فيصح أن يعطي الزكاة طعمة لمن يوصلها لمستحقها، كما يصح أن يعطيه من النقود ما يكفي لشراء صدقة فطره من الأطعمة ثم يوصلها لمستحقها.
وقد كان الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمعون زكاة الفطر في المسجد، كما في قصة حفظ أبي هريرة لها، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قَالَ: وَكَّلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ فَأَتَانِي آتٍ فَجَعَلَ يَحْثُو من الطَّعَام.. الحديث، وفي آخره قال له النبي صلى الله عليه وسلم: «أما إِنَّه قد صدقك وَهُوَ كذوب». رَوَاهُ البُخَارِيّ.
وتستحب الصدقة عموما وفي رمضان خصوصا، فيستحب للمسلم أن يتصدق بما شاء زيادة عن صدقة الفطر الواجبة من مال وثياب وطعام وشراب، ولو أن المسلم أخرج طعام صدقة فطره وزاد معها ما تيسر من النقود أو الكسوة لكان حسنا، لا سيما مع غلاء الأسعار واحتياج الناس للطعام وضعف القيمة الشرائية للنقود.
ويجوز للواحد أن يتبرع ويخرج صدقة الفطر عن غيره إذا أذنوا له أو رضوا بذلك، كما لو أخرجها الوالد عن أولاده القادرين.
هذا وتجب زكاة الفطر بغروب شمس آخر يوم من رمضان، وأول ليلة من شوال {ليلة عيد الفطر}، والأفضل أن تخرج مع خروج الناس لصلاة العيد، ولا بأس أن تخرج قبل العيد بيوم أو يومين.
فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أنه قَالَ: «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ، مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ، فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَاتِ». رواه أبو داود وحسنه الألباني.
ومصرف زكاة الفطر هو الفقراء والمساكين فقط من بين مصارف الزكاة الثمانية؛ حيث فرضها رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طُعْمَة لِلْمَسَاكِينِ، فيخرج المسلم صدقة فطره للفقراء والمساكين ممن لا تلزمه نفقتهم، أما من تلزمه نفقتهم فإنه يكفيهم من غير الزكاة الواجبة.
ويجب على من لم يخرج زكاة الفطر أن يتوب إلى الله عز وجل ويستغفره؛ لأنه آثم بمنعها، وعليه أن يقوم بإخراجها إلى المستحقين، وتعتبر بعد صلاة العيد صدقة من الصدقات .
آداب العيد
قد شرع الله تعالى لنا الفرح بعد هذه العبادة الجليلة عبادة الصيام، فشرع لنا العيد، وفي الحديث: "لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ". متفق عليه.
والعيد شعيرة من شعائر الإسلام العظيمة الظاهرة, والمسلمون ليس عندهم إلا عيد الفطر وعيد الأضحى، ولا يحل لنا الاحتفال بغيرهما من الأعياد، فعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أنه قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا فَقَالَ: «مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ؟» قَالُوا: كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "قَدْ أَبْدَلَكُمُ اللَّهُ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الْأَضْحَى وَيَوْمَ الْفِطْرِ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُد صححه الألباني.
ومن تأمل في هذا التشريع الحكيم علم لماذا العيد؟ ولماذا نفرح؟ فإن الأعياد شرعت للفرح بالتوبة والطاعة والمغفرة والفوز بالجنة والنجاة من النار، قال تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}، فليفرحوا بالطاعات، فليفرحوا بالرحمات، فليفرحوا بالبركات، فليفرحوا بإقامة الصلوات، فليفرحوا بالإحسان والصدقات، فليفرحوا بالصيام، فليفرحوا بالحج، وغير ذلك من الطاعات؛ فلا يجوز للعبد إذن أن يفرح بمعصية الله تعالى، ونحوها ونحن في هذه المواسم العظيمة.
ومن سنن وآداب عيد الفطر:
1- التكبير: ويبدأ من ليلة العيد وحتى صلاته، ويكبر حال ذهابه للمصلى وبه، ويرفع صوته بالتكبير.
2- ومن آدابه الاغتسال، والتنظف، والتطيب، والتسوك، ولبس أجمل الثياب.
3- الفطر قبل الخروج للمصلى على تمرات،ىوأن يجعلهن وترا.
4- وأن يخرج إلى المصلى ماشيًا ويرجع ماشيًا.
5- مخالفة الطريق، فيذهب من طريق ويرجع من طريق آخر.
6- صلاة العيد في المصلى، وسماع خطبته.
7- خروج جميع المسلمين لشهود الصلاة رجالا ونساء صغارا وكبارا.
8- لا حرج في التهنئة بالعيد والتوسعة على الأهل في المباح مع اجتناب الحرام؛ فلا يجوز أستباحة العيد بفعل المحرمات وارتكاب المنهيات بدعوى الفرح، فاحذروا احتراق أعمال الخير في رمضان بالمعاصي بعده، فقد تذهب حقير الذنوب في أعيينا بكثير الطاعة، قال تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا}، ولنحرص على طاعة الله تعالى في جميع الأوقات، ولنحرص على صلة الأرحام والتوسعة على الأهل والأولاد وإدخال السرور عليهم في غير إسراف أو محرم.
نسأل الله تعالى القبول والتوفيق والسداد .
مع تحيات
اللجنة العلمية لملتقى الخطيب المؤثر أسد المنابر