عنوان الخطبة ((أَتَدْرُونَ مَنْ هَذَا؟))
الهدف من الخطبة بيان آداب الإسلام في الخصومات والخلافات، والحث على التزامها.
عناصر الموضوع
1- قد نختلف ولكن!
2- أتدرون من هذا؟
3- أدب الخصومة والخلاف.
أَتَدْرُونَ مَنْ هَذَا؟
مقدمة الموضوع: أما بعد، قال الله تعالى: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا}.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى: يَأْمُرُ تَعَالَى رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْمُرَ عِبَادَ اللَّهِ الْمُؤْمِنِينَ، أن يقولوا في مخاطباتهم ومحاوراتهم الكلام الْأَحْسَنَ وَالْكَلِمَةَ الطَّيِّبَةَ؛ فَإِنَّهُ إِذْ لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ، نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنَهُمْ، وَأَخْرَجَ الْكَلَامَ إِلَى الْفِعَالِ، وَوَقَعَ الشَّرُّ وَالْمُخَاصَمَةُ وَالْمُقَاتَلَةُ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ عَدُوٌّ لِآدَمَ وَذُرِّيَّتِهِ مِنْ حِينِ امْتَنَعَ مِنَ السُّجُودِ لِآدَمَ، فَعَدَاوَتُهُ ظَاهِرَةٌ بَيِّنَةٌ؛ وَلِهَذَا نَهَى أَنْ يُشِيرَ الرَّجُلُ إِلَى أَخِيهِ الْمُسْلِمِ بِحَدِيدَةٍ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ فِي يَدِهِ، أَيْ: فَرُبَّمَا أَصَابَهُ بِهَا. انتهى.
وقال سبحانه: تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ}، أي: إن المتقين إذا مسهم عارض من الشيطان كغضب في خصومة أو وسوسة أو سوء فهم، تذكروا الحق وندموا وأسرعوا بالتوبة والإنابة.
قد نختلف ولكن!
لما كانت الدنيا دار ابتلاء واختبار كان من طبيعة الحياة فيها وقوع بعض الخصومات والخلافات بين الناس؛ إذ يسعى لذلك الشيطان، وهو عدو ظاهر العداوة خبيث النفس خبير بسبل الفساد، وكذلك إن طباع الناس مختلفة وكذا النفوس والأخلاق والبيئة والمجتمع وغير ذلك؛ فالخلاف والخصومة من الأمور التي لا تنفك عن الحياة؛ ولكن يختلف الناس في طريقة التعامل مع تلك الخلافات، وقد نُهينا في الإسلام ابتداءً عن الخصام والخلاف وعن الهجر والقطيعة وفساد ذات البين وعن تعاطي أسباب ذلك، وأُمرنا بكل ما يصلح ذات البين من الائتلاف والاعتصام والوصال وسلامة الصدر ونحو ذلك، أما عند حصول الخصومة فقد شُرِّعَت لنا ضوابط للتعامل تفضي إلى قطع الخصومة وحسم مادة الخلاف، وقد نهانا الله تعالى عن الفُجر في الخصومة والتمادي فيها وجعل ذلك من صفات المنافقين، قال الله تعالى في المنافقين: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ}، أي: شديد العداوة في الخصومة يكذب ويفتري ولا يستقيم مع الحق، وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ أَبْغَضَ الرِّجَالِ إِلَى اللَّهِ الأَلَدُّ الخَصِمُ». متفق عليه. أي شديد الخصومة، المعوج عن الحق الْمُوْلَع بالخصومة والماهر بها.
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ وَإِذا خَاصم فجر». متفق عليه.
وعَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ يَلْتَقِيَانِ فَيعرض هَذَا ويعرض هذاوخيرهما الَّذِي يبْدَأ بِالسَّلَامِ». مُتَّفق عَلَيْهِ.
فاللدد في الخصومة والفُجر فيها من علامات النفاق العملي، وأبغض الرجال إلى الله تعالى الشديد المعوج في خصومته، لذلك يجب على المسلم عدم اللدد في الخصومة، وترك العناد في الخلاف، والبعد عن فساد ذات البين، وألا يفجر في خصومة.
أتدرون من هذا؟
عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ آخِذًا بِطَرَفِ ثَوْبِهِ حَتَّى أَبْدَى عَنْ رُكْبَتِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَّا صَاحِبُكُمْ فَقَدْ غَامَرَ»، فَسَلَّمَ وَقَالَ: إِنِّي كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ ابْنِ الخَطَّابِ شَيْءٌ، فَأَسْرَعْتُ إِلَيْهِ ثُمَّ نَدِمْتُ، فَسَأَلْتُهُ أَنْ يَغْفِرَ لِي فَأَبَى عَلَيَّ، فَأَقْبَلْتُ إِلَيْكَ، فَقَالَ: «يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ» ثَلاَثًا، ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ نَدِمَ، فَأَتَى مَنْزِلَ أَبِي بَكْرٍ، فَسَأَلَ: أَثَّمَ أَبُو بَكْرٍ؟ فَقَالُوا: لاَ، فَأَتَى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمَ، فَجَعَلَ وَجْهُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَمَعَّرُ، حَتَّى أَشْفَقَ أَبُو بَكْرٍ، فَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاللَّهِ أَنَا كُنْتُ أَظْلَمَ، مَرَّتَيْنِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي إِلَيْكُمْ فَقُلْتُمْ كَذَبْتَ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ صَدَقَ، وَوَاسَانِي بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَهَلْ أَنْتُمْ تَارِكُوا لِي صَاحِبِي» مَرَّتَيْنِ، فَمَا أُوذِيَ بَعْدَهَا. رواه البخاري.
هذا الحديث فيه وقُوع شيء من الخلاف بين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فأخطأ أبو بكر في حق عمر، ثم ندم أبو بكر فأراد أن يستسمح من عمر فأبي عليه، فذهب أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أَمَّا صَاحِبُكُمْ فَقَدْ غَامَرَ»، أي: دخل في غمرة الخصومة، فسلم أبو بكر على النبي صلى الله عليه وسلم وجلس إليه وقص عليه القصة، وقال: كان بيني وبين ابن الخطاب شيءٌ يعني كلام أو حوار أو عتاب أو نحو ذلك- فأسرعت إليه -أي أغضبته- فلما غضب عمر انصرف عنه فندم أبو بكر رضي الله عنه واتبع عمر رضي الله عنه يسأله أن يغفر له -أي يعفو عنه ويستغفر له-، فاعتذر أبو بكر إلى عمر فلم يقبل منه فيما يظهر له، فقال: النبي صلى الله عليه وسلم: «يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ» ثَلاَثًا، ثم إن عمر رضي الله عنه ندم فذهب إلى بيت أبي بكر الصديق رضي الله عنه ليعتذر منه فلم يجده، فذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فسلَّم فإذا بالنبي صلى الله عليه وسلم يتغير لون وجهه من الغضب، فجلس عمر فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم، ثم تحول فجلس إلى الجانب الآخر فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قام فجلس بين يديه فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم، وفي رواية الطبراني: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَسْأَلُكَ أَخُوكَ أَنْ تَسْتَغْفِرَ لَهُ فَلَا تَفْعَلُ»، فَقَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ نَبِيًّا مَا مِنْ مَرَّةٍ يَسْأَلُنِي إِلَّا وَأَنَا أَسْتَغْفِرُ لَهُ، وَمَا مِنْ خَلْقِ اللهِ بَعْدَكَ أَحَدٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَأَنَا والذي بعثك بالحق، مَا مِنْ أَحَدٌ بَعْدَكَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تُؤْذُونِي فِي صَاحِبِي".
ولما تمعر وجه النبي صلى الله عليه وسلم أشفق أبو بكر أن يكون من رسول الله صلى الله عليه وسلم على عمر ما يكره، فبرك على ركبتيه، وقال للنبي صلى الله عليه وسلم: (والله أنا كنت أظلم)؛ فجعل أبو بكر يعتذر حتى لا يجد النبي صلى الله عليه وسلم في نفسه على عمر، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم بيّن فضل الصديق ونهى عن إيذائه، وقال: «إِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي إِلَيْكُمْ فَقُلْتُمْ كَذَبْتَ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ صَدَقَ، وَوَاسَانِي بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَهَلْ أَنْتُمْ تَارِكُوا لِي صَاحِبِي» مَرَّتَيْنِ.
وَعَنْ رَبِيعَةَ بَنِ كَعْبٍ الْأَسْلَمِيِّ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ أَخْدُمُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْطَانِي أَرْضًا، وَأَعْطَى أَبَا بَكْرٍ أَرْضًا، وَجَاءَتِ الدُّنْيَا فَاخْتَلَفْنَا فِي عِذْقِ نَخْلَةٍ فَقُلْتُ أَنَا: هِيَ فِي حَدِّي، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: هِيَ فِي حَدِّي، فَكَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِي بَكْرٍ كَلَامٌ، فَقَالَ لِي أَبُو بَكْرٍ كَلِمَةً كَرِهْتُهَا وَنَدِمَ [عَلَيْهَا]، فَقَالَ لِي: يَا رَبِيعَةُ رُدَّ عَلَيَّ مِثْلَهَا حَتَّى تَكُونَ قِصَاصًا، قُلْتُ: لَا أَفْعَلُ [لَا وَاللَّهِ مَا أَنَا بِقَائِلٍ لَكَ إِلَّا خَيْرًا]، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَتَقُولَنَّ أَوْ لَأَسْتَعْدِيَنَّ عَلَيْكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِفَاعِلٍ، قَالَ: وَرَفَضَ الْأَرْضَ، وَانْطَلَقَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَانْطَلَقْتُ أَتْلُوهُ، فَجَاءَ نَاسٌ مِنْ أَسْلَمَ، فَقَالُوا لِي: رَحِمَ اللَّهُ أَبَا بَكْرٍ، فِي أَيِّ شَيْءٍ يَسْتَعْدِي عَلَيْكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ قَالَ لَكَ مَا قَالَ، فَقُلْتُ: أَتَدْرُونَ مَنْ هَذَا؟ هَذَا أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، هَذَا ثَانِيَ اثْنَيْنِ، وَهَذَا ذُو شَيْبَةِ الْمُسْلِمِينَ، إِيَّاكُمْ لَا يَلْتَفِتُ فَيَرَاكُمْ تَنْصُرُونِي عَلَيْهِ فَيَغْضَبَ، فَيَأْتِيَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَغْضَبَ لِغَضَبِهِ، فَيَغْضَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِغَضَبِهِمَا فَيُهْلِكَ رَبِيعَةَ، قَالُوا: مَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: ارْجِعُوا، قَالَ: فَانْطَلَقَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَبِعْتُهُ وَحْدِي حَتَّى أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَدَّثَهُ الْحَدِيثَ كَمَا كَانَ، فَرَفَعَ إِلَيَّ رَأْسَهُ فَقَالَ: «يَا رَبِيعَةُ مَا لَكَ وَلِلصِّدِّيقِ؟»، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَانَ كَذَا وَكَانَ كَذَا، قَالَ لِي كَلِمَةً كَرِهْتُهَا فَقَالَ لِي: قُلْ كَمَا قُلْتُ حَتَّى يَكُونَ قِصَاصًا فَأَبَيْتُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَجَلْ فَلَا تَرُدَّ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ قُلْ: غَفَرَ اللَّهُ لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ»، فَقُلْتُ: غَفَرَ اللَّهُ لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ، فَوَلَّى أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ يَبْكِي. أخرجه أحمد والطبراني والحاكم وحسنه الألباني.
في هذه القصة أيضًا حصل شيءٌ من سوء التفاهم بين أبي بكر الصديق رضي الله عنه وبين ربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله عنه، فقد أعطى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا بكر الصديق أرضًا وأعطى لربيعة الأسلمي أرضًا بجوار أرض الصديق، فجاءت الدنيا سب البلاء والشقاق فوقع اختلاف بين الإخوة في الله بسبب نخلة، فتكلم الصديق رضي الله عنه بكلمة ندم عليها، ونسي أمر الأرض بل تركه وتذكر أمر الآخرة فطلب من أخيه أن يقتص منه بمثلها، ولكن ربيعة رضي الله عنه يعلم من هو الصديق، لذلك لما انصرف وذكر أصحاب ربيعة له أن أبا بكر أخطأ في حقه، نهاهم وردهم وقال: أَتَدْرُونَ مَنْ هَذَا؟ هَذَا أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، هَذَا ثَانِيَ اثْنَيْنِ، وَهَذَا ذُو شَيْبَةِ الْمُسْلِمِينَ، إِيَّاكُمْ لَا يَلْتَفِتُ فَيَرَاكُمْ تَنْصُرُونِي عَلَيْهِ فَيَغْضَبَ، فَيَأْتِيَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَغْضَبَ لِغَضَبِهِ، فَيَغْضَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِغَضَبِهِمَا فَيُهْلِكَ رَبِيعَةَ، قَالُوا: مَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: ارْجِعُوا. ثم إن أبا بكر رضي الله عنه أتى مجلس النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأخبره الخبر، ولحقه ربيعة رضي الله عنه فَقَالَ له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا رَبِيعَةُ مَا لَكَ وَلِلصِّدِّيقِ؟»، فقص عليه ما كان، وأنه رفض أن يرد على أبا بكر فَقَالَ له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَجَلْ فَلَا تَرُدَّ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ قُلْ: غَفَرَ اللَّهُ لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ»، ففعل، فَوَلَّى أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ يَبْكِي، وزالت الخصومة وانتهى الخلاف.
وفي هذه الأحاديث فوائد كثيرة نقتصر منها على ما يتعلق بموضوعنا ومن ذلك:
1- فضل أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وأن الصحابة كانوا يعرفون له فضله وسبقه ومنزلته في الإسلام وعند النبي عليه الصلاة والسلام، فتأمل موقفه مع عمر رضي الله عنه، ومع ربيعة رضي الله عنه، وكيف كانوا يعرفون له فضله؟ حتى قال ربيعة لقومه: أَتَدْرُونَ مَنْ هَذَا؟ هَذَا أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، هَذَا ثَانِيَ اثْنَيْنِ، وَهَذَا ذُو شَيْبَةِ الْمُسْلِمِينَ؛ ففيه معرفة الفضل لأهل الفضل.
2- قد يخطئ الفاضل ولكنه يتذكر ويندم ويتصالح في الحال، ويتحلل من مظلمته.
3- الغضب يحمل الإنسان على ارتكاب خلاف الأولى وترك الأفضل، أو ترك ما ينبغي فعله في موقف ما.
4- المؤمن يغلب الدنيا ولا تغلبه وإن راودته أحيانًا.
5- الأدب في الخصومة، وقبول الاعتذار.
6- التحاكم إلى شرع الله تعالى في الخصومات.
أدب الخصومة والخلاف
جاءت الشريعة ووضحت وبينت كل ما يحتاج الناس إليه في جميع أحوالهم وشئونهم، ومن ذلك كيفية التعامل في حال وقوع نزاع بينهم؛ فإن الخصومة إذا تركت لأهواء المتخاصمين ولم توضع لها حدود ولم تراع فيها الآداب، حصل فساد كبير، وكم من خصومة صغيرة تحولت إلى جناية وانتهكت بسببها المحرمات، بل وقد يصل الأمر إلى الرمي بالكفر والفسوق وكبائر الذنوب، والله المستعان.
لذلك أمرت بأدب الخلاف والخصومة وذلك من خلال عدة أمور منها ما يلي:
1- وجوب التحاكم إلى شرع الله تعالى:
قال الله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا . أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً، وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً}، وقال سبحانه: {وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ . وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ . أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ . إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.
2- وجوب الرضا والتسليم التام لحكم الله تعالى:
قال الله عز وجل: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}.
3- عدم أخذ حق لا يحل له ولو كان زيادة عن حق له:
عَنْ أُمَّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ سَمِعَ خُصُومَةً بِبَابِ حُجْرَتِهِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنَّهُ يَأْتِينِي الخَصْمُ، فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَبْلَغَ مِنْ بَعْضٍ، فَأَحْسِبُ أَنَّهُ صَدَقَ، فَأَقْضِيَ لَهُ بِذَلِكَ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ مُسْلِمٍ، فَإِنَّمَا هِيَ قِطْعَةٌ مِنَ النَّارِ، فَلْيَأْخُذْهَا أَوْ فَلْيَتْرُكْهَا». رواه البخاري ومسلم، وفي رواية لهما: «إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوٍ مِمَّا أَسْمَعُ مِنْهُ، فَمَنْ قَطَعْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا، فَلَا يَأْخُذْهُ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ بِهِ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ».
4- عدم الشفاعة في حد من حدود الله، أو المخاصمة في باطل، أو الادعاء بالباطل، أو الحلف على باطل:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: «مَنْ حَالَتْ شَفَاعَتُهُ دُونَ حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ فَقَدَ ضَادَّ اللَّهَ، وَمَنْ خَاصَمَ فِي بَاطِلٍ وَهُوَ يَعْلَمُهُ لَمْ يَزَلْ فِي سُخْطِ الله تَعَالَى حَتَّى يَنْزِعَ، وَمَنْ قَالَ فِي مُؤْمِنٍ مَا لَيْسَ فِيهِ أَسْكَنَهُ اللَّهُ رَدْغَةَ الْخَبَالِ حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وصححه الألباني،
وعَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ: «وَمَنْ ادَّعَى دَعْوَى كَاذِبَةً لِيَتَكَثَّرَ بِهَا لَمْ يَزِدْهُ اللهُ إِلَّا قِلَّةً، وَمَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ فَاجِرَةٍ». رواه مسلم،
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ، يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ هُوَ فِيهَا فَاجِرٌ، لَقِيَ اللهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ»، قَالَ: فَدَخَلَ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ، فَقَالَ: مَا يُحَدِّثُكُمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ قَالُوا: كَذَا وَكَذَا، قَالَ: صَدَقَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فِيَّ نَزَلَتْ، كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ أَرْضٌ بِالْيَمَنِ، فَخَاصَمْتُهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «هَلْ لَكَ بَيِّنَةٌ؟» فَقُلْتُ: لَا، قَالَ: «فَيَمِينُهُ»، قُلْتُ: إِذَنْ يَحْلِفُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ، يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ هُوَ فِيهَا فَاجِرٌ، لَقِيَ اللهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ» فَنَزَلَتْ: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}. رواه البخاري ومسلم،
وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ، فَقَدْ أَوْجَبَ اللهُ لَهُ النَّارَ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ» فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «وَإِنْ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ». رواه مسلم، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَالْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ تَدَعُ الدِّيَارَ بَلَاقِعَ". أخرجه البيهقي وصححه الألباني، وبلاقع أي خاوية فارغة.
5- الاعتدال في الخصومة وإرادة الصلح، ومراعاة حقوق الإخوة الإيمانية، وعدم الفجر والتمادي في الخصومة: فَعَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ أَبْغَضَ الرِّجَالِ إِلَى اللَّهِ الأَلَدُّ الخَصِمُ». متفق عليه.
6- العفو والصفح وقبول الاعتذار:
قال تعالى: (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللهُ». رواه مسلم.
7- عدم الإعانة على خصومة أو فساد ذات البين بل يجب السعي في الصلاح والإصلاح:
فعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَعَانَ عَلَى خُصُومَةٍ بِظُلْمٍ، أَوْ يُعِينُ عَلَى ظُلْمٍ، لَمْ يَزَلْ فِي سَخَطِ اللَّهِ حَتَّى يَنْزِعَ». رواه ابن ماجه وصححه الألباني، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ». متفق عليه، وعَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ». متفق عليه.
وبعد عباد الله، كيف نتعامل في الخصومات والخلافات والمنازعات؟
هل نتحاكم إلى شرع الله تعالى؟ هل نرضى بحكم الله عز وجل؟ هل نسلم لحكمه وشرعه؟ هل نغلب الدنيا أم تغلبنا؟ هل نعرف لأهل الفضل حقهم؟ هل نتسامح ونعفو ونصفح؟ هل نتنازل ونتصالح ونصلح؟ هل نندم على الخطأ والذنب؟ هل نقبل الأعذار والاعتذار؟ هل نقول الحق ولو على أنفسنا؟ هل نتأدب بآداب الإسلام ونتخلق بأخلاقه في خصوماتنا؟ هل نترك الهجر والتقاطع؟ هل نترك الفجر في الخصومة؟ هل نترك المخاصمة بالباطل، والادعاء بالباطل والحلف على الباطل؟ هل نترك الإعانة على الظلم والباطل؟
عباد الله اعلموا أن الدنيا دار اختبار وبلاء، وليست دار مستقر وبقاء، وأن الآخرة دار حساب وجزاء وخلود وبقاء، وأن الخصومات تتكرر على أهلها يوم القيامة، وأن الحساب هنالك بالحسنات والسيئات، فاتقوا الله عباد الله وأصلحوا ذات بينكم.
عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَتْ: (ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ)، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُكَرَّرُ عَلَيْنَا الخُصُومَةُ بَعْدَ الَّذِي كَانَ بَيْنَنَا فِي الدُّنْيَا؟ قَالَ: «نَعَمْ»، فَقَالَ: إِنَّ الأَمْرَ إِذًا لَشَدِيدٌ. أخرجه الترمذي وقال: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وقال الألباني: حسن الإسناد، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟» قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ. فَقَالَ: «إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَأْتِي يَوْم الْقِيَامَة بِصَلَاة وَصِيَام وَزَكَاة، وَيَأْتِي وَقَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا؛ فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرح فِي النَّار». رَوَاهُ مُسلم،
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَخْلُصُ الْمُؤْمِنُونَ مِنَ النَّارِ فَيُحْبَسُونَ عَلَى قَنْطَرَةٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ فَيُقْتَصُّ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ مَظَالِمُ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا حَتَّى إِذَا هُذِّبُوا وَنُقُّوا أُذِنَ لَهُمْ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَأَحَدُهُمْ أَهْدَى بِمَنْزِلِهِ فِي الْجَنَّةِ مِنْهُ بِمَنْزِلِهِ كَانَ لَهُ فِي الدُّنْيَا». رَوَاهُ البُخَارِيّ.
مع تحيات
اللجنة العلمية لملتقى الخطيب المؤثر أسد المنابر