عنوان الخطبة ((إني أنا أبوك))
الهدف من الخطبة التذكير بحقوق الوالدين والترغيب في برهما والترهيب من العقوق
عناصر الموضوع
1- بر الوالدين واجب.
2- الترغيب في بر الوالدين.
3- الترهيب من العقوق.
4- أدِّ الحقوق فكما تدين تدان
إني أنا أبوك
مقدمة الموضوع : أما بعد، قال الله تعالى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا).
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى: يَأْمُرُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِعِبَادَتِهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ فَإِنَّهُ هُوَ الْخَالِقُ الرَّازِقُ الْمُنْعِمُ الْمُتَفَضِّلُ عَلَى خَلْقِهِ فِي جَمِيعِ الْآنَاتِ وَالْحَالَاتِ، فَهُوَ الْمُسْتَحِقُّ مِنْهُمْ أَنْ يُوَحِّدُوهُ، وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ، كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُعَاذٍ: "أتَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ؟" قَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: "أَنْ يَعْبدُوهُ ولا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا"، ثُمَّ قَالَ: "أتَدْري مَا حَقُّ العبادِ عَلَى اللهِ إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ؟ أَلَّا يُعَذِّبَهُم"، ثُمَّ أَوْصَى بِالْإِحْسَانِ إِلَى الْوَالِدَيْنِ، فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ جَعَلَهُمَا سَبَبًا لِخُرُوجِكَ مِنَ الْعَدَمِ إِلَى الْوُجُودِ، وَكَثِيرًا مَا يقرنُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ، بَيْنَ عِبَادَتِهِ وَالْإِحْسَانِ إِلَى الْوَالِدَيْنِ، كَقَوْلِهِ: (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ)، وَكَقَوْلِهِ: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا). انتهى.
بر الوالدين واجب
قال الله تعالى: (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)، وقال سبحانه: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا).
أمر الله تعالى عباده ببر الوالدين والإحسان إليهما، وأوجب عليهم ذلك، بل إن وجوب بر الوالدين من المعلوم من الدين بالضرورة.
فقوله تعالى: (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)، أي أمرناكم أن تحسنوا إلى الوالدين إحسانًا.
وقال تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا. وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا).
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى: (وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)، أَيْ: وَأَمَرَ بِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا، كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ).
وَقَوْلُهُ: (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ)، أَيْ: لَا تُسْمِعْهُمَا قَوْلًا سَيِّئًا، حَتَّى وَلَا التَّأْفِيفَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى مَرَاتِبِ الْقَوْلِ السَّيِّئِ (وَلا تَنْهَرْهُمَا)، أَيْ: وَلَا يَصْدُرْ مِنْكَ إِلَيْهِمَا فِعْلٌ قَبِيحٌ، كَمَا قَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ فِي قَوْلِهِ: (وَلا تَنْهَرْهُمَا)، أَيْ: لَا تَنْفُضْ يَدَكَ عَلَى وَالِدَيْكَ.
وَلَمَّا نَهَاهُ عَنِ الْقَوْلِ الْقَبِيحِ وَالْفِعْلِ الْقَبِيحِ، أَمَرَهُ بِالْقَوْلِ الْحَسَنِ وَالْفِعْلِ الْحَسَنِ فَقَالَ: (وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا)، أَيْ: لَيِّنًا طَيِّبًا حَسَنًا بِتَأَدُّبٍ وَتَوْقِيرٍ وَتَعْظِيمٍ.
(وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ)، أَيْ: تَوَاضَعَ لَهُمَا بِفِعْلِكَ (وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا)، أَيْ: فِي كبرهما وعند وفاتهما (كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا). انتهى.
وَعَنْ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِيكَرِبَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يُوصِيكُمْ بِأُمَّهَاتِكُمْ –ثَلَاثًا-، إِنَّ اللَّهَ يُوصِيكُمْ بِآبَائِكُمْ، إِنَّ اللَّهَ يُوصِيكُمْ بِالْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ». رواه ابن ماجه وصححه الألباني.
والبر إنما يكون في الطاعة والمعروف، ولا يدخل في البر الطاعة في المعاصي والمنكرات، قال تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)، وقال عز وجل: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ. وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).
فأمر الله تَعَالَى عِبَادُهُ بِالْإِحْسَانِ إِلَى الْوَالِدَيْنِ بَعْدَ الْحَثِّ عَلَى التَّمَسُّكِ بِتَوْحِيدِهِ، فَإِنَّ الْوَالِدَيْنِ هَمَّا سَبَبُ وُجُودِ الْإِنْسَانِ، وَلَهُمَا عَلَيْهِ غَايَةُ الْإِحْسَانِ، فَالْوَالِدُ بِالْإِنْفَاقِ وَالْوَالِدَةُ بِالْإِشْفَاقِ؛ وَمَعَ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ بِالرَّأْفَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمَا، فِي مُقَابَلَةِ إِحْسَانِهِمَا الْمُتَقَدِّمِ، قَالَ: (وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا)، أَيْ: وَإِنْ حَرَصا عَلَيْكَ أَنْ تُتَابِعَهُمَا عَلَى دِينِهِمَا إِذَا كَانَا مُشْرِكَيْنِ، فَإِيَّاكَ وَإِيَّاهُمَا، لَا تُطِعْهُمَا فِي ذَلِكَ، فَإِنَّ مَرْجِعَكُمْ إِلَيَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَأَجْزِيكَ بِإِحْسَانِكَ إِلَيْهِمَا، وَصَبْرِكَ عَلَى دِينِكَ، وَأَحْشُرُكَ مَعَ الصَّالِحِينَ لَا فِي زُمْرَةِ وَالِدَيْكَ، وَإِنْ كُنْتَ أَقْرَبَ النَّاسِ إِلَيْهِمَا فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّ الْمَرْءَ إِنَّمَا يُحْشَرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ مَنْ أَحَبَّ، أَيْ: حُبًّا دِينِيًّا؛ وَلِهَذَا قَالَ: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ).
وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: أَنَّهُ نَزَلَتْ فِيهِ آيَاتٌ مِنَ الْقُرْآنِ، قَالَ: حَلَفَتْ أُمُّ سَعْدٍ أَنْ لَا تُكَلِّمَهُ أَبَدًا حَتَّى يَكْفُرَ بِدِينِهِ، وَلَا تَأْكُلَ وَلَا تَشْرَبَ، قَالَتْ: زَعَمْتَ أَنَّ اللهَ وَصَّاكَ بِوَالِدَيْكَ، وَأَنَا أُمُّكَ، وَأَنَا آمُرُكَ بِهَذَا. قَالَ: مَكَثَتْ ثَلَاثًا حَتَّى غُشِيَ عَلَيْهَا مِنَ الْجَهْدِ، فَقَامَ ابْنٌ لَهَا يُقَالُ لَهُ عُمَارَةُ، فَسَقَاهَا، فَجَعَلَتْ تَدْعُو عَلَى سَعْدٍ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْقُرْآنِ هَذِهِ الْآيَةَ: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي)، وَفِيهَا: (وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا). رواه مسلم.
وكما أن البر يكون في الطاعة والمعروف فلا يجوز عقوق الوالدين وإن كانا على الشرك، وإنما المنهي عنه هو طاعتهما في الشرك والمعاصي، وهذا لا يمنع من برهما والإحسان إليهما؛ فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم ببر الوالدين وإن كانا على الشرك؛ فَعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قَالَتْ: قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّي قَدِمَتْ عَلَيَّ وَهِيَ رَاغِبَةٌ أَفَأَصِلُهَا؟ قَالَ: «نعم صِليها». مُتَّفق عَلَيْهِ، وَقَولُهَا: «رَاغِبَةٌ»، أيْ: طَامِعَةٌ عِنْدِي تَسْألُني شَيْئًا من المال ونحوه.
إن البر من صفات وأخلاق وأعمال الأنبياء والمرسلين، قال تعالى عن نوح عليه السلام: (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا)، وقال تعالى عن يحيى عليه السلام: (وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا)، وقال تعالى عن عيسى عليه السلام: (وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا)، وتأمل في بر إبراهيم عليه الصلاة والسلام مع أبيه آزر المشرك وتلطفه معه وحرصه عليه والإكثار من دعوته حتى تبين له أنه عدو لله فتبرأ منه، وهذا نبينا محمد صلى الله عليه وسلمَ يستأذن الله تعالى أن يستغفر لأمه؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لِأُمِّي فَلَمْ يَأْذَنْ لِي، وَاسْتَأْذَنْتُهُ أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأَذِنَ لِي». رواه مسلم.
الترغيب في بر الوالدين
إن فضل بر الوالدين وثوابه عظيم، وقد جاء في الكتاب والسنة ما يدل على هذا، ويرغب فيه ويحث عليه، ومن ذلك:
1- أهل الجنة يصلون ما أمر الله بوصله، قال تعالى: (وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ. وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ. جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ. سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ). قوله: (وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ) هذا في كل وصال واجب كصِلَةِ الْأَرْحَامِ، وَالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ وَإِلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَحَاوِيجِ، وَبَذْلِ الْمَعْرُوفِ.
2- بر الوالدين من أسباب رضا الرب عن العبد: فَعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رَضِيَ الربِّ فِي رضى الْوَالِدِ وَسُخْطُ الرَّبِّ فِي سُخْطِ الْوَالِدِ». رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وصححه الألباني.
3- بر الوالدين من أحب الأعمال إلى الله تعالى: فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قَالَ: سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أيُّ العَمَلِ أحَبُّ إِلَى اللهِ تَعَالَى؟ قَالَ: «الصَّلاةُ عَلَى وَقْتِهَا»، قُلْتُ: ثُمَّ أي؟ قَالَ: «بِرُّ الوَالِدَيْنِ»، قُلْتُ: ثُمَّ أيٌّ؟ قَالَ: «الجِهَادُ في سبيلِ الله». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
4- من أراد عظيم الأجر فعليه ببر الوالدين: فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنه قَالَ: أقبلَ رَجُلٌ إِلَى نَبيِّ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أُبَايِعُكَ عَلَى الهِجْرَةِ وَالجِهَادِ أَبْتَغي الأجْرَ مِنَ الله تَعَالَى. قَالَ: «فَهَلْ لَكَ مِنْ وَالِدَيْكَ أحَدٌ حَيٌّ؟» قَالَ: نَعَمْ، بَلْ كِلاهُمَا. قَالَ: «فَتَبْتَغي الأجْرَ مِنَ الله تَعَالَى؟» قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «فارْجِعْ إِلَى وَالِدَيْكَ، فَأحْسِنْ صُحْبَتَهُمَا». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ، وهذا لَفْظُ مسلِم، وفي رواية لَهُمَا: جَاءَ رَجُلٌ فَاسْتَأذَنَهُ في الجِهَادِ، فقَالَ: «أحَيٌّ وَالِداكَ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَفيهِمَا فَجَاهِدْ».
5- بر الوالدين من أسباب دخول الجنة: فعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "نِمْتُ، فَرَأَيْتُنِي فِي الْجَنَّةِ، فَسَمِعْتُ صَوْتَ قَارِئٍ يَقْرَأُ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا حَارِثَةُ بْنُ النُّعْمَانِ " فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَذَاكَ الْبِرُّ، كَذَاكَ الْبِرُّ» وَكَانَ أَبَرَّ النَّاسِ بِأُمِّهِ. أخرجه الإمام أحمد وصححه الألباني.
وَعَن معاويةَ بن جاهِمةُ أَنَّ جَاهِمَةَ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَدْتُ أَنْ أَغْزُوَ وَقَدْ جِئْتُ أَسْتَشِيرُكَ. فَقَالَ: «هَلْ لَكَ مِنْ أُمٍّ؟» قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: «فَالْزَمْهَا فَإِنَّ الْجَنَّةَ عِنْدَ رِجْلِهَا». رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وابن ماجه وقال الألباني: حسن صحيح.
وَعَن أبي الدَّرْدَاء أَنَّ رَجُلًا أَتَاهُ فَقَالَ: إِنَّ لِي امْرَأَةً وَإِن لي أُمِّي تَأْمُرُنِي بِطَلَاقِهَا؟ فَقَالَ لَهُ أَبُو الدَّرْدَاءِ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْوَالِدُ أَوْسَطُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ فَإِنْ شِئْتَ فَحَافِظْ عَلَى الْبَابِ أَوْ ضَيِّعْ». رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَه وصححه الألباني.
6- بر الوالدين من أسباب استجابة الدعاء وتفريج الكربات: فعن عبدِ الله بنِ عمرَ رضيَ اللهُ عنهما، قَالَ: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «انطَلَقَ ثَلاثَةُ نَفَرٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَتَّى آوَاهُمُ المَبيتُ إِلى غَارٍ فَدَخلُوهُ، فانْحَدرَتْ صَخْرَةٌ مِنَ الجَبَلِ فَسَدَّتْ عَلَيْهِمُ الغَارَ، فَقالُوا: إِنَّهُ لاَ يُنْجِيكُمْ مِنْ هذِهِ الصَّخْرَةِ إِلاَّ أَنْ تَدْعُوا اللهَ بصَالِحِ أعْمَالِكُمْ، قَالَ رجلٌ مِنْهُمْ: اللَّهُمَّ كَانَ لِي أَبَوانِ شَيْخَانِ كبيرانِ، وكُنْتُ لا أغْبِقُ قَبْلَهُمَا أهْلًا ولاَ مالًا وَلِي صِبْيَةٌ صِغَارٌ كُنْتُ أَرْعَى عَلَيْهِمْ فَإِذَا رُحْتُ عَلَيْهِمْ فَحَلَبْتُ بَدَأْتُ بِوَالِدَيَّ أَسْقِيهِمَا قَبْلَ وَلَدِي، فَنَأَى بِي طَلَب الشَّجَرِ يَوْمًا فلم أَرِحْ عَلَيْهمَا حَتَّى نَامَا، فَحَلَبْتُ لَهُمَا غَبُوقَهُمَا فَوَجَدْتُهُما نَائِمَينِ، فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَهُمَا وَأَنْ أغْبِقَ قَبْلَهُمَا أهْلًا أو مالًا، فَلَبَثْتُ والْقَدَحُ عَلَى يَدِي أنتَظِرُ اسْتِيقَاظَهُما حَتَّى بَرِقَ الفَجْرُ والصِّبْيَةُ يَتَضَاغَوْنَ عِنْدَ قَدَميَّ، فاسْتَيْقَظَا فَشَرِبا غَبُوقَهُما. اللَّهُمَّ إنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذلِكَ ابِتِغَاء وَجْهِكَ فَفَرِّجْ عَنّا مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هذِهِ الصَّخْرَةِ، فانْفَرَجَتْ شَيْئًا لا يَسْتَطيعُونَ الخُروجَ مِنْهُ». الحديث متفق عليه.
7- بر الوالدين يزاد ويُبارك به في العمر: فَعَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَرُدُّ الْقَضَاءَ إِلَّا الدُّعَاءُ وَلَا يَزِيدُ فِي الْعُمْرِ إِلَّا الْبر». رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وحسنه الألباني.
8- وهو من أسباب السعة في الرزق: وعن أنسٍ رضي الله عنه: أن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «من أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ في رِزْقِهِ، ويُنْسأَ لَهُ في أثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ، ومعنى «ينسأ لَهُ في أثرِهِ»، أي: يؤخر لَهُ في أجلِهِ وعمرِهِ، أو يبارك له فيه.
9- الوالدان هما أحق الناس بحسن صحبة العبد وإحسانه: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: «أُمَّكَ». قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «أُمَّكَ». قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «أُمَّكَ». قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «أَبُوكَ». وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: «أُمَّكَ ثُمَّ أُمَّكَ ثُمَّ أُمَّكَ ثُمَّ أَبَاكَ ثمَّ أدناك أدناك». مُتَّفق عَلَيْهِ.
الترهيب من العقوق
إن عقوق الوالدين وإثمه كبير، وقد جاء في الكتاب والسنة ما يحذر من هذا، ويبين سوء عاقبته ومن ذلك:
1- عقوق الوالدين من أكبر الكبائر: فعن أَبي بكرة نُفَيع بن الحارث رضي الله عنه أنه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أُنَبِّئُكُمْ بأكْبَرِ الكَبَائِرِ؟» -ثلاثًا- قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُول الله قَالَ: «الإشْرَاكُ بالله، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ»، وكان مُتَّكِئًا فَجَلَسَ، فَقَالَ: «ألاَ وَقَوْلُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ»، فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا: لَيْتَهُ سَكَتَ. مُتَّفَقٌ عَلَيهِ، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قَالَ: «الكَبَائِرُ: الإشْرَاكُ بالله، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ، وَقَتْلُ النَّفْس، وَاليَمِينُ الغَمُوسُ». رواه البخاري، وَعَن الْمُغِيرَةِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ عُقُوقَ الْأُمَّهَاتِ وَوَأْدَ الْبَنَاتِ وَمَنَعَ وَهَاتِ. وَكَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ وَإِضَاعَةَ الْمَالِ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
2- تعجل للعاق عقوبة في الدنيا مع يدخر له من العقاب في الآخرة: فَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ ذَنْبٍ أَحْرَى أَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ لصَاحبه الْعقُوبَة فِي الدُّنْيَا مَعَ مايدخر لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْبَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وصححه الألباني.
3- عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رَغِمَ أَنْفُهُ رَغِمَ أَنْفُهُ رَغِمَ أَنْفُهُ». قِيلَ: مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «مَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا ثمَّ لم يدْخل الْجنَّة». وَرَاه مُسلم، وعن مالك بن الحسن بن مالك بن الحويرث عن أبيه عن جده أنه قال: صعد رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المنبرَ فلما رقي عتبة قال: "آمين"، ثم رقي أخرى فقال: "آمين"، ثم رقي عتبة ثالثة فقال: "آمين". ثم قال: "أتاني جبريل فقال: يا محمد! من أدركَ رمضانَ فلم يغفر له؛ فأبعده الله. فقلت: آمين. قال: ومن أدرك والديه أو أحدَهما فدخل النار؛ فابعده الله. فقلت: آمين. قال: ومن: ذُكرتَ عنده فلم يصل عليك؛ فأبعده الله. فقلت: آمين". رواه ابن حبان في صحيحه، وصححه لغيره الألباني.
4- الوعيد الشديد لمن عق والديه: فَعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنَّانٌ وَلَا عَاقٌّ وَلَا مُدْمِنُ خمر». رَوَاهُ النَّسَائِيّ وصححه الألباني.
5- العاق لوالديه لا ينظر الله تعالى إليه يوم القيامة: فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ثَلَاثَةٌ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ، وَالْمَرْأَةُ الْمُتَرَجِّلَةُ، وَالدَّيُّوثُ، وَثَلَاثَةٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ: الْعَاقُّ لِوَالِدَيْهِ، وَالْمُدْمِنُ عَلَى الْخَمْرِ، وَالْمَنَّانُ بِمَا أَعْطَى". رواه النسائي وقال الألباني: حسن صحيح.
6- لعن الله العاق الذي يسب والديه: فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَعَنِ اللَّهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ غَيَّرَ تُخُومَ الْأَرْضِ، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ كَمَهَ الْأَعْمَى عَنِ السَّبِيلِ، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ سَبَّ وَالِدَيْهِ، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ تَوَلَّى غَيْرَ مَوَالِيهِ، وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ» -قَالَهَا ثَلَاثًا فِي عَمَلِ قَوْمِ لُوطٍ-. أخرجه ابن حبان في صحيحه، وقال الألباني: حسن صحيح.
أدِّ الحقوق فكما تدين تدان
شرع الله الإحسان إلى الوالدين بالقول الطيب والفعل الحسن، وأوجب طاعتهما إلا في المعصية، فجعل لهما حقوقًا كثيرة وعظيمة ينبغي على المسلم الانتباه لها والعمل بها والحذر من العقوق؛ فإنه كما تدين تدان، فبر ببر وإحسان بإحسان، وعقوق بعقوق وعصيان بعصيان!
إن حقوق الوالدين عظيمة فلا تهملها أيها المسلم، ومن ذلك:
1- الكفاية في الطعام والشراب والكسوة والنفقة والدواء ونحو ذلك.
2- خدمتهما إذا احتاجا إلى الخدمة، وهذا ليس تفضلاً بل حقًا واجبًا.
3- إجابة نداءهما ودعوتهما، وتلبيتهما بسرعة بوجه مبتسم طلق، مستعملاً ألفاظًا طيبة نحو: أبي وأمي.
4- طاعتهما في غير المعصية.
5- مخاطبتهما بالكلام الحسن بأدب وخفض صوت.
6- الرفق في المعاملة معهما، والتلطف بهما وعدم العبس بوجههما، ولا تُحدق النظر إِليهما غاضبًا.
7- أن لا يدعو والده باسمه، بل يصفه بالأبوة.
8- إذا مشى معه أن يمشي خلفه تأدبًا، وقيل: يمشي خلفه نهارًا وأمامه ليلاً، فَعَنْ عُرْوَةَ أنه قَالَ: رَأَى أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه رَجُلًا يَمْشِي بَيْنَ يَدَيْ رَجُلٍ، فَقَالَ لَهُ: مَا هَذَا مِنْكَ؟ قَالَ: أَبِي، قَالَ: فلَا تَمْشِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَلَا تَجْلِسْ حَتَّى يَجْلِسْ، وَلَا تَدْعُهُ بِاسْمِهِ. أخرجه البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني.
9- أن يرضى لهما ما يرضى لنفسه ويكره لهما ما يكره لنفسه.
10- أن يدعو لهما بالمغفرة والرحمة، قال تعالى: (وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا).
11- المحافظة على سمعة الوالدين وشرفهما ومالهما وعدم أخذ شيء بدون إِذنهما.
12- عمل ما يسرهما ولو من غير أمرهما كالخدمة وشراء اللوازم، والاجتهاد في طلب العلم.
13- مشاورتهما وأخذ رأيهما في الأعمال الخاصة، والاعتذار لهما عند الأخذ بغير رأيهما.
14- إكرام صديقهما وضيفهما وأقرباءهما في حياتهما، وبعد موتهما؛ فَعَنِ عبد الله بن دينارٍ عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أنَّ رجلاً مِنَ الأعْرابِ لَقِيَهُ بطَريقِ مكَّةَ، فسلَّم عليه عبدُ الله بنُ عُمَر، وحَملَهُ على حمارٍ كانَ يرْكَبُه، وأعطاه عِمامَةً كانَتْ على رأْسِهِ. قال ابْنُ دينارٍ: فقلْنا له: أصلَحكَ الله! إنَّهمُ الأَعْرابُ، وهم يَرْضُونَ باليَسيرِ! فقال عبدُ الله بنُ عُمرَ: إنَّ أبا هذا كانَ وُدّاً لعمرَ بْنِ الخطَّابِ، وإنِّي سمعتُ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: "إنّ أبرّ البِرّ صلةُ الولَد أهلَ وُدِّ أبيه". رواه مسلم.
15- عدم جدالهما وتبين الصواب لهما برفق، وعدم عنادهما، والإنصات لحديثهما، وترك عتابهما ولومها.
16- عدم إزعاج الإخوة إِكرامًا للوالدين.
17- القيام لهما إِذا دخلا، وتقبيل رأسهما.
18- عدم السفر إِذا بإذنهما.
19- عدم الدخول عليهما بدون إِذن ولا سيما وقت نومهما وراحتهما.
20- عدم تناول الطعام قبلهما.
21- عدم تفضيل الزوجة، أو الولد عليهما، والسعي في طلب رضاهما.
22- عدم الجلوس في مكان أعلى منهما، وعدم مد الرجل في حضرتهما.
23- عدم التكبر عليهما والتشرف بالانتساب اِليهما، والحذر نكران معروفهما وفضلهما.
24- كثرة الزيارة لهما ما لم يتضايقا، وتقديم الهدايا لهما، وشكرهما على تربيتهما وتعبهما.
25- التأدب مع الناس إكرامًا لهما وصيانة لعرضهما؛ فَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مِنَ الْكَبَائِرِ شَتْمُ الرَّجُلِ وَالِدَيْهِ». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهَلْ يَشْتُمُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ؟ قَالَ: «نَعَمْ يَسُبُّ أَبَا الرَّجُلِ فَيَسُبُّ أَبَاهُ ويسبُّ أمه فيسب أمه». مُتَّفق عَلَيْهِ. وفي رواية: «إنَّ مِنْ أَكْبَرِ الكَبَائِرِ أَنْ يَلْعَنَ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ!»، قِيلَ: يَا رَسُول الله، كَيْفَ يَلْعَنُ الرَّجُلُ وَالِدَيهِ؟! قَالَ: «يَسُبُّ أَبَا الرَّجُلِ، فَيَسُبُّ أَبَاهُ، وَيَسُبُّ أُمَّهُ، فَيَسُبُّ أُمَّهُ».
26- الإحسان إليهما بعد وفاتهما بالدعاء لهما، وإكرام أهل ودهما، وصلة أرحامهما التي لا توصل إلا بهما، والتصدق عنهما، والاستغفار لهما، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِذَا مَاتَ الْعَبْدُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ". رواه مسلم، وَعَنْه رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللهَ عز وجل لَيَرْفَعُ الدَّرَجَةَ لِلْعَبْدِ الصَّالِحِ فِي الْجَنَّةِ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ أَنَّى لِي هَذِهِ؟ فَيَقُولُ: بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ". رواه ابن ماجه وحسنه الألباني، وعن أنس رضي الله عنه أَنَّ سَعْدًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أُمِّي تُوُفِّيَتْ، وَلَمْ تُوصِ، أَفَيَنْفَعُهَا أَنْ أَتَصَدَّقَ عَنْهَا؟ قَالَ: «نَعَمْ، وَعَلَيْكَ بِالْمَاءِ». رواه الطبراني وصححه الألباني. وسعد هو سعد بن عبادة رضي الله عنه.
عباد الله إن حقوق الوالدين كثيرة وعظيمة، وهذه بعض حقوق الوالدين التي من اجتهد فيها وجدها في ولده وذريته، واعلموا أنه كما تدين تدان، واعلموا أنه لن يجزي ولد والده إلا أن يجده عبدًا مملوكًا فيشتريه ويعتقه؛ فعن أَبي هريرة رضي الله عنه أنه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: «لاَ يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدًا إِلاَّ أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا، فَيَشْتَرِيهُ فَيُعْتِقَهُ». رواه مسلم.
وعن أَبِي بُرْدَةَ أَنَّهُ شَهِدَ ابْنَ عُمَرَ وَرَجُلٌ يَمَانِيٌّ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ، حَمَلَ أُمَّهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ، يَقُولُ:
إِنِّي لَهَا بَعِيرُهَا الْمُذَلَّلُ... إِنْ أُذْعِرَتْ رِكَابُهَا لَمْ أُذْعَرِ.
ثُمَّ قَالَ: يَا ابْنَ عُمَرَ أَتُرَانِي جَزَيْتُهَا؟ قَالَ: لَا، وَلَا بِزَفْرَةٍ وَاحِدَةٍ. أخرجه البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني
مع تحيات
اللجنة العلمية لملتقى الخطيب المؤثر أسد المنابر