الأربعاء ، ٢ جمادى الآخر ، ١٤٤٦ هجري | 04 ديسمبر 2024 ميلادي
حاجة الأبناء إلى التربية والتعليم
وصف الخطبة : - بيان أهمية تربية الأبناء وحاجتهم إلى التربية والتعليم، والحث على التنشئة الصحيحة

عنوان الخطبة ((حاجة الأبناء إلى التربية والتعليم))
الهدف من الخطبة بيان أهمية تربية الأبناء وحاجتهم إلى التربية والتعليم، والحث على التنشئة الصحيحة 
عناصر الموضوع
1- تربية الأبناء واجبة على الآباء. 
2- إنها مسئولية فمن المسئول؟   .  
3- حاجة الأبناء إلى التربية والتعليم.
4- خطر اللاتربية وغزو التعليم.  
حاجة الأبناء إلى التربية والتعليم 
مقدمة الموضوع : أما بعد، ذكر الله تعالى في آخر سورة الفرقان صفات عباد الرحمن، وذكر منها أن يدعون الله تعالى بهذا الدعاء: (رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ)، وذكر سبحانه وتعالى عن زكريا عليه السلام أنه سأل الله تعالى الذرية الطيبة فقال: (رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ)، وها هي ذراري الأمة فما سبيل قرار العيون بها؟ وما أسباب تحصيل صلاحها وطيبتها؟ 
تربية الأبناء واجبة على الآباء
إن الإسلام قد استوفى الحقوق كلها، وأمر بأداء الواجبات وحفظها، ومن ذلك: حقوق الأبناء؛ فقد اعتنى الإسلام بهم قبل ولادتهم فأمر بصلاح الزوج والزوجة وأن يكون اختيار كل منهما للآخر على أساس صلاح الدين وحسن الخلق، ثم جعل لهم حقوقًا وهم حمل في بطون أمهاتهم حتى مع الطلاق والفراق كالنفقة والميراث وتحريم الإجهاض والإضرار به، ثم جعل لهم حقوقًا بعد الولادة كالحضانة، ومقتضى الحضانة: حفظ الطفل، وإمساكه عما يؤذيه، وتربيته حتى يكبر، وعمل جميع ما هو في صالحه، مِنْ تعهد طعامه، وشرابه، وغسله، ونظافته ظاهرًا وباطنًا، وتعهُّد نومه، ويقظته، والقيام بجميع حاجاته، ومتطلباته.
قال الله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا)، قال عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه فِي معناها: عَلِّمُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمُ الْخَيْرَ. أخرجه الحاكم وصححه الألباني.
قال الشيخ المفسر السعدي رحمه الله: أولى الناس ببرِّك، وأحقهم بمعروفك: أولادُك؛ فإنهم أمانات جعلهم الله عندك، ووصاك بتربيتهم تربية صالحة لأبدانهم وقلوبهم، وكل ما فعلته معهم من هذه الأمور، دقيقها وجليلها؛ فإنه من أداء الواجب عليك، ومن أفضل ما يقربك إلى الله، فاجتهد في ذلك، واحتسبه عند الله، فكما أنك إذا أطعمتهم وكسوتهم وقمت بتربية أبدانهم، فأنت قائم بالحق مأجور؛ فكذلك -بل أعظم من ذلك- إذا قمت بتربية قلوبهم وأرواحهم بالعلوم النافعة، والمعارف الصادقة، والتوجيه للأخلاق الحميدة، والتحذير من ضدها.
فالآداب الحسنة خير للأولاد حالاً ومآلاً من إعطائهم الذهب والفضة، وأنواع المتاع الدنيوي لأن بالآداب الحسنة، والأخلاق الجميلة، يرتفعون، وبها يسعدون، وبها يؤدون ما عليهم من حقوق الله وحقوق العباد، وبها يجتنبون أنواع المضار، وبها يتم برهم لوالديهم.
أما إهمال الأولاد: فضرره كبير وخطره خطير. أرأيت لو كان لك بستان فَنمَّيته، حتى استتمت أشجاره، وأينعت ثماره، وتزخرفت زروعه وأزهاره، ثم أهملته فلم تحفظه ولم تَسقِه ولم تُنَقِّه من الآفات وتعده للنموِّ في كل الأوقات، أليس هذا من أعظم الجهل والحمق؟! فكيف تهمل أولادك الذين هم فِلذة كبدك وثمرة فؤادك ونسخة روحك والقائمون مقامك حيًا وميتًا؟ الذين بسعادتهم تتم سعادتك، وبفلاحهم ونجاحهم تدرَك به خيرًا كثيرًا، (وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ). انتهى بتصرف يسير من بهجة قلوب الأبرار.
وقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ: اعْلَمْ أَنَّ الصَّبِيَّ أَمَانَةٌ عِنْدَ وَالِدَيْهِ وَقَلْبَهُ الطَّاهِرَ جَوْهَرَةٌ نَفِيسَةٌ سَاذَجَةٌ خَالِيَةٌ عَنْ كُلِّ نَقْشٍ وَصُورَتِهِ، وَهُوَ قَابِلٌ لِكُلِّ نَقْشٍ وَقَابِلٌ لِكُلِّ مَا يُمَالُ بِهِ إلَيْهِ فَإِنْ عُوِّدَ الْخَيْرَ وَعُلِّمَهُ نَشَأَ عَلَيْهِ وَسَعِدَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ يُشَارِكُهُ فِي ثَوَابِهِ أَبَوَاهُ وَكُلُّ مُعَلِّمٍ لَهُ وَمُؤَدِّبٍ، وَإِنْ عُوِّدَ الشَّرَّ وَأُهْمِلَ إهْمَالَ الْبَهَائِمِ شَقِيَ وَهَلَكَ، وَكَانَ الْوِزْرُ فِي رَقَبَةِ الْقَيِّمِ بِهِ وَالْوَلِيِّ عَلَيْهِ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: (قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا)، وَمَهْمَا كَانَ الْأَبُ يَصُونُهُ مِنْ نَارِ الدُّنْيَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَصُونَهُ مِنْ نَارِ الْآخِرَةِ، وَهُوَ أَوْلَى. انتهى من المدخل لابن الحاج.
إنها مسئولية فمن المسئول؟
إن تربية الأبناء وتعليمهم مسئولية عظيمة وشاقة وتحتاج إلى صبر وزمان طويل وتفتقر إلى توفيق الله تعالى، ثم إن البيت والأسرة هما المسئول الأول عن القيام بحق تلك المسئولية؛ فَعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم: «أَلا كلُّكُمْ راعٍ وكلُّكُمْ مسؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ؛ فَالْإِمَامُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مسؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مسؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ زَوْجِهَا وولدِهِ وَهِي مسؤولةٌ عَنْهُمْ، وَعَبْدُ الرَّجُلِ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مسؤولٌ عَنهُ، أَلا فكلُّكُمْ راعٍ وكلكُمْ مسؤولٌ عَن رعيتِه». متفق عليه.
فينبغي أن تكون التربية والتعليم نابعة من شعور الأبوين بالمسئولية أمام الله عز وجل، وأن التبرُّم منها والتخلِّي عنها يُعَدُّ من عدم القيام بواجب تلك المسئولية، وينبغي أن يكون التوجيه والتربية والتعليم والإصلاح منطلق من تقوى الله عز وجل، والخوف من عذابه، والطمع في رضوانه، والحذر من نقمته. 
إن الله تبارك وتعالى إذا أنعم على الإنسان بنعمة الأهل والولد ورزقه خوفه وتقواه، فاستشعر المسئولية وأحس بالأمانة، جدّ واجتهد أن يأخذ بحجزهم عن النار، وأن يقيمهم على سبيل الأخيار حتى يكون سعيدًا بأداء أمانته ورعايتها على الوجه المطلوب؛ فالأولاد أمانة، والأهل والزوجة أمانة في عنق الإنسان ومسئول عنها أمام الله جل جلاله، وهذه المسئولية فيها ما يتعلق بالدين وحقوق الله سبحانه وتعالى وحقوق العباد، وفيها ما يتعلق بالدنيا؛ أما الذي يتعلق بالدين: فهي الفرائض والواجبات التي ينبغي أن يعلمها الأبناء، وأن يربي الوالدان أولادهما على معرفة هذه الحقوق والواجبات، والقيام بها على الوجه المطلوب؛ فيبدأ كل من الأب الصالح والأم الصالحة بحق الله جل جلاله، من المعرفة بالله سبحانه وتعالى من توحيده والإخلاص له ومحبته ورجاءه والخوف منه والتوكل عليه؛ فالبيت المسلم هو البيت الذي تربى أولاده على العقيدة الصحيحة.
ثم تعليم الأبناء الصلاة والتدرب على الصيام وهم أبناء سبع سنين؛ فَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ سِنِين، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وحسنه الألباني، ولا يقف الأمر عند التعليم بل يتربى على حب الصلاة والأنس بها، ويكون الأب والأم قدوة للأبناء في ذلك.
وكذا التربية على الكتاب والسنة وتعظيمهما، وعلى مكارم الأخلاق ومحاسنها؛ فعلى الآباء الأمناء أن يربطوا أبناءهم بالمساجد ويعلموهم القرآن ويفقهوهم في السنة ويربونهم على مكارم الأخلاق ومحاسنها من الصدق والوفاء والكرم والمروءة، فيعلمه من صغره مثلاً: كيف يتعامل مع من يكبره، وكيف يجلس في المجلس، وكيف يستقبل الضيف وكيف يكرمه وكيف يخاطبه، ونحو ذلك.
وكذا التربية على معرفة الحلال من الحرام، والصواب من الخطأ، والصلاح من الفساد، وجميل العادات من قبيحها، ونحو ذلك.
أما ما يتعلق بأمور الدنيا من العلوم التجريبية (الطب، الهندسة، الكيمياء، الفيزياء..) والبيع والشراء والمآكل والمشارب واللباس ونحو ذلك، فلا مانع من أن يُعلم الولد شيئًا من هذه العلوم الهادفة التي ينتفع بها، ولا مانع أن يتعلم حرفة أو تجارة، مما يعينه على قضاء حوائجه، والقيام بحق الله تعالى وأمور دينه.
حاجة الأبناء إلى التربية والتعليم
إن الناس لا يختلفون في أصل خلقتهم وولادتهم وفطرتهم؛ قال الله تعالى: (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ)، وقال سبحانه: (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ أن النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ»، ثُمَّ يَقُول أَبُو هُرَيْرَة: (فطْرَة الله الَّتِي فطر النَّاس عَلَيْهَا). الْآيَة. متفق عليه، ومع هذا لابد لكل إنسان من سلوك يتعامل به، وطرق يعيش بها، وطباع يألفها، فمن أين يكتسب هذا السلوك وتلك المعارف والطباع؟
ربما من الأبوين والبيت والأسرة، وربما من البيئة الحاضنة والمجتمع المحيط، وربما من الإعلام والتواصل القريب والبعيد أو العالم الافتراضي ونحو ذلك.
وأيًا كان مصدر تلقي السلوكيات التي يتربى عليها الأبناء ويتطبعون بها فإنهم لابد لهم من تعلم هذه السلوكيات ليتمكنوا من التعايش والتعامل مع المجتمع، بغض النظر عن صلاح تلك السلوكيات أو فسادها.
وهذا يبين مدى حاجة الأبناء إلى التربية الصحيحة، ويوضح ضرورة وأهمية تربية الأبناء وتعليمهم السلوكيات الصحيحة ولزوم إدراكهم قبل فوات الأوان، أو البحث عن سبل أخرى لتقويم السلوكيات الخاطئة. 
إن الولد يحتاج إلى أن يُعلّم كل صغير وكبير مما ينتفع به؛ فيحتاج إلى تعلم العقيدة الصحيحة والتوحيد، والعبادات وأولها الصلاة، وحسن الخلق والمعاملة، وحقوق الناس وأولهم حقوق الوالدين، وكذلك إكرام الجار، وإكرام الضيف، وصلة الأرحام، والصدق والوفاء، ومحاسن العادات والأخلاق، وأول من يجني هذه الثمرة هما الوالدان، يجنيانها في الدين والدنيا والآخرة. 
إن الأبناء في حاجة ضرورية ماسة إلى التربية والتعليم وهذا لا يكون بالتشهي ولا بالتمني، بل إن المسئولية عظيمة، وتحتاج إلى تقوى الله جل وعلا ومراقبته، وحسن التدبير والأخذ بالأسباب المباحة؛ فإذا وفق الله عز وجل إلى القدوة الحسنة والكلمة الهادفة والنصيحة الموجهة، وجمع مع ذلك كله الرفق واللين والأخذ بمجامع تلك القلوب البريئة من الصغر إلى الخير وإلى الطاعة وإلى البر استقام سلوك الأبناء وسمت هذه الأمة، وارتقت إلى معالي الكمال؛ فالواجب تربية النشء الصغير على طاعة الله، وتحبيبه في مرضاة الله عز وجل وتعويده على الخير وعلى الطاعة والبر، وأول ما يبدأ بحق الله ثم حقوق العباد، ثم يبقى الأمر الدنيوي.
وهذا مثال من طرق السلف في تربية الأبناء:
قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَصِيَانَتُهُ بِأَنْ يُؤَدِّبَهُ وَيُهَذِّبَهُ وَيُعَلِّمَهُ مَحَاسِنَ الْأَخْلَاقِ وَيَحْفَظَهُ مِنْ الْقُرَنَاءِ السُّوءِ وَلَا يُعَوِّدَهُ التَّنَعُّمَ وَلَا يُحَبِّبَ إلَيْهِ الزِّينَةَ وَأَسْبَابَ الرَّفَاهِيَةِ فَيُضَيِّعَ عُمُرَهُ فِي طَلَبِهَا إذَا كَبُرَ وَيَهْلِكَ هَلَاكَ الْأَبَدِ؛ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُرَاقِبَهُ مِنْ أَوَّلِ أَمْرِهِ فَلَا يُشْغِلُ فِي حَضَانَتِهِ وَإِرْضَاعِهِ إلَّا امْرَأَةٌ صَالِحَةٌ مُتَدَيِّنَةٌ تَأْكُلُ الْحَلَالَ فَإِنَّ اللَّبَنَ الْحَاصِلَ مِنْ الْحَرَامِ لَا بَرَكَةَ فِيهِ فَإِذَا وَقَعَتْ عَلَيْهِ نَشْأَةُ الصَّبِيِّ عَجَنَتْ طِينَتَهُ فَيَمِيلُ طَبْعُهُ إلَى مَا يُنَاسِبُ الْخَبَائِثَ وَمَهْمَا بَدَتْ فِيهِ مَخَايِلُ التَّمْيِيزِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْسِنَ مُرَاقَبَتَهُ وَأَوَّلُ ذَلِكَ ظُهُورُ أَوَائِلِ الْحَيَاءِ فَإِذَا كَانَ يَحْتَشِمُ وَيَسْتَحِي وَيَتْرُكُ بَعْضَ الْأَفْعَالِ فَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا لِإِشْرَاقِ نُورِ الْعَقْلِ عَلَيْهِ حَتَّى رَأَى بَعْضَ الْأَشْيَاءِ قَبِيحَةً وَمُخَالِفَةً لِبَعْضِهَا فَصَارَ يَسْتَحِي مِنْ شَيْءٍ دُونَ شَيْءٍ وَهَذِهِ هَدِيَّةٌ مِنْ اللَّهِ إلَيْهِ وَبِشَارَةٌ تَدُلُّ عَلَى الْأَخْلَاقِ وَصَفَاءِ الْقَلْبِ، وَهُوَ مُبَشِّرٌ بِكَمَالِ الْعَقْلِ عِنْدَ الْبُلُوغِ فَالصَّبِيُّ الْمُسْتَحِي لَا يَنْبَغِي أَنْ يُهْمَلَ بَلْ يُعَانُ عَلَى تَأْدِيبِهِ بِكَمَالِ حَيَائِهِ وَتَمْيِيزِهِ.
وَأَوَّلُ مَا يَغْلِبُ عَلَيْهِ مِنْ الصِّفَاتِ شَرَهُ الطَّعَامِ فَيُعَلِّمُهُ مَتَى يَأْكُلُ وَيُعَلِّمُهُ أَنَّهُ لَا يُسْرِعُ فِي الْأَكْلِ وَيَمْضُغُ الطَّعَامَ مَضْغًا جَيِّدًا وَلَا يُوَالِي بَيْنَ اللُّقَمِ وَلَا يُلَطِّخُ يَدَهُ وَلَا ثَوْبَهُ وَيُعَوِّدُهُ الْخُبْزَ الْقِفَارَ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ حَتَّى لَا يَصِيرَ بِحَيْثُ يَرَى الْإِدَامَ حَتْمًا وَيُقَبِّحُ عِنْدَهُ كَثْرَةَ الْأَكْلِ بِأَنْ يُشَبِّهَ مِنْ يُكْثِرُ الْأَكْلَ بِالْبَهَائِمِ وَأَنْ يَذُمَّ بَيْنَ يَدَيْهِ الصَّبِيَّ الَّذِي يُكْثِرُ الْأَكْلَ وَيَمْدَحُ بَيْنَ يَدَيْهِ الصَّبِيَّ الْمُتَأَدِّبَ الْقَلِيلَ الْأَكْلِ وَيُحَبِّبَ إلَيْهِ الْإِيثَارَ بِالطَّعَامِ وَقِلَّةَ الْمُبَالَاةِ وَالْقَنَاعَةَ بِالطَّعَامِ الْخَشِنِ أَيَّ طَعَامٍ كَانَ وَيُحَبِّبَ إلَيْهِ مِنْ الثِّيَابِ الْأَبْيَضَ دُونَ الْمُلَوَّنِ وَالْإِبْرَيْسَمِ وَيُقَرِّرَ عِنْدَهُ أَنَّ ذَلِكَ لِبَاسُ النِّسَاءِ وَالْمُخَنَّثِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَمَهْمَا رَأَى عَلَى الصَّبِيِّ ثَوْبًا مِنْ إبْرَيْسَمٍ أَوْ مُلَوَّنٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَنْكِرَهُ وَيَذُمَّ ذَلِكَ ثُمَّ يَنْبَغِي أَنْ يُقَدَّمَ إلَى الْمَكْتَبِ وَيُشْغَلَ بِتَعَلُّمِ الْقُرْآنِ وَبِأَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ وَحِكَايَاتِ الصَّالِحِينَ وَالْأَخْيَارِ وَمَا قَارَبَ ذَلِكَ وَيُمْنَعَ مِنْ سَمَاعِ الْأَشْعَارِ الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ الْعِشْقِ وَأَهْلِهِ وَيُحْفَظَ مِنْ مُخَالَطَةِ الْأُدَبَاءِ الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ الظَّرْفِ وَرِقَّةِ الطَّبْعِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَغْرِسُ فِي قُلُوبِ الصِّبْيَانِ الْفَسَادَ ثُمَّ مَهْمَا ظَهَرَ مِنْ الصَّبِيِّ خُلُقٌ جَمِيلٌ وَفِعْلٌ مَحْمُودٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يُكَرَّمَ وَيُجَازَى عَلَيْهِ بِمَا يَفْرَحُ بِهِ وَيُمْدَحَ بَيْنَ أَظْهُرِ النَّاسِ فَإِنْ خَالَفَ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ مَرَّةً فَيَنْبَغِي أَنْ يُتَغَافَلَ عَنْهُ وَلَا يُهْتَكَ سِتْرُهُ وَلَا يُكَاشَفَهُ وَلَا يُظْهَرَ أَنَّهُ يَتَصَوَّرُ أَنَّ أَحَدًا يَتَحَاشَى عَنْ مِثْلِهِ لَا سِيَّمَا إذَا سَتَرَهُ الصَّبِيُّ وَاجْتَهَدَ فِي إخْفَائِهِ فَإِنَّ إظْهَارَ ذَلِكَ رُبَّمَا يُفِيدُهُ جَسَارَةً حَتَّى لَا يُبَالِي بِالْمُكَاشَفَةِ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنْ عَادَ ثَانِيًا فَيَنْبَغِي أَنْ يُعَاقَبَ سِرًّا وَيُعَظَّمَ الْأَمْرُ فِيهِ وَيُقَالَ لَهُ إنْ يُطَّلَعْ عَلَيْك فِي مِثْلِ هَذَا تَفْتَضِحْ بَيْنَ يَدَيْ النَّاسِ وَلَا يُكْثِرُ الْقَوْلَ عَلَيْهِ بِالْعِتَابِ فِي كُلِّ حِينٍ فَإِنَّهُ يُهَوِّنُ عَلَيْهِ سَمَاعَ الْمَلَامَةِ وَرُكُوبَ الْقَبَائِحِ وَيُسْقِطُ وَقْعَ الْكَلَامِ مِنْ قَلْبِهِ، وَلَكِنَّ الْأَبَ حَافِظًا هَيْبَةَ الْكَلَامِ مَعَهُ لَا يُوَبِّخُهُ إلَّا أَحْيَانًا وَالْأُمَّ تُخَوِّفُهُ بِالْأَبِ وَتَزْجُرُهُ عَنْ الْقَبَائِحِ.
وَيَنْبَغِي أَنْ يُمْنَعَ النَّوْمَ نَهَارًا، فَإِنَّهُ يُورِثُ الْكَسَلَ وَلَا يُمْنَعَ النَّوْمَ لَيْلًا، وَلَكِنْ يُمْنَعَ الْفُرُشَ الْوَطِيئَةَ حَتَّى تَصْلُبَ أَعْضَاؤُهُ وَلَا يُخَصِّبُ بَدَنَهُ فَلَا يَصْبِرُ عَنْ التَّنَعُّمِ بَلْ يُعَوِّدُهُ الْخُشُونَةَ مِنْ الْفُرُشِ وَالْمَلْبَسِ وَالْمَطْعَمِ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُمْنَعَ مِنْ كُلِّ مَا يَفْعَلُهُ فِي خُفْيَةٍ إلَّا، وَهُوَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ قَبِيحٌ فَإِذَا تُرِكَ تَعَوَّدَ فِعْلَ الْقَبِيحِ. وَيُعَوَّدُ فِي بَعْضِ النَّهَارِ الْمَشْيَ وَالْحَرَكَةَ وَالرِّيَاضَةَ حَتَّى لَا يَغْلِبَ عَلَيْهِ الْكَسَلُ.
وَيُعَوَّدُ ذَلِكَ بِكَشْفِ أَطْرَافِهِ وَلَا يُسْرِعُ الْمَشْيَ وَلَا يُرْخِي يَدَيْهِ بَلْ يَضُمُّهُمَا إلَى صَدْرِهِ. وَيُمْنَعُ مِنْ أَنْ يَفْتَخِرَ عَلَى أَقْرَانِهِ بِشَيْءٍ مِمَّا يَمْلِكُهُ وَالِدَاهُ وَبِشَيْءٍ مِنْ مَطَاعِمِهِ وَمَلَابِسِهِ وَمَلْذُوذَاتِهِ. وَيُعَوَّدُ التَّوَاضُعَ وَالْإِكْرَامَ لِكُلِّ مَنْ عَاشَرَهُ وَالتَّلَطُّفَ فِي الْكَلَامِ مَعَهُمْ. وَيُمْنَعُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الصِّبْيَانِ شَيْئًا بِدَايَةً إنْ كَانَ مِنْ أَوْلَادِ الْمُحْتَشِمِينَ بَلْ يُعَلَّمُ أَنَّ الرِّفْعَةَ فِي الْإِعْطَاءِ لَا فِي الْأَخْذِ وَأَنَّ الْأَخْذَ لُؤْمٌ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَوْلَادِ الْفُقَرَاءِ فَيُعَلَّمُ أَنَّ الْأَخْذَ وَالطَّمَعَ مَهَانَةٌ وَمَذَلَّةٌ وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ دَأْبِ الْكَلْبِ فَإِنَّهُ يُبَصْبِصُ فِي انْتِظَارِ لُقْمَةٍ.
وَبِالْجُمْلَةِ يُقَبَّحُ إلَى الصِّبْيَانِ حُبُّ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالطَّمَعُ فِيهِمَا وَيُحَذَّرُ مِنْهُمَا أَكْثَرُ مِنْ التَّحْذِيرِ مِنْ الْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبِ، فَإِنَّ آفَةَ حُبِّ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالطَّمَعِ فِيهِمَا أَكْثَرُ مِنْ آفَةِ السُّمُومِ الْقَاتِلَةِ عَلَى الصِّبْيَانِ بَلْ عَلَى الْكِبَارِ أَيْضًا. وَيَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّدَ أَنْ لَا يَبْصُقَ فِي الْمَجَالِسِ وَلَا يَتَمَخَّطَ بِحَضْرَةِ غَيْرِهِ وَلَا يَضَعَ رِجْلًا عَلَى رِجْلٍ وَلَا يَضْرِبَ بِكَفِّهِ تَحْتَ ذَقَنِهِ وَلَا يَسْتَدْبِرُ غَيْرَهُ وَلَا يَغْمِزُ رَأْسَهُ بِسَاعِدِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ دَلِيلُ الْكَسَلِ وَيُعَلَّمُ كَيْفِيَّةَ الْجُلُوسِ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُمْنَعَ كَثْرَةَ الْكَلَامِ وَيُبَيَّنَ لَهُ أَنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى الْوَقَاحَةِ وَأَنَّهُ عَادَةُ أَبْنَاءِ اللِّئَامِ. وَيُمْنَعُ الْيَمِينَ رَأْسًا صِدْقُهَا وَكَذِبُهَا حَتَّى لَا يَتَعَوَّدَهُ فِي الصِّغَرِ. وَيُمْنَعُ أَنْ يَبْتَدِئَ بِالْكَلَامِ وَيُعَوَّدُ أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ إلَّا جَوَابًا وَأَنْ يُحْسِنَ الِاسْتِمَاعَ مَهْمَا تَكَلَّمَ غَيْرُهُ مِمَّنْ هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ سِنًّا وَيُوَسِّعُ لِمَنْ فَوْقَهُ الْمَكَانَ وَيَجْلِسُ بَيْنَ يَدَيْهِ. وَيُمْنَعُ مِنْ لَغْوِ الْكَلَامِ وَفُحْشِهِ وَعَنْ اللَّعِبِ وَالشَّتْمِ وَمِنْ مُخَالَطَةِ مَنْ يَجْرِي عَلَى لِسَانِهِ شَيْءٌ مِنْ الْفَوَاحِشِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَسْرِي لَا مَحَالَةَ مِنْ الْقُرَنَاءِ السُّوءِ. وَيَنْبَغِي إذَا ضَرَبَهُ الْمُعَلِّمُ أَنْ لَا يُكْثِرَ عَلَيْهِ الصُّرَاخَ وَالشَّغَبَ وَلَا يَسْتَشْفِعَ بِأَحَدٍ بَلْ يَصْبِرَ وَيُذَكَّرُ أَنَّ ذَلِكَ دَأْبُ الشِّجْعَانِ وَالرِّجَالِ وَأَنَّ كَثْرَةَ الصُّرَاخِ دَأْبُ الْمَمَالِيكِ وَالنِّسْوَانِ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُؤْذَنَ لَهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْمَكْتَبِ أَنْ يَلْعَبَ لَعِبًا جَمِيلًا يَسْتَرِيحُ إلَيْهِ مِنْ تَعَبِ الْأَدَبِ بِحَيْثُ لَا يَتْعَبُ فِي اللَّعِبِ فَإِنَّ مَنْعَ الصَّبِيِّ مِنْ اللَّعِبِ وَإِرْهَاقَهُ إلَى التَّعْلِيمِ دَائِمًا يُمِيتُ قَلْبَهُ وَيُبْطِلُ فِكْرَهُ وَذَكَاءَهُ وَيُبْغِضُ إلَيْهِ ذَلِكَ وَيُنَغِّصُ عَيْشَهُ حَتَّى يَطْلُبَ الْحِيلَةَ فِي الْخَلَاصِ مِنْهُ رَأْسًا.
وَيَنْبَغِي أَنْ يُعَلَّمَ طَاعَةَ وَالِدَيْهِ وَمُعَلِّمِهِ وَمُؤَدِّبِهِ وَكُلِّ مَنْ هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ سِنًّا مِنْ قَرِيبٍ أَوْ أَجْنَبِيٍّ وَأَنْ يَنْظُرَ إلَيْهِمْ بِعَيْنِ الْجَلَالَةِ وَالتَّعْظِيمِ وَأَنْ يَتْرُكَ اللَّعِبَ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ. وَمَهْمَا بَلَغَ سِنَّ التَّمْيِيزِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُسَامَحَ فِي تَرْكِ الطَّهَارَةِ وَيُؤْمَرُ بِالصِّيَامِ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ مِنْ رَمَضَانَ وَبِتَجَنُّبِ لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَيُعَلَّمُ كُلَّ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ حُدُودِ الشَّرْعِ وَيُخَوَّفُ مِنْ السَّرِقَةِ وَأَكْلِ الْحَرَامِ وَمِنْ الْكَذِبِ وَالْخِيَانَةِ وَالْفُحْشِ وَكُلِّ مَا يَغْلِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ مِنْ شِدَّةِ الْكَلَامِ مِنْ لِسَانِهِ فَإِذَا وَقَعَتْ نَشْأَتُهُ فِي صِبَاهُ انْتَفَعَ بِذَلِكَ وَمَهْمَا قَارَبَ الْبُلُوغَ أَمْكَنَ أَنْ يُعَرَّفَ أَسْرَارَ هَذِهِ الْأُمُورِ فَيُذْكَرُ لَهُ أَنَّ الْأَطْعِمَةَ أَدْوِيَةٌ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ مِنْهَا أَنْ يَتَقَوَّى الْإِنْسَانُ بِهَا عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَعِبَادَتِهِ وَأَنَّ الدُّنْيَا كُلَّهَا لَا أَصْلَ لَهَا إذْ لَا بَقَاءَ لَهَا وَأَنَّ الْمَوْتَ يَقْطَعُ نَعِيمَهَا وَأَنَّهَا دَارُ مَمَرٍّ لَا دَارُ مُقَرٍّ وَأَنَّ الْمَوْتَ مُنْتَظَرٌ فِي كُلِّ سَاعَةٍ وَأَنَّ الْكَيِّسَ الْعَاقِلَ مَنْ تَزَوَّدَ مِنْ الدُّنْيَا لِلْآخِرَةِ حَتَّى تَعْظُمَ عِنْدَ اللَّهِ دَرَجَتُهُ وَتَتَّسِعَ فِي الْجِنَانِ نِعَمُهُ. فَإِذَا كَانَتْ نَشْأَتُهُ صَالِحَةً كَانَ هَذَا الْكَلَامُ عِنْدَ الْبُلُوغِ وَاقِعًا مُؤَثِّرًا ثَابِتًا يَثْبُتُ فِيهِ كَمَا يَثْبُتُ النَّقْشُ فِي الْحَجَرِ، وَإِنْ وَقَعَتْ النَّشْأَةُ بِخِلَافِ ذَلِكَ حَتَّى أَلِفَ الصِّبَا وَاللَّعِبَ وَالْفُحْشَ وَالْوَقَاحَةَ وَشَرِهَ الطَّعَامَ وَاللِّبَاسَ وَالتَّزَيُّنَ وَالتَّفَاخُرَ نَبَا قَلْبُهُ عَنْ قَبُولِ الْحَقِّ نُبُوَّ الْحَائِطِ عَنْ التُّرَابِ الْيَابِسِ فَأَوَائِلُ الْأُمُورِ هِيَ الَّتِي يَنْبَغِي أَنْ تُرَاعَى فَإِنَّ الصَّبِيَّ خُلِقَ جَوْهَرَةً قَابِلًا لِنَقْشِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ جَمِيعًا، وَإِنَّمَا أَبَوَاهُ يَمِيلَانِ بِهِ إلَى أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ». انتهى من المدخل لابن الحاج.
خطر اللاتربية وغزو التعليم
إن الأبناء محتاجون إلى التربية شئنا أم أبينا، فإما أن نربيهم تربية صحيحة، وإما أنهم سيتعلمون سلوكيات أخرى نتيجة عدم تربيتنا إياهم وإهمالنا لهم، وهي اللاتربية، فضلاً عن الإعداد الجيد من أعداء الإسلام لسلب أبنائنا منا، فيعيشون معنا أجسادًا، وقلوبهم تهوى ما تربت عليه بل وتنتصر له وتقاتل عليه؛ فلا تتركوهم لهؤلاء، ولا تخلو بينهم بل كونوا حراسًا على أولادكم، احفظوهم من الضياع!
إننا إذا أردنا مجتمعًا صالحًا ناجحًا لابد أن يكون أساسه سليم وبناؤه مستقيم، ولا يكون ذلك إلا بصلاح لبناته وأفراده، وإنما يكون هذا بتربية أبنائه تربية صحيحة وتعليمه تعليمًا قويمًا؛ فالأبناء هم لبنات المجتمع الأساسية التي يقوم عليها، وإذا نظرنا إلى ما تعانى منه بيوتنا ومجتمعاتنا من تخريب وتدمير لشبابنا وزوجاتنا، وما يجرى من أحداث تنبئ بشر مستطير، إنما ينجم ذلك كله عن فقدان الرعاية من جانب الآباء وأولياء الأمر، ممن أعطاهم الله القيادة لهؤلاء الشباب والزوجات، فلا هيبة، ولا احترام، ولا خوف، ولا تقدير، انعدمت الرقابة، كما انعدم الجزاء، تفشت فى المجتمع وسائل التخريب للأجسام والعقول، من مخدرات تعصف بالقوى، وتهلك الأجساد، وكثرت حوادث القتل من الأبناء للآباء، والاغتصاب بين الفتيات، ألوان كثيرة من الفساد الذى لا يعلم مداه إلا الله سبحانه وتعالى.
ماذا ننتظر من شبابٍ وزوجاتٍ وفتياتٍ يتلقون تعليمهم ومنهج حياتهم ما ينقل إليهم عبر وسائل الإعلام من مسلسلات ساقطة وأفلام هابطة وقصص كاذبة وأغاني فاجرة وثقافات منحطة وأحداث من مختلف أنحاء العالم؟
هل ينتظر منهم سوى غياب العقل وطمس الإخلاق والتقليد الأعمى لما ينطبع في أذهانهم من أقوال وأفعال وحركات حتى صار التقليد الأعمى مذهبًا للجهال وأهل الفساد في المباحات والمحرمات صغيرها وكبيرها؟
أليس ذلك يكون نتيجة إهمال الشأن، والتراخي فى التربية، وترك الساحة لأعداء الإسلام ليغزو عقول شبابنا وبناتنا؟ 
إننا إذا أردنا أن نخطط لإقامة بناء مدعوم بالقيم والمبادئ والأخلاق، ومتسلح بالعلم النافع، وبعيد عن تنافرات الحياة، فلا بد أن نعيد للمنزل دوره فى البناء، فالرجل يتحمل مسئولياته فى التربية والإرشاد، والأم تقوم بدورها المؤثر بنفسها فى حضانة أطفالها منذ الصغر حتى الكبر. مسئولية كاملة يتحملها الجميع دون تقصير أو إهمال أو تأخير، مسئولية تقاوم هزات الحياة وتزعزع المجتمع بكل ما يتفشى فيه من عادات قبيحة، ورذائل تصيب الأفراد صغارهم وكبارهم، مسئولية مدعومة بكل نافع من القول وقدوة فى السلوك والفعل، وتربية حصينة لكسب المستقبل وصلاحه.
إن الغرب يعمل بقوة على حشد طاقاته وأدواته وخبراته على إعداد أجيال لا تعرف الصلة بالله ولا تريد أن تعرفها، وعلى أن يخرج المسلم من الإسلام دون أن يدخل في دينهم، فيأتي جيل مطابق للمواصفات الغربية؛ لا يهتم بعوالي الأمور ويركن إلى الراحة والكسل والإهمال؛ حياتهم جافة مادية؛ فإذا تعلم فللشهوات، وإذا جمع فللشهوات، وإذا بنى وعمر فللشهوات، وإن تبوأ أسمى المراكز ففي سبيل الشهوات يجود بكل شيء.
إن الغرب قديمًا كان حريصًا على إنهاء الاحتلال الجسدي دون الفكري، فلم يعودوا لأوطانهم إلا بعدما تأكدوا من وجود من يحمل فكرهم ومنهجهم؛ فلماذا يتكبدون المشاق وينفقون الأموال ويضيعون الأوقات ويضحون بالأرواح مع وجود من يبذل بدلاً منهم؟ يقلدهم ويحمل فكرهم وينشر منهجهم ويلبس لباسهم ويعمل بعملهم.
والمتأمل في المناهج التعليمية يرى أن العلوم التجريبية لها الحظ الأوفر فيها، على خلاف مواد الشريعة والتربية والأخلاق والتاريخ والسير؛ مع أننا أبناء هذه الأمة المتميزة بكتابها ونبيها وشريعتها وأحكامها وتاريخها، وكذلك البطولات الإسلامية والحركة العلمية الإسلامية؛ فمن يربي أولادنا على هذا؟ ومن يعلمهم هذا الدين القويم وذاك التاريخ العظيم؟
فلابد للأمة الإسلامية أن تفيق من غفلتها، وتعتني بأبنائها تربية وتعليمًا وصلاحًا، ولا تترك أبناءها ليتربوا على ما لا ينبغي وما لا نريد ولا نقبل، أو يتعلموا ما يضر ولا ينفع، أو ينشغلوا بالشهوات وإضاعة الأعمار والأوقات فيما لا فائدة فيه.
نسأل الله تعالى أن يوفقنا لسبل الصلاح والفلاح والنجاح.تحيات
اللجنة العلمية لملتقى الخطيب المؤثر أسد المنابر