((شمائل النبي صلى الله عليه وسلم))
الهدف من الخطبة بيان بعض شمائل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصفاته الخَلْقية والخُلُقية.
عناصر الموضوع
1- معرفة شمائل النبي صلى الله عليه وسلم.
2- من شمائل النبي صلى الله عليه وسلم الخَلقية.
3- من شمائل النبي صلى الله عليه وسلم الخُلقية.
شمائل النبي صلى الله عليه وسلم
مقدمة الموضوع: أما بعد، قال الله تعالى: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ).
وعَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ أنه سأل أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ عائشة رضي الله عنها فقال: يَأُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَنْبِئِينِي عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: «أَلَسْتَ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟» قُلْتُ: بَلَى، قَالَتْ: «فَإِنَّ خُلُقَ نَبِيِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ الْقُرْآنَ». رواه مسلم.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى: وَمَعْنَى هَذَا أَنَّهُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، صَارَ امتثالُ الْقُرْآنِ، أَمْرًا وَنَهْيًا، سَجِيَّةً لَهُ، وَخُلُقًا تَطَبَّعَه، وَتَرَكَ طَبْعَهُ الجِبِلِّي، فَمَهْمَا أَمَرَهُ الْقُرْآنُ فَعَلَهُ، وَمَهْمَا نَهَاهُ عَنْهُ تَرَكَهُ. هَذَا مَعَ مَا جَبَله اللَّهُ عَلَيْهِ مِنَ الْخُلُقِ الْعَظِيمِ، مِنَ الْحَيَاءِ وَالْكَرَمِ وَالشَّجَاعَةِ، وَالصَّفْحِ وَالْحِلْمِ، وَكُلِّ خُلُقٍ جَمِيلٍ.
معرفة شمائل النبي صلى الله عليه وسلم
لقد بلغ النبي صلى الله عليه وسلمَ مبلغ الكمال البشري، بحيث كثرت شمائله، وتعددت أوصافه وأخلاقه، فقد اختاره الله واصطفاه فجعله خاتم النبين وإمام المرسلين، وسيد ولد آدم أجمعين، والمتأمل في سيرته صلى الله عليه وسلمَ يجد أنه يمتاز بخلال عذبة وأخلاق فاضلة وشمائل كريمة، أكمل الناس أخلاقًا وأفضلهم مروءة وأنقاهم نسبًا وأوصلهم رحمًا وأعزهم جوارًا وأوفاهم عهدًا وأبرهم عملاً وأعظمهم حِلمًا وأكرمهم ضيفًا وأجودهم سخاءً وأحسنهم حديثًا وألينهم عريكة وأعفهم نفسًا، وقد سماه قومه قبل بعثته الأمين ،،، إن المتأمل في سيرة النبي صلى الله عليه وسلمَ يجد أن له أخلاقًا بارزة ظاهرة تنطق بها أفعاله وأحواله، كالرحمة، وشدة الحرص على فوز أمته ونجاتها، والصبر والحلم واللين والرفق والعفو والشجاعة والسخاء والوفاء، وقد وصف الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلمَ في القرآن بأحسن وأجل الأخلاق، وأشملها وأجملها، قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)، وقال جَل جلاله: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)، وقال سبحانه: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ).
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاحِشًا وَلاَ مُتَفَحِّشًا، وَكَانَ يَقُولُ: «إِنَّ مِنْ خِيَارِكُمْ أَحْسَنَكُمْ أَخْلاَقًا». رواه البخاري ومسلم.
وقد صنف العلماء في شمائل النبي صلى الله عليه وسلمَ وأخلاقه وخصاله وأحواله مصنفات كثيرة؛ فمنهم من أفردها في مصنف خاص ومنها من ضَمَّنَهَا كتابه، وذلك لكثرة ما له صلى الله عليه وسلمَ من الشمائل الكثيرة الجميلة، وحتى يقتدي الناس به عليه الصلاة والسلام.
وسنورد هنا بعض ما له صلى الله عليه وسلمَ من الشمائل الخَلقية في ذاته وهيئته، ثم بعض شمائله الخُلقية في آدابه وأخلاقه عليه الصلاة والسلام.
من شمائل النبي صلى الله عليه وسلم الخَلقية
1- طوله: كان النبي صلى الله عليه وسلمَ أحسن الناس خَلقًا، معتدل الطول والقامة، لا بالطويل ولا بالقصير.
2- وجهه: كان النبي صلى الله عليه وسلمَ في وجهه تدوير منور مثل القمر، كأن الشمس تجري في وجهه.
عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ البَرَاءَ، يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَحْسَنَ النَّاسِ وَجْهًا وَأَحْسَنَهُ خَلْقًا، لَيْسَ بِالطَّوِيلِ البَائِنِ، وَلاَ بِالقَصِيرِ». رواه البخاري ومسلم.
وعن كَعْب بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سُرَّ اسْتَنَارَ وَجْهُهُ، حَتَّى كَأَنَّهُ قِطْعَةُ قَمَرٍ، وَكُنَّا نَعْرِفُ ذَلِكَ مِنْهُ. رواه البخاري ومسلم.
وقال أبو هريرة رضي الله عنه: ما رأيت شيئًا أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلمَ، كأن الشمس تجري في وجهه.
3- لون بشرته: أزهر اللون –أبيض مشرب بحمرة–.
عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ رَجُلٌ رَآهُ غَيْرِي، قَالَ فَقُلْتُ لَهُ: فَكَيْفَ رَأَيْتَهُ؟ قَالَ: «كَانَ أَبْيَضَ مَلِيحًا مُقَصَّدًا». رواه مسلم.
4، 5، 6، 7، 8- رأسه، ومفاصله، ومنكبيه، ومسربته، ومشيته: كان النبي صلى الله عليه وسلمَ عظيم الرأس والمفاصل، عريض المنكبين، دقيق شعر المسربة إلى سرته، سريع المشية كأن الأرض تطوى له.
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلمَ كان ضخم الرأس، ضخم الكراديس، طويل المسربة، إذا مشى تكفأ تكفيًا كأنما ينحط من صبب. وعَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا مَرْبُوعًا بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ عَظِيمَ الْجُمَّةِ إِلَى شَحْمَةِ أُذُنَيْهِ عَلَيْهِ حُلَّةٌ حَمْرَاءُ مَا رَأَيْتُ شَيْئًا قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ». رواه البخاري ومسلم.
9- شعره: كان شعر النبي صلى الله عليه وسلمَ رَجِلاً، ولم يكن بالسبط الناعم المسترسل، ولا بالجعد القطط –الذي يكون فيه التواء-، وكان طوله إلى شحمة أذنه، ومات عليه الصلاة والسلام وليس في لحيته وشعره عشرون شعرة بيضاء.
عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يَصِفُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «كَانَ رَبْعَةً مِنَ القَوْمِ لَيْسَ بِالطَّوِيلِ وَلاَ بِالقَصِيرِ، أَزْهَرَ اللَّوْنِ لَيْسَ بِأَبْيَضَ أَمْهَقَ وَلاَ آدَمَ، لَيْسَ بِجَعْدٍ قَطَطٍ وَلاَ سَبْطٍ رَجِلٍ، أُنْزِلَ عَلَيْهِ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعِينَ، فَلَبِثَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ يُنْزَلُ عَلَيْهِ، وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ، وَقُبِضَ وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعَرَةً بَيْضَاءَ». قَالَ رَبِيعَةُ: «فَرَأَيْتُ شَعَرًا مِنْ شَعَرِهِ، فَإِذَا هُوَ أَحْمَرُ فَسَأَلْتُ فَقِيلَ احْمَرَّ مِنَ الطِّيبِ». رواه البخاري.
10- لحيته: كان النبي صلى الله عليه وسلمَ كثير شعر اللحية، ومات عليه الصلاة والسلام وليس في لحيته وشعره عشرون شعرة بيضاء.
عن جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ شَمِطَ مُقَدَّمُ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ، وَكَانَ إِذَا ادَّهَنَ لَمْ يَتَبَيَّنْ، وَإِذَا شَعِثَ رَأْسُهُ تَبَيَّنَ، وَكَانَ كَثِيرَ شَعْرِ اللِّحْيَةِ، فَقَالَ: رَجُلٌ وَجْهُهُ مِثْلُ السَّيْفِ؟ قَالَ: لَا، بَلْ كَانَ مِثْلَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، وَكَانَ مُسْتَدِيرًا، وَرَأَيْتُ الْخَاتَمَ عِنْدَ كَتِفِهِ مِثْلَ بَيْضَةِ الْحَمَامَةِ يُشْبِهُ جَسَدَهُ. رواه مسلم.
11، 12، 13، 14- فمه وثناياه وعينه وعقبيه: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عظيم الفم مما يمدح في الرجال، أفلج الثنايا تسطع نورًا، طويل شق العين، أشكل العينين –شدة البياض والسواد-.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: كان أفلج الثنيتين، إذا تكلم رؤي كالنور يخرج من بين ثناياه.
وعن جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنه قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَلِيعَ الْفَمِ، أَشْكَلَ الْعَيْنِ مَنْهُوسَ الْعَقِبَيْنِ». قَالَ: قُلْتُ لِسِمَاكٍ: مَا ضَلِيعُ الْفَمِ؟ قَالَ: «عَظِيمُ الْفَمِ»، قَالَ قُلْتُ: مَا أَشْكَلُ الْعَيْنِ؟ قَالَ: «طَوِيلُ شَقِّ الْعَيْنِ»، قَالَ: قُلْتُ: مَا مَنْهُوسُ الْعَقِبِ؟ قَالَ: «قَلِيلُ لَحْمِ الْعَقِبِ». رواه مسلم.
15، 16، 17- عرقه ومس يده ورائحته: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طيب الرائحة لين الكف، عرقه طِيب طَيِّب يتحدر كاللؤلؤ.
وعَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَزْهَرَ اللَّوْنِ، كَأَنَّ عَرَقَهُ اللُّؤْلُؤُ، إِذَا مَشَى تَكَفَّأَ، وَلَا مَسِسْتُ دِيبَاجَةً، وَلَا حَرِيرَةً أَلْيَنَ مِنْ كَفِّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا شَمِمْتُ مِسْكَةً وَلَا عَنْبَرَةً أَطْيَبَ مِنْ رَائِحَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ». رواه البخاري ومسلم.
18، 19، 20، 21، 22- قامته وبدنه وكفيه وقدميه وأشفاره: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معتدل القامة سوي البنيان لا يبرز منه اللحم، في كفيه وقدميه بسطة، طويل الأشفار –شعر جفن العين-.
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: لم يكن بالمطهّم ولا بالمكلثم، وكان في الوجه تدوير، وكان أبيض مشربًا، أدعج العينين، أهدب الأشفار، جليل المشاش والكتد، دقيق المسربة، أجرد، شثن الكفين والقدمين.
23- صوته: كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحسن الناس صوتًا: عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: سمعت النّبيّ صلى الله عليه وسلم قرأ في العشاء بالتّين والزّيتون، فما سمعت أحدًا أحسن صوتا منه. رواه البخاري ومسلم.
24- قوته البدنية صلى الله عليه وسلم: عن جابر بن عبد الله رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ: إِنَّا يَوْمَ الخَنْدَقِ نَحْفِرُ، فَعَرَضَتْ كُدْيَةٌ شَدِيدَةٌ، فَجَاءُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: هَذِهِ كُدْيَةٌ عَرَضَتْ فِي الخَنْدَقِ، فَقَالَ: «أَنَا نَازِلٌ». ثُمَّ قَامَ وَبَطْنُهُ مَعْصُوبٌ بِحَجَرٍ، وَلَبِثْنَا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ لاَ نَذُوقُ ذَوَاقًا، فَأَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المِعْوَلَ فَضَرَبَ، فَعَادَ كَثِيبًا أَهْيَلَ، أَوْ أَهْيَمَ. رواه البخاري.
25- خاتم النبوة: كان خاتم النبوة في ظهر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالجهة اليسرى مثل بيضة الحمامة يشبه جسده عليه الصلاة والسلام فيه شعرات.
عن جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: «رَأَيْتُ خَاتَمًا فِي ظَهْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَأَنَّهُ بَيْضَةُ حَمَامٍ». رواه مسلم.
26- مما جاء في وصفه العام صلى الله عليه وسلمَ: قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: لم يكن بالطويل الممّغط، ولا القصير المتردد، وكان ربعة من القوم، ولم يكن بالجعد القطط ولا بالسّبط، وكان جعدًا رِجِلاً، ولم يكن بالمطهّم ولا بالمكلثم، وكان في الوجه تدوير، وكان أبيض مشربًا، أدعج العينين، أهدب الأشفار، جليل المشاش والكتد، دقيق المسربة، أجرد، شثن الكفين والقدمين، إذا مشى تقلّع كأنما يمشي في صبب، وإذا التفت التفت معًا، بين كتفيه خاتم النبوة، وهو خاتم النبيين، أجود الناس كفًا، وأجرأ الناس صدرًا، وأصدق الناس لهجة، وأوفى الناس ذمة، وألينهم عريكة، وأكرمهم عشرة، من رآه بديهة هابه، ومن خالطه معرفة أحبه، يقول ناعته: لم أر قبله ولا بعده مثله صلى الله عليه وسلمَ.
وقَالَتْ أم معبد الخزاعية في وصفه: رَأَيْتُ رَجُلًا ظَاهِرَ الْوَضَاءَةِ أَبْلَجَ الْوَجْهِ حَسَنَ الْخَلْقِ لَمْ تَعِبْهُ ثَجْلَةٌ وَلَمْ تَزْرِ بِهِ صَعْلَةٌ وَسِيمٌ قَسِيمٌ فِي عَيْنَيْهِ دَعَجٌ وفِي أَشْفَارِهِ عَطَفٌ وَفِي صَوْتِهِ صَهَلٌ وَفِي عُنُقِهِ سَطَعٌ وَفِي لِحْيَتِهِ كَثَاثَةٌ أَزَجُّ أَقْرَنُ إِنْ صَمَتَ فَعَلَيْهِ الْوَقَارُ وَإِنْ تَكَلَّمَ سَمَاهُ وَعَلَاهُ الْبَهَاءُ أَجْمَلُ النَّاسِ وَأَبْهَاهُم مِنْ بَعِيدٍ وَأَحْلَاهُ وَأَحْسَنُهُ مِنْ قَرِيبٍ حُلْوُ الْمَنْطِقِ فَصْلٌ لَا نَذْزٌ وَلَا هَذْرٌ كَأَنَّ مَنْطِقَهُ خَرَزَاتُ نَظْمٍ تحَدَّرْنَ رَبْعَةٌ لَا بَائِنُ مِنْ طُولٍ وَلَا تَقْتَحِمُهُ عَيْنٌ مِنْ قِصَرٍ غُصْنٌ بَيْنَ غُصْنَيْنِ هُوَ أَنْظَرُ الثَّلَاثَةِ مَنْظَرًا وَأَحْسَنُهُمْ قَدْرًا لَهُ رُفَقَاءُ يَحُفُّونَ بِهِ إِنْ قَالَ أَنْصَتُوا لِقَوْلِهِ وَإِنْ أَمَرَ تَبَادَرُوا إِلَى أَمْرِهِ مَحْفُودٌ مَحْشُودٌ لَا عَابِسَ وَلَا مُعْتَدَ. انتهى من دلائل النبوة لأبي نعيم.
[الثجلة: ضخامة البدن. الصعلة: صغر الرأس. وسيم قسيم: حسن جميل. الدعج: سواد العين. وفي أشفاره وطف: في شعر أجفانه طول. صهل: بحة وخشونة. سطع: طول. أزج: الحاجب الرقيق في الطول. لا نزر ولا هذر: أي وسط لا قليل ولا كثير. محفود: الذي يخدمه أصحابه ويعظمونه ويسرعون في طاعته. المحشود: الذي يجتمع إليه الناس.]
من شمائل النبي صلى الله عليه وسلم الخُلقية : كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هينًا لينًا سهلاً قريبًا شفيقًا رفيقًا رحيمًا يعفو ويصفح ولا يجزي السيئة بالسيئة ولا يغضب إلا إذا انتهك حرمة: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: خَدَمْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ، وَاللهِ مَا قَالَ لِي: أُفًّا قَطُّ، وَلَا قَالَ لِي لِشَيْءٍ: لِمَ فَعَلْتَ كَذَا؟ وَهَلَّا فَعَلْتَ كَذَا؟ رواه مسلم.
وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: «مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا، مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ، وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنَفْسِهِ إِلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللَّهِ، فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ بِهَا». رواه البخاري ومسلم.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ. قَالَ: «إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «مَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَرْحَمَ بِالْعِيَالِ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ». رواه مسلم.
وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا وَلَا سَخَّابًا فِي الْأَسْوَاقِ وَلَا يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وصححه الألباني.
وَعَنْهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لنَفسِهِ شَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ وَلَا امْرَأَةً وَلَا خَادِمًا إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا نِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ قَطُّ فَيَنْتَقِمُ مِنْ صَاحِبِهِ إِلَّا أَنْ يُنْتَهَكَ شَيْءٌ مِنْ مَحَارِمِ اللَّهِ فينتقم لله. رَوَاهُ مُسلم.
وكان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحسن الناس، وأجود الناس، وأشجع الناس: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَشْجَعَ النَّاسِ». رواه مسلم.
وكان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أشد الناس حياءً ممدوحًا: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ العَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا وَكَانَ إِذَا كَرِهَ شَيْئًا عَرَفْنَاهُ فِي وَجْهِهِ». رواه البخاري ومسلم.
وكان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يعيب النعمة: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «مَا عَابَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَعَامًا قَطُّ، إِنِ اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ وَإِلَّا تَرَكَهُ». رواه البخاري ومسلم.
وكان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا تحدث أفصح وأفهم: عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ «يُحَدِّثُ حَدِيثًا لَوْ عَدَّهُ العَادُّ لَأَحْصَاهُ». رواه البخاري ومسلم.
وكان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صادقًا كريمًا سخيًا يعطي عطاء من لا يخشى الفقر: وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: مَا سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا قَطُّ فَقَالَ: لَا. مُتَّفق عَلَيْهِ.
وَعَن أنس إِنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم غَنَمًا بَيْنَ جَبَلَيْنِ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ فَأَتَى قَوْمَهُ فَقَالَ: أَي قوم أَسْلمُوا فو الله إِنَّ مُحَمَّدًا لَيُعْطِي عَطَاءً مَا يَخَافُ الْفَقْرَ. رَوَاهُ مُسلم.
وَعَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ بَيْنَمَا هُوَ يَسِيرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقْفَلَهُ مِنْ حُنَيْنٍ فَعَلِقَتِ الْأَعْرَابُ يَسْأَلُونَهُ حَتَّى اضْطَرُّوهُ إِلَى سَمُرَةٍ فَخَطَفَتْ رِدَاءَهُ فَوَقَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «أَعْطُونِي رِدَائِي لَوْ كَانَ لِي عَدَدَ هَذِهِ الْعِضَاهِ نَعَمٌ لَقَسَمْتُهُ بَيْنَكُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُونِي بَخِيلًا وَلَا كذوباً وَلَا جَبَانًا». رَوَاهُ البُخَارِيّ. ،،، وكان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ متواضعًا على سجيته في أهله وأمته: وَعَنِ الْأَسْوَدِ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ: مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ؟ قَالَتْ: كَانَ يَكُونُ فِي مَهْنَةِ أَهْلِهِ -تَعْنِي خدمَة أَهله- فَإِذا حضرت الصَّلَاة خرج إِلَى الصَّلَاة. رَوَاهُ البُخَارِيّ.
وعن أنس أنه: كان يردف خلفه ويضع طعامه على الأرض ويجيب دعوة المملوك ويركب الحمار». رواه الحاكم وصححه الألباني.
وعن ابن أبي أوفى عن ابن أبي أوفى أنه: «كان يكثر الذكر ويقل اللغو ويطيل الصلاة ويقصر الخطبة وكان لا يأنف ولا يستكبر أن يمشي مع الأرملة والمسكين والعبد حتى يقضي له حاجته». رواه النسائي والحاكم وصححه الألباني.
وكان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستاك بعود الأراك، ويرجل –يسرح- شعره أحيانًا، ويكتحل بالإثمد، ويلبس القميص والعمامة والرداء والإزار والخف والنعل ويتختم بخاتم من فضة، يأكل من التمر وخبز الشعير والخل واللحم وما شبع من الخبز واللحم قط، يبتسم ويضحك ويمزح ولا يقول إلا صدقًا، يقوم ويقعد ويضطجع وتنام عيناه ولا ينام قلبه، يجاهد بالسيف ويلبس الدرع على بدنه والمغفر على رأسه.
وقد كان صَلى الله عليه وسلم أوفى الناس بالعهود، وأوصلهم لرحمه، وأعظمهم شفقة ورحمة بالناس، وأحسن الناس عشرة، وأوفاهم مودة، لا تُسمع منه الكلمة القبيحة فلم يكن فاحشاً ولا متفحشًا، ولا يرفع صوته، ولا يقابل السيئة بالسيئة بل يقابلها بالحسنة، ويعفو ويصفح، وكان يشارك أصحابه في السفر أعمالهم، وكان دائم البشر، سهل الخلق، لين الجانب، يظن كل من جالسه من أصحابه أنه أحب الناس إليه، قال جرير البجلي: ما رآني رسول الله صَلى الله عليه وسلم منذ أسلمت إلا تبسَّم.
ولم يكن يكثر الكلام؛ بل كان كلامه قليلاً لو عدَّهُ العاد لأحصاه، وكان يجلس مع أصحابه يستمع لحديثهم، فكان مجلسه لا ترفع فيه الأصوات، ولا تنتهك فيه الحرمات، يتفاضلون عنده بالتقوى، ولا يقاطعهم إذا تحدثوا، ولا يذمُّ أحداً ولا يعيِّرهُ ولا يطلب عورته، ولا ينطق إلا بما يرجو ثوابه صلى الله عليه وسلمَ.
للمزيد يرجع للمصادر الآتية:
1- كتاب المناقب باب صفة النبي صلى الله عليه وسلمَ من صحيح البخاري، وكتاب الفضائل من صحيح مسلم، وكتاب الأدب من سنن أبي داود، وأبواب المناقب باب ما جاء في صفة النبي صلى الله عليه وسلمَ من سنن الترمذي، وكتاب الزهد من سنن ابن ماجه.
2- كتاب الشمائل المحمدية للترمذي، وشروحه، وكتاب الأنوار في شمائل النبي المختار للبغوي، وكتاب الشمائل الشريفة للسيوطي، وكتاب منتهى السؤل على وسائل الوصول إلى شمائل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، لعبد الله بن سعيد اللّحجي، وكتاب شمائل الرسول لأحمد عبد الفتاح زواوي.
3- كتب السيرة.
مع تحيات
اللجنة العلمية لملتقى الخطيب المؤثر أسد المنابر