الأربعاء ، ٢ جمادى الآخر ، ١٤٤٦ هجري | 04 ديسمبر 2024 ميلادي
مولد الحبيب صلى الله عليه وسلم
وصف الخطبة : - بيان لزوم التمسك بالكتاب والسنة في شأن مولد النبي صلى الله عليه وسلمَ، وتعظيمه ومحبته.

عنوان الخطبة ((مولد الحبيب صلى الله عليه وسلم))
الهدف من الخطبة بيان لزوم التمسك بالكتاب والسنة في شأن مولد النبي صلى الله عليه وسلمَ، وتعظيمه ومحبته.
عناصر الموضوع
1- مولد النبي صلى الله عليه وسلمَ.   
2- بعثة النبي صلى الله عليه وسلمَ.   
3- وجوب تعظيم النبي صلى الله عليه وسلمَ.   
4- حقيقة المحبة والتعظيم.
 مولد الحبيب صلى الله عليه وسلم
المقدمة: أما بعد، أما بعد، قال الله تعالى: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)، وقال سبحانه: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ).
بين يدي الخطبة: 
مولد النبي صلى الله عليه وسلمَ 
وُلِدَ رسول الله صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ، لِمَا رَوَاهُ الإمام مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الإِثْنَيْنِ؟ قَالَ: «ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ، وَيَوْمٌ بُعِثْتُ -أَوْ أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ-».
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: وَهَذَا مَالا خلاف فِيهِ أَنه ولد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الإِثْنَيْنِ. وَأَبْعَدَ بَلْ أَخْطَأَ مَنْ قَالَ: وُلِدَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِسَبْعَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ. انتهى من السيرة النبوية لابن كثير.
واختلف العلماء وأهل التاريخ والسير في تعيين الشهر واليوم الذي ولد فيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فالجمهور عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ؛ فَقِيلَ: لِلَيْلَتَيْنِ خَلَتَا مِنْهُ، وَقِيلَ: لِعَشْرٍ خَلَوْنَ مِنْهُ، وَقِيلَ لِثِنْتَيْ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْهُ. قال ابن كثير: وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقِيلَ: لسبعة عشر خَلَتْ مِنْهُ، وَقِيلَ: لِثَمَانٍ بَقِينَ مِنْهُ.
وقيل: أَنَّهُ وُلِدَ يَوْمَ الإِثْنَيْنِ لِثِنْتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ.
ثم اختلفوا في العام الذي ولد فيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ قال ابن إسحاق: وَكَانَ مَوْلِدُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَامَ الْفِيلِ. 
قال ابن كثير: وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنِ الْجُمْهُورِ؛ ثم قال: وَالْمَقْصُودُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وُلِدَ عَامَ الْفِيلِ عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ؛ فَقِيلَ بَعْدَهُ بِشَهْرٍ، وَقِيلَ بِأَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَقِيلَ بِخَمْسِينَ يَوْمًا، وَهُوَ أَشْهَرُ، وقيل: بَعْدَهُ بِخَمْسٍ وَخَمْسِينَ لَيْلَةً. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ كَانَ عَامُ الْفِيلِ قَبْلَ مَوْلِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَشْرِ سِنِينَ. وَقِيلَ بِثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً. وَقِيلَ: بَعْدَ الْفِيلِ بِثَلَاثِينَ سَنَةً. وقيل: بَعْدَ الْفِيلِ بِأَرْبَعِينَ عَامًا، وَهَذَا غَرِيب جدًا، وَأغْرب مِنْهُ قيل: قَبْلَ الْفِيلِ بِخَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً. انتهى باختصار.
فظهر بذلك أن ليلة مولد الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليست معلومة على الوجه القطعي، بل اختلف أهل العلم في ذلك، والأقرب والله أعلم أن ذلك كان يوم الإثنين من أيام شهر ربيع الأول من عام الفيل، ولا يمكن تعيين اليوم على سبيل القطع والجزم واليقين، وحينئذ يكون تعيين مولد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الناحية التاريخية على سبيل الظن والرجحان.
بعثة النبي صلى الله عليه وسلمَ
بعث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الإثنين، كما في حديث أَبِي قَتَادَةَ السابق: «ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ، وَيَوْمٌ بُعِثْتُ -أَوْ أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ-»، كَانَ ذَلِكَ وَلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْعُمُرِ أَرْبَعُونَ سَنَةً، فلما بلغ صلى الله عليه وسلمَ أربعين سنة كان يرى الرؤيا المنامية، فتتحقق وتقع رأي العين، ثم حُبب إليه الخلوة، فكان يتزود لها، ويخرج لغار حراء، فيخلو فيه أيامًا يتعبد، فجاءه جبريل عليه السلام وهو على هذا الحال بحراء فأقرأه القرآن، فأرسل صلى الله عليه وسلمَ نبيًا ورسولاً مبشرًا ونذيرًا، للناس كافة، (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ).
وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ فِي النَّوْمِ فَكَانَ لَا يَرَى رُؤْيَا إِلَّا جَاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ ثُمَّ حُبِّبَ إليهِ الخَلاءُ وكانَ يَخْلُو بغارِ حِراءٍ فيتحنَّثُ فِيهِ -وَهُوَ التَّعَبُّدُ اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ - قَبْلَ أَنْ يَنْزِعَ إِلَى أَهْلِهِ وَيَتَزَوَّدَ لِذَلِكَ ثُمَّ يَرْجِعَ إِلَى خَدِيجَةَ فَيَتَزَوَّدَ لِمِثْلِهَا حَتَّى جَاءَهُ الْحَقُّ وَهُوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ فَجَاءَهُ الْمَلَكُ فَقَالَ: اقْرَأْ. فَقَالَ: «مَا أَنَا بِقَارِئٍ»، قَالَ: "فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدُ ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: اقْرَأْ. فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ ثُمَّ أَرْسَلَنِي فَقَالَ: اقْرَأْ. فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ. فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجهد ثمَّ أَرْسلنِي فَقَالَ: (اقرَأْ باسمِ ربِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ. الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ. عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لم يعلم)". فَرجع بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْجُفُ فُؤَادُهُ فَدَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ فَقَالَ: «زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي» فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ فَقَالَ لخديجةَ وأخبرَها الخبرَ: «لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي» فَقَالَتْ خَدِيجَةُ: كَلَّا وَاللَّهِ لَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ وَتَحْمِلُ الْكَلَّ وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ وتقْرِي الضيفَ وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ ثُمَّ انْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ إِلَى وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ ابْنِ عَمِّ خَدِيجَةَ. فَقَالَتْ لَهُ: يَا ابْنَ عَمِّ اسْمَعْ مِنِ ابْنِ أَخِيكَ. فَقَالَ لَهُ وَرَقَةُ: يَا ابْنَ أَخِي مَاذَا تَرَى؟ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرَ مَا رَأَى. فَقَالَ وَرَقَةُ: هَذَا هُوَ النَّامُوسُ الَّذِي أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُوسَى، يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعًا يَا لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا إِذْ يُخْرِجُكَ قَوْمُكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَوَ مُخْرِجِيَّ هُمْ؟» قَالَ: نَعَمْ لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ قَطُّ بِمِثْلِ مَا جِئْتَ بِهِ إِلَّا عُودِيَ وَإِنْ يُدْرِكْنِي يَوْمُكَ أَنْصُرُكَ نَصْرًا مُؤَزَّرًا. ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرَقَةُ أَنْ تُوَفِّيَ وَفَتَرَ الوحيُ. مُتَّفق عَلَيْهِ.
وجوب تعظيم النبي صلى الله عليه وسلمَ
تعظيم النبي صلى الله عليه وسلمَ هو ما يقتضيه مقام النبوة والرسالة من كمال الأدب وتمام التوقير، وهو من أعظم مظاهر حبه، ومن آكد حقوقه صلى الله عليه وسلمَ على أمته، كما أنه من أهم واجبات الدين، وتعظيم النبي صلى الله عليه وسلم يكون بالقلب، واللسان والجوارح؛ فالتعظيم بالقلب، هو ما يستلزم اعتقاد كونه رسولاً اصطفاه الله برسالته، وخصه بنبوته، وأعلى قدره، ورفع ذكره، وفضله على سائر الخلق أجمعين، كما يستلزم تقديم محبته على النفس والولد والوالد والناس أجمعين.
أما التعظيم باللسان فيكون بالثناء عليه بما هو أهله، مما أثنى به عليه ربه، أو أثنى به على نفسه، من غير غلو ولا تقصير، ويدخل في ذلك الصلاة والسلام عليه، كما يشمل الأدب في الخطاب معه والحديث عنه صلى الله عليه وسلمَ.
وأما التعظيم بالجوارح فيشمل العمل بطاعته، وتجديد متابعته، وموافقته في حب ما يحبه، وبغض ما يبغضه، والسعي في إظهار دينه، ونصرة شريعته، والذب عنه وصون حرمته.
وقد أوجب الله على الأمة كلها تعظيم النبي صلى الله عليه وسلمَ وتوقيره، وبين لهم كيفية التأدب معه صلى الله عليه وسلمَ ومن ذلك:
1- قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: أمر بالصلاة عليه والتسليم، بعد أن أخبر أن الله وملائكته يصلون عليه، والصـلاة تتضمن ثنـاء الله عليه، ودعاء الخير له، وقربته منه، ورحمته له، والسلام عليه يتضمن سلامته من كل آفة؛ فقد جمعت الصلاة عليه والتسليم جميع الخيرات، ثم إنه يصلي سبحانه عشرًا على من يصلي عليه مرة واحدة، حضًا للناس على الصلاة عليه ليسعدوا بذلك، وليرحمهم الله بها. انتهى. 
2- وقال تعالى: (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا . لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا)، فالتسبيح لله عز وجل، والتعزير والتوقير للنبي صلى الله عليه وسلمَ.
وقال تعالى: (فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)، والتعزير بمعنى التعظيم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: والتعزير اسم جامع لنصره وتأييده ومنعه من كل ما يؤذيه، والتوقير اسم جامع لكل ما فيه سكينة وطمأنينة من الإجلال والإكرام، وأن يعامل من التشريف والتكريم والتعظيم بما يصونه عن كل ما يخرجه عن حد الوقار. انتهى. 
3- وقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم)، أمر سبحانه وتعالى المؤمنين بأن يتأدبوا مع النبي صَلى الله عليه وسلم، فلا يتقدم أحدًا بقول أو فعل أو رأي حتى يأذن له، فأقوالهم وأفعالهم تبعًا لأمره؛ ولا يرفعون أصواتهم عنده، أو عند قبره، أو على حديثه وسنته، بل يغضوا الصوت، ويخاطبوه بأدب ولين، وينصتوا لحديثه.
4- وقال سبحانه: (يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون . إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم) فأدبهم بألا يجهروا بمناداته كما يجهر بعضهم لبعض، بل يخاطبونه بتعظيم وتكريم، وإجلال وإعظام، وألا يكون الرسول كأحدهم، بل يميزوه في خطابهم.
5- وقال الله سبحانه: (لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) . أمر أن يهاب نبيه صلى الله عليه وسلم، وأن يبجل وأن يعظم وأن يسود، فخصه في المخاطبة بما يليق به، ونهى أن يقولوا: يا محمد أو يا أحمد أو يا أبا القاسم، إعظاما لنبيه، ولكن يقولوا: يا رسول الله، يا نبي الله، وكيف لا يفعلون، والله سبحانه وتعالى أكرمه في مخاطبته إياه بما لم يكرم به أحدًا من الأنبياء، فلم يدعه باسمه في القرآن قط بل يقول: يا أيها النبي، يا أيها الرسول، يا أيها المدثر، يا أيها المزمل، كقوله: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً)، وقوله: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ)، وقوله: (يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ)، وقوله: (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إلا قليلاً) . 
مع أنه سبحانه قد قال: (وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الجنة)، (يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ..)، (وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَاإِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا)، (يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاس)، (يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ)، (يَازَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى)، (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ)، (يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِك).
6- ومن دواعي تعظيمه: إكرامه صلى الله عليه وسلم بشرح صدره، ووضع وزره، ورفع ذكره، وإعلاء قدره، قال تعالى: (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ . وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ . الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ . وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ).
ومن ذلك: تشريفه بمقام الخلة، وهي أرفع درجات المحبة، ولم ينلها من الأنبياء سوى إبراهيم ومحمد عليهما الصلاة والسلام.
ومن ذلك: أن الله جعله رحمة للعالمين جميعًا، إنسهم وجنهم، مؤمنهم وكافرهم؛ رحمة للمؤمنين بالعز في الدنيا والنجاة في الآخرة، وللكافرين بإمهالهم وتأخير العذاب عنهم إلى يوم القيامة، قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ).
ومن ذلك: ما خصه الله به وفضله على سائر الأنبياء، في المنزلة والتشريع.
ومن ذلك: تشريفه وتكريمه يوم القيامة بكونه صاحب المقام المحمود، وهو الشفاعة العظمى في أن يقضي الله بين الخلائق.
ومن ذلك: أنه حرم على الأمة أن يؤذوه بما هو مباح أن يعامل به بعضهم بعضا تمييزا له مثل نكاح أزواجه من بعده فقال تعالى: (وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً).
وأوجب على الأمة لأجله احترام أزواجه، وجعلهن أمهات في التحريم والاحترام، فقال سبحانه وتعالى: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ).
ومن كرامته له أنه فرق بين أذاه وأذى المؤمنين، فقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً)، فحد من سبه القتل، وحد من سب غيره الجلد. انتهى باختصار وتصرف من الصارم المسلول على شاتم الرسول.
حقيقة المحبة والتعظيم 
إن حقيقة محبة المسلم للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتعظيمه له ليست مجرد ادعاء بالأقوال، بل يلزم انقياد الجوارح باتباعه وطاعته؛ 
قال الله تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)، قال ابن كثير رحمه الله: هذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادعى محبة الله، وليس هو على الطريقة المحمدية فإنه كاذب في دعواه في نفس الأمر، حتى يتبع الشرع المحمدي والدين النبوي في جميع أقواله وأحواله، كما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلمَ أنه قال: "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد" ولهذا قال: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله} أي: يحصل لكم فوق ما طلبتم من محبتكم إياه، وهو محبته إياكم، وهو أعظم من الأول، كما قال بعض الحكماء العلماء: ليس الشأن أن تُحِبَّ، إنما الشأن أن تُحَبَّ؛ وقال الحسن البصري وغيره من السلف: زعم قوم أنهم يحبون الله فابتلاهم الله بهذه الآية، فقال: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله}. انتهى.
فبقدر محبة العبد للنبي صلى الله عليه وسلمَ يكون اتباعه له، وهذا يعني نبذ الهوى أيًا كانت غلبته، ولو رأى العبد أنه من القربات، إذ من لوزام المحبة التصديق التام وعدم المخالفة ولو بزعم المحبة؛ فالمحبة تعني طاعة المحبوب، وقد يسول الشيطان لبعض الناس أنواعًا من الغلو ويوسوس لهم أنها من القربات المقربات وهي في الحقيقة من البدع والمهلكات؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلمَ بين كل قربة ونهى عن كل بدعة؛ فيلزم الالتزام بما بينه وترك ما نهى عنه.
ومن ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلمَ نهى عن الغلو والإطراء فيه، ونهى عن المبالغة في مدحه، ورفعه فوق منزلته؛ فعَنْ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ فَقُولُوا: عبدُ الله ورسولُه". مُتَّفق عَلَيْهِ.
فالمحبة الحقيقية في الاتباع والاقتداء بهديه وسنته، لا بادعاء محبته بالابتداع، والمبالغة في مدحه ونحوه، حتى بلغ الأمر ببعضهم أن ينسب إليه معرفة علم الغيب، وتصريف أمور الكون، ونحو ذلك مما لا يستقيم مع المحبة الصادقة، فإن المحب لمن أحب مطيع.
فينبغي التنبيه على أمرين: الأول: أنه يجب على المسلم المعظم لرسول الله صلى الله عليه وسلمَ أن يفرق بين حقوق الله تعالى التي هي من خصائص ربوبيته وألوهيته، والتي لا يجوز صرفها لغير الله تعالى، وبين حقوق النبي صلى الله عليه وسلمَ ليضع كل شيء في موضعه حتى لا يقع في الشرك والغلو.
الأمر الثاني: الفرق بين التعظيم المشروع وغير المشروع، ينبغي على المسلم أن يعلم أن التعظيم الذي أوجبه الله لرسوله صلى الله عليه وسلم هو التعظيم المشروع اللائق بمقام النبوة والرسالة، ومداره على الاتباع والاقتداء به صلى الله عليه وسلمَ؛ فحيثما بلغ الاتباع بلغت المحبة والتعظيم، فبحسب الاتباع يكون التعظيم والمحبة.
وننبه هنا إلى حكم الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلمَ:
أولاً: كما سبق أن مولده صلى الله عليه وسلمَ لم يثبت من الناحية التاربخية على سبيل القطع واليقين.
ثانيًا: الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلمَ من الناحية الشرعية لا أصل له؛ لأنه لو كان من شرع الله لفعله النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو بلغه لأمته؛ فلما لم يكن شيء من ذلك عُلم أنه ليس من دين الله، وإذا لم يكن من دين الله فإنه لا يجوز لنا أن نتعبد به لله عز وجل أو نتقرب به إليه، فإن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلمَ، وكل بدعة ضلالة، ولو كان خيرًا لسبقونا، وكل خير في اتباع من سلف، وكل شرع في ابتداع من خلف.
والاحتفال بالمولد بدعة أحدثها الفاطميون بنو عبيد الله القداح في القرن الرابع والخامس الهجري؛ فهل يعقل أن يغيب الخير والحق عن النبي صلى الله عليه وسلمَ، ثم عن الصحابة رضي الله عنهم، ثم عن التابعين وأتباع التابعين وعلماء المسلمين كالأئمة الأربعة ثم يظهر فجأة على يد الشيعة الباطنية؟! أيعبد الله تعالى بما يتصل سنده إلى أهل الضلال؟!
إن الاحتفال المولد لم يثبت عن العدول الثقات، وليس له سند ينتهى النبي صلى الله عليه وسلمَ أو إلى حملة المنهج من أهل السنة والجماعة رضي الله عنهم، فلا يجوز الاحتفال بذلك.
ولا شك أن بعض الذين يحتفلون بالمولد يريدون بذلك تعظيم الرسول عليه الصلاة والسلام، وإظهار محبته في ذلك الاحتفال، ولكن كم من مريد للخير لا يبلغه؛ لأنه لا يجوز التقرب إلى الله تعالى إلا بما شرعه، والاحتفال بالمولد بدعة غير مشروعة لا تجوز.
هذا في أصل الاحتفال إذا خلا من منكرات، بمعنى أن هذا في تخصيص يوم المولد بالاجتماع فيه على الذكر وتلاوة القرآن والطعام والشراب والأمور المباحة؛ أما إذا اشتمل على منكرات -كما هو الحال- من الغلو والإطراء والمدح والغناء والإنشاد المشتمل على الاستغاثة وطلب المدد وغيرها من أمور الشرك، ومن الرقص والمزمار والطبل والاختلاط والمخدرات ونحو ذلك، فإن ذلك أعظم فسادًا وإثمًا، وهي مجالس الشيطان زعموا حب النبي صلى الله عليه وسلمَ واتخذوا ذلك وسيلة لارتكاب المنكرات، والله المستعان.
وقد يحتج بعض من يسوغون الاحتفال بأن النبي صلى الله عليه وسلمَ كان يحتفل بمولده فيصوم يوم الإثنين كما رواه مسلم عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الإِثْنَيْنِ؟ قَالَ: «ذَاكَ يَوْمٌ وُلِدْتُ فِيهِ، وَيَوْمٌ بُعِثْتُ -أَوْ أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ-».
فنقول: إن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ في جوابه بين المولد والبعثة ولم يخص المولد بالذكر، ولم يذكر أن ذلك عيدًا أو احتفالاً منه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمولده، ثم إنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يجعله عيدًا سنويًا بل كان يصوم ما شاء الله، فإن كان هذا احتفالاً فلماذا لا نلتزم به كما جاء دون تغيير أو تبديل، فنصوم يوم الإثنين أسبوعيًا أو نكثر من صومه؟ وإن كان هذا الصوم احتفالاً وداومتم عليه فلماذا التوسع عما ثبت فيه؟ هل في الحديث: احتفلوا بمولدي؟! هل في الحديث خُصُّوه بشيء؟! هل فيه اجتمعوا وتوسعوا فيه بأمور ما؟! إن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوحى إليه بخلافنا؛ ولا يسعنا إلا العمل بما جاء كما جاء.
إن صوم يوم الإثنين سنة ثابتة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستحب للمسلم العمل بها والمحافظة عليها سواء أعلم سبب صيام النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لهذا اليوم أم لا، ونلزم من يستدل بهذا الحديث على جواز الاحتفال بلزوم ما جاء كما جاء دون زيادة أو نقصان أو تغيير أو تبديل، والعمل بما شرعه الله تعالى، فإن احتجاجه بهذا الحديث الشريف حجة عليه.
مع تحيات
اللجنة العلمية لملتقى الخطيب المؤثر أسد المنابر