عنوان الخطبة ((ومن شر حاسد إذا حسد))
الهدف من الخطبة بيان حرمة الحسد، وخطورته، وكيفية الوقاية والاستشفاء منه
عناصر الموضوع
1- الحسد خلق ذميم.
2- من صور الحسد.
3- من مضار الحسد.
4- الوقاية والاستشفاء من العين والحسد.
ومن شر حاسد إذا حسد
مقدمة الموضوع: أما بعد، إن النعم جميعًا هبة من الله الوهاب جل وعلا، وهو الذي قسمها على عباده، قال تعالى: (نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)؛ فعلى العبد أن يرضى بما قسم الله تعالى له، ويحمد الله عليه، ولا يتسخط على أقدار الله وقسمته وحكمته.
إن للنفوس والقلوب أنواعًا من أمراض عدم الرضا والتسخط، ومن تلك الأدواء: داء الحسد.
قال تعالى: (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا).
الحسد خلق ذميم
إن الحسد خلق ذميم، وهو: تمني زوال النعمة عن المُنْعَمِ عليه –المحسود–.
والحسد على درجات: الأولى: أن يتمنى زوال النعمة عن غيره وحصولها له.
الثانية: أن يتمنى زوال النعمة وإِن لم تحصل له؛ بل يكره إنعام الله على غيره ويتألم به، وهذا شر أنواع الحسد.
الثالثة: أن يتمنى لنفسه مثل تلك النعمة، من غير أن يحب زوالها عن غيره، وهذه الدرجة جائزة وليست من الحسد المذموم، وهي الغبطة، والأَوْلَى ترك ذلك.
ولا يُتَصَوَّر الحسد لمحبوب لأن المُحب يتَمَنَّى زِيَادَة النعم للمحبوب وَلَا يتَمَنَّى زَوَال النعم عَنهُ، وَالْغَالِب أَن الحسد يَقع بَين المشتركين في فَضِيلَة من الْفَضَائِلِ أَو في شيء من الْأَسْبَابِ الدُّنْيَوِيَّة فإن التَّاجِر لا يحسد المزارع مثلاً، وإنما يتحاسد من اشتركوا في نعمة من جنس واحد غالبًا.
ودواعي الحسد ثلاثة:
الأول: بغض المحسود والألم لحصول النعم له.
الثاني: أن يظهر من المحسود نعمة وفضل يعجز عنه، فيكره حصوله له واختصاصه به، فيثير ذلك حسدًا لولاه لكفّ عنه.
الثالث: أن يكون في الحاسد شحّ بالفضائل، وبخل بالنّعم وليست إليه، فيمنع منها، وليس بيده، فيدفع عنها، لأنّها مواهب قد منحها الله من شاء، فيسخط على الله عزّ وجلّ في قضائه، ويحسد على ما منح من عطائه، وإن كانت نعم الله عزّ وجلّ عنده أكثر، ومنحه عليه أظهر، وهذا النوع من الحسد أعمّها وأخبثها، إذ ليس لصاحبه راحة، ولا لرضاه غاية، فإن اقترن بشرّ وقدرة كان جورًا وانتقامًا، وإن صادف عجزًا ومهانة كان جَهْدًا وسِقَامًا.
والحسد محرم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلمَ نهى عنه وحذر منه؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الحَدِيثِ، وَلاَ تَحَسَّسُوا، وَلاَ تَجَسَّسُوا، وَلاَ تَحَاسَدُوا، وَلاَ تَدَابَرُوا، وَلاَ تَبَاغَضُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا». رواه البخاري ومسلم، نهى النبي صلى الله عليه وسلمَ عن التحاسد فقال: "وَلاَ تَحَاسَدُوا"، أي لا يحسد بعضكم بعضًا ويتمنى زوال ما لديه من النعم لتؤول إليه أو إلى غيره، من الصحة والمال أو غيرها؛ فإن هذا ينافي خلق المؤمنين الذين يحبون لغيرهم ما يحبون لأنفسهم، وقد نهى الله تعالى عن ذلك التمني بقوله: (وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ)، وأمرنا بالتعوذ من شر الحاسد فقال تعالى: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ . مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ . وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ . وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ . وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ)، ومعنى إذا حسد: إذا أظهر ما في نفسه من الحسد وعمل بمقتضاه وحمله الحسد على إيقاع الشر بالمحسود.
وبهذا يُعلم أن للحسد وجود وأضرار إن قدر الله تعالى، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْعَيْنُ حَقٌّ فَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابَقَ الْقَدَرِ سَبَقَتْهُ الْعَيْنُ وَإِذَا اسْتُغْسِلْتُمْ فاغسِلوا». رَوَاهُ مُسلم.
فِيهِ إِثْبَاتُ الْقَدَر، وَهُوَ حَقٌّ بِالنُّصُوصِ وَإِجْمَاعِ أَهْلِ السُّنَّة، وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا بِقَدَرِ اللهِ تَعَالَى، وَلَا تَقَعُ إِلَّا عَلَى حَسَبِ مَا قَدَّرَهَا اللهُ تَعَالَى وَسَبَقَ بِهَا عِلْمُه، فَلَا يَقَعُ ضَرَرُ الْعَيْن وَلَا غَيْرُهُ مِنْ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ إِلَّا بِقَدَرِ اللهِ تَعَالَى, وَفِيهِ صِحَّةُ أَمْرِ الْعَيْن؛ وَأَنَّهَا قَوِيَّةُ الضَّرَر، وَحَاصِلُهُ: لَوْ فُرِضَ أَنَّ شَيْئًا لَهُ قُوَّةٌ بِحَيْثُ يَسْبِقُ الْقَدَرَ, لَكَانَ الْعَيْنَ لَكِنَّهَا لَا تَسْبِقُ , فَكَيْفَ غَيْرُهَا؟
وعَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْعَيْنُ تُدْخِلُ الرَّجُلَ الْقَبْرَ, وَالْجَمَلَ الْقِدْرَ». أخرجه أبو نعيم في الحلية وحسنه الألباني، وعن عامر بن ربيعة أن النبي صلى الله عليه وسلمَ قال: «إذا رأى أحدكم من نفسه أو ماله أو من أخيه ما يعجبه فليدع له بالبركة فإن العين حق». أخرجه الطبراني وصححه الألباني.
من صور الحسد
قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: الْحَسَدُ أَوَّلُ ذَنْبٍ عُصِيَ اللَّهُ بِهِ فِي السَّمَاءِ -يَعْنِي حَسَدَ إبْلِيسَ لِآدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ-، وَأَوَّلُ ذَنْبٍ عُصِيَ اللَّهُ بِهِ فِي الْأَرْضِ، يَعْنِي حَسَدَ ابْنِ آدَمَ لِأَخِيهِ حَتَّى قَتَلَهُ.
أما إبليس فإنه قد جمع الشر كله؛ فحسد آدم عليه السلام كبرًا وإعجابًا بنفسه فقال: (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ)، ورآه لا يستحق السجود احتقارًا له، فقال: (أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ)، وقال متكبرًا حاسدًا: (أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا)، فما أقبح حسده وكبره، ولا أشنع من صفة يكون إبليس فيها إماماً!
وأما ابني آدم عليه السلام فقد حسد أحدهما الآخر حتى قتله، قال تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ)، إنه لم يرتكب إثمًا، لكنه الحسد، (قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ . لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ . إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ . فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ)، فانظر ماذا صنع الحسد؟ فقد يقتل الأخ أخاه حسدًا.
وَقَدْ نَبَّهَ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ عَلَى أَعْظَمِ النِّعْمَةِ الَّتِي حُسِدَ عَلَيْهَا الْمُسْلِمُونَ عَامَّةً، وَالرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً، وَهِيَ نِعْمَةُ الْإِسْلَامِ وَنِعْمَةُ الْوَحْيِ وَتَحْصِيلِ الْغَنَائِمِ.
فمن صور الحسد: حسد الكفار والمشركين على الإسلام وعلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلمَ وعلى والمسلمين: قال الله تعالى: (وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ)، أي: ينظرون إليك تغيظًا وحقدًا وحسدًا، (لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ)، أي: عند سماعهم للقرآن.
قال الإمام ابن كثير رحمه الله: قال ابن عباس، ومجاهد، وغيرهما: (ليزلقونك) ليَنْفُذونك بأبصارهم، أي ليَعِينُونك بأبصارهم، بمعنى يحسدونك، لبغضهم إياك، لولا وقاية الله لك، وحمايته إياك منهم، وفي هذه الآية دليل على أن العين إصابتَها وتأثيرَها حق، وذلك بأمر الله الكوني القدري، كما وردت بذلك الأحاديث المروية من طرق متعددة كثيرة. انتهى.
ومن ذلك حسد اليهود لأمتنا: قال الله تعالى: (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)، وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إِنَّهُمْ لَا يَحْسُدُونَا عَلَى شَيْءٍ كَمَا يَحْسُدُونَا عَلَى يَوْمِ الْجُمُعَةِ الَّتِي هَدَانَا اللهُ لَهَا وَضَلُّوا عَنْهَا، وَعَلَى الْقِبْلَةِ الَّتِي هَدَانَا اللهُ لَهَا وَضَلُّوا عَنْهَا، وَعَلَى قَوْلِنَا خَلْفَ الْإِمَامِ: آمِينَ". رواه أحمد وصححه لغيره الألباني.
ومن صور الحسد: ما وقع من إخوة يوسف معه عليه السلام، قال تعالى عن يعقوب عليه السلام: (قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ . وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ . لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ . إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ . اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ) الآيات.
ما الذي جعل بني إسرائيل يرفضون ملك طالوت وقد سألوا الملك عليهم؟ إنه الحسد، قال تعالى: (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ).
هذا وقد يصاب العبد بأذى من حسد أو من عين -إن قدر الله ذلك-؛ فقد يكون سبب الأذى حسد وهو قصد تمنى زوال النعمة عن المحسود، وقد يكون بعين وهو نظر الإعجاب سواء قصده أو لم يقصده، وهذا الأخير هو ما وقع من الصحابة، واسمه حسد الإعجاب ولم يقصدوه، بدليل قوله تعالى: (وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا)؛ فالحسد يقع من الرجل بالإعجاب قصده أو لم يقصده، فإذا قصد الحسد فهو خبيث النفس، وإذا لم يقصده فهو ما يسمى بحسد الإعجاب.
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، قَالَ: مَرَّ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ بِسَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، وَهُوَ يَغْتَسِلُ فَقَالَ: لَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ، وَلَا جِلْدَ مُخَبَّأَةٍ فَمَا لَبِثَ أَنْ لُبِطَ بِهِ، فَأُتِيَ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقِيلَ لَهُ: أَدْرِكْ سَهْلًا صَرِيعًا، قَالَ «مَنْ تَتَّهِمُونَ بِهِ» قَالُوا عَامِرَ بْنَ رَبِيعَةَ، قَالَ: «عَلَامَ يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ، إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مِنْ أَخِيهِ مَا يُعْجِبُهُ، فَلْيَدْعُ لَهُ بِالْبَرَكَةِ» ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ، فَأَمَرَ عَامِرًا أَنْ يَتَوَضَّأَ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ، وَرُكْبَتَيْهِ وَدَاخِلَةَ إِزَارِهِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَصُبَّ عَلَيْهِ. رواه ابن ماجه وصححه الألباني.
وإذا تأملنا وجدنا أن المحسود دائمًا يزداد خيرًا وعزًا ونصرًا، وأن الحاسد يكون أقل منه وأذل وأصغر.
من مضار الحسد
إن للحسد أضرارًا كثيرة على الذين يحسدون الناس ويتمنون زوال نعمة الله عليهم؛ فالحاسد يضر نفسه من ثلاثة وجوه:
أحدها: اكتساب الذنوب؛ لأن الحسد حرام.
الثاني: سوء الأدب مع الله تعالى، فإن حقيقة الحسد كراهية إنعام الله على عبده، واعتراض على الله في فعله.
الثالث: تألم قلب الحاسد من كثرة الغم الذي يغمره.
ويتفرع عن هذا أن الحاسد يقع في محاذير منها:
أولاً: كراهته ما قدره الله، فإن كراهته ما أنعم الله به على هذا الشخص كراهة لما قدره كونًا ومعارضة لقضاء الله -عز وجل-.
ثانيًا: إن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب؛ لأن الغالب أن الحاسد يعتدي على المحسود بذكر ما يكره وتنفير الناس عنه، والحط من قدره وما أشبه ذلك، وهذا من كبائر الذنوب التي قد تحيط بالحسنات.
ثالثًا: ما يقع في قلب الحاسد من الحسرة والجحيم والنار التي تأكله أكلاً، فكلما رأى نعمة من الله على هذا المحسود اغتم وضاق صدره، وصار يراقب هذا الشخص كلما أنعم الله عليه بنعمة حزن واغتم وضاقت عليه الدنيا.
رابعًا: أن في الحسد تشبهًا باليهود، وأهل الشر.
خامسًا: أن الحسد علامة على الجهل، فمهما كان حسده ومهما قوي لا يمكن أبدًا أن يرفع نعمة الله عن العبد.
سادسًا: أن الحسد ينافي كمال الإيمان؛ فَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُؤمن أحد حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ». مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، ولازم هذا أن تكره زوال نعمة الله على المسلم، فإذا لم تكن تكره أن تزول نعمة الله عنه، فأنت لم تحب لأخيك ما تحب لنفسك وهذا ينافي كمال الإيمان.
سابعًا: أن الحسد يوجب إعراض العبد عن سؤال الله تعالى من فضله، فتجده دائمًا مهتمًا بهذه النعمة التي أنعم الله بها على غيره ولا يسأل الله من فضله، وقد قال الله تعالى: (وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ).
ثامنا: أن الحسد يوجب ازدراء نعمة الله عليه، أي أن الحاسد يرى أنه ليس في نعمة، وأن هذا المحسود في نعمة أكبر منه، وحينئذ يحتقر نعمة الله عليه فلا يقوم بشكرها.
تاسعًا: الحسد خلق ذميم؛ لأن الحاسد يتتبع نعم الله على الخلق في مجتمعه، ويحاول بقدر ما يمكنه أن يحول بين الناس وبين هذا المحسود بالحط من قدره أحيانًا، وبازدراء ما يقوم به من الخير أحيانًا إلى غير ذلك.
عاشرًا: أن الحاسد إذا حسد فالغالب أنه يظلم ويعتدي على المحسود ويسعى في الإضرار به.
الوقاية والاستشفاء من العين والحسد
إن للعبد أن يأخذ بأسباب الشفاء وسبل العلاج المشروعة، لكشف الضر عن نفسه وعن المسلمين؛ فعَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُول الله أفنتداوى؟ قَالَ: «نعم يَا عباد اللَّهِ تَدَاوَوْا؛ فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلَّا وَضَعَ لَهُ شِفَاءً غَيْرَ دَاءٍ وَاحِدٍ، الْهَرم». رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وصححه الألباني.
ونتحدث هنا عن كيفية علاج الحاسد ثم نتحدث عن كيفية علاج المحسود إن شاء الله تعالى:
أولاً: علاج الحاسد:
اعلم أن الحسد من الأمراض العظيمة للقلوب، ولا تداوى أمراض القلوب إلا بالعلم والعمل، والعلم النافع لمرض الحسد هو أن تعرف حقيقة أن الحسد ضرر عليك في الدين والدنيا، وأنه لا يضر المحسود، بل ينتفع به؛ فالنعمة لا تزول عنه، وينال أجرًا وثوابًا.
وعلاج الحاسد من الحسد، يكون بأسباب منها:
1- أن يعلم أن الله تعالى هو المُنْعِم وأنه يعطي من يشاء ويمنع من يشاء، ويبسط لمن يشاء ويقدر، وأنه يقسم بين عباده سبحانه.
2- أن يرضى بما قسم الله له، ويعلم أن هذا بحكمة الله، فلا يسخط على قضاء الله، ولا يعترض على حكمته.
3- أن يعلم أن الحسد يضر الحاسد ولا يغير في قدر الله شيئًا.
4- أن ينشغل بنفسه، ويشكر نعم الله عليه، وينظر لمن هو أدنى منه ولا ينظر إلى من هو أعلى منه.
5- أن يزهد فيما في أيدي الناس.
6- تطهير الذهن من رديء الأفكار، ودفع وممانعة خطرات الحسد والإعراض عنها، والامتناع من حديث النفس الحاسد والحاقد.
7- أن يتأمل ويتفكر في مضار الحسد، فإن التفكر في مضار العمل يوجب النفور منه، ومن ذلك أن يعلم أن الحسد ينقص الإيمان ويأكل الحسنات، وأنه لن يؤمن الإيمان الواجب حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه، وأنه بالحسد يظلم نفسه ويظلم من حسده.
8- أن يتأمل في فضل سلامة الصدر وأحوال أهله؛ فَعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيْ النَّاسِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «كُلُّ مَخمومُ الْقلب صَدُوق اللِّسَان» . قَالُوا: صدزق اللِّسَانِ نَعْرِفُهُ فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ؟ قَالَ: «هُوَ النَّقِيُّ التَّقِيُّ لَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَلَا بَغْيَ وَلَا غِلَّ وَلَا حَسَدَ». رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وصححه الألباني.
9- أن يكثر من ذكر الله تعالى، وأن يعود نفسه إذا رأى ما يعجبه أن يدعو بالبركة.
10- الإكثار من الدعاء لمن حسده، ومن الدعاء لنفسه؛ فيسأل الله العافية والشفاء والعون والنجاة.
ثانيًا: علاج الحسد:
على العبد المسلم أن يأخذ بأسباب الوقاية والسلامة من الأدواء، ولا حرج أن يتداوى من الأدواء عند الإصابة بشيء من ذلك، فمن سبل الوقاية من العين والحسد ما يأتي:
1- أن يحفظ الله تعالى، بفعل ما أمر به، وترك ما نهى عنه، قال تعالى: (فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)، وقال تعالى: (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً)، وفي الحديث: «احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ». رَوَاهُ أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وصححه الألباني، أي احفظ أوامر الله بالامتثال، ونواهيه بالاجتناب، وحدوده بعدم تعدّيها، يحفظك في نفسك ودينك ومالك وولدك وفي جميع أمرك.
2- المواظبة على الأذكار لا سيما الموظفة منها، كأذكار الصباح والمساء وبعد الصلوات المكتوبة وعند النوم وغيره؛ فعن الحارث الأشعري رضي الله عنه؛ أنّ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إِنَّ اللَّهَ أَمَرَ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ أَنْ يَعْمَلَ بِهَا وَيَأْمُرَ بني إسرائيل أَنْ يَعْمَلُوا بِهَا..." الحديث، وذكر منها: "وَآمُرُكُمْ أَنْ تَذْكُرُوا اللَّهَ فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ خَرَجَ العَدُوُّ فِي أَثَرِهِ سِرَاعًا حَتَّى إِذَا أَتَى عَلَى حِصْنٍ حَصِينٍ فَأَحْرَزَ نَفْسَهُ مِنْهُمْ، كَذَلِكَ العَبْدُ لَا يُحْرِزُ نَفْسَهُ مِنَ الشَّيْطَانِ إِلَّا بِذِكْرِ اللَّهِ". رواه الترمذي وصححه الألباني.
3- الاستعانة على قضاء الحوائج بالسر والكتمان، وعدم التباهي والتفاخر بالنعم: قَالَ تَعَالَى عن يعقوب عليه السلام: (وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا للهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ)، أوصى يعقوب عليه السلام بنيه أن يدخلوا مصر من أبواب متفرقة فذلك أسلم من أن يَعُمَّهم أحد بضرر إن أرادوه بهم ومنه الحسد لجمالهم, ثم أخبرهم بأن ذلك أخذًا بالأسباب فقط، فإنه لا يدفع عنهم ضررًا أراده الله بهم، ولا يجلب لهم نفعًا لم يرده الله؛ فالقضاء ليس إلا قضاء الله، والأمر ليس إلا أمره، عليه وحده فليتوكل المتوكلون في أمورهم.
وعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اسْتَعِينُوا عَلَى إِنْجَاحِ الْحَوَائِجِ بِالْكِتْمَانِ، فَإِنَّ كُلَّ ذِي نِعْمَةٍ مَحْسُودٌ» أخرجه الطبراني وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في الشعب وصححه الألباني.
4- الإحسان إلى الحاسد، قال تعالى: (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)، فالإحسان إلى الحاسد سبب من أسباب اتقاء شره.
5- التعوذ بالله من شر كل حاسد، والتحصن بالمعوذات التي شرعها رسول الله صلى الله عليه وسلمَ، قال تعالى: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ . مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ . وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ . وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ . وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ).
6- عدم الاشتغال بالحاسد، وعدم التفكير فيه، أو الاهتمام به، بل اعتصم بالله، فالله حسبك، وهو كافيك سبحانه وتعالى.
7- الدعاء: عن ابن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَدْعُو: «اللَّهُمَّ احْفَظْنِي بِالْإِسْلَامِ قَائِمًا، وَاحْفَظْنِي بِالْإِسْلَامِ قَاعِدًا، وَاحْفَظْنِي بِالْإِسْلَامِ رَاقِدًا، وَلَا تُشْمِتْ بِي عَدُوًّا حَاسِدًا، وَاللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ كُلِّ خَيْرٍ خَزَائِنُهُ بِيَدِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ كُلِّ شَرٍّ خَزَائِنُهُ بِيَدِكَ». أخرجه الحاكم وحسنه الألباني.
8- التوكل على الله سبحانه، قال تعالى: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ)، والتوكل من أقوى الأسباب التي يدفع بها العبد ما لا يطيق من أذى الخلق وظلمهم وعدوانهم؛ فإن الله حسبه أي كافيه.
9- الإقبال على الله، والإخلاص له، والتقرّب إليه، قال تعالى عن يوسف عليه السلام: (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ).
10- تجريد التوبة إلى الله من الذنوب الّتي سلّطت عليه أعداءه. فإنّ الله تعالى يقول: (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ).
11- وهو الجامع لذلك كله وعليه مدار هذه الأسباب وهو تجريد التوحيد، فلا شيء يضر ولا ينفع إلا بإذنه، قال تعالى: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاّ هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ).
ومن سبل العلاج والاستشفاء من العين:
1- عِلَاجُ اَلْمَحْسُودِ بِالِاسْتِغْسَال: فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْعَيْنُ حَقٌّ فَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابَقَ الْقَدَرِ سَبَقَتْهُ الْعَيْنُ وَإِذَا اسْتُغْسِلْتُمْ فاغسِلوا». رَوَاهُ مُسلم, وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: «كَانَ يُؤْمَرُ الْعَائِنُ فَيَتَوَضَّأُ ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ الْمَعِينُ». رواه أبو داود وقال الألباني: صحيح الإسناد.
2- الرقية الشرعية والاستعاذة بالله من العين: فعَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اسْتَعِيذُوا بِاللَّهِ، فَإِنَّ الْعَيْنَ حَقٌّ». رواه ابن ماجه وصححه الألباني، وعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى فِي بَيْتِهَا جَارِيَةً فِي وجهِها سفعة يَعْنِي صُفْرَةً فَقَالَ: «اسْتَرْقُوا لَهَا فَإِنَّ بِهَا النَّظْرَةَ». متفق عليه، وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَعَوَّذُ مِنَ الْجَانِّ وَعَيْنِ الْإِنْسَانِ حَتَّى نَزَلَتِ الْمُعَوِّذَتَانِ فَلَمَّا نزلت أَخذ بهما وَترك سِوَاهُمَا. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وصححه الألباني، وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: بَيْنَا أَنَا أسير مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْجُحْفَةِ وَالْأَبْوَاءِ إِذْ غَشِيَتْنَا رِيحٌ وَظُلْمَةٌ شَدِيدَةٌ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَوِّذُ بـ (أعوذ بِرَبّ الفلق) و(أعوذ بِرَبِّ النَّاسِ)، وَيَقُولُ: «يَا عُقْبَةُ تَعَوَّذْ بِهِمَا فَمَا تَعَوَّذَ مُتَعَوِّذٌ بِمِثْلِهِمَا». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وصححه الألباني، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم يعوذ الْحسن وَالْحسن: «أُعِيذُكُمَا بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لَامَّةٍ»، وَيَقُولُ: «إِنَّ أَبَاكُمَا كَانَ يعوذ بهما إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ». رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: أَتَى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ صَلى الله عليه وسلم وَهُوَ يُوعَكُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ اشْتَكَيْتَ؟ قَالَ: "نَعَمْ", فَقَالَ: بِسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ, مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ, مِنْ شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ, أَوْ عَيْنِ حَاسِدٍ, بِاسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ, وَاللهُ يَشْفِيكَ. رواه مسلم والترمذي وابن حبان، وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنه أن رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلمَ قال لِأَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ رضي الله عنها: "مَا شَأنُ أَجْسَامِ بَنِي أَخِي ضَارِعَةً؟ أَتُصِيبُهُمْ حَاجَةٌ؟" قَالَتْ: لَا, وَلَكِنْ تُسْرِعُ إِلَيْهِمْ الْعَيْنُ, أَفَنَرْقِيهِمْ؟ قَالَ: "وَبِمَاذَا؟", فَعَرَضَتْ عَلَيْهِ, فَقَالَ: "ارْقِيهِمْ". رواه مسلم والترمذي، وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَت: دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلمَ فَسَمِعَ صَوْتَ صَبِيٍّ يَبْكِي، فَقَالَ: "مَا لِصَبِيِّكُمْ هَذَا يَبْكِي؟ هَلَّا اسْتَرْقَيْتُمْ لَهُ مِنْ الْعَيْنِ؟". أخرجه أحمد وحسنه الألباني، وَعَنْ عَائِشَةَ أيضًا قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلمَ يَأمُرُنِي أَنْ أَسْتَرْقِيَ مِنْ الْعَيْنِ". رواه البخاري ومسلم.
مع تحيات
اللجنة العلمية لملتقى الخطيب المؤثر أسد المنابر