عنوان الخطبة ((علاج السحر))
الهدف من الخطبة بيان كيفية الوقاية من السحر، وكيفية علاج المسحور، وبيان الممنوع والمشروع من ذلك
عناصر الموضوع
1- السبل المشروعة للوقاية من السحر
2- علاج المسحور بين المشروع والممنوع
علاج السحر
مقدمة الموضوع : أما بعد، قال الله تعالى: (قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ . وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ).
إن للسحر حقيقة ووجود يتعاطاه من لا نصيب له في الآخرة فيكفر ويتعاطى السحر ويجتهد في إيذاء الناس؛ فنسأل الله تعالى أن يحبط أعمالهم ويبطل سحرهم ومكرهم ويرد كيدهم في نحورهم، وأن يعافى كل مبتلى مسلم ويشفيه ويجزيه أجرًا عظيمًا.
ما سبل الوقاية من السحر؟ وما علاجه؟ وما المشروع والممنوع من ذلك؟
السبل المشروعة للوقاية من السحر
قال تعالى: (فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)، وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أنه قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَالَ: «يَا غُلَامُ احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، وَإِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأقلام وجفَّت الصُّحُف» رَوَاهُ أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وصححه الألباني.
هذا الحديث من جوامع الكلم وعظيم البيان؛ فالعبد إذا أراد أن ينال حفظ الله تعالى عليه أن يحفظ الله تعالى في اعتقاده وعمله.
"احفظ الله يحفظك"، أي احفظ أوامر الله بالامتثال، ونواهيه بالاجتناب، وحدوده بعدم تعدّيها، يحفظك في نفسك، ودينك، ومالك، وولدك، وفي جميع أمرك.
وعلى وجه الإجمال فإن من أعظم سبل الوقاية من السحر ما يلي:
1- تحقيق العقيدة الصحيحة: قال الله تعالى: (وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ)، وقال سبحانه: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)؛ إن الله تعالى وحده هو الذي يملك النفع والضر؛ فلو اجتمع الخلق على أن ينفعوا مخلوقًا لم ينفعوه إلا بما كتبه الله له، ولو اجتمعوا على أن يضروه بشيء لم يضروه إلا بإذن الله؛ فعلى العبد أن يتوكل على الله وحده، ويرجوه وحده، ولا يخاف إلا منه وحده، إذا سأل فليسأل الله، إذا استعان فليستعن بالله، وليوقن ويعتقد أن النفع والضر ليس لمخلوق وأنه لا يكون شيء إلا بعلم الله وتقديره وأمره وإذنه
2- الاستقامة على طاعة الله من المحافظة على الفرائض والنوافل وإقامة الواجبات وترك المحرمات: فإن هذا من أعظم أسباب حفظ الله لعبده، وفي حديث أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مُسَاءَتَهُ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ". رَوَاهُ البُخَارِيّ، وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمَعْرُوفُ إِلَى النَّاسِ يَقِي صَاحِبَهَا مَصَارِعَ السُّوءِ، وَالْآفَاتِ، وَالْهَلَكَاتِ، وَأَهْلُ الْمَعْرُوفِ فِي الدُّنْيَا هُمْ أَهْلُ الْمَعْرُوفِ فِي الْآخِرَةِ». أخرجه الحاكم وصححه الألباني.
3- المحافظة على تلاوة وسماع القرآن فإنه أعظم شفاء: قال تعالى: (يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ)، وقال سبحانه: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ).
4- المواظبة على الأذكار لا سيما الموظفة منها، كأذكار الصباح والمساء وبعد الصلوات المكتوبة وعند النوم وغيره؛ فَعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَعُ هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ حِينَ يُمْسِي وَحِينَ يُصْبِحُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَأَهْلِي وَمَالِي اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِي وَآمِنْ رَوْعَاتِي اللَّهُمَّ احْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدِي وَمِنْ خَلْفِي وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي وَمِنْ فَوْقِي وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَن أُغتالَ من تحتي». رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وصححه الألباني، وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا خَرَجَ الرَّجُلُ مِنْ بَيْتِهِ فَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ يُقَالُ لَهُ حِينَئِذٍ هُدِيتَ وَكُفِيتَ وَوُقِيتَ فَيَتَنَحَّى لَهُ الشَّيْطَانُ وَيَقُولُ شَيْطَانٌ آخَرُ: كَيْفَ لَكَ بِرَجُلٍ قَدْ هُدِيَ وَكُفِيَ وَوُقِيَ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وصححه الألباني، وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه في حفظ زكاة الفطر من رمضان، قال له الشيطان في الليلة الثالثة: دَعْنِي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ ينفعك الله بهَا قلت: مَا هُوَ؟ قَالَ: إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) حَتَّى تَخْتِمَ الْآيَةَ، فَإِنَّكَ لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ من الله حَافظ وَلَا يقربنك شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ، فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ، فَأَصْبَحْتُ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ؟» قُلْتُ: زَعَمَ أَنَّهُ يُعَلِّمُنِي كَلِمَات يَنْفَعنِي الله بهَا فخليت سبيله. قال النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: «أما إِنَّه قد صدقك وَهُوَ كذوب تعلم من تخاطب مُنْذُ ثَلَاث لَيَال يَا أَبَا هُرَيْرَة؟» قَالَ: لَا. قَالَ: «ذَاك شَيْطَان». رَوَاهُ البُخَارِيّ، وعن أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ أنه قال: سَمِعْتُ عُثْمَانَ -يَعْنِي ابْنَ عَفَّانَ-، يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، لَمْ تُصِبْهُ فَجْأَةُ بَلَاءٍ حَتَّى يُصْبِحَ، وَمَنْ قَالَهَا حِينَ يُصْبِحُ ثَلَاثُ مَرَّاتٍ، لَمْ تُصِبْهُ فَجْأَةُ بَلَاءٍ حَتَّى يُمْسِيَ»، وَقَالَ: فَأَصَابَ أَبَانَ بْنَ عُثْمَانَ الْفَالِجُ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ الَّذِي سَمِعَ مِنْهُ الْحَدِيثَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: مَا لَكَ تَنْظُرُ إِلَيَّ؟ فَوَاللَّهِ مَا كَذَبْتُ عَلَى عُثْمَانَ وَلَا كَذَبَ عُثْمَانُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَكِنَّ الْيَوْمَ الَّذِي أَصَابَنِي فِيهِ مَا أَصَابَنِي غَضِبْتُ فَنَسِيتُ أَنْ أَقُولَهَا. رواه أبو داود وصححه الألباني.
5- الأخذ بالأسباب المادية المشروعة في الوقاية، ومنها:
- أكل سبع تمرات عجوة صباحًا: عَن سعد بنِ أَبِي وَقَّاصٍ أنه قَالَ: سمعتُ رسولَ الله يَقُولُ: «مَنْ تَصَبَّحَ بِسَبْعِ تَمَرَاتٍ عَجْوَةٍ لَمْ يضرَّه ذَلِك الْيَوْم سم وَلَا سحر». متفق عليه.
- التصدي للسحرة والدجاجلة والمشعوذين، ببيان شرهم، وفضح أمرهم، وكشف زيفهم، وعدم معاونتهم، وصرف الناس عنهم، وإنكار هذا المنكر وتغييره بالممكن المستطاع المقدور عليه من اليد واللسان والقلب.
- الحذر والتحذير من سبل الوقاية غير المشروعة: إن بعض الناس يلجأ إلى الوقاية من السحر بأمور غير مشروعة؛ بل وفيها شرك بالله عز وجل -عياذًا بالله-، ومن ذلك: التعلق بالرقى الشركية أو البدعية، والتعلق بالتمائم، وكتابة بعض الأوراق التي يطلق عليها الحجاب والتحويطة والتعويذة ، وكذا لبس بعض الخيوط أو الخرز وغيرها، ومنه ما يلبسه بعض الجهال في ليلة البناء والعرس طلبًا للوقاية وخوفًا من الربط، وغيرها من الأمور الممنوعة المخالفة للدين، ومنها ما يكون شركًا عياذًا بالله.
عَن عوفِ بن مَالك الْأَشْجَعِيّ قَالَ: كُنَّا نَرْقِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَرَى فِي ذَلِكَ؟ فَقَالَ: «اعْرِضُوا عَلَيَّ رُقَاكُمْ لَا بَأْسَ بِالرُّقَى مَا لم يكن فِيهِ شرك». رَوَاهُ مُسلم.
علاج المسحور بين المشروع والممنوع
إن الأدواء والأمراض كثيرة، وبعضها عضوي وبعضها نفسي، وبعضها بسبب تسلط الجن والشياطين، ولهذا ينبغي التنبه إلى ضرورة تمييز نوع المرض؛ فلا يكون المرض عضوي ويعالج كأنه سحر، وهذا مما عمت به البلوى والله المستعان.
ومع اختلاف الأمراض وكثرتها لا يوجد مرض إلا وله دواء علمه من علمه وجهله من جهله؛ فعَنْ جَابِرٍ أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ فَإِذَا أُصِيبَ دَوَاءٌ الدَّاءَ بَرَأَ بِإِذْنِ اللَّهِ». رَوَاهُ مُسلم؛ ولا شك أن كثرة السحر وتسلط الشياطين هو بسبب التقصير في العبادة؛ حيث إن كفار الجن وفسقتهم وشياطينهم يتربصون ببني آدم الدوائر؛ فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنْ الْجِنِّ وَقَرِينُهُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ", قَالُوا: وَإِيَّاكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "وَإِيَّايَ, وَلَكِنَّ اللهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ فلَا يَامُرُنِي إِلَّا بِخَيْرٍ". رواه مسلم، وَعَنْه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلمَ: "إِنَّ لِلشَّيْطَانِ لَمَّةً بِابْنِ آدَمَ وَلِلْمَلَكِ لَمَّةً فَأَمَّا لَمَّةُ الشَّيْطَانِ فَإِيعَادٌ بِالشَّرِّ وَتَكْذِيبٌ بِالْحَقِّ، وَأَمَّا لَمَّةُ الْمَلَكِ فَإِيعَادٌ بِالْخَيْرِ وَتَصْدِيقٌ بِالْحَقِّ؛ فَمَنْ وَجَدَ ذَلِكَ فَلْيَعْلَمْ أَنَّهُ مِنَ اللهِ، فَلْيَحْمَدِ اللهَ؛ وَمَنْ وَجَدَ الْأُخْرَى فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، ثُمَّ قَرَأَ: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَامُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ}". رواه الترمذي وحسنه الألباني.
هذا وللعبد أن يأخذ بأسباب الشفاء وسبل العلاج المشروعة، لكشف الضر عن نفسه وعن المسلمين، فعَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُول الله أفنتداوى؟ قَالَ: «نعم يَا عباد اللَّهِ تَدَاوَوْا؛ فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلَّا وَضَعَ لَهُ شِفَاءً غَيْرَ دَاءٍ وَاحِدٍ، الْهَرم». رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وصححه الألباني.
إن الذي يملك النفع والضر هو الله تعالى وحده، ومهما عظم البلاء أو اشتد المرض، فإن الشافي هو الله وحده، ومهما تسلطت الجن والشياطين فإن كيدهم ضعيف، قال تعالى: (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا)، وقوة إيمان العبد وتوكله على الله تعالى من أعظم الأسباب الجالبة للشفاء، ومن الأسباب المشروعة لعلاج المسحور ما يلي:
1- استخراج السحر إذا علم مكانه وإتلافه بهتكه أو تقطيعه أو فك عقده أو حرقه أو دقه أو سحقه أو نحو ذلك مما يناسب إتلاف السحر، وهذا من أبلغ ما يعالج به المسحور، ويبطل به السحر بإذن الله تعالى.
2- الحجامة: وتكون باستفراغ الدم في المحل الذي يصل إليه أذى السحر، فإن للسحر تأثيرًا وأذى يظهر على البدن؛ فإن علم محل تأثيره ووجعه احتجم عليه.
3- استفراغ المعدة: وهذا إذا علم أن الوجع في البطن من سحر مطعوم أو مشروب مثلاً.
4- الدعاء وطلب الشفاء والعافية ورفع البلاء: فعَنْ عَائِشَةَ أنها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اشْتَكَى مِنَّا إِنْسَانٌ مَسَحَهُ بِيَمِينِهِ ثُمَّ قَالَ: «أَذْهِبِ الْبَاسَ رَبَّ النَّاسِ وَاشْفِ أَنْتَ الشَّافِي لَا شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ شِفَاءٌ لَا يُغَادِرُ سَقَمًا». متفق عليه، وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أنه قَالَ: أَتَى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ صَلى الله عليه وسلم وَهُوَ يُوعَكُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ اشْتَكَيْتَ؟ قَالَ: "نَعَمْ", فَقَالَ: بِسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ, مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيكَ, مِنْ شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ, أَوْ عَيْنِ حَاسِدٍ, بِاسْمِ اللهِ أَرْقِيكَ, وَاللهُ يَشْفِيكَ. رواه مسلم، وفي حديث عائشة في قصة سحره صلى الله عليه وسلمَ قالت: حَتَّى إِذَا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ، أَوْ ذَاتَ لَيْلَةٍ، دَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ دَعَا، ثُمَّ دَعَا.
5- الرقى الشرعية: الرقية هي التي تكون بكلام الله تعالى، وبأسمائه وصفاته، وبالتعوذات والأذكار الشرعية، ولا بأس بالكلام الطيب الحسن الذي لا يشتمل على محرم، فعَن عوفِ بن مَالك الْأَشْجَعِيّ قَالَ: كُنَّا نَرْقِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَرَى فِي ذَلِكَ؟ فَقَالَ: «اعْرِضُوا عَلَيَّ رُقَاكُمْ لَا بَأْسَ بِالرُّقَى مَا لم يكن فِيهِ شرك». رَوَاهُ مُسلم؛ وينبغي التفطن إلى أن الآيات، والأذكار، والدعوات، والتعوذات التي يُستشفى بها ويُرقى بها، هي في نفسها نافعةٌ شافيةٌ، ولكن تستدعي قبول وقوة الفاعل (الراقي) وتأثيره، فمتى تخلف الشفاء كان لضعف تأثير الفاعل (الراقي)، أو لعدم قبول المنفعل (المرقي)، أو لمانع قوي فيه يمنع أن ينجع فيه الدواء؛ فإن العلاج بالرقى يكون بأمرين: الأمر الأول: من جهة المريض، ويكون بقوة نفسه وصدق توجهه إلى الله تعالى واعتقاده الجازم بأن القرآن شفاء ورحمة للمؤمنين، والتعوذ الصحيح الذي قد تواطأ عليه القلب واللسان؛ فإن هذا نوع محاربة، والمحارب لا يتم له الانتصار من عدوه إلا بأمرين: أن يكون السلاح صحيحًا في نفسه جيدًا، وأن يكون الساعد قويًا؛ فمتى تخلف أحدهما لم يغنِ السلاح كثير طائل، فكيف إذا عدم الأمران جميعا؟! يكون القلب خرابًا من التوحيد والتوكل والتقوى والتوجه، ولا سلاح له. ثم الأمر الثاني: من جهة المعالج بالقرآن والسنة أن يكون فيه هذان الأمران أيضًا.
وعلى من يرقي أن يتقي الله ولا يعالج إلا بما شرع، وأن يحفظ الأسرار والعورات والأعراض ويغض بصره ولا يمس ما لا يحل له، وأن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويدل الناس على التوحيد والطاعة، ويحذرهم من الشرك والمعاصي وإتيان السحرة، ويبين لهم صلاح عاقبة اتباع الشرع، وفساد عاقبة المخالفة، ونحو ذلك مما يتعرض له.
والأفضل للعبد أن يرقي نفسه وأهله، وله أن يرقي غيره، وأن تُطلب له الرقية، ويجوز أن يَطلب الرقية لنفسه، وهذا خلاف الأولى إذ الأفضل ألا يطلب الرقية لنفسه؛ وعلى الراقي أن يلتزم بشروط الرقية الشرعية؛ فقد أجمع العلماءُ على جوازِ الرُّقى عند اجتماعِ ثلاثةِ شُرُوطٍ: الأَوَّلُ: أَنْ تَكُونَ بِكَلاَمِ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، أَوْ كَلاَمِ رَسُولِهِ صَلى الله عليه وسلم. الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ بِاللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ، أَوْ بِمَا يُعْرَفُ مَعْنَاهُ مِنْ غَيْرِهِ. الثَّالِثُ: أَنْ يُعْتَقَدَ أَنَّ الرُّقْيَةَ لاَ تُؤَثِّرُ بِذَاتِهَا؛ بَلْ بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالرُّقْيَةُ إِنَّمَا هِيَ سَبَبٌ مِنَ الأَسْبَابِ.
وعليه فكل آيات القرآن يرقى بها، والقرآن كله شفاء؛ فعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عليه وسلم وَامْرَأَةٌ تَرْقِينِي، فَقَالَ: "عَالِجِيهَا بِكِتَابِ اللهِ" رواه ابن حبان وصححه الألباني.
قال ابن القيم رحمه الله: فالقرآن هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية وأدواء الدنيا والآخرة وما كل أحد يؤهل ولا يوفق للاستشفاء به، وإذا أحسن العليل التداوي به ووضعه على دائه بصدق وإيمان وقبول تام واعتقاد جازم واستيفاء شروطه، لم يقاومه الداء أبدًا؛ وكيف تقاوم كلام رب الأرض والسماء الذي لو نزل على الجبال، لصدعها، أو على الأرض، لقطعها؟! فما من مرض من أمراض القلوب والأبدان إلا وفي القرآن سبيل الدلالة على دوائه وسببه، والحمية منه لمن رزقه الله فهما في كتابه. انتهى.
فالقرآن كله شفاء، ومن ذلك:
- الرقية بسورة الفاتحة: ففي حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ لما مَرُّوا بِحَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ، فرقى أحدهم بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، فَبَرَأَ الرَّجُلُ، وذَكَروا ذَلِكَ لرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَبَسَّمَ وَقَالَ: «وَمَا أَدْرَاكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ؟». رواه الجماعة.
- الرقية بسورة البقرة: فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَجْعَلُوا بِيُوتَكُمْ مَقَابِرَ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ من الْبَيْت الَّذِي يقْرَأ فِيهِ سُورَة الْبَقَرَة». رَوَاهُ مُسلم، وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: «..اقْرَءُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ وَلَا تستطيعها البطلة». رَوَاهُ مُسلم.
- الرقية بآية الكرسي: ففي حديث أَبِي هُرَيْرَةَ في حفظ زكاة الفطر لما عزم على تسليم السارق للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: دَعْنِي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ ينفعك الله بهَا، قلت: مَا هُوَ؟ قَالَ: إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ: (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ..) حَتَّى تَخْتِمَ الْآيَةَ فَإِنَّكَ لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ من الله حَافظ وَلَا يقربنك شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ، فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ، فَأَصْبَحْتُ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ؟» قُلْتُ: زَعَمَ أَنَّهُ يُعَلِّمُنِي كَلِمَات يَنْفَعنِي الله بهَا فخليت سبيله، قال النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: «أما إِنَّه قد صدقك وَهُوَ كذوب، تعلم من تخاطب مُنْذُ ثَلَاث لَيَال يَا أَبَا هُرَيْرَة؟»، قَالَ: لَا قَالَ: «ذَاك شَيْطَان». رَوَاهُ البُخَارِيّ.
- الرقية بأواخر سورة البقرة: فعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ كتب كتابًا قبل أَن يخلق السَّمَوَات وَالْأَرْضَ بِأَلْفَيْ عَامٍ أَنْزَلَ مِنْهُ آيَتَيْنِ خَتَمَ بِهِمَا سُورَةَ الْبَقَرَةِ وَلَا تُقْرَآنِ فِي دَارٍ ثَلَاثَ لَيَالٍ فَيَقْرَبَهَا الشَّيْطَانُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وصححه الألباني
- الرقية بالمعوذات: فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَعَوَّذُ مِنَ الْجَانِّ وَعَيْنِ الْإِنْسَانِ حَتَّى نَزَلَتِ الْمُعَوِّذَتَانِ فَلَمَّا نزلت أَخذ بهما وَترك سِوَاهُمَا. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وصححه الألباني، وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: بَيْنَا أَنَا أسير مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْجُحْفَةِ وَالْأَبْوَاءِ إِذْ غَشِيَتْنَا رِيحٌ وَظُلْمَةٌ شَدِيدَةٌ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَوِّذُ بـ (أعوذ بِرَبّ الفلق) و(أعوذ بِرَبِّ النَّاسِ)، وَيَقُولُ: «يَا عُقْبَةُ تَعَوَّذْ بِهِمَا فَمَا تَعَوَّذَ مُتَعَوِّذٌ بِمِثْلِهِمَا». رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وصححه الألباني، وَعَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ جَمَعَ كَفَّيْهِ ثُمَّ نَفَثَ فِيهِمَا فَقَرَأَ فيهمَا (قل هُوَ الله أحد) و(قل أعوذ بِرَبّ الفلق) و(قل أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ)، ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا مَا اسْتَطَاعَ مِنْ جَسَدِهِ يَبْدَأُ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ وَمَا أَقْبَلَ مِنْ جَسَدِهِ يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلَاث مَرَّات". متفق عليه.
- الرقية بعموم الآيات أو بما تناسب حال المصاب، كالرقية بآيات ذكر السحر وإبطاله على لمن كان مسحورًا، مثل قوله تعالى: (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ..) الآية، وقوله تعالى: (قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ . وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ)، وقوله سبحانه: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ . فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ . فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ . وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ . قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ . رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ)، وقوله: (وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى . فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى).
هذا ويجوز أن تقرأ الآيات على زيت الزيتون فإنه مبارك ويدهن به المريض، أو على عسل أو ماء ويشرب منه، أو يغتسل به، وكذلك إن وضع في الماء زهور أو أوراق من الشجر كورق السدر –النبق-.
وليحذر العبد من كل ما يخالف الشرع، وليعلم أن الله تعالى هو الشافي، وليأخذ بالأسباب دون الاعتقاد فيها، وليستبشر خيرًا ولا ييأس، ولا يذهب إلى السحرة بل يمقتهم ويعاديهم ويدعو عليهم مهما كان نوع السحر وإن زعموا صعوبته حتى وإن قالوا لا علاج له؛ فنحن نؤمن أن الله تعالى هو الشافي، وأنه لم ينزل داء إلا وأنزل له دواء، وأن مع العسر يسرًا ولن يغلب عسر يسرين، وأن في القرآن شفاء لكل داء، فيواظب على الفرائض والأذكار وتلاوة واستماع القرآن والأخذ بالأسباب حتى يشفى بإذن الله تعالى.
وقد يظن بعض الناس أنه يجوز حل السحر بسحر مثله من باب الضرورة، والحق أنه لا يجوز ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلمَ منع منه، ولو كان جائزًا لأذن فيه، ولأن القرآن والرقية الشرعية شفاء شرعي لكل داء فلا يجوز ترك المشروع للممنوع.
عَن جَابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النُّشْرَةِ فَقَالَ: «هُوَ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وصححه الألباني.
قال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى: وَالنَّشْرَةُ: حَلُّ السِّحْرِ عَنْ الْمَسْحُورِ، وَهِيَ نَوْعَانِ: حَلُّ سِحْرٍ بِسِحْرٍ مِثْلَهُ، وَهُوَ الَّذِي مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ؛ فَإِنَّ السَّحَرَ مِنْ عَمَلٍ فَيَتَقَرَّبُ إلَيْهِ النَّاشِرُ وَالْمُنْتَشِرُ بِمَا يُحِبُّ، فَيُبْطِلُ عَمَلَهُ عَنْ الْمَسْحُورِ، وَالثَّانِي: النَّشْرَةُ بِالرُّقْيَةِ وَالتَّعَوُّذَاتِ وَالدَّعَوَاتِ وَالْأَدْوِيَةِ الْمُبَاحَةِ، فَهَذَا جَائِزٌ، بَلْ مُسْتَحَبٌّ. انتهى من إعلام الموقعين.
وقال الشيخ حافظ بن أحمد الحكمي رحمه الله تعالى: أَمَّا حَلُّ السِّحْرِ عَنِ الْمَسْحُورِ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَيَحْرُمُ؛ فَإِنَّهُ مُعَاوَنَةٌ لِلسَّاحِرِ وَإِقْرَارٌ لَهُ عَلَى عَمَلِهِ, وَتَقَرُّبٌ إِلَى الشَّيْطَانِ بِأَنْوَاعِ الْقُرَبِ لِيُبْطِلَ عَمَلَهُ عَنِ الْمَسْحُورِ. انتهى من معارج القبول.
وبالله التوفيق.مع تحيات
اللجنة العلمية لملتقى الخطيب المؤثر أسد المنابر